×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة (23) : إن الله رؤف بالعباد

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

 الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، هو حق من حمد، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، أحمده سبحانه، لا أحصي ثناء عليه، أحمده وحمده موجب لعطائه، وعظيم إحسانه، بحمده يبلغ العبد تحقيق رضاه، فإن الله يرضى عن العبد، فيأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها، فله الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

فأهلا وسهلا، ومرحبا بكم...

أيها الأخوة والأخوات، حياكم الله في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها) هذا البرنامج الذي نتناول فيه أسماء الله عز وجل في كل حلقة ما يسر الله من أسمائه، نقف عند معانيها، ومدلولاتها، ونتلمس شيئا من آثار الإيمان بها.

هذه الحلقة سنتكلم فيها عن اسم الله تعالى [الرؤوف] وقد أخبر الله تعالى عن هذا الاسم في كتابه، في مواضع عديدة، وسنتلمس مواطن الذكر لنعرف أوجه رأفته سبحانه وبحمده ومعاني ذلك، وآثار ذلك في كلامه جل في علاه.

يقول الله جل في علاه : {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد}+++[البقرة:207]---  إنه رؤوف بجميع عبادة، بكل خلقه، لا يستثنى من ذلك شيء، رؤوف بالمؤمن والكافر، رؤوف بالطائع والعاصي، إن الله رؤوف بالعباد، يقول الله جل وعلا : {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم}+++[التوبة:117]---  هذه من المواضع التي ذكر الله تعالى فيها هذا الاسم في القرآن الكريم، أما السنة فقد جاء ذكر [الرؤوف] في الحديث المدرج، في قول النبي ﷺ: (إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة)+++سنن الترمذي (3507)--- فذكر النبي ﷺفي سرد الأسماء في الحديث المدرج، وهو حديث في ثبوته مقال، لكن ذكر فيه البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، فذكر فيه هذا الاسم ضمن الأسماء التي ذكرت في سرد أسماء الله تعالى.

[الرؤوف] مأخوذ من الرحمة، فهل هو شيء آخر غير الرحمة؟! من أهل العلم من يقول: إن الرأفة، والرحمة شيء واحد، لا فرق بينهما، وقيل بل الرأفة هي أعلى معاني الرحمة، ومنه ما ذكره ابن جرير- شيخ المفسرين - في تفسيره، قال: (والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا، وهي لبعضهم في الآخرة).+++تفسير الطبري (3/171)--- إذا الرأفة عامة لجميع الخلق في الدنيا لا يستثنى منها أحد، وهي في الآخرة لبعض عباد الله، وأوليائه، وأصفيائه.

إن رأفة الله تعالى في الدنيا ظاهرة، فالله تعالى سخر السموات، والأرض، والأنعام، وسائر ما في هذا الكون، كل ذلك برأفته، يقول الله تعالى في محكم كتابه: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} هذه نعمة من نعمه: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس} ثم بعد ذلك يذكر سر، وسبب هذا الإنعام: {إن ربكم لرءوف رحيم}+++[النحل:5: 7]--- أي هذا العطاء، وهذا المن، وهذه الجزالة في الإحسان، هي ثمرة رأفته جل وعلا بل الأمر أعظم من ذلك، سخر السموات، والأرض، وسخر ما فيهما لتحصيل مصالح الخلق، وذلك من رأفته، ورحمته، يقول الله تعالى : {ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم}+++[الحج:65]--- هذا كله من رأفته، وهذا كله من رحمته، وهذا كله من عظيم إحسانه بخلقه، إن رحمة الله في الخلق تبدو في كل معالم حياتهم، في سمائهم، وفي أرضهم، وفي ما يشاهدونه، وفي ما يسمعونه في أنفسهم، فإن رأفة الله بعباده وهي أعلى رحمته، بارزة ظاهرة، وهذه رحمة من رحماته، هي التي يحصل بها كل ما في الأرض من رحمة، هي جزء من مائة رحمة من رحماته: {الرحمن الرحيم} جل في علاه، وهو من رأفته سبحانه وتعالى بعباده، من رحمته جل في علاه بعبادة أن خلقهم، ولم يتركهم سدى هملا، لا يعرفون ربا، ولا يدركون كيف يصلون إليه، بل بعث إليهم رسلا يدلونهم عليه، ويعرفونهم به، ويعرفونهم بالطريق الموصل إليه، كما قال تعالى : {هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم}+++[الحديد:9]---  إن الله بكم أيها الناس لرؤوف رحيم، حيث بعث إليكم رسلا يعرفونكم به، ويدلونكم عليه، ويبينون لكم كيف تصلون إليه جل  في علاه، وكان ذلك كله من آثار رحمته، من رأفته بعباده جل في علاه، ولذلك ختم هذا الخبر، عن إنزال الآيات البينات على الرسل، بهذا القول: {وإن الله بكم لرءوف رحيم} إن من رحمة الله تعالى ورأفته بعباده، أن حذرهم نفسه، لأنه العالم بنفسه جل في علاه : {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا} هذا يوم القيامة: {وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} لماذا؟! لأن عاقبة تلك السيئات المؤاخذة في الآخرة، يقول الله جل وعلا : {ويحذركم الله نفسه} يحذرنا الله نفسه، لما له من صفات العلو، والعظمة، وهو العزيز، الجبار، المتكبر، هو الله الذي يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته: {ويحذركم الله نفسه}+++[آل عمران:30]--- {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم}+++[الحجر:49 :50]--- يحذرنا الله نفسه لما أعد لأهل المعصية، والإساءة من العقوبات الزاجرة، التي لا يدرك الناس حقيقتها، فهي عظيمة كبيرة، لا يتصورها إنسان لعظيم ما يكون فيها من الشدة، والألم: {ويحذركم الله نفسه} لأنه بكم رؤوف، ولذلك يقول الله جل وعلا : {ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد}+++[آل عمران:30]--- فمن رأفته أن حذرنا نفسه، قال الحسن البصري - رحمه الله -: (من رأفته بهم أي بالناس والعباد حذرهم نفسه).+++تفسير الطبري (6/321)--- وذاك لعلمه بما يقابله العباد إذا عصوه، وإذا خرجوا عن حدوده، إن الله تعالى قادر على أن ينزل بنا عقوباته، وأن يؤاخذنا عاجلا على سيئاتنا، لكن من رحمته أنه يفسح لنا المجال حتى نعود، لكنه مع هذا يدعونا إلى الحذر، وإلى عدم الأمن من أخذه، يقول جل وعلا : {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض} هل هناك أمان من أن يخسف الله تعالى بالمعاندين المكذبين؟ {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون* و يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف} يعني على حذر: {فإن ربكم لرءوف رحيم}+++[النحل:45: 47]--- هذا في غاية الروعة أن يبين لنا الله تعالى في هذا المقام مقام التهديد، أنه رؤوف رحيم، حتى نزجر، وأن نعلم أن هذا الإملاء، ليس عن عجز عن الأخذ، ولا عن عجز عن المعاجلة بالعقوبة، ولا عن عجز أن يحل بالعصاة، وأهل الكفر ما يستحقونه، إنما هو من رأفته، ورحمته جل وعلا بعباده، أن يملي لهم، لأجل أن يقيم الحجة عليهم، فمنهم من يستعتب، ويعود، ويتوب، ومنهم من يمضي في غيه، وطغيانه، فيستحق العذاب، عند ذلك على بينة وإعذار تام من الله جل وعلا إن من رحمته جل في علاه أن أرسل إلينا رسولا، وصفه في كتابه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم}+++[التوبة: 128]---  فكان من فضله على عباده، أن أرسل إليهم رسولا يبصرهم بالهداية، وهذا وصفه أنه في غاية النصح، وفي غاية الشفقة علينا، وفي غاية الحرص على أن يخفف عنا، وأن يأخذ بنا إلى الطريق الموصل إليه جل وعلا ثم إن من رأفته: {أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}+++[آل عمران: 195]--- كما قال تعالى في محكم كتابه: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي أعمالكم الصالحة، لماذا؟! {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم}+++[البقرة: 143]--- فمن رحمته بعباده أنه لا يضيع طاعة الطائعين، بل يقيدها جل في علاه ويحفظها لهم، ويبقيها لهم، فيدخرها لهم في ذلك اليوم الذي لا درهم فيه، ولا دينار، إنما فيه الحسنات، والسيئات، من رحمته ما يلقي في قلوب عباده، من رأفته ما يلقي في قلوب عباده من محبة الصالحين، وما يكون بينهم من ود، ورابطة تتجاوز المكان، والزمان، قال الله تعالى : {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}+++[مريم: 96]--- أي حبا في قلوب عباده، هذا ليس محصورا في زمان، ولا في مكان، بل هو متجاوز لكل زمان ومكان، لذلك جعل الله تعالى من صفات الذين يستحقون الفضل، والإحسان: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم}+++[الحشر: 10]---  فهذه الوشائج، والود، والمحبة، هي من ثمار رأفة الله تعالى بعباده، التي ألقاها في قلوب أوليائه، فأحبوا بها إخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، وسألوا الله أن ينزع من قلوبهم كل غل، فأولئك الذين يسبون الصحابة، ويتعرضون لرموز الأمة، وخيارها من الصحابة، من بعدهم، خلت قلوبهم من هذه الرأفة، ومن هذه الرحمة، ولذلك خلوا من هذا الوصف الذي ذكره الله تعالى في ذكر من يستحقون الفيء، ويستحقون الفضل من الله عز وجل إن رحمة الله تعالى بعبادة تقتضي توبته عليهم، وتقتضي عودتهم إليه: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم}+++[النور: 20]--- وهذا الفضل، وهذه الرحمة بها تستقيم الأعمال، فاسألوا الله من فضله، وتعرضوا إلى رأفته، فهو"الرؤوف الرحيم" إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم{فادعوه بها} أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:4101

 الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، هو حقُّ من حُمد، له الحمدُ في الأولى والآخرة وله الحكمُ وإليه ترجعون، أحمدهُ سبحانه، لا أحصي ثناءً عليه، أحمدهُ وحمده موجبٌ لعطائه، وعظيمِ إحسانه، بحمده يبلغُ العبدُ تحقيق رضاه، فإنّ الله يرضى عن العبد، فيأكل الأكلةَ فيحمدُه عليها، ويشربُ الشربةَ فيحمدُه عليها، فله الحمدُ كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمنُ الرحيم، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ الله ورسوله، صفيُّه وخليله، خِيرتُه من خلقه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، أمّا بعد:

فأهلاً وسهلاً، ومرحباً بكم...

أيها الأخوةُ والأخوات، حياكمُ الله في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (فادعوه بها) هذا البرنامج الّذي نتناولُ فيه أسماء الله ـ عزّ وجل ـ في كلِّ حلقةٍ ما يسَّر الله من أسمائه، نقفُ عند معانيها، ومدلولاتها، ونتلمّس شيئاً من آثار الإيمانِ بها.

هذه الحلقة سنتكلمُ فيها عن اسم الله ـ تعالى ـ [الرؤوف] وقد أخبر الله ـ تعالى ـ عن هذا الاسم في كتابه، في مواضع عديدة، وسنتلمّس مواطن الذكرِ لنعرف أوجه رأفته ـ سبحانه وبحمده ـ ومعاني ذلك، وآثارِ ذلك في كلامه جلّ في علاه.

يقول الله ـ جلّ في علاه ـ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:207]  إنه رؤوفٌ بجميع عبادة، بكل خلقه، لا يُستثنى من ذلك شيء، رؤوفٌ بالمؤمنِ والكافر، رؤوفٌ بالطائع والعاصي، إنّ الله رؤوفٌ بالعباد، يقول الله ـ جلّ وعلا ـ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:117]  هذه من المواضع التي ذكر الله ـ تعالى ـ فيها هذا الاسم في القرآنِ الكريم، أمّا السنة فقد جاء ذكرُ [الرؤوف] في الحديث المدرج، في قول النبي ﷺ: (إنّ لله تسعةً وتسعينَ اسماً، من أحصاها دخل الجنة)سنن الترمذي (3507) فذكر النبيُ ﷺفي سردِ الأسماء في الحديث المدرج، وهو حديثٌ في ثبوته مقال، لكن ذُكرَ فيه البرُّ، التوابُ، المنتقمُ، العفو، الرؤوف، فذكر فيه هذا الاسم ضمن الأسماء التي ذُكرت في سردِ أسماء الله تعالى.

[الرؤوف] مأخوذ من الرحمة، فهل هو شيءٌ آخر غير الرحمة؟! من أهل العلم من يقول: إنَّ الرأفةَ، والرحمةَ شيءٌ واحد، لا فرقَ بينهما، وقيل بل الرأفةُ هي أعلى معاني الرحمة، ومنه ما ذكره ابن جرير- شيخ المفسرين - في تفسيره، قال: (والرأفةُ أعلى معاني الرحمة، وهي عامَّةٌ لجميع الخلقِ في الدنيا، وهي لبعضهم في الآخرة).تفسير الطبري (3/171) إذاً الرأفة عامة لجميع الخلق في الدنيا لا يُستثنى منها أحد، وهي في الآخرة لبعضِ عبادِ الله، وأوليائه، وأصفيائه.

إنّ رأفة الله ـ تعالى ـ في الدنيا ظاهرة، فالله ـ تعالى ـ سخر السمواتِ، والأرض، والأنعام، وسائر ما في هذا الكون، كل ذلك برأفته، يقول الله ـ تعالى ـ في مُحكمِ كتابه: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} هذه نعمة من نِعمه: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} ثم بعد ذلكَ يذكر سرّ، وسبب هذا الإنعام: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النحل:5: 7] أي هذا العطاء، وهذا المنّ، وهذه الجزالة في الإحسان، هي ثمرة رأفته ـ جلّ وعلا ـ بل الأمر أعظم من ذلك، سخر السموات، والأرض، وسخر ما فيهما لتحصيل مصالح الخلق، وذلك من رأفته، ورحمته، يقول الله ـ تعالى ـ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحج:65] هذا كله من رأفته، وهذا كله من رحمته، وهذا كله من عظيمِ إحسانه بخلقه، إنّ رحمةَ الله في الخلقِ تبدو في كل معالم حياتهم، في سمائهم، وفي أرضهم، وفي ما يشاهدونه، وفي ما يسمعونه في أنفسهم، فإنّ رأفة الله بعباده وهي أعلى رحمته، بارزة ظاهرة، وهذه رحمة من رحماته، هي التي يحصلُ بها كل ما في الأرضِ من رحمة، هي جزءٌ من مائة رحمة من رحماته: {الرحمنِ الرحيم} جلّ في علاه، وهو من رأفته ـ سبحانه وتعالى ـ بعباده، من رحمته ـ جلّ في علاه ـ بعبادة أن خلقهم، ولم يتركهم سُدى هملاً، لا يعرفون رباً، ولا يدركون كيف يصلونَ إليه، بل بَعثَ إليهم رُسلاً يدلونَهم عليه، ويعرّفونهم به، ويعرّفونهم بالطريق الموصل إليه، كما قال ـ تعالى ـ: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحديد:9]  إنّ الله بكم أيها الناس لرؤوفٌ رحيم، حيثُ بَعثَ إليكم رُسلاً يعرّفونكم به، ويدُّلونكم عليه، ويبيّنونَ لكم كيف تصلون إليه جلّ  في علاه، وكان ذلك كله من آثارِ رحمته، من رأفته بعباده جلّ في علاه، ولذلكَ ختم هذا الخبر، عن إنزالِ الآيات البيّنات على الرسل، بهذا القول: {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} إنّ من رحمة الله ـ تعالى ـ ورأفته بعباده، أن حذرهم نفسه، لأنه العالم بنفسه ـ جلّ في علاه ـ: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} هذا يوم القيامة: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} لماذا؟! لأنّ عاقبة تلكَ السيئات المؤاخذة في الآخرة، يقولُ الله ـ جلّ وعلا ـ: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} يحذِّرُنا الله نفسه، لما له من صفاتِ العلوِّ، والعظمةِ، وهو العزيز، الجبّار، المتكبّر، هو الله الّذي يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران:30] {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}[الحجر:49 :50] يحذِّرنا الله نفسه لما أعدّ لأهلِ المعصية، والإساءةِ من العقوباتِ الزاجرة، التي لا يدركُ الناسُ حقيقتها، فهي عظيمة كبيرة، لا يتصوّرها إنسانٌ لعظيمِ ما يكون فيها من الشدة، والألم: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} لأنه بكم رؤوف، ولذلك يقول الله ـ جلّ وعلا ـ: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران:30] فمن رأفته أن حذّرنا نفسه، قال الحسن البصري - رحمه الله -: (من رأفته بهم ـ أي بالناسِ والعباد ـ حذّرهم نفسه).تفسير الطبري (6/321) وذاكَ لعلمه بما يقابلُه العباد إذا عصوه، وإذا خرجوا عن حدوده، إنّ الله ـ تعالى ـ قادرٌ على أن ينزِلَ بنا عقوباته، وأن يؤاخذنا عاجلاً على سيئاتنا، لكن من رحمته أنه يفسح لنا المجال حتى نعود، لكنّه مع هذا يدعونَا إلى الحذر، وإلى عدم الأمن من أخذه، يقول ـ جلّ وعلا ـ: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ} هل هناك أمان من أن يخسف الله تعالى بالمعاندين المكذبين؟ {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ* وْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} يعني على حذر: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النحل:45: 47] هذا في غاية الروعة أن يُبيّن لنا الله ـ تعالى ـ في هذا المقام مقام التهديد، أنه رؤوفٌ رحيم، حتى نزجر، وأن نعلم أنّ هذا الإملاء، ليس عن عجزٍ عن الأخذ، ولا عن عجزٍ عن المعاجلة بالعقوبة، ولا عن عجزٍ أن يَحلّ بالعصاةِ، وأهلِ الكفرِ ما يستحقونهُ، إنّما هو من رأفته، ورحمته ـ جلّ وعلا ـ بعباده، أن يُملي لهم، لأجلِ أن يُقيمَ الحجةَ عليهم، فمنهم من يستعتب، ويعود، ويتوب، ومنهم من يمضي في غيّه، وطغيانه، فيستحقُّ العذاب، عند ذلك على بيّنةٍ وإعذَارٍ تامٍ من الله ـ جلّ وعلا ـ إنّ من رحمته ـ جلّ في علاه ـ أن أرسلَ إلينا رسُولاً، وصفهُ في كتابه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 128]  فكان من فضله على عباده، أن أرسلَ إليهم رسولاً يُبصِّرُهم بالهداية، وهذا وصفه أنه في غاية النصح، وفي غاية الشفقة علينا، وفي غاية الحرص على أن يُخفف عنّا، وأن يأخذ بنا إلى الطريق الموصل إليه ـ جلّ وعلا ـ ثم إنَّ من رأفته: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}[آل عمران: 195] كما قال تعالى في مُحكمِ كتابه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي أعمالكم الصالحة، لماذا؟! {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[البقرة: 143] فمن رحمته بعباده أنه لا يضيعُ طاعة الطائعين، بل يُقيّدُها ـ جلّ في علاه ـ ويحفظها لهم، ويُبقيها لهم، فيدّخرها لهم في ذلكَ اليومِ الّذي لا درهمَ فيه، ولا دينار، إنّما فيه الحسنات، والسيئات، من رحمته ما يُلقي في قلوبِ عباده، من رأفته ما يُلقي في قلوبِ عباده من محبةِ الصالحين، وما يكونُ بينهم من ودٍّ، ورابطةٍ تتجاوز المكان، والزمان، قال الله ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم: 96] أي حُبّا في قلوبِ عباده، هذا ليس محصوراً في زمان، ولا في مكان، بل هو متجاوز لكلِّ زمانٍ ومكان، لذلك جعل الله ـ تعالى ـ من صفاتِ الّذين يستحقُّونَ الفضلَ، والإحسان: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر: 10]  فهذه الوشائج، والودّ، والمحبة، هي من ثمار رأفة الله ـ تعالى ـ بعباده، التي ألقاها في قلوبِ أوليائه، فأحبُّوا بها إخوانهم الّذينَ سبقوهم بالإيمان، وسألُوا الله أن ينزِعَ من قلوبهم كُلَ غلٍّ، فأولئِكَ الّذين يسبّون الصحابة، ويتعرضون لرموزِ الأُمةِ، وخيارها من الصحابةِ، من بعدهم، خلت قلوبهم من هذه الرأفة، ومن هذه الرحمة، ولذلك خلوا من هذا الوصف الّذي ذكره الله ـ تعالى ـ في ذكرِ من يستحقُّون الفيءَ، ويستحِقونَ الفضلَ من الله ـ عزّ وجل ـ إنَّ رحمةَ الله ـ تعالى ـ بعبادة تقتضي توبته عليهم، وتقتضي عودتهم إليه: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النور: 20] وهذا الفضل، وهذه الرحمة بها تستقيمُ الأعمال، فاسألوا الله من فضله، وتعرضُوا إلى رأفته، فهو"الرؤوفُ الرحيم" إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم{فادعوه بها} أستودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91537 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87249 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف