×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة غزوة الأحزاب دروس وعبر

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:7712

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالنِا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لُهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنونَ كَما أَمَرَكُمُ اللهُ - تَعَالَى - بِذلِكَ فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102، تَقْوَى اللهِ يَدْفَعُ اللهُ - تَعَالَى - بِها عَنِ النَّاسِ مِنَ الشُّرُورِ ما لا يَظُنُّونَ، وَما لا يَعْلَمُونَ، وَما لا يَتَوَقَّعُونَ، وَيَجْلِبُ لَهُمْ مِنَ الخَيْرِ ما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ حِسابٌ، وَلا هُوَ مِنْهُمْ عَلَى بالٍ، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِالأعراف:96.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالِحينَ يا رَبَّ العالمينَ، بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرِّسالاتِ، وَانْقطاعٍ مِنَ الهِداياتِ، جاءَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدعا قَوْمَهُ إِلَى عِبادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، دَعاهُمْ إِلَى طِيبِ الأَخْلاقِ، وَكَرِيمِ الأَعْمالِ، وَنَهاهُمْ عَنِ الرَّذائِلِ وَالفَواحِشِ وَالشُّرُورِ وَما فِيهِ ضُرُّ النَّاسِ في دُنْياهُمْ وَأُخْراهُمْ، فاسْتَجابَ لَهُمْ مَنِ اسْتَجابَ، وَجَرَتْ سُنَّةُ اللهِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدْوٌ مِنَ الإنْسِ وَالجِنِّ، فَتَصَدَّى لِرَسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ ابْتِداءً بِعَمِّهِ وَسائِرِ قَوْمِهِ، فَكَذَّبُوهُ وَعارَضُوهُ وَآذَوْهُ، وَحاصَرَوهُ حَتَّى أَذِنَ لَهُ اللهُ - جَلَّ وَعَلا - بِالهِجْرَةِ وَالخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المدِينَةِ، أَقامَ فِيها ما شاءَ اللهُ، ثُمَّ كانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ مِنَ القِتالِ ما أَظْهَرَهُ اللهُ - تَعَالَى - وَنَصَرَهُ في غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَلَمْ يَتْرُكُوهُ، فَجاؤُوهُ في السَّنَةِ التَّالِيَةِ فَي غَزْوَةِ أُحُدٍ، فَأُصِيبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ بِشَيْءٍ عَظِيمٍ مِنَ الإِصْابَةِ.

ثُمَّ عادَ الَّذِينَ كَفَرُوا ثالِثَةً بَعْدَ أَنْ أَلَّبَهُمْ اليَهُودُ في غَزْوَةِ الأَحْزابِ في السَّنَةِ الخَامِسَةِ مِنَ الهِجْرَةِ، فَإِنَّ اليَهُودَ لما رَأَوْا انْكِسارَ المسْلِمينَ في أُحُدٍ طَمِعُوا أَنْ يَسْتَأصِلُوا شَأْفَتَهُمْ، وَأَنْ يَئِدُوا هَذا الخَطَرَ الَّذِي دَاهَمَهُمْ وَأَتَى إِلَى حاضِرَتِهِمْ، فَعَمِلُوا عَلَى تَأْلِيبِ العَرَبِ، وَجَمْعِهِمْ مِنْ كُلِّ صَقْعٍ وَمكانٍ عَلَى أَنْ يُقاتِلُوا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَلَى أَنْ يَسْتَأْصِلُوا ما جاءَ بِهِ مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، فاجْتَمَعَ الأَحْزابُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ، جَاءَتْ قُرَيْشُ وَأَحْلافُها، وَجاءَتْ غَطَفانُ وَتَمِيمُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ قَبائِلِ العَرَبِ، الأَحْزابِ الَّتي قالَ اللهُ - تَعَالَى - في وَصْفِها: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاالأحزاب:10.

أَشارَ سَلْمانُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما تسامَعُوا بِمُقَدَّمِ هَؤُلاءِ وَمَجِيئِهِمْ لِقِتالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحابِهِ، أَشارَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ خَنْدَقًا يَحْمِي بِهِ المدِينَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيِهِ، فَأَمَرَ بِحَفْرِ الخَنْدَقِ في شَمالي المدِينَةِ، فَحَفَرَهُ أُصْحابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكانَ مَعَهُمْ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كانَ يَحْفُرُ مَعَهُمْ، وَكَانُوا في حَفْرِهِمْ يَرْتَجِزُونَ بِفَضْلِ اللهِ عَلَيْهِمْ وَنِعْمَتِهِ فَيَقُولُونَ:

وَاللهِ لَوْلا أَنْتَ ما اهْتَدَيْنا***وَما تَصَدَّقْنا وَما صَلَّيْنا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنا****وَثَبِّتِ الأَقْدامَ إِنْ لاقَيْناالبُخارِيُّ(4106), وَمُسْلِمٌ(1803).

فَتَمَّ ذاكَ عَلَى نَحْوٍ كانَ فِيهِ مِنَ الآياتِ وَالعِبَرِ ما أَظْهَرَ فِيهِ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لِلمُؤْمِنينَ صِدْقَ ما أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ الكَرِيمُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَصابَهُمْ في غَزْوَةِ الخَنْدَقِ مِنَ الجُوعِ وَالخَوْفِ ما ذَكَرَ اللهُ – تَعَالَى - في كِتابِهِ، وَكانَ مِنْ آياتِ – تَعَالَى - في الخَنْدَقِ ما قَصَّهُ جابِرٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانَ يَحْفُرُ مَعَ أَصْحابِهِ الخَنْدَقَ، فعَرَضَتْ لَهُمْ صَخْرَةٌ لَمْ تَأْخُذُ فِيها المعاوِلُ، فَجاءُوا إِلَيْهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرُوهُ بِشَأْنِها، فَقالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنا نازِلْ، ثُمَّ قامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ مِنَ الجُوعِ»؛ هَذَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، هَذا الَّذِي لَوْ شاءَ أَجْرَى اللهُ - تَعَالَى - مِنْ تَحْتِهِ الأَنْهارَ، وَحَوَّلَ لَهُ الجِبالَ ذَهَبًا كانَ قَدْ رَبَطَ بَطْنَهُ مِنَ الجُوعِ بِحَجَرٍ، وَافَقَ أَصْحابَهُ، وَكانَ مَعَهُمْ في السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالعُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمنْشَطِ وَالمكْرَهِ رَاضِيًا بِقَضاءِ اللهِ - تَعَالَى -، اخْتارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا عَلَى أَنْ يَكُونَ مَلِكًا رَسُولًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَضَرَبَ - صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحَجَرَ،  وَهُوَ في شِدَّةِ الضَّعْفِ عَلَى ما وَصَفَ جابِرٌ مِنْ أَنَّهُ قَدْ رَبَطَ عَلَى بَطْنهِ حَجرًا مِنَ الجُوعِ، وَالجُوعُ يُؤَثِّرُ في القُوَى، «فانْثَلَمَ ثُلُثُها، فَقالَ: اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ ضَرَبَ ثانِيَةً. فَقالَ: اللهُ أَكْبَرُ، حَتَّى زالَتْ، وَزالَ ما أَعاقَهُمْ في حَفْرِ الخَنْدَقِ»، يَقُولُ جابِرٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَقَدْ بَشَّرَ في ضَرباتِهِ بِفَتْحِ صَنْعاءَ، وَبِفَتْحِ المدائِنِ، وَبِفَتْحِ الرُّومِ، كُلُّ ذَلِكَ في هَذا الظَّرْفِ العَصِيبِ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْداؤُهُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ؛ مِنَ الدَّاخِلِ وَالخارِجِ، مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَحْلافِها، وَسائِرِ العَرَبِ، وَاليَهُودِ، بَلْ وَكَذَلِكَ المنافِقُونَ الَّذِينَ أَظْهَرَ اللهُ خَبايا قُلُوبِهِمْ، وَكَنائِنِ نُفُوسِهِمْ مِنَ الحِقْدِ عَلَى هَذا الدِّينِ، وَالتَّرُبُّصِ بِهِ.

قالَ جابِرٌ رَضِي اللهُ عَنْهُ: «ما رَأَيْتُ ما رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الجُوعِ، وَشِدَّةِ الحاجَةِ، ذَهَبْتُ إِلَى بَيْتِي فَقُلْتُ لِزَوْجَتِي: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقالَتْ: عِنْدَنا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَعَناقٌ، فَأَمَرَ بِالعَناقِ؛ ـ وَهُوَ الماعِزُ الصَّغِيرُ ـ أَنْ يَذْبِحَ، وَأَمَرَ بِالشَّعِيرِ أَنْ يُعَدَّ، فَقالَتْ: انْطَلِقْ ادْعُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَجُلًا، أَوْ رَجُلَيْنِ، فَجاءَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُ أَهْلُ الخَنْدَقِ جَمِيعًا، لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهِمُ أَحَدٌ عَلَى هَذا العنَاقِ اليَسِيرِ وَالشَّعِيرِ القَلِيلِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَما يَقُصُّ جابِرٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَلَى هَذا النَّحْوِ مِنَ القِلَّةِ، يَقُولُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: حَتَّى جَعَلْنا اللَّحْمَ بِالقِدْرِ، فَجاءَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ المهاجِرينَ وَالأَنْصارَ، ثُمَّ دَخَلَ، وَقالَ: ادْخُلُوا وَلا تَزاحَمُوا، فَجَعَلَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْسِرُ مِنَ الخُبْزِ وَيَجْعَلُ فِيهِ شَيْئًا مِنَ اللَّحْمِ فَما زالَ كَذَلِكَ حَتىَ شَبِعَ المهاجِرُونَ وَالأَنْصارُ وبَقِيَ بَقِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الطَّعامِ، فَقالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلمَرْأَةِ وَأَهْلِ البَيْتِ: كُلي هَذا وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصابَتْهُمْ مَجاعَةٌ«أَصْلُهُ القَصِّةُ أَخْرَجَها: البُخارِيُّ(4101), و(4102), وَمُسْلِمٌ(2039), وَمُسْنَدُ أَحْمَدَ(14211) .

فَكانَ مِنْ هَذا الحَدَثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ مِنَ البَشائِرِ وَالتَّثْبِيتِ لأَهْلِ الإِيمانِ، ما انْشَرَحَتْ بِهِ صُدُورُهُمْ، ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًاالأحزاب:22.

اجْتَمَعَتْ جَحافِلُ الكُفْرِ حَوْلَ المدِينَةِ، وَضَيَّقُوا عَلَيْها الخِناقَ، اشْتَدَّتْ الحالُ بِالمسْلِمينَ وَعَظُمَ عَلَيْهِمُ الكَرْبُ، وَزادَ الأَمْرُ أَنَّ يَهُودَ بَنِي قُرَيْظَةَ نَقَضُوا العَهْدَ مَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعادَتِهِمْ وَشَأْنِهِمْ في عُهُودُهِمْ وَمَواثِيِقِهِمْ، فَضاقَ الأَمْرُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحابُهُ كَما وَصَفَ اللهُ جَلَّ وَعَلا: ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْالأَحْزابُ:10؛ يَعْنِي لأَحْزابِ قُرَيْشٍ وَمَنْ مَعَها، ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْالأحزاب:10؛ يَعْنِي اليَهُودَ الَّذِينَ نَقَضُوا العَهْدَ، ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)الأَحْزاب:10 - 11؛ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ زِلْزالَ أَرْضٍ، وَحَرَكَةَ بُنْيانٍ، إِنَّما هُوَ زِلْزالُ قُلُوبٍ يُمَحِّصُ اللهُ بِها المؤْمِنُ مِنْ غَيْرِهِ، الصَّادِقُ مِنْ غَيْرِهِ لِيَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مَن الطَّيِّبِ.

وَمَعَ شِدَّةِ الكَرْبِ ما كانَ مِنَ المؤْمِنينَ إِلَّا أَنْ ثَبَتُوا، فَقالُوا: ﴿هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًاالأحزاب:22، أَمَّا المنافِقُونَ فَقالُوا: ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًاالأحزاب:12؛ أَيْ: غَرَّنا اللهُ وَرَسُولُهُ بِما أَخْبَرنا بِهِ مِنَ الفُتُوحِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ.

حاصَرَ المشْرِكُونَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتالٌ يُذْكَرُ لأَجْلِ ما حالَ اللهُ - تَعَالَى - بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَعْدائِهِمْ مِنَ الخَنْدَقِ، فَلَمَّا طالَ عَلَى المسْلِمينَ الخَطْبُ أَرادَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصالِحَ الكُفَّارَ، إِلَّا أَنَّ الصَّحابَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - لاسِيَّما الأَنْصارُ أَبَوْا ذَلِكَ، لماَّ شاوَرَهُمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكانَ مِنْ بَدِيعِ صُنْعِ اللهِ - تَعَالَى - أَنَّ امْرأً مِنَ المشْرِكِينَ يُقالُ لَهُ: نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ، كانَ مِنْ غَطَفانَ مِمَّنْ جاءَ لِقِتالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْقَى اللهُ في قَلْبِهِ الإيمانَ، فَجاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا، فَقالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ فَمُرْنِي بِما شِئْتَ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ: «إِنَّما أَنْتَ فِينا رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَخَذِّلْ عَنَّا ما اسْتَطَعْتَ، فَإِنَّ الحَرْبَ خَدْعَةٌ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ في تَهْذِيبِ الآثارِ /مُسْنَدُ عَلَيٍّ(3/130)ح(214), وَالبَيْهَقِيُّ في دَلائِلِ النُّبُوَّةِ (2/446) وَقَوَّاهُ الدُّوِيشُ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ, وَتَعَقَّبَهُ الأَلْبانِيُّ. يُنْظَرُ: الضَّعِيفَةُ لِلأَلْبانِيِّ(3777) ، فَأَوْقَعَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بَيْنَ اليَهُودِ وَالأَحْلافِ، وَالأَحْزابِ مِنَ العَرَبِ، بِما فَتَحَ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِ مِنَ المكْرِ وَالخَدِيعَةِ، فَتَخاذَلَ الفَرِيقانِ، وَبَدَأَتْ علاماتُ الشِّقاقِ والخِلافِ بَيْنَ اليَهُودُ وَبَيْنَ الأَحْزابِ.

وَكانَ مِنْ أَعْظَمِ ما هَيَّأَ اللهُ - تَعَالَى - لأَهْلِ الإِسْلامِ في تِلْكَ الوَقْعَةِ جْنُدٌ مِنَ الرِّيحِ أَرْسَلَها اللهُ عَلَى الأَحْزابِ، فَقَوَّضَتْ خِيامَهُمْ، وَخَرَّبَتْ بُنْيانَهُمْ، فَلَمْ تَدَعْ لَهُمْ قِدْرًا إِلَّا كَفَأَتْهُ، وَلا طَنَبًا إِلَّا قَلَعَتْهُ، وَأَرْسَلَ اللهُ - تَعَالَى - عَلَيْهِمُ الملائِكَةَ فَأَلْقَوْا في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، أَلْقَوْا في قُلُوبِهِمُ الخَوْفَ، فَلَّما بَلَغَ الأَمْرُ مَبْلَغَهُ بِقُرَيْشٍ صاحَ فِيهِمْ أَبُو سُفْيانَ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاللهَ ما أَصْبَحْتُمْ بِدارِ مَقامٍ. ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًاالأحزاب:25.

لَمْ يَرُدَّ اللهُ - تَعَالَى - الأَحْزابَ بِقِتالٍ كانَ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَهُمْ، إِنَّما رَدَّهُمْ بِما هَيَّأَ مِنْ رِيحٍ أَقْلَقَتْهُمْ، وَخَدِيعَةٍ قَوَّضَتْ ائْتِلافَهُمْ وَاجْتِماعَهُمْ، وَبِخَوْفٍ أَلْقاهُ اللهُ - تَعَالَى - في قُلُوبِهِمْ، فَرَجَعَ هَؤُلاء خائِبينَ خاسِرينَ لَمْ يَنالُوا خَيْرًا، وَكَفَى اللهُ المؤْمِنَين القِتالَ، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَيوسف:21.

أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

***

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ كَما يُحِبُّ رَبُّنا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، وَاعْتَبِرُوا بِما في الكِتابِ الحَكِيمِ مِنَ الآياتِ وَالعِبَرِ وَالقَصَصِ وَالخَبَرِ؛ فَإِنَّ فِيهِ ما يَنْفَعُ المؤْمِنَ وَيَهْدِيهِ إِلَى كُلِّ طَرِيقٍ قَوِيمٍ جَلَّ فِي عُلاهُ: ﴿إِِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُالإسراء:9.

إِنَّ قَصَصَ القُرْآنِ فِيما ذَكَرَهُ اللهُ - تَعَالَى - مِنْ أَخْبارِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، أَخْبارُ الأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَما جَرَى لِصَدْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الأَخْبارِ فِيهِ مِنَ العِبَرِ ما يَنْبَغِي لأَهْلِ الإيمانِ أَنْ يَقِفُوا عِنْدَهُ وَيَعْتَبِرُوا، إِنَّ اللهَ ذَكَرَ في كِتابِهِ مُفَصَّلًا ثَلاثَ غَزَواتٍ مِنْ غَزَوات النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ذَكَرَ بَدْرًا وَما جَرَى فِيها، وَذَكَرَ أُحُدًا وَما وَقَع َفِيها، وَذَكَر َالأَحْزابَ وَما حدَثَ فِيها؛ وَذاكَ أنَّ هَذِهِ الغَزواتِ الثَّلاثِ كانَتْ فاصِلَةً في ظُهُورِ الإِسْلامِ، وَفِي أَحْداثِها وَوَقائِعِها، وَهِيَ نِبراسٌ للِأُمَّةِ في كُلِّ ما يَنْزِلُ بِها مِنَ الضَّوائِقِ، وَفي كُلِّ ما يُحِيطُ بِها مِنَ الأَحْوالِ، فَإِنَّ اللهَ - تَعَالَى - بيَّن فِيها مِنْ أَسْبابِ النَّصْرِ وَعوامِلِ الظَّفَرِ وَمَخارِجِ المؤْمِنينَ مِنَ المضائِقِ وَالمصاعِبِ ماَ يَنْبَغِيِ أنْ يَعْتَبِرَ بِهِ المعْتَبِرُونَ، وَيَقِفُ عِنْدُه المؤْمِنُونَ اعْتِبارًا وادِّكارًا.

أَيُّها المؤْمِنُونَ، إِنَّ هَذا الدِّينَ لَمْ يَقُمْ بِحِمايَتِهِ أَحَدٌ مِنَ الخَلْقِ، إِنَّهُ دِينُ رَبِّ العالمينَ الَّذِي تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ وَنَصْرِهِ عَلَى مَرِّ العُصُورِ، وَلَوْ أَوْكَلَ اللهُ الدِّينَ لِلبَشَرِ أَنْ يَحْفَظُوهُ لَضاعَ كَما ضاعَتِ الدِّياناتُ السَّابِقَةُ؛ فَاليَهُودُ وَالنَّصارَىَ أَوْكَلَ اللهُ إِلَيْهِمْ حِفْظَ كِتابِهم وَحِفْظَ دِينِهِمْ، فَضاعَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءُ إِلَّا ما قلَّ وَوافَقَهُ القُرْآنُ، هَذا الدِّينُ تَكَفَّلَ اللهُ بِحِفْظِهِ بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَهُ عَلَى الوَجْهَ الَّذي يَرْضَاهُ، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًاالمائدة:3، تَكَفَّلَ اللهُ بِحِفْظِهِ فَقالَ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَالحجر:9، ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَالتوبة:32.

فَدِينُ اللهِ مَنْصُورٌ، وَهُوَ ظاهِرٌ بِلا شَكٍّ، وَلا رَيْبَ، وَإِنَّما الامْتِحانُ لِلخَلْقِ، هُوَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ ناصِري دِينِ اللهِ وَفْقَ ما يَسْتَطِيعُونَ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي يَرْضاهُ اللهُ - جَلَّ وَعَلا -، فالدِّينُ مَحْفُوظٌ بِكَ أَوْ بِغَيْرِكَ، فَكُنْ فائِزًا بِحِفْظِ هَذا الدِّينِ، حِفْظُهُ إِنَّما يَكُونُ بِالعَمَلِ بِهِ، وَاليَقِينُ بِصِدْقِهِ، وَمُمَارَسَتُهُ في الواقِعِ، وَنَشْرُهُ بَيْنَ الخَلْقِ، وَالذَّبُّ عَنْهُ وَالدِّفاعُ ما اسْتَطَعْتَ، لا سِيَّما في زَمَنٍ كَثُرَ فِيهِ المتُسَوِّرُونَ عَلَى الدِّيانَةِ، المعْتَدُونَ عَلَى شَرِيعَةِ رَبِّ العالمينَ بِالتَّشْبِيهِ وَالتَّشْكِيكِ، وَالتَّزْوِيِرِ وَالتَّبْدِيلِ، وَالتَّغَيّيرِ، وَالتَّحْرِيفِ، لا يُمْكِنُ أَنْ يُحْفَظَ الدِّينُ إِلَّا بِصِدْقٍ في العَمَلِ، وَصِدْقِ في العِلْمِ؛ فَإِنَّ نَشْرَ العِلْمِ النَّافِعِ وَنَشْرَ العَمَلِ الصَّالِحِ بَيْنَ النَّاسِ بِهِ تُحْفَظُ الشَّرائِعُ، وَبِهِ تَقُومُ أَعْلامُها، وَبِهِ تَنْتَشِرُ الهِدايَةُ بَيْنَ النَّاسِ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ دِينَ اللهِ مَنْصُورٌ وَمَحْفُوظٌ، لَكِنَّ هَذا لا يَعْنِي أَنْ نَتَخَدَّرَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْنا تِجاهَ دِينِنا مِنْ نَصْرِ اللهِ وَنَصْرِ دِينِهِ،  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْمحمد:7.

فَلا بُدَّ مِنْ بَذْلِ الممْكِنِ المسْتَطاعِ مِنْ نَصْرِ الدِّينِ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ وَطاقَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لا يَحْمِلَ الإِنْسانُ هَمَّ بَقاءِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ، هَمَّ بَقاءِ الحَقِّ، فَإِنَّ الحَقَّ باقٍ في الخَلْقِ، «لا تَزالُ طائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظاهِرينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خالَفَهُمْ، وَلا مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهَمْ عَلَى ذَلِكَ»البُخارِيُّ(71), وَمُسْلِمٌ(1037)مِنْ حَدِيثِ مُعاوِيَةَ.وَعَنْ جابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ(156), وَعَنْ ثَوْبانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ (1920) ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ .

النُّفُوسُ تَرْتابُ، وَقَدْ يَعْتَرِيها نَوْعٌ مِنَ الظَّنَّ وَالشَّكِّ عِنْدَما يَتَكالَبُ أَعْداءُ الملَّةِ عَلَيْها، وَنَحْنُ في زَمانٍ تَكالَبَ عَلَيْنا أَعْداؤُنا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؛ مِنَ الخارِجِ المناوِئِ المعُادِي، وَمِنَ الدَّاخِلِ في المنافِقِينَ الموافِقينَ لَهُمْ في عَداوَتِهِمْ لِلدِّينِ وَالتَّرَبُّصِ بِأَهْلِهِ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَدْحُورٌ لا وَزْنَ لَهُ وَلا قِيمَةَ عِنْدما نَكُونُ صادِقِينَ في التَّمَسُّكِ بِالحَقِّ، وَالعَمَلِ بِهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَالثَّباتِ عَلَيْهِ، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَيوسف:21، ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُيوسف:100.

فَاللهُ - تَعَالَى - حَكِيمٌ لَطِيفٌ يُبَلِّغُ الأُمُورَ بِدَقائِقَ وَخَفايا لا يَعْلَمُها النَّاسُ، فَنَسْأَلُ اللهَ العَظِيمَ رَبَّ العَرْشِ الكَرِيمِ أَنْ يَكْتُبَ لِلأُمَّةِ نَصْرًا في كُلِّ مَكانٍ.

اللَّهُمَّ انْصُرْ أَهْلَ الإِسْلامِ في كُلِّ مَكانٍ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَ المسْلِمينَ بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ، اللَّهُمَّ احْفَظْنا بِحِفْظِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ إِخْوانِنا في غَزَّةَ وَفي سُورِيَّا وَفي العِراقِ، وَفي سائِرِ البُلْدانِ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ أَهْلَ الِإسْلامِ، انْصُرْ مَنْ في نَصْرِهِ عِزُّ الإِسْلامِ وَالمسْلِمينَ، يا رَبَّ العالمينَ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ. اللَّهُمَّ احْفَظْ هَذهِ البِلادَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اللَّهُمَّ مَنْ تَرَبَصَّ بِها، وَسَعَى فِيها بِفَسادٍ، أَوْ شَرٍّ، فَرُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ، اللَّهُمَّ اكْفِ المسْلِمِينَ شَرَّهُ، اللَّهُمَّ رُدَّ ضالَّ المسْلِمينَ إِلَى الهُدَى وَالحَقِّ، وَاكْفِ المسْلِمينَ شَرَّهُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ؛ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91420 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87222 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف