×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة : فتش قلبك

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4717

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَمِنْ سَيَّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعالَى خَلَقَكُمْ لِتَقْواهُ، وَأَوْصَى بِذَلِكَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَقَدْ وَعَدَكُمْ عَلَى التَّقْوَى عَظِيمَ الأَجْرِ، وَكَبِيرَ الفَضْلِ، وَسَعادَةَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَالزمر:61 ، ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ 62  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَيونس:63 ، الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحِينَ يا رَبَّ العالمينَ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, خَلَقَ اللهُ تَعالَى الشَّمْسَ وَالقَمَرَ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آياتٍ وَعِظاتٍ وَتَنْبِيهاتٍ، لِحَكَمٍ عَدِيدَةٍ، وَفَوائِدَ كَثِيرَةٍ ذَكَرها اللهُ تَعالَى مَنْثُورَةً في كِتابِهِ الحَكِيمِ؛ ذَكَرَها جَلَّ في عُلاهُ دَالَّةً عَلَى عَظِيمِ إِتْقانِهِ، وَكَبِيِرِ صُنْعِهِ، وَأَنَّهُ الحَكِيمُ الخَبِيرُ سُبْحانَهُ وَبِحَمْدِهِ.

وَإِنَّ مَنْ نَظَرَ في تِلْكَ الآياتِ، وَاعْتَبَرَ في تَعاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَفي سَيْرِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَسائِرِ الكَواكِبِ وَالأَفْلاكِ رَأَىَ مِنْ بَدِيعِ صُنْعِ اللهِ، وَدَلائِلِ قُدْرَتِهِ، وَعَظِيمِ صُنْعِهِ ما لا يَجِدْ مَعَهُ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، تَبارَكَ اللهُ أَحْسَنَ الخالِقِينَ.

فَهُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، خَلَقَ فَهَدَى جَلَّ في عُلاهُ. فَمِنْ تِلْكَ الفَوائِدِ وَالعِبَرِ الَّتي تُسْتَفادُ مِنْ سَيْرِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، وَمِنْ تَعاقُبِ الَّليْلِ وَالنَّهارِ أَنْ يَتَّعِظَ الإِنْسانُ وَيَعْتَبِرُ؛ فاللهُ تَعالَى جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَتَذَكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُورًا. هَكَذا قالَ في كِتابِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةًالفرقان:62 ، يَعْنِي يَأْتِي نَهارٌ يَعْقُبُهُ لَيْلٌ، يَأْتِي لَيْلٌ يَعْقُبُهُ نَهارٌ، وَهَذا التَّعاقُبِ تَنْبِيهٌ لِلغافِلِينَ، فَلَوْ كانَتْ الدُّنْيا نَهارًا عَلَى امْتِدادِها، أَوْ كانَتْ لَيْلًا عَلَى امْتِدادِها، لما أَحَسَّ النَّاسُ بِتَغَيُّرِ يُوجِبُ اعْتِبارَهُمْ، وَيْسَتَوْقِفُ أَنْظارَهُمْ، وَيُلْفِتُ أَفْئِدَتَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ لا دَوامَ لِهَذِهِ الدُّنْيا، فَهِيَ زَائِلَةٌ كَما أَنَّهُ يَزُولُ اللَّيْلُ بِالنَّهارِ، وَيَزُولُ النَّهارُ بِاللَّيْلِ، كَذلِكَ تَزُولُ الدُّنْيا بِالآخِرَةِ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ اللهَ تَعالَى جَعَلَ تَعاقُبَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ خِلْفَةً؛ لأَجْلِ أَنْ يَتَذَكَّرَ المتَذَكِّرُونَ، فَكَيْفَ بِتَعاقُبِ الشُّهُورِ؟ كَيْفَ بِتَعاقُبِ الأَعْوامِ؟ أَلا يَسْتَوْقِفُ ذَلِكَ أُولِي البَصائِرِ وَالأَلْبابِ؟! بَلَى وَاللهِ، إِنَّها لَعِبْرَةٌ أَنْ تَرَى تَعاقُبَ الأَيَّامِ عَلَى هَذا النَّحْوِ مِنَ السُّرْعَةِ، فَما أَنْ يَهُلَّ عامٌ إِلَّا وَيُوَدِّعُ وَيَنْصَرِمُ. إِنَّهُ لَيْسَ عامًا مَضَى لا مَعْنَى لَهُ، إِنَّها أَيَّامُكَ في دُنْياكَ، كُلُّ يَوْمٍ يَمْضِي يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ، كُلُّ يَوْمٍ يَسِيرُ هُوَ يُقَرِّبُكَ إِلَى السَّاعَةِ المحْتَومَةِ الَّتي تَكُونُ فِيها رَهِينَةً لأَعْمالِكَ؛ لِذَلِكَ البَصِيرِ لا يَسُرُّهُ تَعاقُبُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ دُونَ عِبْرَةٍ وَعِظَةٍ، بَلْ تَجِدُهُ يُبادِرُ اللَّيالِيَ وَالأَيَّامَ، يُسابِقُ السَّاعاتِ وَاللَّحظاتِ في عِمارَتِها فِيما يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، لا يَدْرِي مَتَى يَرْحَلُ، لا يَدْرِي مَتَى يُطْوَىَ كِتابُهُ وَيُكُونُ رَهِينَةً لِعَمَلِهِ؛ لِذَلِكَ هُوَ عَلَى اسْتِعْدادٍ دَائِمٍ وَعَمَلٍ مُسْتَمِرٍّ في الاسْتِعْدادِ لِتِلْكَ السَّاعَةِ.

تِلْكَ السَّاعَةُ لَنْ يَنْفَعُكَ مالٌ، وَلَنْ يَنْفَعَكَ جاهٌ، وَلَنْ يَنْفَعَكَ وَلَدٌ، وَلَنْ يَنْفَعَكَ نَسَبٌ، وَلَنْ تَنْفَعَكَ وَظِيفَةٌ، وَلَنْ يَنْفَعَكَ رَصِيدٌ، لا يَنْفَعُكَ إِلَّا عَمَلُكَ، «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلَاثَةٌ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ»مُسْلِم(2960).هُوَ القَرِينُ الَّذِي  لا يُفارِقُكَ، قالِ جِلَّ وَعَلا: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِالإسراء:13 ؛ أَضْعَفُ مَكانٍ يُقادُ مِنْهُ الإِنْسانُ العُنْقُ، إِذا أُمْسِكَ الإِنْسانُ مِنَ العُنُقِ فَإِنَّهُ يَنْقادُ، مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ عُنُقِكَ قادَكَ؛ وَلِذَلِكَ قالَ: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُالإسراء:13  يَعْنِي عَمَلَهُ، ﴿فِي عُنُقِهالإسراء:13  فَلا يَنْفَكُّ مِنْهُ، يَقُودُهُ إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى نارٍ، فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ.

اللَّهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

* * *

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كَما أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّها المؤْمِنُونَ, اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تَقْواهُ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآلِ عِمْران:102 ، تَقْوَى اللهِ أَنْ تَقُومَ بِما أَمَرَكَ اللهُ تَعالَى بِهِ رَغْبَةً فِيما عِنْدَهُ، أَنْ تَنْتَهِيَ وَتَتْرُكَ ما نَهاكَ اللهُ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ عِقابِهِ، أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ مَحَبَّةٍ لَهُ وَتَعْظِيمٍ فَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ لَكَ وَصْفُ التَّقْوَى، وَصْفُ التَّقْوَى يِنْتَظِمُ السُلُوكُ الظَّاهِرُ وَالباطِنُ؛ «التَّقْوَى هَاهُنا، التَّقْوَى هَاهُنا، التَّقْوَى هَاهُنا» مسلم(2564),كانَ يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ أَوَّلَ المنازِلِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يُفَتِّشَ عَنِ التَّقْوَى فِيها هُوَ القَلْبُ، فَإِذا كانَ القَلْبُ مُتَّقِيًا تَبِعَهُ البَدَنُ وَالقَوْلُ وَالعَمَلُ، يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»البخاري(52), ومسلم(1599),وَالقَلْبُ هُوَ السَّائِرُ إِلَى اللهِ، هُوَ مَرْكِبُكَ في سَفَرِكَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّكَ لا تَسِيرُ إِلَى اللهِ بِأَقْدامِكَ، وَلا تَسِيرُ بِما تَرْكَبُهُ مِنَ المراكِبِ، فَمَهْما كانَ مَرْكِبُكَ فارِهًا، سَرِيعًا، مُتْقَنًا؛ سَيْرُكَ إِلَى اللهِ هُوَ سَيْرُ قَلْبِكَ، لَنْ يَنْفَعَكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ للهُ مُحِبًّا، وَلَهُ مُعَظِّمًا، وَعَلَيْهِ مُقْبِلًا، إِذا كانَ كَذَلِكَ فَأَبْشِرْ فَإِنَّكَ قَدْ جَوَّدْتَ المَرْكِبَ، مَطِيَّتُكَ قَلْبُكَ، فاحْرِصْ أَنْ يَكُونَ سَلِيمًا، مَطِيَّتُكَ قَلْبُكَ فَاحْرِصْ أَنْ يَكُونَ للهِ مُحِبًّا، مَطِيَّتُكَ قَلْبُكَ فاحْرِصْ أَنْ يَكُونَ للهِ مُعَظِّمًا.

إِذا تَحَقَّقَ لَكَ ذَلِكَ فَأَبْشِرْ فَقَدْ صَلَحَ قَلْبُكَ، وَمَنْ صَلَحَ قَلْبُهُ لابُدَّ أَنْ يَنْعَكِسَ هَذا بِالتَّأْكِيدِ عَلَى قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ القَلْبُ صالِحًا مُسْتَقِيمًا، وَالعَمَلُ النَّاتِجُ الثَّمَرَةُ: فاسِدَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ هُناكَ مانِعٌ، فَعِنْدَما يُوجَدُ مانِعٌ يَمْنَعُكَ مِنَ الصَّلاحِ الظَّاهِرِ لا يَضُرُّكَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ تَعالَى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِالنحل: 106 ، فَما دامَ القَلْبُ مُنْشَرِحًا بِالإيمانِ فَإِذا وُجِدَتِ العوائِقُ عَنْ تَحْقِيقِ الطَّاعَةِ، إِمَّا: لِعَجْزٍ، أَوْ لمانِعٍ، أَوْ لِمَرَضٍ، أَوْ لِإكْراهٍ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الموانِعِ الَّتي تَمْنَعُ القَوْلَ وَالعَمَلَ فَإِنَّهُ لا يَضُرُّكَ ذَلِكَ.

سارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحابِهِ في غَزْوَةٍ هِيَ أَشَدُّ الغَزَواتِ غَزْوَةُ تَبُوكَ، فَلَمَّا قَفَلَ مِنْها رَاجِعًا وَهِيَ ذَاتُ العُسْرَةِ، قالَ لأَصْحابِهِ وَهُمْ في طَرِيقِهِمْ عائِدُونَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر» يَعْنِي كانُوا مَعَكُمْ في الثَّوابِ وَالعَطاءِ وَالفَضْلِ مِنَ اللهِ لا يُفَارِقُونَكُمْ في شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، قالُوا: "يا رَسُولَ اللهِ وَهُمْ في المدِينَةِ؟  يَعْنِي نَحْنُ تَكَلَّفْنا، وَخَرَجْنا، وَنصِبْنا، وَبَذَلْنا أَمْوالًا، وَبَذَلْنا جُهُودًا، وَأُولَئِكَ في المدِينَةِ بَيْنَ أَهْلِيهِمْ يُشارِكُونَنا في الأَجْرِ! هُمْ مَعَنا في الأَجْرِ! قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» البُخارِي(4423), وَمُسْلِمٌ(1911)، ما الَّذي بَلَّغَهُمْ هَذِهِ المنْزِلَةَ؟

إِنَّها قُلُوبُهُمُ الَّتي خَرَجَتْ قَبْلَ أَبْدانِهِمْ، فَخَرَجَتِ القُلُوبُ وَانْحَبَسَتِ الأَبْدانُ، فَكانُوا كَمَنْ خَرَجَ بِبَدَنِهِ في الأَجْرِ وَالفَضْلِ، ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ.

أَيُّها الِإخْوَةُ, إِنَّ مَوْضُوعَ القَلْبِ مَوْضُوعٌ مُهِمٌّ يَنْبَغِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا - أَنا أَدْعُو كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا - أَنْ يَقِفَ مَعَ نَفْسِهِ مُتَأَمِّلًا في قَلْبِهِ، في بِدايَةِ هَذِهِ المرْحَلَةِ الجَدِيدَةِ مِنَ السُّنَّةِ القادِمَةِ، انْظُرْ إِلَى قَلْبِكَ في أَوَّلِ المرْحَلَةِ ما هِيَ آفاتُهُ؟ هَلْ فِيهِ حِقْدٌ؟ هَلْ فِيهِ كِبْرٌ؟ هَلْ فِيهِ ُعُجْبٌ؟ هَلْ فِيهِ حَسَدٌ؟ هَلْ هُوَ عامِرٌ بِمَحَبَّةِ اللهِ؟ ما مِقْدارُ مَحَبَّةِ اللهِ في قَلْبِكَ؟ ما مِقْدارُ تَعْظِيمِ اللهِ في قَلْبِكَ؟ تَفَقَّدْ هَذِهِ المعانِي، وَلا يَغُرَّنَّكَ مَظْهَرٌ وَشَكْلٌ، وَتَقُولُ: أَنا ما شاءَ اللهُ شَكْلِي زِين وَمُسْتَقِيمٌ في الظَّاهِرِ، وَهَذا يَكْفِي. هَذِهِ المظاهِرُ لا تُغْنِي شَيْئًا إِذا غُيِّبَتِ القُلُوبُ، الشَّأْنُ كُلُّه في القُلُوبِ، وَإِذا صَلَحَ القَلْبُ سَيَتْبَعُ الظَّاهِرَ، صَلاحُ الظَّاهِرِ دُونَ الباطِنِ نِفاقٌ، لَكِنْ صَلاحُ الباطِنِ مَعَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ في الظَّاهِرِ إِيمانٌ. فالشَّأْنُ كُلُّهُ في صَلاحِ القَلْبِ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنا، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنا، وَيَسِّرْ أُمُورَنا، وَاشْرَحْ صُدُورَنا، اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالِحينَ.

وَقَبْلَ أَنْ أَخْتِمَ أُنَبِّهُ إِلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَّا قَدْ يُبَرِّرُ خَطَأَهُ بِصَلاحِ قَلْبِهِ، وَهَذِهِ تَزْكِيَةٌ لا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ جاءَ بِها؟!

عِنْدَما تَقُولُ لَهُ: افْعَلْ كَذا يَقُولُ: الإيمانُ في القَلْبِ، هَذا حَقٌّ أُرِيدَ بِهِ باطِلٌ، الإيمانُ في القَلْبِ لَكِنْ لابُدْ لَهُ مِنْ آثارٍ وَثِمارٍ تَظْهَرُ عَلَى الجَوارِحِ، عِنْدَما يُواقِعُ السَّيِّئَةَ وَيَقُولُ: الإيمانُ في القَلْبِ مُبَرِّرًا اسْتِمْرارَهُ في الخَطَأِ، يُقالُ لَهُ: لَوْ كانَ هُناكَ إِيمانٌ صادِقٌ في قَلْبِكَ لمنَعَكَ مِنْ مُخالَفَةِ أَمْرِ رَبِّكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُناكَ إِكْراهٌ، أَوْ أَنْ يَكُونَ هُناكَ مانِعٌ يَمْنَعُ الإِنْسانَ، هَذِهِ حالاتٌ اسْتِثْنائِيَّةٌ لَكِنْ في حالِ الأَصْلِ، حالِ التَّمَكُّنِ إِذا كانَ القَلْبُ صالحًا فَلابُدَّ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ في الجَوارِحِ: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»البُخارِيُّ(52), وَمُسْلِمٌ(1599).

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنا، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنا، وَيَسِّرْ أُمُورَنا، اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ، وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ، وَأَوْلِيائِكَ الصَّالحينَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِ هَذِهِ البِلادِ إِلَى ما فِيهِ خَيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ, اللَّهُمَّ سَدِّدْهُمْ إِلَى الصَّوابِ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ، اللَّهُمَّ ادْرَأْ بِهِمْ الشُّرُورَ، وَاحْفَظْهُمْ يا حَيُّ يا قَيُّومُ، وَاحْفَظْ بِهِمْ بِلادَ المسْلِمينَ؛ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ المسْلِمينَ حَيْثُ كانُوا، إِلَى رَحْمَةِ عِبادِكَ، وَالقِيامِ بِحَقِّكَ، وَتَحْكِيمِ كِتابِكَ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ، اللَّهُمَّ أَذِلَّ مَنْ حارَبَ أَهْلَ دِينِكَ حَيْثُما كانُوا يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ مَنْ سَعَى بَيْنَ المسْلِمينَ بِفَسادٍ أَوْ شَرٍّ فَنَكِّسْ رَايَتَهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ دائِرَةَ السَّوْءِ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنا، اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلَكُ بِأَسْمائِكَ الحُسْنَى وَصِفاتِكَ العُلا، أَنْ تُحْسِنَ لَنا العاقِبَةَ، وَأَنْ تَجْعَلَ خَواتِمَ أَعْمالِنا خَيْرًا يا رَبَّ العالمينَ، وَأَنْ تَجْعَلَ خَيْرَ أَيَّامِنا يَوْمَ نَلْقاكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكِ إِيمانًا صَادِقًا، وَعَمَلًا صالحًا، وَرُشْدًا وَهُدَى وَرِزْقًا وَاسِعًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا يا رَبَّ العالمينَ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلِإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ، وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلِلمُؤْمِنينَ وَالمؤْمِناتِ، وَالمسْلِمينَ وَالمسْلِماتِ، الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ. رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91481 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87236 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف