×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / رسلا مبشرين / الحلقة (15) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (15) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم.
00:00:01

الحلقة الخامسة عشر (( {  وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم  } ))+++ [الأنعام: 83]---. إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم (رسلا مبشرين). إبراهيم عليه السلام جاء إلى قوم يعبدون غير الله عز وجل، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، كما قال الله تعالى: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} +++[العنكبوت: 16-17]---. وقد حاور أباه وقومه، وأقام عليهم الحجة في إبطال عبادة غير الله عز وجل، كما قص الله تعالى ذلك في قوله: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * ياأبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا} +++[مريم: 41-43]---. وقد قال لقومه: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} +++[الأنبياء: 52-54]---. فأبطل عبادة تلك التماثيل على وجه بين واضح، انقطعت به حجتهم، وزالت به شبهتهم، كما قال الله تعالى: {واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون * قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون * قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين} +++[الشعراء: 69-81]---. فانقطعت حجتهم، وزالت شبهتهم، ولم يكن لهم مستند في غيهم وضلالهم وانحرافهم وبعدهم عن الجادة، والصراط المستقيم. وفي سياق إبطال عبادتهم غير الله عز وجل قص الله تعالى في سورة الأنعام ما جرى من محاورة بين إبراهيم وقومه في عبادة الكواكب، وذلك أن قومه كانوا يعبدون الكواكب من دون الله، وقد صوروا لتلك الكواكب تماثيل، فعبدوها من دون الله عز وجل. وكانوا يرون أنهم لا يبلغون منزلة يعبدون الله تعالى، وقد لبس عليهم الشيطان، وزين لهم عبادة غير الله عز وجل من تلك الكواكب، ومن صورها التي مثلها في تلك التماثيل التي كانوا يعبدونها، والأصنام التي كانوا يتوجهون إليها بالعبادة. وقد قيل: إن إبراهيم عليه السلام بعث إلى قوم يعبدون الأوثان والأصنام، وإلى قوم كانوا يعبدون الكواكب من دون الله. ومهما يكن من أمر فقد أبطل إبراهيم عليه السلام بما أتاه الله تعالى من الحجة والبرهان عبادة غير الله عز وجل، سواء كان فيما يتعلق بالأوثان والأصنام، أو كان فيما يتعلق بالكواكب. فقص الله تعالى في سورة الأنعام مناظرة قومه في عبادة الكواكب، قال الله جل وعلا: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض}، أراه الله تعالى من دلائل إلهيته وربوبيته، وأنه لا يستحق العبادة سواه، ما جعله من الموقنين، فقال جل وعلا: {وليكون من الموقنين} +++[الأنعام: 75]---، أي: بتلك المشاهدات التي فتح الله تعالى عين قلبه عليها، فرأى فيها دلائل صدق إلهية الله وربوبيته وعظمته وكماله، وأنه لا يستحق العبادة سواه، {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} +++[فصلت: 53]---. فلما جن عليه الليل رأى كوكبا، وهو الزهرة التي كان يعبدها قومه من دون الله عز وجل، {قال هذا ربي}، وذلك في سياق المناظرة لقومه، {فلما أفل}  أي: أفل ذلك الكوكب وزال {قال لا أحب الآفلين} +++[الأنعام: 76]---: فإن الإله لا يصلح أن يكون آفلا غائبا زائلا. فلما رأى القمر بازغا، وهنا ترقى من الزهرة إلى ما هو أعظم منها مما يشاهد، وهو القمر، لما رآه بازغا {قال هذا ربي} على وجه المناظرة والمحاورة، {فلما أفل} القمر {قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} +++[الأنعام: 77]---، أي: إن لم يرسل لي الله تعالى دلائل الحق، وسلوك الصراط المستقيم، والانقياد للآيات في السماوات والأرض؛ فسأكون من القوم الضالين، الذاهبين عن الحق، الغادين عن الهدى، الخارجين عن الصراط المستقيم. {فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي}، والشمس أكبر ما يشاهد من الأفلاك، والأجرام السماوية، وهي المنتهى في الكبر والعظمة، وحسن الخلق {قال هذا ربي هذا أكبر}، أي: أكبر مما قبله من القمر والكوكب. {فلما أفلت}، فشاركت القمر والكوكب في الأفول والزوال {قال ياقوم إني بريء مما تشركون} [الأنعام: 78]: إنني لا أقبل أن أكون معكم في هذا الشرك والظلم، الذي يسوي غير الله تعالى بالله. {إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} +++[الأنعام: 79]---: إني توجهت بقلبي وقالبي إلى الذي خلق السماوات وما فيها من الأفلاك، وخلق الأرض وما فيها من المخلوقات، توجهت إليه وحده، مائلا عن كل شرك، مستقيما على التوحيد، {حنيفا وما أنا من المشركين}. قومه لم ينتهوا عند ذلك البيان، وتلك البراهين؛ بل حاجوه وجادلوه، قال الله تعالى: {وحاجه قومه}، أي: في عبادة الله وحده، {قال أتحاجوني في الله وقد هدان}: كيف تحاجوني في عبادة الله تعالى وقد من علي وتفضل بأن أراني الصراط المستقيم، والطريق القويم، وأعانني على سلوكه؟ أما تلك الآلهة التي تمسكتم بها وصرفتم العبادة لها فلا خير فيها؛ فهي لا تسمع، ولا تبصر، ولا تغني عنكم من الله شيئا، {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} +++[الأنعام: 80-81]---. فجاء الجواب من رب العالمين: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}: آمنوا موحدين، آمنوا مخلصين، ولم يخلطوا ذلك الإيمان بشيء من الشرك، وتسوية غير الله تعالى به؛ {أولئك}: هؤلاء الموصوفون بالإيمان وتمام التوحيد والإخلاص {لهم الأمن وهم مهتدون} +++[الأنعام: 82]---. أشاد الله تعالى بما فتح على إبراهيم عليه السلام من الحجة والبرهان، قال تعالى: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} +++[الأنعام: 83]---. هذا هو أصح القولين في هذه الآيات، وهو: أنها جاءت على سبيل المناظرة لقومه، وإقامة الحجة عليهم، وإبطال ما كانوا عليه من الشرك بالله عز وجل، وعبادة الكواكب. يؤكد هذا ما ختم الله تعالى به تلك الآيات، حيث قال: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} +++[الأنعام: 83]---. فالحجة هو ما تقدم من قوة المناظرة لقومه، وإقامة الدلائل على بطلان عبادتهم غير الله عز وجل، وقد قال بعض أهل العلم من المفسرين: «إن هذا كان على وجه النظر لا على وجه المناظرة»، أي: إن إبراهيم عليه السلام دار في خاطره الفكر في عبادة هذه الكواكب، التي كان يعبدها قومه، فنظر فيها، هل تستحق العبادة أو لا؟ فترقى وتنقل بين معبوداتهم حتى وصل إلى اليقين، وأنها لا تصلح لشيء من العبادة. أيها الأخوة والأخوات، أصح القولين في هذه الآيات: أن ما ذكره الله تعالى من نظر إبراهيم إلى الكواكب؛ إنما كان على وجه المناظرة لا على وجه النظر والفكر في صلاحيتها للعبادة، فإن إبراهيم قد فتح الله تعالى عين قلبه على الحق قبل ذلك، كما قال تعالى: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين} +++[الأنبياء: 51]---. اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، أعنا على ذكرك، وشكرك، وأرزقنا حسن عبادتك، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (رسلا مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:4201
الحلقة الخامسة عشر
(( {  وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ  } )) [الأنعام: 83].
إنَّ الحمد لله نحمدُهُ ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلن تجدَ له ولياً مُرشداً، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبعَ سنته، واقتفى أثره بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فالسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقةِ الجديدة من برنامجكم (رسلاً مُبشرين).
إبراهيمُ عليه السلام جاءَ إلى قوم يعبدونَ غير الله عزَّ وجل، فدعاهم إلى عبادةِ الله وحده، كما قال اللهُ تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 16-17].
وقد حاور أباه وقومه، وأقامَ عليهمُ الحُجَّة في إبطالِ عبادةِ غير الله عزَّ وجل، كما قصَّ اللهُ تعالى ذلكَ في قوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم: 41-43].
وقد قالَ لقومه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء: 52-54].
فأبطلَ عبادةَ تلك التماثيل على وجهٍ بيِّنٍ واضح، انقطعت به حُجَّتهم، وزالت به شُبهتهم، كما قالَ اللهُ تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 69-81].
فانقطعت حُجتهم، وزالت شُبهتهم، ولم يكن لهم مستندٌ في غيِّهم وضلالهم وانحرافهم وبُعدِهم عن الجادَّةِ، والصراطِ المستقيم.
وفي سياقِ إبطال عبادتهم غيرَ اللهِ عزَّ وجل قصَّ اللهُ تعالى في سورةِ الأنعام ما جرى من محاورةٍ بين إبراهيم وقومه في عبادةِ الكواكب، وذلكَ أنَّ قومهُ كانوا يعبدون الكواكب من دون الله، وقد صوروا لتلكَ الكواكب تماثيل، فعبدوها من دون الله عزَّ وجل.
وكانوا يرونَ أنهم لا يبلغونَ منزلةً يعبدونَ اللهَ تعالى، وقد لبَّسَ عليهمُ الشيطان، وزينَ لهم عبادةَ غيرِ اللهِ عزَّ وجل من تلكَ الكواكبِ، ومن صورِها التي مثَّلها في تلكَ التماثيل التي كانوا يعبدونها، والأصنام التي كانوا يتوجهونَ إليها بالعبادة.
وقد قيلَ: إنَّ إبراهيم عليه السلام بُعثَ إلى قومٍ يعبدون الأوثان والأصنام، وإلى قومٍ كانوا يعبدونَ الكواكب من دون الله.
ومهما يكن من أمر فقد أبطلَ إبراهيمُ عليه السلام بما أتاهُ اللهُ تعالى من الحُجَّةِ والبرهان عبادةَ غيرِ الله عزَّ وجل، سواءً كانَ فيما يتعلَّق بالأوثانِ والأصنام، أو كانَ فيما يتعلَّق بالكواكب.
فقصَّ الله تعالى في سورةِ الأنعام مناظرَة قومهِ في عبادة الكواكب، قال الله جلَّ وعلا: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أراهُ اللهُ تعالى من دلائل إلهيَّته وربوبيَّته، وأنه لا يستحقُ العبادةَ سواه، ما جعلَهُ من الموقنين، فقالَ جلَّ وعلا: {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75]، أي: بتلكَ المُشاهدات التي فتحَ اللهُ تعالى عينَ قلبهِ عليها، فرأى فيها دلائلَ صِدقِ إلهيَّةِ الله وربوبيَّته وعظمتهِ وكماله، وأنه لا يستحقُ العبادةَ سواه، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53].
فلمَّا جَنَّ عليه الليلُ رأى كوكباً، وهو الزُّهرة التي كانَ يعبُدُها قومهُ من دون الله عزَّ وجل، {قَالَ هَذَا رَبِّي}، وذلكَ في سياق المناظرةِ لقومه، {فَلَمَّا أَفَلَ}  أي: أفلَ ذلك الكوكب وزال {قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: 76]: فإنَّ الإلهَ لا يصلحُ أن يكونَ آفلاً غائباً زائلاً.
فلمَّا رأى القمر بازِغاً، وهنا ترقَّى من الزُّهرةِ إلى ما هو أعظمُ منها مما يُشاهد، وهو القمر، لمَّا رآهُ بازغاً {قَالَ هَذَا رَبِّي} على وجه المناظرةِ والمحاورة، {فَلَمَّا أَفَلَ} القمر {قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: 77]، أي: إن لم يُرسل لي اللهُ تعالى دلائلَ الحقِّ، وسلوكَ الصراطِ المستقيم، والانقياد للآيات في السماواتِ والأرض؛ فسأكون من القوم الضالين، الذاهبينَ عن الحق، الغادين عن الهدى، الخارجينَ عن الصراطِ المستقيم.
{فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي}، والشمسُ أكبرُ ما يُشاهدُ من الأفلاكِ، والأجرام السماوية، وهي المنتهى في الكِبَرِ والعظَمةِ، وحُسنِ الخلق {قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ}، أي: أكبرُ مما قبلَهُ من القمرِ والكوكب.
{فَلَمَّا أَفَلَتْ}، فشاركت القمرَ والكوكبَ في الأُفولِ والزوال {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 78]: إنني لا أقبلُ أن أكونَ معكم في هذا الشركِ والظلم، الذي يسوِّي غيرَ اللهِ تعالى بالله.
{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 79]: إني توجهتُ بقلبي وقالبِي إلى الذي خلق السماواتِ وما فيها من الأفلاك، وخلقَ الأرضَ وما فيها من المخلوقات، توجهتُ إليه وحده، مائلاً عن كُلِّ شرك، مستقيماً على التوحيد، {حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
قومُهُ لم ينتهوا عندَ ذلكَ البيان، وتلكَ البراهين؛ بل حاجوه وجادلوه، قال اللهُ تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ}، أي: في عبادةِ اللهِ وحده، {قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ}: كيف تحاجوني في عبادةِ الله تعالى وقد منَّ عليَّ وتفضَّل بأن أراني الصراطَ المستقيم، والطريقَ القويم، وأعانني على سلوكه؟
أمَّا تلكَ الآلهةَ التي تمسكتم بها وصرَفتم العبادة لها فلا خيرَ فيها؛ فهي لا تسمعُ، ولا تُبصِرُ، ولا تغني عنكم من الله شيئاً، {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 80-81].
فجاءَ الجوابُ من ربِّ العالمين: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}: آمنوا موحدين، آمنوا مُخلصين، ولم يخلِطوا ذلكَ الإيمان بشيءٍ من الشركِ، وتسويةِ غيرِ اللهِ تعالى به؛ {أُولَئِكَ}: هؤلاءِ الموصوفون بالإيمانِ وتمامِ التوحيدِ والإخلاص {لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82].
أشادَ اللهُ تعالى بما فتحَ على إبراهيم عليه السلام من الحجةِ والبرهان، قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83].
هذا هو أصحُ القولين في هذه الآيات، وهو: أنها جاءت على سبيلِ المناظرةِ لقومه، وإقامةِ الحجة عليهم، وإبطالِ ما كانوا عليه من الشركِ بالله عزَّ وجل، وعبادةِ الكواكب.
يؤكدُ هذا ما ختمَ الله تعالى به تلكَ الآيات، حيثُ قال: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83].
فالحُجَّةُ هو ما تقدَّمَ من قوةِ المناظرةِ لقومه، وإقامةِ الدلائلِ على بُطلانِ عبادتهم غيرَ اللهِ عزَّ وجل، وقد قالَ بعضُ أهل العلم من المفسرين: «إنَّ هذا كانَ على وجهِ النظر لا على وجهِ المناظرة»، أي: إنَّ إبراهيم عليه السلام دارَ في خاطِرِهِ الفكرُ في عبادةِ هذه الكواكب، التي كانَ يعبُدُها قومه، فنظرَ فيها، هل تستحقُّ العبادة أو لا؟ فترقَّى وتنقَّلَ بينَ معبوداتهم حتى وصلَ إلى اليقين، وأنها لا تصلحُ لشيءٍ من العبادة.
أيها الأخوة والأخوات، أصحُ القولينِ في هذه الآيات: أنَّ ما ذكرَهُ اللهُ تعالى من نظرِ إبراهيمَ إلى الكواكب؛ إنما كانَ على وجهِ المناظرة لا على وجهِ النظرِ والفكرِ في صلاحيَّتها للعبادة، فإنَّ إبراهيم قد فتحَ اللهُ تعالى عينَ قلبهِ على الحقِّ قبل ذلك، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51].
اللهم ألهمنا رُشدنا، وقنا شرَ أنفسِنا، أعنا على ذكركَ، وشكرك، وأرزقنا حُسنَ عبادتك، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمة من برنامجكم (رسلاً مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات18648 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات11971 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9156 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات8021 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف