×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (56) فاسألوا أهل الذكر

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3918

المقدم: حياكم الله من جديد مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة". ونتحدث في هذه الحلقة عن موضوعٍ مهمٍّألا وهو عن "الفتوى وضوابطها". في هذا اللقاء سنتحدث عن الشروط التي وضعها الفقهاء لمن يحقُّ له الإفتاء، وبالتأكيد فإن الفقهاء السابقين واللاحقين وضعوا العديد من الشروط، وأفاضوا في هذه الشروط كثيرًا، ومنهم من شدد في ذلك؛ تعظيمًا للفتوى، وحرصًا على أن لا يقوم بها إلا من هو أهلٌ لها؛ ذلك لأن شأن الفتوى وأمرها خطيرٌ جدًا؛ ولأنها قولٌ على الله فإذا ما قال المسلم هو توقيعٌ عن رب العالمين -سبحانه وتعالى-، فإذا قال المسلم عن الله –سبحانه وتعالى- بغير ما أنزل كان ممن دخلوا في الوعيد الشديد الذي رتبه الله -سبحانه وتعالى- على كل من يتجاوزون الحدود في الإفتاء، وفي الحديث عن الأحكام الشرعية.
في هذا اللقاء الشيخ خالد عندما نتحدث عن موضوعٍ مهم جدًّا، ربما نبدأ في حديثنا عن الفتوى.

ما المقصود بالفتوى؟ هل هي كل سؤالٍ يتعلق بأحكام الشريعة، أم أن لها حدًّا وتعريفًا مُعينًا؟
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
فموضوع الفتوى موضوعٌ ذو شأنٍ كبير، وله أثر في حياة المسلم في دقيق الأمر وجليله؛ ولذلك لا عجب أن يُولِي العلماء ما يتعلق بالفتوى عناية فائقة بالتأليف والبيان.

 فما من كتابٍ من كتب العلماء فيما يتصل بالأصول والفقه، وكذلك في الحديث إلا ويتطرَّقون إلى جوانب مما يتصل بهذا الموضوع.
"
الفتوى" في الأصل تطلق على ما يكون من إجابة السائلين عما يسألون عنه، فالفتوى فيها بيانٌ وإيضاحٌ، وإجابةٌ للسائل عما سأل عنه، ويكون هذا في الأمور الشرعية، ويكون في غيرها. فالفتوى لا تقتصر في معناها اللغوي على المسائل الشرعية بل يتطرق ذلك أيضًا إلى كل ما يسأل عنه لكن في الاصطلاح الذي جرى عليه أهل العلم أن الفتوى تطلق في إجابة السائلين عما يتصل بأمور العقائد، وأمور الشرائع والأحكام. "فالفتوى والإفتاء": هو بيانٌ وإيضاحٌ، وإجابةٌ للسائلين عما يسألونه مما يتصل بعقائدهم، وأعمال قلوبهم، وعما يتصل بأعمال الجوارح من الأحكام المتعلقة بصلة الخالق، بصلة العبد بربه، وصلة العبد بسائر الخلق.

وبهذا المعنى يتبين أن الفتوى تدخل في كل ما يسأله الناس مما يتعلق بشعائر الدين وعقائده، والفتوى لها منزلة كبرى في التعلم؛ ولذلك الذين يقولون: إن الفتوى ينبغي أن لا تكون حاضرة في كل مُفردات حياة الناس ليس بصحيح؛ لأن الفتوى هي طريق لتحصيل العلم وليست مقصودةً لذاتها، بل هي الوسيلة التي يدرك بها الإنسان ما يحتاجه في أمر دينه، في أمر معرفته بربه، ومعرفته بشرعه، والطريق الموصل إليه؛ ولهذا كان أعظم حديثٍ جمع مسائل الدين في الأصول والفروع، في العقائد والأعمال، حديثٌ كان أعظم الأحاديث من جهة ما يتعلق بالعقائد والأعمال حديثًا كان منشأه، ومداره على سؤال وجواب، وهو حديث جبريل -عليه السلام- الذي جاء فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين يديه.
قال عمر بن الخطاب –رضي الله تعالى عنه- دَخل علينا رجلٌ شديدُ بياض الثياب، شديدُ سواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السَّفَر ولا يعرفه مِنا أحدٌ، وهذه كلها غرائب في حاله، ثم ذكر غرائب في عمله، قال: فأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، وضع يديه على فخذيه (على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم) تهيئًا واستعدادًا للسؤال فقال: «يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلَامِ»، فأجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام بأنه: «أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإقِامَة الصَّلَاةَ، وإيتِاء الزَّكَاةَ، وصوم رَمَضَانَ، وحجّ الْبَيْتَ» ثم قَالَ له: «صَدَقْتَ»، تعجب الصحابة لسؤاله وتصديقه، ثم سأل عن الإيمان، ثم سأل عن الإحسان، ثم سأل عن أمارات الساعة، هذا الحديث لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من إجابة السائل عن مسائله قال لأصحابه: «أتدرون من السائل؟» قالوا: "الله ورسوله أعلم"، فقال: «هذا جبريل أتاكم يعلِّمكم دينكم».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح50، ومسلم في صحيحه:ح8/1]

هذا الحديث يسميه العلماء أمَّ السنة؛ لأنه حديثٌ جامعٌ لكل ما يتصل بأحكام الشريعة، حديثٌ جامعٌ لكل ما يتعلق بالعقائد والأعمال. فـ"الإيمان" أعمال القلوب، و"الإسلام" أعمال الجوارح، و"الإحسان" هو الغاية، والكمال في أعمال القلوب وأعمال الجوارح، و"أشراط الساعة" هي من أهم أصول الإيمان؛ لأن من أصول الإيمان أن تؤمن بالبعث بعد الموت. فالحديث جاء جوابًا للسؤال؛ ولذلك قال: «أتاكم يعلمكم» فجعل السؤال والجواب طريقًا للتعليم، هذا التعليم ليس تعليمًا نظريًّا إنما هو تعليم تصوَّب به العقائد، وتصحَّح به التصورات والأفكار، يتبعه العمل الذي هو الغاية والمقصود من العلم، فإنما نتعلم لأجل العمل، وبالتالي يتبين أنَّ مقام الفتوى ليس محصورًا فقط في سؤال الإنسان عن جزئيات ومفردات في حياته، بل تشمل سؤالها عن كل ما يتعلق بمعرفته بالله –عزَّ وجل-، عن كل ما يتعلق بمعرفته بأصول الإيمان، عن كل ما يتعلق بمعرفته بشرائع الإسلام وطريق التعبد، سواءٌ كان ذلك فيما يتصل بالعبادات الخاصة التي بين العبد وربه "الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج" أو كان ذلك فيما يتعلق بحقوق الخلق من: برِّ الوالدين، وصلة الأرحام، والصدق في البيع، وما يتصل بالمعاملات المالية والمداينات، وسائر المسائل التي يحتاجها الناس في النكاح والطلاق، وفيما يتصل بالخصومات، والجنايات، والقضاء وما إلى ذلك مما يشمل حياة الناس في كافة أوجهها، وفي كافة جوانبها وبالتالي يتبين من هذا كله خطورة شأن الفتوى؛ لأنها إذا توجَّهت إلى غير أهلها كانت سببًا للضلال في العقائد، وسببًا للخطأ في العمل؛ ولهذا من الضروري أن يعرف الإنسان مقام الفتوى، ومقام الإفتاء، وأن لا يستهينَ بهذا الأمر، ويجعله جانبًا مهملًا أو غير معتنًى به، ويكتفي فيه الإنسان بأدنى ما يكون من سؤال من لا علم له أو لا معرفة، أو من يتصدَّر هذا المحراب، وهذا المنصب العظيم من مناصب بيان الشريعة وأحكامها.
هنا مسألة يعني نقطة مهمة في قضية وجوب العناية بموضوع الفتوى أنَّ المتصدِّرين لحمى الفتوى الداخلين فيها من غير أهلها قومٌ كُثر، وليسوا في قِلة بل هم في كثرة، مع هذا الانفتاح الإعلامي الذي نشهده.

 فالقنوات لها من يفتي فيها، والمجلات والصحف والجرائد لها من يفتي فيها، هذا في الإعلام التقليدي.

 في الإعلام الحديث الفتوى يتجرأ عليها أقوامٌ كثر في بيان أحكام الشريعة، وفي بيان العقائد، وفي نقد الأعمال، وفي التصويب والتصحيح، والتخطئة والتجهيل للأقوال بصورة مُفزِعة تجعل الإنسان في غاية الوجل من أن يكون هذا الباب قد كُسر على نحوٍ يدخل فيه على الناس أنواع من الضلالات هذا غير ما يكون من التداول للأقوال والآراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل الفتاوى، أحيانًا يعني لا يعرف الإنسان صدقها من كذبها، وقد تضاف الفتاوى والأقوال إلى علماء أجلَّاء أهلِ ثقة، وقد تصدر عن مجاهيل أو
المقدم: مواقع إنترنت.
الشيخ: أصحاب أسماء مستعارة، وفي كل الأحوال يعني ضرورة التفصيل، والعناية بقضية الفتوى في هذا الزمان هي من المُلِحَّات التي ينبغي أن يعتني بها أهل العلم، ويعتني بها الخطباء في جوامعهم ببيان جوانب الفتوى التي يحتاج الناس إلى بيانها.

أيضًا الإعلام يتحمَّل مسئولية غير قليلة في بيان منزلة العلماء، وفي بيان من الذي يُسأل، وفي بيان جهاتٍ مُختصَّة.
المقدم: وتصدير غير المؤهَّلين للفتوى كذلك.
الشيخ: نعم؛ وأيضًا في توقِّي تصديقهم، يعني الآن فصاحة اللسان وقوة البيان كافية في أن يُقدَّم الإنسان على أنه مُجيبٌ على كل مسائل الإسلام، وأنه يبيِّن كلَّ مسائل الأحكام، وهذا الحقيقة في غاية الخطأ، وهو جناية على الشريعة، وهو تجرأة لمن لا عِلم له أن يتصدَّر هذا المحراب، كل إنسان يحسن الوعظ، كل إنسان يُدمِع الأعين إذا تحدَّث في التذكير والوعظ، كلُّ إنسان عنده قُدرة على البيان، كلُّ إنسان صاحب رؤية في جانب من جوانب الحياة لا يُبلِّغه منزلةَ أن يبين أحكام الشريعة، ويجيب الناس على مسائل الاعتقاد وأصول الدين التي ينبغي أن تَصدُر عن الراسخين في العلم الذين لهم بصيرة، وتُعرف مصادرُهم، وتعرف طرائقُ تحصيلِهم؛ لأن هذا العلم ليس مَبتورَ الصِّلة بمن تقدم، يحمل هذا العلمَ من كل خلفٍ عُدولُه، فينبغي أن يكون الإنسان على بصيرة، وعلى وعيٍّ فيمن يسأل، وأنه ليس فقط يعني يسأل كلَّ من هبَّ ودَبَّ، وكلَّ من تصدر، وكل من تكلَّم، وكلَّ من تفوَّه، وبالتالي من المهم أن نعرف من نسأل؟
وهنا مسألة يعني أنا أنبه إليها أن ولاة الأمر في بلاد الحرمين -وفَّقهم الله- شعروا بخطورة الوضع فجعلوا من التدابير والتنظيم فيما يتعلق بالفتوى ما يقطع الطريق على المتسوِّرين للفتوى بما يحصل به فساد في العقائد والأعمال، وهذه جهود مشكورة سواءً فيما يتعلق ببيان المُفتين، وتَنصيب المُفتين في سائر مناطق البلاد، قَصرُ الفتوى على أهل العلم في حياة كبار العلماء، وكذلك فيمن يسمِّيهم سماحةُ المفتي، كل هذا تدابير وِقائية تحمي هذا الحمى من أن يَلِجه الليث أهلًا له.

 لكن ثمة جانب لابد من العناية به، وهو ما يتعلق بنا نحن في عموم أحوالنا، نحن عموم الناس ينبغي لنا أن نعرف من نسأل؛ يعني وجود هذه الاحتياطات، وهذه التنظيمات، وهذه الترتيبات من شهادة ولاة الأمر تحقِّق غاية وتقطع طريقًا، لكن إذا لم نتعاون نحن بمعرفة من نسأل، بالرجوع إلى من ينبغي الرجوع إليه فإننا سنقع في إشكالياتٍ كبرى.

هذه يعني مقدمة مهمة في بيان خطورة الموضوع، وضرورة العناية به وأسأل الله أن يجعل في محاور هذا اللقاء خيرًا ونفعًا.  
المقدم: اللهم آمين؛ نذكِّر مستمعينا الكرام بأننا متواصلون معهم عبر هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة"، وموضوعنا عن "الفتوى وضوابطها". يمكنكم مستمعينا الكرام مشاركتنا بالاتصال على الرقم/ 0126477117، والرقم/ 0126493028، وعبر الوسم المخصص لبرنامج على توتر "الدين والحياة".
شيخ خالد عندما نتحدث أيضًا عن مثل هذا الموضوع لعلي أَستَذكِر مقولةً للإمام الشافعي -رحمه الله- عندما وضع شروطًا تحدَّث فيها للمفتي، لما ينبغي أن يكون عليه هذا المفتي من صفات، قال: إنه لا يحلّ لأحدٍ أن يفتي في دين الله إلا رجلٌ عارفٌ بكتاب الله، بناسخه ومنسوخه، وبمُحكمه ومتشابهه وتأويله وتنزيل، ومكِّيه ومَدنِيه إلى أن قال: ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر، وما يُحتاج إليه للسنة والقرآن.

 أضاف إلى ذلك في قوله: ويستعملُ هذا مع الإنصاف، ويكون بعد هذا مُشرِفًا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحةٌ بعد هذا، فإن كان هكذا فله أن يتكلم في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي.[الفقيه والمتفقه:ص346]
ربما نستشفُّ من خلال هذه التأكيدات، وهذا الحرص الشديد، وهذه الضوابط التي وضعها العلماء والأئمة من قبلنا، سواءً بما يتعلَّق بمن كانوا في السابق، ومن أتوا فيما بعد ذلك من حرصٍ شديدٍ على هذا الأمر، ووضع ضوابط للمفتي أن يكون له العديد من الضوابط والملامح التي تبين أحقيَّتَه في الخوض في هذه المسائل، والإفتاء فيها هل هو يعني ربما عدم ترك المجال لكل من ليس مؤهَّلًا للفتوى أن يُفتي، أو أن يتكلم في دين الله. خاصةً عندما نستذكر ما قاله ابن سيرين: "إن هذا العلم دينٌ فانظروا عمن تأخذون دينكم"[أخرجه مسلم في المقدمة، باب:في أَنَّ الْإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ، ص14] ليس بمجرد أن تجد الشخص ربما يتزيَّا بالزيِّ، أو ربما يتخلق بخلقٍ معين، أو ربما يتظاهر بمظهرٍ مُعيَّن يحق له أن يُفتي في كل ما يأتي ويذر.
الشيخ: نعم هذا الذي ذكرته أخي الكريم من وجوب العناية بالإفتاء، وبيان الصفات التي تُشترط في المفتي.

 العلماء –رحمهم الله- يا أخي عندهم كلام واضح وبيِّن فيما يتصل بما ينبغي أن يكون عليه المفتي، ما ينبغي أن يكون عليه من يُسأل، عندنا هنا قضية ينبغي التنبه لها، الله –جلَّ في علاه- نبَّه إلى من يذهبون إليه في السؤال؟ من يُستفتى؟ من الذي يُرجع إليه في مسائل الدين؟ ومعرفة أحكام الشريعة، يقول الله –جلَّ وعلا-: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَالنحل:43

 هذه الآية الكريمة جاءت في موضعين من كتاب الله تعالى، أمر الله تعالى في هذا رد العلم إلى أهل الذكر. ومن هم أهل الذكر؟
"أهل الذكر": هم العالمون بكتاب الله –عزَّ وجل-، الفاهمون لمعانيه، المُدرِكون لمقاصده، العاملون به، فبقدر ما يقوم الإنسان بكتاب الله –عزَّ وجل- بقدر ما يقوم بما فيه من المسائل فهمًا، وإدراكًا وإحاطةً يكون من المتأهِّلين الذين يتحقَّق فيهم ما ذكر الله تعالى في قوله –جلَّ وعلا-: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَالنحل:43، فأهل الذكر هم العلماء بالقرآن وبمعناه، ولما نقول: بمعناه؛ لأنه أحيانًا قد يظن الظانُّ أن العلم بالذكر هو حفظ القرآن، كثيرٌ من يحفظ القرآن كما قال عبد الله بن مسعود –رضي الله تعالى عنه- في بيان حال الناس في آخر الزمان، قال: "أنتم في زمانٍ قليلٌ قُرَّاؤه، كثيرٌ فقهاؤه، وسيأتي زمانٌ كثيرٌ قراءه قليلٌ فقهاءه".[أخرجه مالك في الموطأ:ح597، والبيهقي في الشعب:4646، وصححه الألباني في الصحيحة:7/576].

 فالذي ينبغي للمؤمن أن يعتني بهذا الأمر عناية فائقة في البحث والتنقيب عن الوصف الذي ذكره الله تعالى وهو في قوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِالنحل:43.
الآن أخي الكريم عندما يحتاج الإنسان إلى مسألة من مسائل الدين نتكلم عن الواقع الذي نشاهده من حال كثير من الناس. كيف يفعل الناس؟
هناك عدة طرق:
-
من الناس من يسأل إمام المسجد في حين أن أئمة المساجد هم على خير، ومن أهل البر والصلاح في الغالب، وهذا ظننا بهم -وفقهم الله- لكن إمامة المصلين ليست كافية في إفتاء الناس، وليست منزلةً يَصدر بها الإنسان عن قوله، ويؤخذ برأيه، يمكن أن يسأل إمام المسجد من بين مَنْ يسأل، لكن أن يُجعل إمام المسجد محلًّا للسؤال والاستفتاء فهذا غير سديد؛ لاسيما وإن من أئمة المساجد -هداهم الله- من إذا جاءهم من يسأل تجده يعني لا يتورَّع أن يجيب وهو ليس من أهل العلم، ولا من المختصِّين في بيان المسائل الشرعية، والإجابة عن أسئلة الناس.
-
من الناس من يذهب إلى الأرقام المُعلَنة، وفي كثير من الأحيان هذه الأرقام قد تكون تغيَّرت، لا يعرف من يتحدث معه، يأتي يقول:ألو سلام عليكم شيخ، يقول: نعم؛ عندي سؤال؟ تفضل. طيب أنت لا تعرف من هذا الشيخ؟ ومن هو؟ وما منزلته في العلم، وهذه ليست في قضايا هامشية، على أن قضايا الشرع والدين ليس فيها حشوٌّ وأصول، لكن أنا أقصد  قد تكون فيه قضايا ليست جزئية تنتهي بحاله, بل وأحيانًا يسأل في قضية لها تبعات، وترتبات، وآثار تطال في حياته يعني في تجربته يأتي شخص ويسأل في مسألة الطلاق، أقول له: سبق أن سألت؟ قال: نعم سألت، من سألت؟ ما أعرف فيه رقم وسألت ما حكم كذا وبين لي، طيب يا أخي أنت إذا كنت الآن ستأخذ بهذه الطريقة فمعنى هذا أنه ستسأل من لا تثق بعلمه، ومن المطلوب أن تثق بعلم من تسأل حتى تكون على اطمئنان في دينك، ولو أن الإنسان أراد أن يسأل عن طريق في سفره ما سأل أدنى شخص بل يبحث عمن يتوقَّع ويتوخى في أنه عارف الطرق ليدلَّه.

 إذا أصابه مرض ما يكتفي برفع السماعة على أي إنسان، ويقول: الو أنا أشكي من كذا وكذا إيش العلاج؟ ثم يصرف له العلاج، فيقول له: افعل كذا وكذا، ويروح يأخذ، لا، بل يبحث عمن هو خبير،هكذا في شئون الحياة كلها لا يسأل إلا أهل الاختصاص ففي مسائل الدين ينبغي أيضًا أن يكون كذلك فلا يكفي أن يكون الرقم مُعلنًا أو مشهورًا؛ لأن نشر الأرقام لاسيما الأرقام التي في وسائل التواصل ما يُعلم مَن وراءها؟ ومَن أصحابها؟ حتى لو كانت موثوقة ينبغي أن يسأل من معي؟ من الشيخ الذي يتحدث معه؟ حتى يكون سؤاله عن علم ومعرفة، ويسنَد العلم إلى أهله.

 هناك من يذهب إلى المواقع الإلكترونية فيسأل،يضع السؤال هو يستجلب الجواب بناءًا على ما تخرج له من نتائج، هذه النتائج يتحدث فيها متحدثون، أو كَتَبَ فيها كاتبون عن مسائل علمية.
أولًا: هم ليسوا على درجة واحدة في العلم.
ثانيًا: لو فرضنا أنهم ثقات، وعلى مستوى من العلم يؤهلهم في بيان الأحكام الشرعية، هل مسألتك التي تسأل هي نفسها التي يتحدث عنها الشخص؟
يا أخي أحيانًا يُنزِّل الإنسان الفتوى على نفسه وهي لا تتعلق بقضيته لا من قريب ولا من بعيد.  
المقدم: تختلف كثير من وقائعها.
الشيخ: لسوء فهمه، وعدم استيعابه للسؤال والنازلة؛ لأنه عندنا القضية وعندنا تطبيقها على الواقع، فكونه يأخذ القضية ويطبقها على الواقع، قد يخطئ في تنزيل حكم على غير موضعه، وهذا له شواهد كثيرة فيما نعرفه من حياة حال المُستَفتين، وليس كما ذكرت في قضايا جزئية بل في قضايا أحيانًا مصيرية، وقد تتعلق بأمور كبيرة، ولها وتبعات.

في القريب الماضي اتصل بي أحدٌ في قضية امرأة هل يجوز له أن يتزوَّجَها أو لا لوجود رضاع؟ فقلت فيما يظهر لي: أن هذه لا تجوز لك بناءًا على وصفك، فقال: أن عندي فتوى أفتاني عالم، أو أُفتيت بالجواب، مع أني قلت: في غاية البعد عن مطابقة الواقع، ولكن لما قال: أُفتيت يعني أصبح عندي نوع من الاستفهام، فقلت له: من أفتاك في هذه القضية الرئيسية التي تتعلق بالزواج؟ لأنه تزوج بها، وأنجب منها طفلين، ثم جاء يقول لنا: بنيت عقدي على هذه المرأة بناءًا على فتوى.
المقدم: مجهولة.
الشيخ: لما سألته. قال: أنا سمعت فتوى في اليوتيوب لفلان من الدعاة أو لفلان من الوعاظ. يا أخي أولًا: لا أنا لا أدري عن صحة ما سمعت، ثم لا أدري عن انطباق هذه التي سمعتها على واقعتك.
المقدم: على حالتك.
الشيخ: فوقع في خطأ كبير يتعلق به، وبهذه المرأة، وبهؤلاء الأولاد الذين نتجوا عن هذا النكاح الباطل؛ لأنه لا يحل له أن يتزوج أخته من الرضاعة.

 فالمقصود: إن القضية قضية خطيرة يجب على الإنسان أن يتأنَّى وأن يرجع.
هناك مسألة أخرى فيما يتعلق بإصدار الأحكام على الحُكَّام، وعلى الدول، وعلى العلماء، وعلى الجيوش، تجد أن هناك من يُسرف في ويبادر في بتِّ الأحكام هذا كافر، وهذه دولة كافرة، وهؤلاء علماء زور.

المقدم: قضايا عامة.
الشيخ: وقضايا كبيرة يتورَّع عن الحديث فيها كبار العلماء.
المقدم: حتى المجامع أحيانًا.
الشيخ: ولا يَبِتُّ فيها إلا إما من خلال القضاء.
المقدم: مجامع وهيئات ومؤسسات.
الشيخ: أو من خلال مجامع علمية، تجد هذا الذي لا يحسن أن يتوضأ، لا يحسن أن يعرف أبجديَّات العلم، قد لا يحسن تلاوة القرآن، والآيات التي يستدل بها، تجده يفتي بالتحليل والتحريم، والتكفير، وغير ذلك من المسائل.
المقدم: هذه مشكلة.
الشيخ: إذا كان كذلك، هذه الطرق التي يسلكها الناس تحتاج إلى غربلة، تحتاج إلى فحص، إعادة نظر، فلا أكتفي بهذه الطرق في السؤال، بل ينبغي أن أطلب فيما يتعلق بمسائل دين من تبرأ به ذمتي أمام ربي.
المقدم: أستأذنك يا شيخ خالد في نأخذ اتصالًا من المستمع "عبد العزيز الشريف" من الرياض تفضَّل يا عبد العزيز، ونعتذر عن الإطالة.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياكم الله يا أستاذ عبد الله، مساك الله بالخير.
المقدم: مساك الله بالنور، يا مرحبا.
المتصل: أحيك وأحيي شيخنا الشيخ خالد، حياكم الله يا شيخ.
الشيخ: حياكم الله، مرحبًا أهلًا وسهلًا.
المتصل: فضيلة الشيخ بالنسبة لأئمة المساجد ألا ترى معي أنهم أهلٌ للعلم؟ فهم لا يُعيَّنوا في هذه المساجد إلا عن طريق اختبار، وتفحيص، وتقنية وغير ذلك.

 أيضًا إذا كان الإمام مؤتمنًا على صلاة المسلمين أليس مؤتمنًا على أنه إذا عنده علم من هذه المسائل أن يفتيَهم ويوجههم، ويبين لهم الخير وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «بلِّغوا عني ولو آية».[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3461]

أيضًا المسألة الثانية بارك الله فيكم: السائل كثرة السائلين الآن في أمور للأسف الشديد يأتيك أمور يسألك عن كل شيء.

لماذا لا يتم نهر السائل على قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وكره لكم كثرةَ السؤال»؟[أخرجه البخاري في صحيحه:ح1477] يعني بعض الناس يسأل في مسائل للأسف الشديد كثيرًا ما يتردد، وكثيرًا ما نسمعها، وكثيرًا ما يسأل عنها المشايخ في الإذاعة وفي التلفاز وغير ذلك، وتجد هذا السائل يأتي بالسؤال بطريقة أخرى، ويسأله بطريقة أخرى مع أنه قد سئل هؤلاء الذين يتتبعون الرخص في المسائل، ويتنقلون بين شيخٍ وآخر.

ما هي النصيحة التي توجَّه لهم؟ لأنا نسمع كثيرًا من المسائل للأسف الشديد تردَّد في كل يوم وليلة، وجزاكم الله كل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المقدم: شكرًا لك وعليك وإياك خيرًا.

 شيخ خالد ربما ذكرتم أنتم مسألة يعني أئمة المساجد ويقول: إنه لم يتأهلوا لهذا المكان إلا بعد اختبارات، وفحوصات.
الشيخ: اختبار نعم؛ هو كما ذكر أنهم متأهلون للإمام وليس للإفتاء هم يختبرون في أربعة أجزاء من القرآن، ولا يختبرون في معانيها، أو يختبرون فيما يتعلق بأحكام السجود السهو وما إلى ذلك، ويختبرون في أسئلة عامة تبين أنهم أهلٌ أن يؤمُّوا الناس لكن أن يفتوا الناس مسألة أخرى يا أخي عبد العزيز، مسألة تختلف تمامًا، وقوله النبي صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية» هذا فيما علمه الإنسان وأدركه من الوعظ، وبيان الأحكام الشرعية، وتذكير الناس والحديث، لكن الإفتاء قضية تتعلق بأمر أجلّ من هذا وأكبر وأعظم، وخطورته أنه سبب لضلال الإنسان، وضلال الناس.

وقد جاء فيما رواه البخاري مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ» يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا»؛ يعني هم رؤوس إذا قدموا، وصدروا، وأصبحوا أصحاب رياسة في الناس يُرجع إليهم لكنَّهم جُهال لا يملكون علمًا، ولا يملكون قدرةً على فهم الأحكام الشريعة، ولا بيانها وما إلى ذلك «فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»[أخرجه البخاري في صحيحه:ح100]؛ لذلك ينبغي أن يحذر الإنسان أن يتورط في شيٍ من هذا، والإمامة خير وبرٌّ لكنها لا تكفي في بيان الأحكام الشرعية.
المقدم: سأل عن سؤال مهم جدًا، وهو يعني ضمن المحاور المهمة التي كنا سنتطرق لها فيما يتعلق بفتاوى الفضائيات، وكذلك كثرة السؤال عن يعني أسئلة متكررة أحيانًا لمسألةٍ معينة، وحول من يعني يتنقَّلون بين شيخٍ وآخر أو مفتٍ وآخر باحثين عن الرخص، أو أحيانًا تكون بعض الأسئلة فيها نوع من يعني إن صح التعبير نوع من الخُبث أو نوع من المقاصد غير الحسنة.

 يريد أن يوقع الشيخ
الشيخ: نحن يعني هذا من الجوانب التكميلية.
المقدم: أو المفتي فيما لا داعي فيه، أو فيما لا مصلحة فيه.
الشيخ: يعني هذه المسائل التي فيها التواء، وفيها مآرب غير بيان الحكم الشرعي، هذه مما يعني يُنهى عنه وهي من الأغلوطات التي نهى عنها العلماء، والتي تندرج فيما جاء فيه النهي عن السؤال.

 أما مسألة أن يكون الإنسان يَسأل بمسألة وتتكرر هذه المسألة الحقيقة أنه يعني تكرُّر المسألة اليوم ليس كافيًا في إجابة كل الناس؛ لأنه قد أسأل عن مسألة اليوم يأتي غيري من لم يسمع عن السؤال فيعيد السؤال.
فتكرار الأسئلة أحيانًا له عدة أسباب:
إما أن السائل لم يسمع السؤال فعند ذلك هو عمل بما أُمر به ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَالنحل:43. أحيانًا تكرار السؤال قد يكونوا طلبًا للتوثُّق؛ فيكرر السؤال حتى يستوثق من صحة الجواب أو من صحة فهمه، أو ما إلى ذلك.

أحيانًا يتكرر السؤال ليبحث عن الرخصة التي، أو يبحث عما يشتهي وهذا هو المذموم الذي جاء تحذير العلماء منه، وهو الذي قال فيه أهل العلم: "من تتبَّع الرخص فقد اجتمع فيه الشر كله أو في بعض قولهم:فقد تزندق
المقدم: فقد تزندق.
الشيخ: فقد تزندق"، فتكرار السؤال ليس مشكلةً في ذاته إنما المشكلة في ما يتصل بالغرض، والباحث على تكرار السؤال، وأما الأسئلة التي يقصد بها الإفساد، يقصد بها تفريق الناس، يقصد بها إحراج المسئول، يقصد بها إثارة الفتن بين المسلمين كل هذا، يقصد بها  ذم الطاعة لولاة الأمر.
المقدم: تقسيم الناس.
الشيخ: تنقُّص للعلماء الآخرين، كل هذا مما يعني ينبغي أن يُنهى، يعني يُجتَنَب ويُنهي عنه.
المقدم: هنا مسألة مهمة جدًّا، يكثر السؤال عنها يا شيخ خالد في مثل هذا الموضوع المهم عن "الفتوى وضوابطها"، بعض الناس يعني لا يتورع عن سؤال أي شخصٍ، ربما يقرأ مثل ما يقال يعني لا يحفظ سوى مثلاً حصن المسلم، بعضٍ من الأحاديث، وبعضٍ من آيات القرآن الكريم، ويظن أن بذلك قد بَرِأت ذمتهُ.

 كيف يمكن أن نتحدث عن هذا الأمر، كما يقال يعني في المثل الشعبي يعني للأسف الشديد يعني (ضع بينك وبين النار مطوَّع)؟ هذه الكلمات أو العبارات للأسف الشديد التي يرددها العامة في مجالسهم، كيف يمكن لنا أن نُفَنِّدها، وأن نبين خطورتها؟
الشيخ: والله يا أخي أولاً: فيما يتعلق بما يكون، ما يشيع من فتاوى وأقوال إذا كانت هذه الأقوال مضطربة فيمكن المراجعة أولًا: لا تشع ما لم تثق به، أو ما لا تتحقق من صحة نسبته، وارجع إلى القائل فيما تستغربه واسأله عما صدر عنه، حتى تعرف وتكون مستوثقًا من؛ لأنه أحيانًا يعني الفتاوى تجتزأ تقتبس، وقد يدخل فيها أحيانًا جوانب الإثارة الإعلامية، وقد تغيَّر وتحرَّف؛ ولذلك لابد من الرجوع إلى أهل العلم.

 وأنا أقول: يعني أمر الفتوى أمر عظيم، وليس للتلاعب، ولا للإثارة، ولا للاستفزاز، لا الإعلامي ولا جذب الأنظار، بل هو "دين".

 فينبغي للمؤمن أن يتحرَّى المتكلم، أن يتحرى القول الذي يكون فيه بيان الحق من دون إيقاع الناس في فتنة أو شرٍّ، وينبغي للسامع أن يتقيَ الله تعالى فيما ينسبهُ إلى أهل العلم، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ أي أهل العلم ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْالنساء:83.

فينبغي الرجوع إلى أهل العلم فيما أُشكل، وألا يبادر الإنسان إلى نشر ما قد يكونوا مقبولاً على وجهٍ غلط أو غير صحيح.
المقدم: بالنسبة للسؤال عن الدليل، سؤال المستفتي للمفتي عن الدليل، ويعني كل مسألة يسأل عنها يبحث عن الدليل، ويسأل عن الدليل، ويحرص ويشدِّد في هذا الأمر هل هو مما يمكن أن يدخل في الإساءة، إساءة الأدب إلى المفتي؟
الشيخ: لا؛ هذا ليس إساءة أدب، يعني هو يعتمد يا أخي أحيانًا الأسلوب قد يكون فيه إساءة أدب، وأحيانًا قد يكون لا؛ إنما هو لبيان المستند الذي بنى عليه المفتي رأيه، لكن أحيانًا يسألك من لا يفقه الدليل، ولا يعرف طرائق الاستدلال، ففي هذه الحال قد يصعب على المفتي مثلاً إذا كانت المسألة مبنية على قياس مثلاً؛ يعني هذه تحتاج إلى معرفة، ولو أردت أن تشرح له وجه الربط، وكيف تم القياس لم يستوعب، فثمة أحيانًا ما يعجز عنه الإنسان بيانًا، ولكن في الأصل السؤال عن دليل أمر بحال محمود، وينبغي للمفتي لاسيما في الإفتاء العام اليوم الذي يعني له من الخطورة بمكان أن المتكلم يتكلم بكلمة تطير في الآفاق.

الفتوى اليوم ليست كالفتوى أمس، اليوم المفتي يتكلم بالكلمة في مجلس يسمعه العالم في شرقه وغربه، ومن أقصاه إلى أقصاه، فينبغي أن يتحرَّى في القول؛ ولهذا الفتاوى الفضائية، الفتاوى العامة ينبغي للفقيه أن يكون دقيقًا في لفظه، دقيقًا في عَرضه، متأنيًا في بيانه، وأن يراعي حال المستمعين حتى لا يكون فتنة، والفتاوى اليوم يا أخي عبد الله يعني لاسيما الفتاوى التي تنقل عبر وسائل الأعلام يسمعها المسلم، والكافر، والعدو، والصديق، والمستفيد.
المقدم: المتصيد.
الشيخ: والمتربص؛ ولذلك ينبغي أن يكون من يتصدى بالإفتاء في غاية العناية والتحرز، والفطنة والتنبُّه، أن لا يكون فتنةً للناس، وأن لا يكون صادًّا عن سبيل الله، وأن لا يكون سببًا للشر.

 يا أخي أقول بكل وضوح: أحيانًا يسمع فتواك وهذا لا أتحدث عن خيال بل عن واقع يسمع فتواك شخص غير مسلم، ويتأثر بفتواك فتكون سببًا لإسلامه، مع إنك لم تتكلم في مسألة من مسائل الأحكام أو مسائل الفروع أو مسألة جزئية لكن يكون له من التأثير ما يحصل به خير، وأحيانًا قد تكون سببًا للصدِّ عن سبيل الله بطريق عرضك للمسألة، بطريق تناولك لها ، فأسأل الله أن يعين المُفتين، وأن يثبِّتَهم في أقوالهم.
المقدم: شيخ خالد هنا سؤال مهم جدًّا، لعلَّ البعض يعني يلاحظ هذا الأمر على مواقع التواصل، يعني للأسف بعض هذه الأساليب تستخدم للإساءة إلى يعني أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ فيما يتعلق بتغيُّر الفتوى أحيانًا، أحيانًا يكون هناك نوع من الوقائع التي تتغير، وبالتالي ربما تستخدم هذا التغير يأتون بالفتوى القديمة، والفتوى الجديدة وبالتالي يعني يستخدمونها بشكلٍ وبآخر للإساءة إلى هذا المفتي.

 كيف يمكن أن نتحدث عن هذا الجانب؟ خاصةً إذا ما علمنا أن الفتوى يمكن لها أن تتغير كما حصل هذا الأمر مع كثيرٍ من الأئمة الذين سبقونا؟
الشيخ: وفيما يتعلق بالتصيُّد والتربُّص هذا موجود يعني، والذي يريد أن يطعن لم يعجز عن أن يتناول كلام العلماء، كلام البشر بالطعن والتثريب، فقد آذوا الله -عزَّ وجل- بالطعن في قوله ، وكذلك آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنقيص من شأنه واتهامه بما اتهموه به من الباطل.

فينبغي للعالم أن يتسع صدره لمثل هذا، وأن يتَّزِن، وأن لا يستخفه الجاهلون.
أما ما يتعلق بموقف الإنسان إذاء هذه المواقف، بالتأكيد أن الفتوى قد تتغير؛ ولذلك لاسيما فيما يتعلق بالفتاوى التي حكمها منوط بالمصلحة، بالمفاسد والمصالح، وبسد الذرائع، هذه الأمور قد تتغير، فقد يفتي عالم في زمن من الزمان أو وقت من الأوقات بالمنع، ثم يفتي بالإباحة بناءًا على وجود متغيِّرات، على وجود أمور اختلفت في الواقع وفي الحياة، وفي حال الناس أوجبت هذا التغيُّرَ، وهذا ليس بدعًا من القول، ولا غرابة فيه لكن الذي يجهل، ويريد العالم الذي يقول قولاً يمسك هذا القول إلى نهاية المطاف، في حين أنه القول مربوط ومنوط بأسباب قد تتغير، هو يجهل قضية الفتوى فالإشكالية ليست في الفتوى، ولا في المفتي، الإشكالية في فهم المتلقِّي الذي يقتنص مثل هذه الأشياء للطعن، والنيل من أهل العلم والتنقص لهم، وهؤلاء نسأل الله لهم الهداية، وأن يردهم إلى الجادَّة، وأن يكفَّ ألسنتهم عما فيه ضررٌ لهم، وإلا فالعلم هذه أمور معروفة.

الإمام الشافعي -رحمهُ الله- كان في بغداد وكان له رأي، ثم لما انتقل -رحمهُ الله- إلى مصر كانت له آراء أخرى.

هل كان هذا منقصة في حقِّ الشافعي؟ هل كان هذا سببًا للطعن في فقه ومنزلته؟
الجواب: لا، بل كان هذا دليلًا على بصيرته وفقهه، ومراعاته للمتغيرات التي قد تتغير بها الفتاوى، ثم ليس كل فتاوى الشريعة تتغير؛ يعني الخمر محرمة، ولا يمكن أن نقول: اليوم حرام وبكرة حلال.

 الصلاة واجبة لا يمكن أن يقول: اليوم الصلاة واجبة، وغدًا تتغير المسألة تختلف، لكن يمكن أقول: اليوم الصلاة يجب أن يحافظ عليها في أوقاتها، وغدًا عندما تكون الحالة السائدة أو الحالة العامة فيها خوف، لا يمكن للناس أن يصلوا فيها الصلاة في أوقاتها.

 أقول: يجوز الجمع، أو يكون في مطر فيجوز الجمع اليوم تغير الحكم، تغير الحكم في هذه الصورة له أسباب، وهو ما أوجب تغير هذه الأحكام، فينبغي للناس أن يتقوا الله تعالى، وأن يحفظوا مكانة العلماء، ويعني يدعوا لهم بخير، وأن يسألوا الله لهم السداد؛ لأنه مسئولية أهل العلم عظيمة بالغة الخطورة، أسأل الله أن يسددهم في أقوالهم وأعمالهم، وأن يجزيهم خيرًا على ما يبذلونه.
المقدم: كنت أود أن أختم ربما يعني لكن الوقت قد أزف.

شيخ خالد بما أنكم ذكرتم في تغريدةٍ لكم بأن تفجير الإرهابيين أنفسهم يظهر عظيم استخفافهم بالدماء والأرواح، ويكشف قبيحَ أعمالهم وخبيث مكرهم الذي جعلهم يفرون منه بتفجير أنفسهم، خابوا وخسروا.

هؤلاء الذين يتقحمون الفتوى، وأكثرهم من المجاهيل الذين لا يعبؤ بهم، وربما بعضهم لا يحفظ سوى نذرًا يسيرًا من الحديث، ومن الآيات الشريفة، الآيات الكريمة، ومع ذلك فهو يفتي ويتكلم، ويتحدث في أمر عامة المسلمين، ويكفِّر فلانًا ويعني يفتي بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، ويدخل كثيرًا من الأغرار، وكثيرًا من حُدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام في هذا المستنقع الكبير، ما الذي يمكن أن نتحدث فيه في أقل من دقيقة يا شيخ.
الشيخ: هذا نموذج، هؤلاء المفسدون المخرِّبون الذين يسعَون في الأرض فسادًا، يبنون هذه التصرفات على كتب ومؤلفات، وإفتاءات، وتنظيرات من قومٍ لا خلاق لهم من حيث العلم، ومن حيث الديانة، ومن حيث الرسوخ في العلم، وبالتالي هذا يؤكد ضرورة الترشيد في من يؤخذ عنه العلم؟

هؤلاء يا أخي يفجروا أنفسهم بأي حق يفجروا أنفسهم؟ هذا يبين أنه لا علم لهم، وإنما عندهم من سوء في الفكر، وسوء في العمل بوَّأهم أن يحكموا على أنفسهم بالقتل؛ فلذلك ينبغي أن يحذر هؤلاء، وأن يحذر أولئك الذين يزينون أفعالهم، أو يبررون أعمالهم، أو يساندونهم بآراء منحرفة، وتضليلات مُضلَّة تُخرج الإنسان عن الصراط المستقيم إلى التورط بهذه البدع، والخروج على ولاة الأمر، والاعتداء على الآمنين، والاستهانة بالدماء، وزعزعة أهل الإسلام.
المقدم: شكر الله لكم فضيلة الشيخ.
الشيخ: أسأل الله أن يكف شرهم، وأن ينصر جنودنا المقاتلين كما لا يفوتني أن أدعو الله -عزَّ وجل- لرجال أمننا بالتسديد والحفظ والتوفيق في هذه النجاحات المتلاحقة التي حققت خيرًا عظيمًا.
المقدم: شكر الله لكم ونفع الله بكم وبعلمكم.      

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90647 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87046 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف