×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (81) من الكذب أن تحدث بكل ما سمعت

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5195

المقدم: أهلًا بكم من جديد مستمعينا الكرام إلى هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة".
 
الكذب هو من أسوأالصفات التي يتحلى بها بعض الأشخاص ويوصَفون بها، وهي تقلِّل من قيمتهم، وكما أن هذا الكذب هو عملية تغيير أو اختراع أعمالٍ جديدةٍ لم تكن صحيحةً وغير واقعية، هو هذا الموضوع الذي نتحدث عنه، وذلك أيضًا في ضوء قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ».[ أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه:1/10]
أرحب مجددًا بضيفي الشيخ الدكتور: خالد المصلح.
شيخ خالد عندما نتحدث عن هذه الآفة الخطيرة، وعن هذه الصفة الذميمة، وعن تحذير النبي صلى الله عليه وسلم للناس جميعًا، أو المسلمين بشكل خاص من هذه الآفة أن يقعوا فيها أو أن يواقعوها، وأن يقتربوا منها من خلال العديد من النصوص التي وردت في السنة النبوية المطهرة وفي صحاح كتب السنة.
في البداية نقدم هذا الموضوع - شيخ خالد - بما يناسب مثل هذه الصفة الذميمة، وكذلك أيضًا ننطلق بعد ذلك إلى بقية محاور حديثنا في هذه الحلقة.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام.
الشيخ: الحمد لله رب للعالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسانٍ إلى يوم الدين. 
أما بعد: فلما عد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما يتعلق بأبواب الخير وصنوف البر، وأوجه الإحسان قال في ختم الحديث لمعاذ بن جبل: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ هَذَا»، وَأخذ بلسان نفسه -صلى الله عليه وسلم-، «أَمْسِكْ عَلَيْكَ هَذَا» أي: احفظه عن كل ما يسوؤه وعن كل ما يُرْدِيه، وعن كل ما يوقعه في الخطأ والزلل من سائر أوجه الخطأ في القول، والمجانبة لسديد النص؛ فإن ذلك كبير الخطر، عظيم الضرر في الدنيا والآخرة؛ ولهذا أكد النبي صلى الله عليه وسلم على أن ملاك الخير، وما يجمع به الإنسان أبواب البر هو أن يملك عليه لسانه، قال: "يَا رَسُولَ أَوَإِنَا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَقُولُ؟" قال: «ثَكِلَتْكَ أمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وُجُوهِهِم، - أو عَلَى مناخرِهم - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ»[سنن الترمذي:ح2616، وقال:«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»]،وهذا يؤكد ضرورة توقي اللسان، وأن يحفظه الإنسان من كل ما يكون من أسباب الزلل والخطأ، ولا شك أن آفات اللسان عديدة، ومتنوعة، وحديثنا اليوم هو في أصل من أصول الهلاك التي تجني على الإنسان شرًّا عظيمًا، وضررًا كبيرًا في الدنيا والآخرة، وهي: "آفة الكذب".
والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، ولا يتعلق هذا بجانب من جوانب البيان والحديث، بل هو في كل ما يتحدث به الإنسان سواء كان ذلك فيما يتعلق بالدين أو كان يتعلق بأمر الدنيا، فإن الإنسان يتحدث بما يتعلق بالديانة، أو بما يتعلق بالدنيا يتحدث فيما يخصه، وبما يتعلق بغيره، وكل حديث بشتى صوره وأنواعه ينبغي أن يَتَحرى فيه أن يكون مجانبًا للكذب؛ فإن الكذب يفتح على الإنسان أبوابًا كثيرةً من الشر، إذًا الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، والإخبار بخلاف الواقع هو الإخبار بما لا يطابق ما في حياة الناس أو في وقائعهم، أو بما لا يتطابق مع حقيقة الأمر وواقعه.

فمثلًا: من يخبر بحادثة على خلاف وجهها فهو كاذب؛ لأنه أخبر بها على خلاف واقعها، وقد يكون الكذب في الخبر كله من حيث أصله، فيخبر بما لم يقع، أو يكون الكذب في وصف الخبر وتفاصيل أحداثه فيكون كذبًا في توصيف الواقع والإخبار في وصفه، وكلاهما مما يُلام عليه الإنسان، ويدخل في الكذب الذي نهت عنه الشريعة.
 
وكما أن الكذب يكون في أمر الدنيا والمعاش وأحوال الناس يكون في أمر الدين، فمن الكذب:
ما هو كذبٌ على الله -عز وجل-، وهذا أعظم الكذب وأخطره.
 
ومنه ما هو كذبٌ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
 
ومنه ما هو كذبٌ على الدين والشريعة.
 
ومنه ما هو كذبٌ على الخلق.
 
ومنه ما هو كذب يتعلق بالأخبار والحوادث.
ومنه ما هو كذب يتعلق بالأموال والخصومات والمنازعات.
فالكذب على مراتب ودرجات مختلفة، ويجمعها هذا المعنى العام الذي ينتظمها وهو ما ذكرته من الإخبار بخلاف الواقع، وبالتالي ينبغي للمؤمن أن يتجنب الكذب بكل صوره ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وقد نهى الله تعالى عن الكذب في محكم كتابه، وجاء النهي عنه كذلك في السنة المطهرة، وهو مما توافقت عليه البشرية على اختلاف دينها، وعلى اختلاف أماكنها وزمانها فالجميع متفق على ذَمِّ الكذب والتحذير منه، وعلى النهي عنه، وعلى بيان أنه من الخصال المذمومة التي ذمها الله ورسوله؛ وما ذمها الشرع والشِّيَم والمروءات وطيب الخصال، فبالتالي ينبغي أن يتوقى المؤمن الكذب كلَّه دقيقَه وجليله، صغيره وكبيره، ما كان منه في السر، وما كان منه في العلن، ما كان منه في حق الله -عز وجل-، وما كان منه في حق الخلق، وقد قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في بيان خطورة الكذب وما يفتحه على الإنسان من سيء الأعمال قال -صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ،  وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا»، ثم قال -صلى الله عليه وسلم- وهو موضع الشاهد: «وَإيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ» وهذا تحذير من الوقوع في الكذب «فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًا»[صحيح البخاري:6094، ومسلم:ح2607/105، واللفظ لمسلم]، وهذا يبين أن الكذب مفتاح الرذائل، أن الكذب مفتاح الشرور، أن الكذب يفضي إلى فساد الدنيا وفساد الآخرة؛ لهذا جديرٌ بالمؤمن أن يجتنب الكذب كله دقيقه وجليله.
وهي خصلة في الأصل لا تتوافق مع الإيمان؛ لأن الإيمان مقتضاه الصدق والأمانة؛ ولهذا لما سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن جملة من رذائل الخصال أيكون المؤمن بخيلًا؟ أيكون المؤمن جبانًا؟ فكان يجيب- صلوات الله وسلامه عليه- بـ «نعم»، فسئل: أيكون المؤمن كذابًا؟ قال: «لَا»[البيهقي في شعب الإيمان:ح4472، وهو ضعيف لإرساله]، وهذا يبين أن الكذب في أصله يتنافى مع هذه الخصلة الشريفة التي هي مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة، وهي خصلة الصدق ومجانبة الكذب، وإذا رأيت الخصال التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم من خصال النفاق العملي وجدت أنها دائرة على الكذب؛ ولهذا كل كذَّابٍ فإن فيه من خصال النفاق ما ينبغي أن يتخفف منه، وأن يتجنبه ليسلم من هذه الخصلة الرديئة، جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا - وَلَوْ صلى وصام وزعم أنه مسلم - وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَها» قال: «إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ» هذا الخصلة الأولى «إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» هذه الخصلة الثانية، «وَإِذَا عَاهَدَ غدر»[صحيح البخاري:ح34]، هذه الخصلة الثالثة، وكل هذه الخصال خصال دائرة على الكذب بالقول أو الكذب بالحال.
 
«وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذا خَاصَمَ فَجَرَ» في بعض الروايات، وكل هذا يبين أن خصلة الكذب خصلة مذمومة هذا من حيث الأصل؛ ولهذا ينبغي للمؤمن أن يتحرى الصدق وأن يتجنب الكذب، وأن يحرص غاية الحرص على تحري الصدق، ومجانبة الكذب، تحري الصدق هو: بذل المجهود في أن يكون من الصادقين في كل أحواله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة.
ولا شك كما ذكرت قبل قليل أن الكذب ليس على درجة واحدة ومنزلة واحدة، بل هو مراتب ودرجات، أعلاه وأخطره ما كان كذبًا على الله ورسوله، فينبغي للمؤمن أن يحذر أن يتورط في هذا النوع من الكذب؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أقُلْ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ»[صحيح البخاري:ح109]، وفي الرواية الأخرى قال: «إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى غَيْرِي، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدهُ مِنَ النَّارِ»[صحيح البخاري:ح1291] والأحاديث في هذا مستفيضة متواترة في بيان خطورة الكذب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغٌ عن الله، فالكذب عليه من أخطر ما يكون.
وأيضًا من الكذب المذموم الكذب على الناس، فإن الكذب على الناس من خصال النفاق؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ»[تقدم]، وقد قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما بيَّنه مما يُنهى عنه من القول قول الزور وهو شاملٌ لكل قولٍ باطل ومنه الكذب، ولهذا جاء في حديث أبي بكرة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُنبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ»[صحيح البخاري:ح5976] قول الزور أوسع من شهادة الزور؛ لأن قول الزور يشمل كل قول باطل ومنه الكذب.
شهادة الزور كذبٌ خاص وهو الكذب في الشهادات التي تثبت بها الحقوق أو تسقط؛ فإن هذا أخطر كذبًا من الكذب الذي لا يترتب عليه انقطاع الحقوق؛ لأن ذلك يفضي إلى الظلم في الأموال أو الأنفس، أو الدماء، أو الحقوق، بل إن الكذب جاء مُحَذَّرًا منه حتى على وجه المزاح، وعلى وجه إدخال السرور والضحك بين الناس، فقد جاء في حديث معاوية بن حَيْدَة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ويلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ الْقَوْمَ بِالْحَدِيثِ، فَيَكَذِبُ لِيُضْحِكَهُمْ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ»[سنن الترمذي:ح2315، وقال حديث حسن] هكذا كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الوعيد.
 
لأن كلمة «ويلٌ» كلمة عقوبة ووعيد تنبئ عن خطورة، وأيضًا الجرم في قول الإنسان لما هو مخالف للواقع مما يُقصد به إضحاك الناس، سواء كان الإضحاك هنا كذبًا لتضحك الناس في الإخبار عن شخص معين، أو الإخبار عن واقعة معينة كما هو حال بعض الناس، أو اختراع الأكاذيب التي يُقصد منها إضحاك الناس، فهذا وذاك كلاهما واحد داخلٌ في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ بِالْقَوْلِ وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ الْقَوْمَ بِالْحَدِيثِ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُمْ وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ»، وقد جاء نظير هذا من قول ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- حيث قال: «الْكَذِبُ لا يَصْلُحُ مِنْهُ جَدٌّ وَلا هَزْلٌ ، وَلا أَنْ يَعِدَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ شَيْئًا وَلا يُنْجِزَهُ لَهُ»[أخرجه أحمد في مسنده:ح3896بسند صحيح]، وهذا بيان أن الكذب ليس من خصال أهل الإيمان، لا في جدٍّ ولا في هزل، فيتحرى الإنسان الصدق، ويتحرى تجنب الكذب.
وإنما جاء الكذب مأذونًا به في أحوال ثلاثة على بيانها فيما نستقبل -إن شاء الله تعالى- من الحديث.
المقدم: بإذن الله.
الشيخ: مما يتعلق بموضوع الكذب وضرورة الحذر منه: الكذب الذي يترتب عليه إشاعة الفساد بين الناس؛ ولهذا كلما عظم الضرر بالكذب عظم خطره وكبر أثمه، كلما كان الضرر مترتبًا على الكذب أكبر كان إثمه أعظم؛ ولهذا الكذب على ولاة الأمر بإشاعة الافتراء واختلاق الأحاديث التي تزهد الناس في إعطاء ولاة الأمور حقوقهم، أو ما أشبه ذلك مما يمتهنه بعض الناس لتحقيق مآرب سياسية أو إفسادية في الحديث عن ولاة الأمر بالتنقص كذبًا وزورًا كان ذلك من أقبح الكذب الذي يلحق الإنسان فيه إثم.
وكذلك الكذب على العلماء؛ لأن الكذب على العلماء كذبٌ على من هم حملة الشريعة، ومن يبلغون عن الله وعن رسوله، فالكذب عليهم لتزهيد الناس بهم هو نوعٌ من الكذب الخطير الذي يترتب عليه مفسدة عظمى؛ لهذا من الضروري أن يعقل الإنسان لسانه عن الكذب على كل أحد فضلًا عمن يكون الكذب عليه، يكون فيه من المضار والشر ما يوقعه في فسادٍ عريض وشرٍّ كبير.
ومن الكذب الذي يغفُلٌ عنه كثيرٌ من الناس: نقل الحديث الذي لا خطام له ولا زمام مما ينسب إلى "يقولون"؛ فإن كثيرًا من الناس يتحدث بالحديث في المجالس، وينقل الأقاويل ويشيع الكلام في المناسبات، وإذا قيل له: من أين لك هذا؟ ما مصدرك في هذا؟ لم يكن عنده ما يستند إليه إلا أن يقول: "يقولون"، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ»[سنن أبي داود:ح4992، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، وقد تقدم بلفظ:«كفى بالمرء كذبا»كما عند مسلم في مقدمة الصحيح]، هذا الحديث فيه أنَّ كل من يتحدث بكل ما يصل إلى أذنه، أو بكل ما تقرؤه عينه فإنه لا بد أن يكون قد حاز نصيبًا وافرًا من الكذب؛ ففي حديث أبي هريرة: «كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً» أي: حسبه من الكذب، ويكفيه اتصافًا بهذه الخصلة أن يحدث بكل ما سمع.
 
وبهذه المناسبة ما يتداوله الناس عبر وسائل التواصل سواء كان ذلك من طريق "الواتس آب"، أو من طريق"تويتر" أو الـ"الفيس بوك"، وسواء كان ذلك ابتدأ كتابة، أو كان تدوير قص ولزق وإعادة نشر؛ فإن ذلك كله يدخل في هذا إذا كان حديثًا عن شيءٍ لا يعلمه مما يتعلق بوقائع الناس والحوادث، سواء كان ذلك فيما يتعلق بخاصة الأفراد أو بعامتهم، أو بولاة الأمر، أو بأمن البلد كل ذلك مما يدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ».
 
وأنت تلاحظ يا أخي الكريم أيها المستمع الكريم، والمستمعة الكريمة أننا في زمن ما أسرع ما تطير الكذبة في الآفاق، وذلك بسبب هذا التقارب، وهذا التواصل الذي سهل نشر الأقاويل وبث الأحاديث بصورة منقطعة النظير، لم يكن لها في سابق الزمان نظير، فبالتالي من المهم أن يتحرى الإنسان الصدق فيما ينقله، الآن تجدُ بعض الناس إذا قرأ تدوينةً، أو تغريدةً، أو وصلته من خلال بقية برامج التواصل أخبار مباشرة، بعض الناس ينشرها في القوائم عنده أو يعيد تغريدَها أو يعيد المشاركة بها، فتنتشر وتشيع، وهذا مشاركة في نشرها، حتى ولو لم يكن هو الذي قد كتبها.
 
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان خطورة الكذب الذي يتسع انتشاره في الناس أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلين قائمين على رجلٍ يشقان شدقه، فسأل عن حاله صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل الذي كان يُشَرْشَر شدقه إلى قفاه، يعني يشق طرف فمه إلى قفاه، ومِنْخَره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فقيل له في سبب هذا، قال: إنه الرجل يغدو مِنْ بيته، يعني: يخرج من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.[صحيح البخاري:1386]
 والآن ما يحتاج أنه يغدو من بيته، الحال الآن لا يحتاج إلى أكثر من أن يضغط بزرٍ على تغريدة، إعادة تدوير، أو نشر، أو كذلك المدونات، أو البعث للمجموعات، وما يُسمى بالجروبات، كل هذا مما يدخل في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لَيَكْذِبُ الْكَذِبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ». وهذا الحديث في صحيح البخاري في خبر الرؤية التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى فيها جملة من أصحاب الكبائر والذنوب العظيمة.
 
وجدير بالمؤمن أن يكون على غاية الحذر في هذا الأمر، وأن يحفظ لسانه عن أن يتحدث إلا بما فيه خير، وما هو متحقق منه؛ ولهذا بعض الناس إذا أراد أن يُرَوِّجَ حديثًا، أو أن ينشر أمرًا يتحقق له به غرض، أو يُمضي به الوقت، ويمضي به المجلس، أو يتصدر المجالس، أو يحقق ما يُعرَف بالسَّبْق الإعلامي، أو أنه والله يجيب العلم، أو عنده خبر، أو أنه عنده مصادر أو ما أشبه ذلك.
المقدم: أو يريد متابعين مثلًا.
الشيخ: أو يريد متابعين هذا في مواقع التواصل، فتجده يأتي.. يعني: من مصادرنا، أو ما إلى ذلك من الكلمات التي تشبه ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم بـ«زعموا» في قوله: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا».[سنن أبي داود:ح4972، وصححه الألباني في صحيح الجامع:ح866].

 النبي صلى الله عليه وسلم سمى «زعموا» مطية؛ لأن الذي يتحدث بما يريد أن يسوقه ولا مصدر له يستند إليه، ولا ثقة يعتمد عليها في الخبر لا يجد إلا أن يقول: زعموا، ومنه: سمعنا، أو يقال، أو انتشر.
المقدم: كلام مرسل.
الشيخ: أو يتردد، أو في مصادر، أو ما أشبه ذلك مما هو يشبه (زعموا) التي من خلالها يجعل هذا الإنسان مطية لنشر الأخبار وبثها بين الناس على وجهٍ لا يتحقق منه، والإشاعات التي تَروجُ بين الناس، وتتابع في تداولاتهم، غالبها يستند إلى مثل هذا الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا».
المقدم: أحسن الله إليكم، متواصلين معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة المباشرة من برنامجكم "الدين والحياة"، وحديثنا عن هذه الصفة الذميمة عن الكذب، والتحذير من هذه الآفة.
طبعًا بالتأكيد كانت هذه المقدمة لهذا الحديث، وربما أيضًا تحذير من هذه الآفة، وأن يحذر الإنسان من أن يعود نفسه، أو على الأقل أن يسلك هذه المسالك دون أن يشعر، فيُكتَب عند الله كذابًا.
أرقام التواصل لمن أراد أن يتفاعل معنا ويتواصل في هذه الحلقة، وللتحديث في موضعنا في هذه الحلقة الرقم الأول: 0126477117 والرقم الآخر: 0126493028
ويمكنكم كذلك مستمعينا الكرام مراسلتنا بالتغريد على الواتس أب: 0582824040، وكذلك بالتغريد في هشتاج البرنامج: "الدين والحياة" أو حساب الإذاعة على تويتر "نداء الإسلام".
نفتح باب الاتصال للمستمعين الكرام، وأول اتصال معنا من عبد العزيز الشريف تفضل عبد العزيز.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياك الله أستاذ عبد الله، كيف حالك؟
المقدم: أهلًا ومرحبًا.
المتصل: أحييك وأحيي فضيلة الشيخ.
المقدم: حياك الله.
المتصل: فضيلة الشيخ، خُلف الوعد، والمخاصمة - يعني خاصم فجر - هل هي داخل في الكذب؟ أم هي شيءٌ آخر؟
السؤال الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد غزوة وَرَّى بغيرها، فالتورية هنا هل دائمًا يستخدمها أو أنها في أحيان دون أخرى؟ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم حينما سُئِلَ ممن أنتم؟ قال: «مِنْ مَاءٍ».[سيرة ابن هشام:1/616]
السؤال الثالث: بارك الله فيكم، الحياة الزوجية وما أدراك ما الحياة الزوجية، ينبغي أن تُبنى على الصراحة، بعض الناس يأخذ من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:«حديث الرجل مع زوجته»[صحيح البخاري:ح2692، ومسلم:ح2605/101، وهذه الزيادة عند مسلم] أنه لا بد من الكذب، فما هو ضابط الكذب في الحياة الزوجية؟ وهل إذا دخل الكذب الحياة الزوجية، هل تكون هذه الحياة حياة طيبة؟ أو أنها تنقلب إلى حياة كلها مشاكل وشر؟ والرجل إذا أراد أن يحافظ على بيته، هل له أن يستخدم الكذب في كل صغيرة وكبيرة؟ وجزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: شكرًا يا عبد العزيز، والاتصال الثاني من الشيماء من مصر تفضلي، الشيماء.
المتصلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة  الله وبركاته، أهلًا وسهلًا.
المتصلة: ربنا يبارك فيكم ويرضى عنكم يا أهل مكة.
المقدم: اللهم آمين تفضلي.
المتصلة: أقول: إن الكذب داء ودواؤه قلة الكلام، أو الصمت ففيه راحة القلب واللسان والملائكة، ولو يسمح لي شيخي يعني يحدثنا عن صدق الأقوال والأفعال والأحوال، ولو مش متاح الآن، فيا ريت في حلقة قادمة، جزاه الله خيرًا كثيرًا.
المقدم: طيب، شكرًا جزيلًا، الشيماء، شكرًا، بارك الله فيكِ.
طيب، فيه اتصال يا مصطفى؟
طيب، شيخ خالد، في الحديث عن الكذب والتحذير من هذه الآفة، وهذه الصفة الذميمة كان سؤال الأخ عبد العزيز - قبل أن نأتي على مسألة الأسئلة الأخرى ربما تصب في المحور الذي يتعلق بالأنواع الجائزة في الكذب - مسألة الفجور في الخصومة هل يدخل في الكذب؟ ما أعتقد أن له يعني صلة مباشرة يا شيخ.
معي يا شيخ؟ طيب، إلى أن يعود إلينا الشيخ خالد ضيفنا في هذه الحلقة.
حديثنا متواصل معكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة عن الكذب والتحذير منه.
أرقام التواصل: 0126477117 و0126493028، واتس أب: 0582824040، وهشتاج البرنامج: "الدين والحياة"، حياك الله من جديد، شيخ خالد أهلًا وسهلًا بك.
الشيخ: الله يحفظك، الفجور في الخصومة يا عبد الله الذي أشرت إليه هو من خصال النفاق التي لها صلة بالكذب؛ لأن الفجور في الخصومة هو تجاوز الحد فيما يتعلق بالخصومة، ومِنْ تجاوُزِ الحدِّ أن يكذب الإنسان على خصمه، وأن يُزَوِّر عليه.
المقدم: يفتري عليه.
الشيخ: وأن يختلق من الحجج أو العيوب أو المثالب ما يبرر به الخصومة معه، فالفجور في الخصومة له يكون بالكذب ويكون بغيره؛ ولذلك عَدَّه النبي صلى الله عليه وسلم من خصال النفاق، والنفاق دائرٌ في كل خصاله على الكذب، فما من خصلة من خصال النفاق إلا ولها صلة بالكذب.
المقدم: قبل أن نأتي على الأسئلة، وربما يعني هي كما ذكرت متعلقة بالمحور الخاص بالأنواع الجائزة في الكذب، أو ما يُباح في الكذب، ربما الأخت الشيماء أشارت إلى مسألة علاج الكذب ودواؤه في قلة الكلام.
وهنا أيضًا لدينا مشاركة من الأخ أحمد غانم يقول: ليس المؤمن بالكذاب، ويقول يعني: إن ذكر الله -سبحانه وتعالى- يجنب الكذب، ويعني حثَّ على مسألة غرس مفهوم الصدق في الأطفال منذ الصغر، وتحذيرهم من الكذب في جميع الأحوال حتى على سبيل المزاح، وهذا ينسحب أيضًا على ما يقع فيه بعض الآباء والأمهات في أنواعٍ من الكذب كأنه يرسل ابنه، أو أن يوعز لابنه أن يكذب عندما يقابل من يأتون من الضيوف، أو ممن هم من خارج المنزل فيقولون له: قل لهم أني لست في المنزل، وهكذا من أنواع الكذب التي يُربى عليها الصغار أحيانًا بقصدٍ أو بغير قصد.
الشيخ: ما في شك أن التربية لها تأثير كبير في حفظ الإنسان من رذائل الأخلاق، ومنه: خصلة الكذب، فإن الكذب يُربى في الصغير، كما أن خصال الخير تربى في النشء، فمن حرص على التحلي بالصدق يبدأ بنفسه وبمعاملته لوحده كان ذلك منعكسًا على أولاده في تحرى الصدق ومجافاة الكذب، وينبغي أن يُغرس في نفوس الأبناء والبنات هذه الخصلة منذ نعومة أظفارهم، وأن لا يُسَوَّغ لهم الكذب، وأحيانًا يُسمَّى الكذب بغير اسمه، فيُسمى الكذب مزاحًا، أو كذبة بيضاء، أو ما أشبه ذلك من الأوصاف التي تُسوغ الكذب وتهونه، والمطلوب هو تربية النشء على الصدق وتحري الصدق في القول، واجتناب الكذب ما استطاع إليه سبيلًا، وبالتالي ينبغي مكافأة من يتحلى بهذه الصفة من الأبناء والبنات.
والبحث عن أسباب العلاج في حَقِّ من تورط بشيء من الكذب من الأبناء والبنات، وأن يكون الإنسان قدوةً لبنيه ولأسرته في أن يكون صادقًا.
المقدم: طيب، سؤال الأخ عبر الواتس آب، لم يذكر اسمه يقول: هل يجوز الكذب يقول: للوالدين، لم أفهم يعني بالتحديد، هل على الوالدين؟ أو للوالدين؟ في كل الأحوال يعني هل يجوز هذا الأمر؟
الشيخ: هو يا أخي الأصل في الكذب التحريم، هذا الأصل الذي ينبغي أن يستحضر، والله تعالى يقول: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِالحج:30، والنصوص في هذا كثيرة، وقد بيَّن الله تعالى أن الكذب مما يُحرَم به الإنسان الهداية ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌغافر:28، فينبغي الحرص على الصدق في كل الأحوال، وما جاء من أحوال جواز الكذب إنما هي حالات استثنائية يكون فيها ما يترتب على عدم الإخبار بالواقع الكذب من مصلحة أعظمَ من مفسدة الكذب؛ ولهذا جاء الإذن بالكذب في الإصلاح بين المتخاصمين، جاء الإذن بالكذب في الحرب وعلى الأعداء، جاء الكذب في تحقيق الرضا بين الزوجين، وكل هذا جامعه واحد وهو أن يكون الكذب يترتب عليه من المصلحة أعظم من مفسدة الكذب له؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء في الصحيح من حديث أم كلثوم بنت عقبة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «لَا أَعُدُّهُ كَاذِبًا»، ثم قال: «الرَّجُلَ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ يَقُولُ الْقَوْلَ لا يُرِيدُ بِهِ إِلا الإِصْلاحَ ، وَالرَّجُلَ يَقُولُ الْقَوْلَ فِي الْحَرْبِ ، وَالرَّجُلَ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ ، وَالْمَرْأَةَ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا»[تقدم] هذه المواطن الثلاث هي مما أذن فيه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالكذب، وذلك لأن مصلحة الكذب أعلى من المفسدة المترتبة عليه.
ولكن هذا ليس في كل الأحوال، ولا في كل الزمان، إنما هو فيما إذا ترتب عليه مصلحة، يعني أن يكون في ذلك مصلحة، أما أن لا يترتب على ذلك مصلحة، أو أن يكون لا حاجة إليه فالواجب الصدق؛ ولذلك في إذن الرجل ليكذب على امرأته، والمرأة تكذب على زوجها أن ذلك هو من باب الاستصلاح واستطابة النفس، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجلٍ جاءه فقال له: يَا رسول الله، هل عليَّ جُناح أن أكذب على أهلي؟ قال: «لا، فلا يحب الله الكذب»، قال: يا رسول الله أستصلحها وأستطيب نفسها. قال: «لا جُنَاحَ»[مسند الحميدي:ح331من مرسل عطاء، والحديث له شاهد عند مسلم من مسند أم كلثوم كما سبق]، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا جناح، أي: لا إثم ولا مؤاخذة أن يكذب الإنسان في هذه الحال لتحقيق مصلحة، وهي الصلاح في العلاقة بين الرجل وامرأته، لا أن يكون هذا هو الدأب المستمر، أو هذا هو الأصل في المعاملة والخلق، إنما أن يكون هذا على وجه عارض يحصُل به تحقيق مصلحة ودرء مفسدة.
المقدم: هو كان يسأل يعني أن الحياة الزوجية ينبغي أن تُبنى على الصراحة وغير ذلك، لكن ربما هذا الحديث أيضًا حديثكم أو تعليقكم هذا جَلَّى الأمر ووضحه، وحدد أيضًا ضابط ما يعني يُباح فيه الكذب في هذه العلاقة الزوجية.
مسألة، قبل أن ندخل إلى المحور الذي بعده هو سؤال عبر الواتس آب يقول: إنني أُخفي أحيانًا بعض مشاعري بالألم، أو شعوري بالألم أو إحساسي بالضيق عن والدي - يعني يسأل عن هذا الأمر يا شيخ - هل يُعَدُّ هذا الأمر كذبًا؟
الشيخ: هو يعني هذا الإخفاء ليس كذبًا، الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، لكن مثلًا إذا كان مثلًا يُخْفِى يُظْهِر خلاف الواقع هو حزين، ويظهر السرور هذا نوع من الكذب، لكن هذا الكذب إذا كان لمصلحة، أو لحمل النفس على الرضا بقضاء الله وقدره، فإنه لا بأس بذلك، ولا حرج فيه لحمل النفس على السمو، ولكن فيما إذا، وأيضًا إذا كان ليدفع عن والديه أذى الشعور بمصاب ولدهم فلا بأس بهذا.
المقدم: جميل، الحديث يا شيخ.
الشيخ: الإخفاء ليس كذبًا، الكذب هو إظهار خلاف الواقع، أما أن تكون حزينًا، ولا تظهر هذا، أو تكون يعني مسرورًا ولا تظهر هذا، فهذا ليس كذبًا.
المقدم: إي نعم، حدِّثْنا عما يُباح في جانب الكذب والضوابط المحددة لهذا الأمر، لعله أيضًا أن نذكر ما يتعلق بفضل الصدق في الأقوال يا شيخ، وحث الناس عليها، وكذلك يعني ما يكون من أجر لهذا الذي يعتاد دائمًا أن يكون صادقًا في أقواله حتى يبلغ الدرجة التي بَشَّر بها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي قال عنه: «وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا».[تقدم]
الشيخ: نعم، هو الله -عز وجل- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَالتوبة:119، فما يتعلق بالأحوال التي يجوز فيها الكذب جمعها الحديث الذي ذكرت، حديث أم كلثوم بنت عقبة الذي قالت فيه لما سئلت: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يرخص في شيءٍ من الكذب؟ فقالت رضي الله تعالى عنها: سمعته يقول: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا»، هذا الموضع الأول، قالت: "ولَمْ أَسْمَعْ يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ من الكذب إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ" أي: في قتال الأعداء، "وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ، والمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَها"[تقدم] وذكرت قبل قليل أن الأمر الجامع فيما يتعلق بهذا كله هو أن يكون ذلك على وجه تحقيق المصلحة.
المقدم: جميل، لا تكون هناك مفاسد أو مضار؟
الشيخ: ما فيه مفاسد، ما فيه إسقاط حقوق، يعني مثلًا: أضرب مثالا لما يكذب الرجل على امرأته لإسقاط حقٍّ من حقوقها هذا لا يجوز، لما تكذب المرأة على زوجها في إسقاط حق من حقوقه لا يجوز، لكن لو أنه كذب عليها، أو هي كذبت لاستصلاح الصلة بينهما، فمثلا قالت: أنا اشتقت إليكَ مثلًا، أو هو قال: أنا أحبك مثلًا، وهو ليست على نحو ما أخبر، إنما أراد بذلك تطييب الصلة واستصلاح العلاقة، هنا ما فيه حقوق تسقُط، لكن لما يكون لها حق في المهر، حقوق في النفقة، ويقول: ما عندي، أو علي دين، ويريد بذلك إسقاط الحق، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا جَمَعَ كذبًا وأكلًا للمال بالباطل، أو مماطلة لما يجب عليه من الحق، فينبغي التفريق.
المقدم: بارك الله فيك، ومسألة التورية يا شيخ باختصار.
الشيخ: التورية هي مخرج من المخارج التي يسلم بها الإنسان من الكذب الصريح؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَة عَنِ الْكَذِبِ»[أخرجه البخاري في الأدب المفرد موقوفا على عمران بن حصينt، وصححه البيهقي في الشعب موقوفا:ح4458، وكذا ابن حجر في الفتح:10/594]، معنى المعاريض يعني أن يتحدث بحديثٍ يُفهم منه خلاف ما يريد، فيُفهم شيئًا خلاف الواقع، وإن كان ما أخبر به صحيحًا، ومثال ذلك ما فسر النبي صلى الله عليه وسلم في خبر إبراهيم -عليه السلام- عندما دخل أرضًا كان فيها جبارٌ يسطو على النساء، ويأخذ الأشياء من غير حق، فأُخبر بأن امرأة من أحسن الناس في أرضه وهي زوجة إبراهيم -عليه السلام- فأُحضرت وإبراهيم، وأراد أن يمسها بسوء، فسأل إبراهيم: من هذه؟ قال: أختي[أخرجه البخاري في صحيحه:ح3358]، ولو قال: إنها زوجتي لقتله أو لبطش به، فقال: أختي وبذلك سَلِمَ من الأذى، وأخبر بشيءٍ من الواقع، يعني هذا نوع من الواقع، فهي ثَمَّة أخوة بينهما، وهي أخوة الديانة.
المقدم: المشتاقة للجنة كانت تسأل عن شرح حديث النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»[تقدم]، ولعلكم أوضحتموه في ثنايا حديثكم في هذا الحلقة.
الشيخ: أنا قبل قليل، سبق لساني، وقلت: الحديث: «إن مِنَ المَعَارِيضِ مَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ»[تقدم] هذا ليس حديثًا، إنما هو من القواعد التي ذكرها.
المقدم: أحسن الله إليكم، اتصال من عماد، تفضل يا عماد، عماد، طيب، معنا عماد؟
طيب، شيخ خالد بالنسبة لهذا الأمر وما يتعلق بالكذب، ولعلنا أوضحنا مسألة الحث على صدق الأقوال، وأوضحنا كثيرًا من الأمور التي أحيانًا يشتبه فيها الناس فيما يتعلق بالكذب، وأن مسألة تربية الأبناء ينبغي أن تكون منذ الصغر ومنذ الطفولة على مسألة الصدق حتى ينشأ الإنسان على ما تم تعليمه وتدريبه عليه.
نأخذ.. فيه اتصال يا مصطفى؟
طيب، تفضل يا عماد.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم:  وعليكم السلام، تفضل باختصار يا عماد.
المتصل: إن شاء أنتم تكلمتم على الموضوع اللي هو نفس السؤال اللي كنت أنا أبغى أسأل عليه، فأسأل الله أن يُيَسِّر أموركم، طيب إذا كانت الزوجة يعني هي اللي استحلفت الرجل بالله، بالله عليك أنت ما تروح عند الدكتورة، وهذا شيء ما هو بيدي، ورحت المستشفى.
المقدم: ما في مثلًا شخص آخر، أو دكتور يمكن يقوم..
المتصل: ما في خاصة..
المقدم: طيب، طيب يا أخي عماد، في سؤال ثاني؟
الله يعطيك العافية، شكرًا جزيلًا لك، هو يسأل يا شيخ عن أنه أحيانًا زوجته تستحلفه بالله أن لا يذهب مثلًا إلى طبيبة، ويقول: أنه ليس هناك طبيب مثلًا يقوم بهذه المهمة على هذه، أو على وجهٍ من الدقة والإتقان.
الشيخ: على كل حال، يعني هو إذا استحلفته بالله عليك، يعني هو ما في كذب، ما له علاقة بموضوع الكذب إلا إن كان يقول: أني ذهبت لطبيب، وهو ذهب لطبيبة، يعني على كل حال سواء حلفت عليه أولم تحلف على المريض أن يذهب كل مريضٍ إلى الطبيب من جنسه، لكن قد يحتاج أحيانًا إلى أن يذهب إلى يعني إلى ما يخالفه جنسًا سواء كان امرأة أو رجلًا، فإذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس مع وجوب الاحتياط والبعد عن أسباب الفتنة، والخبر يعني إذا تأول في هذا الخبر بما يكون مندوحًا عن الكذب فلا بأس.
المقدم: أحسن الله إليكم، وبارك فيكم وفي علمكم، شكر الله فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصطلح أستاذ الفقه في كلية الشريعة في جامعة القصيم، المشرف العام على فرع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في منطقة القصيم على ما تفضلتم به في هذه الحلقة من هذا الحديث الشيق والماتع الذي كان حول موضوع الكذب والتحذير منه، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجزيكم خير الجزاء، وأن ينفع بعلمكم وأن يجزيكم وأن يبارك في كل من كان معنا في هذه الحلقة.
الشيخ: آمين، بارك الله فيك، وأسأل الله لي ولكم القبول والتسديد، وأن يرزقنا الصدق في القول والعمل، وأن يجنبنا الكذب في الحال والمقال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، شكرًا لكم كذلك مستمعينا الكرام على استماعكم لنا وتفاعلكم معنا في هذه الحلقة، لقاؤنا يتجدد بكم -بإذن الله تعالى- في حلقة الأسبوع المقبل في يوم الأحد في تمام الثانية ظهرًا بإذنه -سبحانه وتعالى-.
حتى الملتقى بكم هذه تحيات محدثكم عبد الله داني، ومن التنفيذ على الهواء زميلي مصطفى الصحفي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91422 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87223 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف