×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، أحمده حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.  أما بعد: فإن قضية الإلحاد من القضايا الكبرى التي تشغل ذهن كثير من الناس على اختلاف عقائدهم وأجناسهم وبلدانهم، فهي وإن كانت قضية عقدية قديمة، ضاربة في جذور التاريخ من حيث أصلها، إلا أنها لبست في الإلحاد المعاصر الحديث ثوبا براقا يغلب عليه الجانب الشهواني أكثر من الجوانب الفلسفية والفكرية والاجتماعية، فاصطبغ الإلحاد المعاصر بالشهوانية، وأكثر من كونه فكرة عقدية فلسفية؛ ولهذا تجاوزت فكرة الإلحاد دوائرها المعتادة الضيقة، وهي النخب المتعلمة والمثقفة التي لها اهتمام بالعلوم التجريبية والإنسانية، فاجتاحت موضة الإلحاد المعاصر الشهواني بعض الشرائح المجتمعية التي لم يكن له سابق حضور في الزمن السابق، وهم شريحة الشباب الذي يغلب عليه الرغبة في الملذات والشهوات, وأصبحت الإباحية وتحطيم الحواجز المانعة من اللذائذ أكبر مسوق ومروج للإلحاد الحديث. ومن الجدير بالذكر التنبه إلى أن أصل فكرة الإلحاد إحدى نتائج العداء الشيطاني للإنسان، والذي بدت بوادره قبل أن تنفخ الروح في آدم، وذلك أن الله تعالى لما صور آدم في الجنة تركه ما شاء أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك، فلا يملك نفسه ويحبسها عن الشهوات، ولا يملك دفع الوسواس عنه. ولهذا لما بدت أعلام العداوة بين إبليس وبني آدم، وظهر ما في نفسه من العلو والاستكبار، أقسم بما أخبر الله في كتابه: {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} +++الأعراف: 16، 17--- ، ومنذ ذلك الحين، وهو جاهد في إغواء بني آدم بكل سبيل، بالشبهات تارة وبالشهوات تارة، وكان من أعظم إضلاله، وأشد سبل إغوائه تشكيك الخلق بربهم، وما يقذفه من الوساوس في شأنه. ومن ذلك ما أخبر به النبي، فيما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟! فإذا بلغ ذلك، فليستعذ بالله، ولينته». وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة: «لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة، حتى يقولوا: هذا الله، فمن خلق الله؟»، قال: فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب، فقالوا: يا أبا هريرة، هذا الله، فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصى بكفه، فرماهم، ثم قال: قوموا، قوموا، صدق خليلي.  فلم يزل الشيطان يلقي بوساوسه، في قلوب الناس، ألوانا من الضلالات وفاسد الظنون والخيالات. وكان أشنع ذلك ما ألقاه في قلوب أشقياء الخلق من إنكار وجود الرب، وهذا أعظم أنواع الكفر بالله، وأقبح صوره. وهو الذي قصه الله تعالى في كتابه عن فرعون القائل: {ما علمت لكم من إله غيري} +++القصص: 38---، "وهذا جحد صريح لإله العالمين"+++ جامع الرسائل لابن تيمية تحقيق رشاد سالم (1/211).---. وكذلك قوله: {وما رب العالمين} +++الشعراء: 23---، "فاستفهمه استفهام إنكار، لا استفهام استعلام"+++ الصفدية (1/242).---، وهو أصرح من أخبر الله تعالى عنه بالجحود وإنكار الصانع. وإن كان قد يشاركه في ذلك النمرود الذي حاج إبراهيم -عليه السلام - في ربه، أن آتاه الله الملك حيث قال: {أنا أحيي وأميت} +++البقرة: 258---. "فهذا قد يقال: إنه كان جاحدا للصانع، ومع هذا فالقصة ليست صريحة في ذلك؛ بل يدعو الإنسان إلى عبادة نفسه، وإن كان لا يصرح بإنكار الخالق مثل إنكار فرعون"+++ مجموع الفتاوى (6/256).---. والمقصود أن إنكار الخالق والكفر بوجوده لم يزل في الناس منذ سالف الزمان، كما دل عليه القرآن، ولما كان هذا الكفر من أشنع الكفر وأعظمه مصادمة للفطرة وسائر الدلائل الحسية والعقلية، كان وجوده في الناس نادرا، وهو في البشرية قليل إلى يومنا هذا، فلم يزل أكثر من في الأرض يدينون بدين، ويعتقدون بوجود رب يعبدونه، وإن كان منهم طوائف غافلة قد أنهكت الدنيا قلوبهم واستحوذت عليها، فلا هم له في الآخرة. وإن العارف بأحوال الناس يرى أن دائرة الإلحاد بصوره المختلفة سواء منها الغالي الذي ينكر وجود الله تعالى، أو الذي لا يكترث بهذه القضية ولا يلتفت إليها، قد توسعت في الأزمنة الأخيرة، ولا سيما في الشرق الشيوعي الذي ينتشر فيه الإلحاد الماركسي، الذي يبتر صلة الإنسان بالله، فلا سلطان له عليه، وقد لا يتوقف عند مسألة وجود الإله من عدمه، وكذلك في الغرب الرأسمالي الذي ينتشر فيه الإلحاد الوجودي الذي يقوم على فكرة رفض الاعتراف بسلطة الإله، من أجل الحفاظ على الحرية الإنسانية+++ إله الإلحاد المعاصر ص (ا-ج)، موت الرب وموت الأب، “دراسة في الإلحاد الوجودي”، -نيتشه ودوستويفسكي نموذجين-، مجلة الجمعية الفلسفية المصرية، عدد 19 لسنة 2010.---. ومما فارق فيه الإلحاد الجديد المعاصر جذوره وأصوله وسلفه، أنه يقدم نفسه بثوب علمي بحثي، وأنه نتاج دراسات وأبحاث، وكذلك يفارقه في أنه يقدم نفسه على أنه فكر عالمي إنساني لا يرتبط بمذهب أو بلد. ولم يقتصر شر الإلحاد على هذين المعسكرين، بل تطايرت شظاياه في سائر بلدان الدنيا، فلم تسلم بقية البلدان من توسع في دائرة الإلحاد، وظهور فحيحه القبيح، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، تزيد هنا وتنقص هناك أو العكس+++ الإلحاد الجديد يخترق حصون الإسلام http://www.alukah.net/sharia/0/69557/.---. وفي هذه الورقة سأحاول بعون الله كشف أسباب توسع دائرة الإلحاد في العصر الحديث، وذكر جملة من مقترحات في سبل العلاج لهذا التوسع تمثل سدودا مانعة تتكسر عليها موجات الإلحاد المعاصر الطاغي، وقارب نجاة لمن جرفته أمواجه العادية. ولا ريب أن كلا الأمرين - تشخيصا ومعالجة- جليل القدر، عظيم النفع، كبير الأثر، فتشخيص الأسباب طريق حلها وسبيل علاجها، ولهذا من الضروري أن يعي كل خائض في هذا الأمر أن الخطأ في تشخيص أسباب هذا التوسع سيقود إلى خطأ في المعالجة غالبا. وغير خاف على المتابع أن هذا الموضوع قد تناوله كثيرون، ذوو اختصاصات متعددة، وبطرائق شتى، ومن أبرز ذلك:  "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان، وكذلك "مليشيا الإلحاد" لعبد الله العجيري، وكتاب "حوار مع صديقي الملحد"، وكتابا "خرافة الإلحاد"، و "وهم الإلحاد" لعمرو شريف، وكتاب "كهنة الإلحاد الجديد" لعبد الله الشهري، وهناك العديد من المواقع الإلكترونية التي تناولت قضية الإلحاد بالدراسة، من أبرزها موقع "براهين"، وهو موقع متخصص في الإلحاد. وغيرها كثير، وقد جمع الباحث سلطان العميري في مقاله "المادة النقدية للفكرة الإلحادية" قدرا كبيرا من المؤلفات والأبحاث التي احتوت مادة علمية فكرية غزيرة، لتشخيص الإلحاد وإبطاله+++ موقع صيد الفوائد https://saaid.net/mktarat/almani/m/10.htm.---. وسأحاول في هذه الورقة إبراز أهم أسباب المشكلة، وكذلك مهمات خطوات معالجتها. وذلك في مبحثين، فأسأل الله السداد والتوفيق.  

المشاهدات:2759
بسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ الَّذي خلقَ السَّماواتِ والأرضَ، وجعلَ الظُّلماتِ والنُّورَ، أحمدُهُ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُبارَكًا فيهِ، وأُصلِّي وأسلِّمُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعينَ. 
أمَّا بعدُ:
فإنَّ قضيَّةَ الإلحادِ منَ القضايا الكُبرى التي تشغَلُ ذهنَ كثيرٍ منَ النَّاسِ على اختلافِ عقائدِهمْ وأجناسِهمْ وبُلدانِهمْ، فهي وإنْ كانتْ قضيَّةً عقديَّةً قديمةً، ضاربةً في جُذورِ التَّاريخِ منْ حيثُ أصلُها، إلاَّ أنَّها لَبِسَتْ في الإلحَادِ المعاصِرِ الحديثِ ثوبًا برَّاقًا يغلِبُ عليهِ الجانبُ الشَّهوانيُّ أكثرَ مِن الجوانبِ الفلسفيَّةِ والفكريَّةِ والاجتماعيَّةِ، فاصطبغَ الإلحادُ المعاصِرُ بالشَّهوانيَّةِ، وأكثرَ منْ كونهِ فكرةً عقديةً فلسفيةً؛ ولهذا تجاوزتْ فكرةُ الإلحادِ دوائرَها المعتادةَ الضيقةَ، وهيَ النُّخَبُ المُتعلِّمةُ والمثقَّفةُ الَّتي لها اهتمامٌ بالعُلومِ التَّجريبيَّةِ والإنسانيَّةِ، فاجتاحَتْ موضةُ الإلحادِ المُعاصرِ الشَّهوانيِّ بعضَ الشرائحِ المجتمعيَّةِ الَّتي لم يَكُنْ لَهُ سابقُ حُضورٍ في الزَّمنِ السَّابقِ، وهُمْ شريحةُ الشَّبابِ الَّذي يَغلبُ عليهِ الرَّغبةُ في الملَذَّاتِ والشَّهواتِ, وأصبحتِ الإباحيَّةُ وتحطيمُ الحواجزِ المانعةِ منَ اللَّذائذِ أكبرَ مُسوِّقٍ ومرَوِّجٍ للإلحادِ الحديثِ.
ومِنَ الجديرِ بالذِّكرِ التَّنَبُّهُ إلى أنَّ أصلَ فكرةِ الإلحادِ إحدى نتائجِ العداءِ الشَّيطانيِّ للإنسانِ، والَّذي بَدَتْ بوادرُهُ قبلَ أنْ تُنفَخَ الرُّوحُ في آدمَ، وذلكَ أنَّ اللهَ تعالى لمَّا صَوَّر آدمَ في الجنَّةِ تركَهُ ما شاءَ أنْ يترُكَهُ، فجعلَ إبليسُ يُطيفُ بهِ ينظُرُ ما هوَ، فلمَّا رآهُ أجوفَ عرَفَ أنَّه خُلِقَ خلقًا لا يتمالكُ، فلا يملكُ نفسَهُ ويحبسُها عنِ الشَّهواتِ، ولا يملكُ دفعَ الوسواسِ عنهُ. ولهذا لمَّا بَدَتْ أعلامُ العداوةِ بينَ إبليسَ وبني آدمَ، وظهرَ ما في نفسِهِ منَ العُلُوِّ والاستكبارِ، أقسمَ بما أخبرَ اللهُ في كتابِهِ: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} الأعراف: 16، 17 ، ومنذُ ذلكَ الحينِ، وهوَ جاهدٌ في إغواءِ بني آدمَ بكلِّ سبيلٍ، بالشُّبُهاتِ تارَةً وبالشَّهواتِ تارَةً، وكانَ منْ أعظمِ إضلالِهِ، وأشدِّ سُبُل إغوائهِ تشكيكُ الخلقِ بربِّهِمْ، وما يقذفُهُ منَ الوساوسِ في شأنِهِ.
ومنْ ذلكَ ما أخبرَ بهِ النَّبيُّ، فيما رواهُ مسلمٌ عنْ أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟! فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ، فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، ولِيَنْتَهِ».
وقدْ قالَ النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لأبي هريرةَ: «لَا يَزَالُونَ يَسْألُونَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللهُ، فَمَنْ خَلَقَ اللهَ؟»، قالَ: فبَيْنا أنا في المسجِد إذ جَاءَني ناسٌ منَ الأعرابِ، فَقَالُوا: يَا أبَا هُرَيْرَةَ، هذا اللهُ، فمنْ خلقَ اللهَ؟ قالَ: فأخذَ حصىً بكفِّهِ، فرماهُمْ، ثمَّ قالَ: قومُوا، قومُوا، صدقَ خليلي.
 فلمْ يزلِ الشَّيطانُ يُلقي بوسَاوسِهِ، في قلوبِ النَّاسِ، ألوانًا منَ الضَّلالاتِ وفاسدِ الظُّنونِ والخيالاتِ. وكانَ أشنعَ ذلكَ ما ألقاهُ في قلوبِ أشقياءِ الخلقِ منْ إنكارِ وجودِ الرَّبِّ، وهذا أعظمُ أنواعِ الكُفرِ باللهِ، وأقبحُ صُوَرِهِ. وهوَ الَّذي قصَّهُ اللهُ تعالى في كتابِهِ عنْ فرعونَ القائلِ: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} القصص: 38، "وَهَذَا جحدٌ صَرِيحٌ لإلهِ الْعَالمينَ" جامع الرسائل لابن تيمية تحقيق رشاد سالم (1/211).. وكذلكَ قولُهُ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} الشعراء: 23، "فاستفهمَهُ استِفهامَ إنكارٍ، لا استفهامَ استعلامٍ" الصفدية (1/242).، وهوَ أصرحُ مَنْ أخبرَ اللهُ تعالى عنهُ بالجُحُودِ وإنكارِ الصَّانعِ. وإنْ كانَ قدْ يُشاركُهُ في ذلكَ النِّمرودُ الَّذي حاجَّ إبراهيمَ -عليهِ السَّلامُ - في ربِّهِ، أنْ آتاهُ اللهُ الملكَ حيثُ قالَ: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} البقرة: 258. "فهذا قدْ يُقالُ: إنَّهُ كانَ جَاحِدًا للصَّانِعِ، ومعَ هذا فالقِصَّةُ ليستْ صريحةً في ذلكَ؛ بلْ يدعو الإنسانُ إلى عبادةِ نفسِهِ، وإنْ كانَ لا يُصرِّحُ بإنكارِ الخَالقِ مثلَ إنكارِ فِرعونَ" مجموع الفتاوى (6/256)..
والمقصودُ أنَّ إنكارَ الخالقِ والكُفرَ بوجودِهِ لمْ يزلْ في النَّاسِ منذُ سَالِفِ الزَّمانِ، كما دلَّ عليهِ القرآنُ، ولمَّا كانَ هذا الكفرُ منْ أشنعِ الكُفرِ وأعظمِهِ مصادمةً للفِطرةِ وسائرِ الدَّلائلِ الحسِّيَّةِ والعقليَّةِ، كانَ وجودُهُ في النَّاسِ نادرًا، وهوَ في البشريَّةِ قليلٌ إلى يومِنا هذا، فلمْ يزلْ أكثرُ مَنْ في الأرضِ يَدينونَ بدينٍ، ويعتقدونَ بوجودِ ربٍّ يعبدونَهُ، وإنْ كانَ منهُمْ طوائفُ غافلةٌ قدْ أنهكتِ الدُّنيا قلوبَهمْ واستحوذَتْ عليها، فلا همَّ لهُ في الآخرةِ. وإنَّ العارفَ بأحوالِ النَّاسِ يرى أنَّ دائرةَ الإلحادِ بصورِهِ المختلفةِ سواءٌ منها الغَالي الَّذي يُنكرُ وجودَ اللهِ تعالى، أوِ الَّذي لا يكترثُ بهذِهِ القضيَّةِ ولا يلتفتُ إليها، قدْ توسَّعَتْ في الأزمنةِ الأخيرةِ، ولا سِيَّمَا في الشَّرقِ الشُّيوعيِّ الَّذي ينتشرُ فيهِ الإلحادُ الماركسيُّ، الَّذي يبترُ صلةَ الإنسانِ باللهِ، فلا سُلطانَ لهُ عليهِ، وقدْ لا يتوقَّفُ عندَ مسألةِ وجودِ الإلهِ منْ عدمِهِ، وكذلكَ في الغربِ الرَّأسِمَاليِّ الَّذي ينتشرُ فيهِ الإلحادُ الوجوديُّ الذي يقومُ على فكرةِ رفضِ الاعترافِ بسلطةِ الإلهِ، منْ أجلِ الحفاظِ على الحرِّيَّةِ الإنسانيَّةِ إله الإلحاد المعاصر ص (ا-ج)، موت الرب وموت الأب، “دراسة في الإلحاد الوجودي”، -نيتشه ودوستويفسكي نموذجين-، مجلة الجمعية الفلسفية المصرية، عدد 19 لسنة 2010..
وممَّا فارقَ فيهِ الإلحادُ الجديدُ المعاصرُ جذورَهُ وأصولَهُ وسلفَهُ، أنَّهُ يُقدِّمُ نفسَهُ بثوبٍ علميٍّ بحثيٍّ، وأنَّهُ نِتاجُ دراساتٍ وأبحاثٍ، وكذلكَ يُفارِقُهُ في أنَّهُ يُقدِّمُ نفسَهُ على أنَّهُ فكرٌ عالميٌّ إنسانيٌّ لا يرتبطُ بمذهبٍ أوْ بلدٍ. ولمْ يقتصرْ شَرُّ الإلحادِ على هذينِ المُعَسكرينِ، بلْ تطايَرَتْ شظاياهُ في سائرِ بُلدانِ الدُّنيا، فلمْ تَسلمْ بقيَّةُ البُلدانِ مِن توسُّعٍ في دائرةِ الإلحادِ، وظهورِ فَحِيحِهِ القبيحِ، وإنْ كانَ ذلكَ بنِسَبٍ متفاوتةٍ، تزيدُ هنا وتنقصُ هناكَ أوِ العكسُ الإلحاد الجديد يخترق حصون الإسلام http://www.alukah.net/sharia/0/69557/..
وفي هذهِ الورقةِ سأُحاولُ بعونِ اللهِ كشفَ أسبابِ توسُّعِ دائرةِ الإلحادِ في العصرِ الحديثِ، وذكرَ جملةٍ منْ مقترحاتٍ في سبلِ العلاجِ لهذا التَّوسُّعِ تُمثِّلُ سدودًا مانعةً تتكَسَّرُ عليها مَوجاتُ الإلحادِ المعاصِرِ الطَّاغِي، وقاربَ نجاةٍ لمنْ جرفتْهُ أمواجُهُ العادِيَةُ.
ولا ريبَ أنَّ كِلا الأمرينِ - تشخيصًا ومعالجةً- جليلُ القدرِ، عظيمُ النَّفعِ، كبيرُ الأثرِ، فتشخيصُ الأسبابِ طريقُ حلِّها وسبيلُ علاجِها، ولهذا منَ الضَّروريِّ أنْ يَعِيَ كلُّ خائضٍ في هذا الأمرِ أنَّ الخطأ في تشخيصِ أسبابِ هذا التَّوسُّعِ سيقودُ إلى خطأٍ في المعالجةِ غالبًا. وغيرُ خافٍ على المتابعِ أنَّ هذا الموضوعَ قدْ تناوَلَهُ كثيرونَ، ذوو اختصاصاتٍ متعدِّدةٍ، وبطرائقَ شتَّى، ومِنْ أبرزِ ذلكَ:  "الإسلامُ يتحدَّى" لوحيدِ الدِّينِ خان، وكذلكَ "مليشيا الإلحادِ" لعبدِ اللهِ العجيريِّ، وكتابُ "حوار مع صديقي الملحد"، وكتابا "خرافةِ الإلحادِ"، و "وَهْم الإلحادِ" لعمرو شريف، وكتابُ "كهنة الإلحادِ الجديدِ" لعبدِ اللهِ الشِّهريِّ، وهناكَ العديدُ منَ المواقعِ الإلكترونيَّةِ التي تناولتْ قضيَّةَ الإلحادِ بالدَّراسةِ، منْ أبرزِها موقعُ "براهينَ"، وهوَ موقعٌ متخصِّصٌ في الإلحادِ. وغيرُها كثيرٌ، وقدْ جمعَ الباحثُ سلطان العميريُّ في مقالِهِ "المادَّةِ النَّقديَّةِ للفكرةِ الإلحاديَّةِ" قدرًا كبيرًا منَ المؤلَّفاتِ والأبحاثِ الَّتي احتوتْ مادَّةً علميَّةً فكريَّةً غزيرةً، لتشخيصِ الإلحادِ وإبطالِهِ موقع صيد الفوائد https://saaid.net/mktarat/almani/m/10.htm.. وسأُحاولُ في هذهِ الورقةِ إبرازَ أهمِّ أسبابِ المشكلةِ، وكذلكَ مُهِمَّاتِ خطواتِ معالجتِها. وذلكَ في مبحثينِ، فأسألُ اللهَ السَّدادَ والتَّوفيقَ.
 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83151 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78213 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72540 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60683 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55028 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52239 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49432 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات47967 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44825 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44134 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف