×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

/ / الدرس(4) من شرح المنظومة الفقهية للسعدي

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(4) من شرح المنظومة الفقهية للسعدي
00:00:01

بسم الله الرحمٰن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين. أما بعد: فلا يخفاكم أيها الإخوة أن القواعد تحتاج إلى ضرب الأمثلة والبسط في تصوير القاعدة وذكر شواهدها وأمثلتها؛ ولكن الوقت لا يسعف للقيام بذلك؛ ولذلك نقتصر في كثير مما مر معنا على شرح القاعدة وذكر دليلها على وجه الإجمال، ولا نلج في تفاصيل القاعدة وأمثلتها وما يستثنى منها؛ لأن الوقت فيه شح، فمن رغب في الاستزادة فهناك مؤلفات عديدة قديمة وحديثة تبسط القول وتبين الأمثلة المندرجة في هذه القواعد وما يستثنى منها. نواصل ما وقفنا عليه في قول الناظم رحمه الله: وليس مشروعا من الأمور*** غير الذي في شرعنا مذكور انتهينا من هٰذا، وذكرنا أن العبادة لا تكون مشروعة إلا إذا وافقت الشريعة في ستة أمور، هناك ستة أمور لا يحصل موافقة الشرع في العبادة إلا بمراعاتها، وهذه الأمور الستة لم يرد فيها دليل جامع، إنما هي مما استقرأه أهل العلم وتتبعوه من أدلة متفرقة، تحصل منها هذا المجموع من الأمور التي لا بد من موافقة الشرع فيها حتى يكون العمل مشروعا. أول هذه الأمور: الموافقة في السبب، ثم الجنس، ثم القدر، ثم الكيفية، ثم المكان، ثم الزمان. و(ثم) هنا إنما هي للترتيب الذكري وليست للترتيب الواقعي. عندنا -بارك الله فيكم- ستة أمور لا بد من توفرها في العمل حتى يكون موافقا للشرع وسالما من الاندراج في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).( ) أولا: السبب: لا بد أن يكون السبب، سبب العبادة مشروعا، فإن كان سبب العبادة غير مشروع فإنه يندرج في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). فمثلا الذي يلازم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند التطيب، كلما قدم إليه طيب قال: اللهم صل على محمد. سؤال الله الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم عبادة أو لا؟ ما الدليل على أنها عبادة؟ أمر الله بها، طيب، هل وافقت الشرع في السبب، الصلاة عبادة، لكن هل هذا السبب سبب دل الشرع على أنه مما يذكر فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لا. فإذا كان كذلك، فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الموضع تكون من المحدثات ومن المبتدعات. هذا مثال السبب. مثال الجنس: من ضحى بنعامة أو بدجاجة. الأضحية مشروعة أو لا؟ مشروعة. فمن ضحى تقرب إلى الله عز وجل في وقت الأضحية بذبح نعامة أو دجاجة أو أرنب، هل يكون فعل مشروعا، أم فعل بدعة؟ هل التضحية بهذا الجنس مما جاء به الشرع؟ بماذا تكون التضحية؟ ببهيمة الأنعام؛ لقوله تعالى: ﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام﴾.( ) وهذا بيان جنس ما يتقرب إلى الله عز وجل به في الأضحية، وعلى هذا فمن خرج عن هذا الجنس فقد خرج عن المشروع إلى المحدث، فيكون داخلا في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)).( ) في القدر: لو أن شخصا قال: أنا عندي نشاط، وأرغب في أن أصلي الفريضة، فريضة الفجر ثلاث ركعات، وفريضة الظهر والعصر خمس ركعات، والمغرب أربع، وزاد، الآن زاد في أي شيء؟ في القدر، هل يكون عمله مقبولا؟ الجواب: لا؛ لأنه لم يوافق الشرع في القدر. كذلك الأمر الرابع- الذي لا بد من موافقة الشرع فيه-: الكيفية، لو أن شخصا في السعي أراد أن يذكر من معه بالأذكار، ماذا يفعل وكيف يقول في سعيه أو في طوافه، فجعل وجهه إلى المجموعة التي يطوف بها وجعل البيت عن يمينه وطاف ماشيا القهقرى، ماشيا إلى الخلف، وطاف سبعة أشواط على هذه الصفة، هل يكون قد قام بما وجب عليه؟ ما قام بما وجب عليه. وإنما ذكرت هذه الصورة لأنها تكثر في أيام المواسم، تجد أن أحد الذين يعدون من أهل الفضل في هذه الحملة يحسن إلىٰ من معه، فيريد أن يرشدهم إلى طريقة الذكر أو الطواف أو ما إلى ذلك فيستقبلهم، ويجعل ظهره على خلاف الواجب، فيمشي القهقرى طائفا، فهل يجزئه هذا الطواف؟ الجواب: لا؛ لأنه خالف الشريعة في الكيفية، فإن كيفية الطواف الواجب فيها أن يكون البيت عن يسار الطائف. خامس ما يجب موافقة الشرع فيه الزمان: فإذا فعل الإنسان عبادة في غير زمانها المشروع فإنه يكون قد أحدث، إلا إن كان على وجه القضاء، فمن ذبح شاة عقيقة لكونه حصل على وظيفة؛ الآن هل العقيقة مشروعة للولد أو للوظيفة؟ للولد، فمن فعل هذا فقد اجتمع عنده إشكالان: الإشكال الأول أنه خالف الشرع في السبب. وخالفه أيضا في الزمان. لو أن الرجل قال: أنا حملت زوجتي، والأمور متيسرة عندي الآن، وسأذبح العقيقة قبل أن تلد، هل يكون قد أدى ما عليه؟ لم يؤد ما عليه؛ لأنه لم يذبح العقيقة في وقتها المشروع، فإن وقت العقيقة هو بعد الوضع. وأفضل ما يكون بعد سبعة أيام من الوضع. فهٰذا خالف الشرع في الزمان. وكذلك في المكان: لو أن شخصا تقرب إلى الله عز وجل بالطواف في غير مكة، لم يطف تقربا لأحد إنما تقربا إلىٰ الله عز وجل طاف بأحد المساجد، هل فعل محدثا وبدعة أو لا؟ وجه البدعية أنه أتى بالعبادة في غير مكانها، فإن الطواف عبادة تتعلق بالبيت، ولا تجوز في غيره. إذا هٰذه أمور ستة اجعلها منك على بال في كل ما تفعل، فإن وافقت الشرع فهو ما أمرك الله به، وإن خالفت الشرع في واحد منها فإنه بدعة محدث. هذه الأمور الستة لا بد من موافقة الشرع فيها حتى يتم امتثال الشرع في هذه العبادة والأمن من البدعة فيها. قال الناظم الشيخ عبد الرحمٰن السعدي رحمه الله تعالى: وسائل الأمور كالمقاصد*** واحكم بهذا الحكم للزوائد والخطأ والإكراه والنسيان*** أسقطه معبودنا الرحمٰن لكن مع الإتلاف يثبت البدل*** وينتفي التأثيم عنه والزلل ومن مسائل الأحكام في التبع*** يثبت لا إذا استقل فوقع والعرف معمول به إذا ورد*** حكم من الشرع الشريف لم يحد معاجل المحظور قبل آنه*** قد باء بالخسران مع حرمانه وإن أتى التحريم في نفس العمل*** أو شرطه فذو فساد وخلل ومتلف مؤذيه ليس يضمن*** بعد الدفاع بالتي هي أحسن بسم الله الرحمٰن الرحيم قال المؤلف رحمه الله: وسائل الأمور كالمقاصد*** واحكم بهذا الحكم للزوائد. فذكر في هذا البيت ثلاثة أقسام: • ذكر الوسائل. • وذكر المقاصد. • وذكر المتممات الزوائد. فنريد أن نعرف الفرق بين هذه الأمور: أولا: الوسائل جمع وسيلة، وهي ما يتوصل به إلى الشيء، يقول رحمه الله: (وسائل الأمور) يعني ما يتوصل به إلىٰ الأمور (كالمقاصد) يعني حكمها – أي حكم هذه الوسائل- كحكم المقاصد. والمقاصد هي الأمور المقصودة بذاتها، أي المأمور بها ابتداء. فصلاة الجماعة مقصودة أو ليست مقصودة للشارع؟ مقصودة؛ ولذلك أمر بها وحث عليها ورغب فيها وحذر من تركها. وسائل تحقيق صلاة الجماعة كثيرة: منها المشي إلىٰ المسجد، المشي إلى المسجد وسيلة إلىٰ تحصيل هذا المقصود. والتبكير وسيلة إلىٰ تحصيل هذا المقصود. اتخاذ ما يعين من الأدوات والآلات التي تمكن الإنسان من حضور الصلاة جماعة وسيلة. فما حكم هذه الوسائل؟ حكم هٰذه الوسائل حكم المقاصد، فهذه الوسائل حكمها حكم المقصود الذي تؤدي إليه أو الذي جعلت وسيلة وسببا للتوصل إليه، ولذلك صلاة الجماعة على الراجح من أقوال أهل العلم واجبة. فماذا نقول في حكم السعي إلىٰ صلاة الجماعة؟ الحكم واجب. أخذ الأسباب المعينة على حصول صلاة الجماعة من النوم مبكرا مثلا لصلاة الفجر، ومن إعداد الساعة المنبهة، وما إلى ذلك مما يحصل به حضور الجماعة ما حكمه؟ حكم الأصل؛ المقصد، الأصل وهو حضور صلاة الجماعة في الفجر واجب، فكل ما يؤدي إلى تحقيق هذا الواجب فهو واجب. وهو ما يشير إليه الفقهاء والأصوليون بقولهم: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فكل ما لا يمكن فعل الواجب إلا به فإن حكمه الوجوب. وكذلك المسنون، كل ما لا تحصل السنة إلا به فإنه مسنون. وهذا حتى في المحرمات وحتى في المكروهات، فإن ما لا يتم اجتناب المحرم إلا به فإنه محرم وواجب الاجتناب، ولذلك جاءت الشريعة المطهرة بمراعاة هذا الأصل، ففي جانب المحرمات لم تنه عنها بذاتها فقط، بل نهت عنها وعن ما يقرب إليها، ولذلك قال سبحانه وتعالىٰ: ﴿تلك حدود الله فلا تقربوها﴾،( ) لما ذكر المحرمات، وأما في الواجبات فقال: ﴿فلا تعتدوها﴾( ) لأن الواجب في ما أوجبه الله عز وجل الاقتصار على ما فرض، أما المحرم فالواجب اجتناب المحرم واجتناب كل وسيلة توصل إليه، ولذلك نهى الله سبحانه وتعالى عن الزنى وعن ما يقرب إليه فقال سبحانه وتعالى: ﴿ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة﴾،( ) وهكذا في كل محرم، فإن الشريعة حرمت المحرم وحرمت كل ما يوصل إلى هذا المحرم، كما أنها أوجبت الواجبات وأوجبت كل ما يوصل إليها، أي ما لا تتم هذه الواجبات إلا به، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (وسائل الأمور كالمقاصد) يعني حكمها كالمقاصد. فقوله: (كالمقاصد) يعني لا في المنزلة والأجر إنما في الوجوب والحكم، وإلا فلا شك أن الوسائل لا يكون أجرها كأجر المقاصد، فالمشي إلى المسجد ليس أجره كأجر الصلاة في المسجد، إنما هو في الحكم موافق لحكم الصلاة في المسجد. فانتبه إلى هٰذه التسوية في قوله: (وسائل الأمور كالمقاصد) يعني في الأحكام، أما الأجور فالأجور تختلف، ولا قياس في الأجور والثواب، ولذلك ترد الشريعة في العمل اليسير ويكون أجره عظيما ولا يذكر نظيره فيما هو واجب، فتنبه إلىٰ هٰذا. ثم قال رحمه الله: (واحكم بهذا الحكم) أي أثبت هذا الحكم (للزوائد)؛ يعني للأمور الزائدة المتممة، فما مراده بالزوائد؟ مراده بالزوائد ما يترتب على فعل العبادة بعدها، هذا مراده بالزوائد، فالإنسان إذا جاء إلى المسجد وصلى، الآن حصلت الوسيلة وحصل المقصود، هل يكون قد انتهى الأجر؟ الجواب: لا، رجوعك إلى بيتك أنت مأجور عليه؛ لأنك في عبادة فأنت في توابع ومتممات وزوائد هذه العبادة. ولذلك جاء في صحيح مسلم أن الصحابي قال: إني أحتسب على الله ذهابي ورجوعي إلى المسجد. فاحتسب على الله سبحانه وتعالى الذهاب وهو وسيلة والرجوع وهو متمم للمقصود، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. فقوله: (واحكم بهذا الحكم للزوائد) أي احكم بثبوت الفضل للزائد، ولا شك أن الزائد ليس كالوسيلة، هو دون الوسيلة؛ لكنه لا يخرج عن كونه في جملة ما يتعبد به لله سبحانه وتعالى. هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: وسائل الأمور كالمقاصد*** واحكم بهذا الحكم للزوائد ثم قال رحمه الله في قاعدة مهمة جليلة: والخطأ والإكراه والنسيان هذا كم أمر؟ ثلاثة أمور. "أسقطه معبودنا الرحمٰن" ننظر إلى هٰذه الأمور الثلاثة: أولا: الخطأ ما هو الخطأ؟ الخطأ هو أن يريد الإنسان شيئا أو يقصد شيئا ويحصل له غيره أو يتفق منه غيره. فمثلا أردت أن أسأل الأخ، فعينت غيره، الذي أمامه، هذا خطأ بقصد، أنا كنت أريد أن أسأله فتوجه السؤال إلى غيره، أردت شيئا واتفق لي وحصل لي غيره، هذا هو الخطأ. والإكراه: هو أن يفعل الإنسان شيئا من غير اختيار صحيح. وذلك بأن يحمله شخص على أن يفعل ما لا يريد، أو يقول ما لا يشتهي. والإكراه درجات: • منه ما هو إكراه ينغلق فيه الاختيار ويلغى فيه اختيار الشخص فلا اختيار له بالكلية. • ومنه إكراه يفسد الاختيار ولا يلغيه. مثال الأول: إذا أمسك شخص برجل ورماه على آخر فمات الآخر، الآن على أيهما يقع اللوم والمؤاخذة؟ هل هو على الرامي؟ أو على المرمي؟ الموت حصل من المرمي ولكن من هو الملوم؟ الرامي هو الملوم؛ لأن المرمي هل له اختيار؟ هو كالحجر لا اختيار له. وهذا مثال النوع الأول من أنواع الإكراه وهو الذي يلغى فيه اختيار الشخص بالكلية. أما الذي يفسد فيه الاختيار، فكأن تأتي إلى شخص وتقول له: افعل كذا أو فعلت بك كذا، إما قتل أو سجن أو ضرب، أو أخذ مال أو إلحاق ضرر به أو بولده أو بمن يحب، الآن هذا سيفعل ما أمرته به. فعله هذا وقع باختياره أو بغير اختياره؟ وقع باختياره؛ لكنه اختيار فاسد؛ يعني لو لم يكن هناك مؤثر حامل على أن يفعل هذا الأمر لما تقدم إليه. لو قال شخص لآخر: هشم سيارة فلان وإلا سجنتك أو ضربتك أو أخذت مالك، الآن هذا إكراه أو ليس إكراها؟ هم يذكرون للإكراه شروطا، فالرجل قادر على أن يمضي ما هددك به، وأن يوقع بك الضرب، وذهبت وكسرت السيارة، وأنت بتكسيرك السيارة هذا فعل منك باختيار أو بغير اختيار؟ باختيار، لكن هل هذا الاختيار صحيح؟ هذا اختيار فاسد، ودليل فساده أنه لو لم تحمل وتضطر على أن تفعل هذا الأمر ما فعلته. فالإكراه هو أن يفعل الإنسان شيئا بغير اختيار صحيح، إما باختيار ملغى أو باختيار فاسد. قوله: (والنسيان) هذا ثالث ما ذكر المؤلف رحمه الله، النسيان. والنسيان في الأصل ضد الذكر، وهو السهو أو الذهول الحاصل بعد علم. وبه تعرف الفرق بين النسيان وبين الجهل، فالجهل هو عدم العلم، وأما النسيان: فهو ذهول وسهو بعد حصول العلم. هذه الأمور الثلاثة، ماذا ذكر عنها المؤلف رحمه الله قال: (أسقطه معبودنا الرحمٰن) أسقطه: أي أسقط المؤاخذة به. فالله سبحانه وتعالى من واسع فضله وعظيم إحسانه وبره أن أسقط عن عباده المؤاخذة بهذه الأمور الثلاثة: الخطأ والإكراه والنسيان. دليل ذلك قول الله تعالىٰ: ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾( ) هذا فيه الدليل على الخطأ والنسيان، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم﴾( ) هذا أيضا دليل على عدم المؤاخذة بالخطأ. أما الإكراه فهي الآية التي ذكرتموها وهي قول الله جل وعلا: ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا﴾( ) أي هو المؤاخذ، فمن شرح بالكفر صدرا، كان إقباله على الكفر باختيار منه، وأما من حمل –على الصحيح- فإنه لا يؤاخذ بهذا، وهذا دليل على الإكراه. دليل على أن الإكراه لا يؤاخذ به الإنسان، وجه الدلالة من الآية؟ وجه الدلالة: أن الإنسان إذا كان لا يؤاخذ في أكبر المعاصي وهي الكفر بالله عز وجل- إذا كان ذلك من غير اختيار -فما دونها من المعاصي من باب أولى. إذا عرفنا الآن الأدلة على إسقاط المؤاخذة في هذه الأمور من الكتاب. وأما من السنة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه من طرق متعددة قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ [والنسيان] وما استكرهوا عليه))( ). وهذا الحديث لا يخلو طريق من طرقه من وهن؛ ولكن مجموع الطرق يفيد الثبوت، يفيد ثبوت الحديث وصحته، ولو لم يثبت فإن القرآن دال على هذه القاعدة ولا إشكال. طيب ما الذي يسقط بالخطأ والإكراه والنسيان؟ الأفعال –المخالفات- التي تكون من الإنسان، إما أن تكون في حق الله، وإما أن تكون في حق الخلق. فما كان في حق الله عز وجل فإذا فعله الإنسان مخطئا أو مكرها أو ناسيا فإنه لا يؤاخذ على هذا الفعل؛ أي لا إثم عليه في هذا الفعل. وهذا معنى قوله: (أسقطه) أي إن الإثم ساقط عنه، فلا إثم. يبقى الضمان، هل هو ضامن؟ وأضرب لكم مثلا يتضح به سؤال الضمان: لو أن شخصا دخل الحرم المكي، والحرم المكي يحرم فيه الصيد، فنسي أنه في الحرم وصاد غزالا أو طيرا، فما الحكم؟ هل هو آثم؟ رجل أخطأ؛ نعم هو تعمد الصيد لكنه نسي أنه في الحرم، رجل يتبع الصيد ولما رأى هذا الغزال ما ظن أنه في حرم ولا جاء على باله، مباشرة سدد وأطلق، الآن هل هو آثم؟ ليس آثما لأن الإثم إنما يكون من الدافع، وهذا ليس بدافع؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد وضع عن الأمة النسيان، كما في قول الله تعالى: ﴿ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا﴾( ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جل وعلا قد قال: قد فعلت))( ) كما في صحيح مسلم، فهو غير مؤاخذ. طيب، هل يجب عليه جزاء الصيد؛ لأن من قتل صيدا في مكة في الحرم يجب عليه جزاء ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم﴾( ). هل يجب عليه الضمان؟ الصحيح أنه لا يجب عليه الضمان؛ لأن الآية قالت: ﴿ومن قتله منكم متعمدا فجزاء﴾ فرتبت الجزاء على القتل العمد، وهل هذا متعمد؟ الجواب ليس متعمدا، فإذا كان غير متعمد فإنه لا يضمن، وعليه فإنه يسقط في حقه الإثم ويسقط في حقه الضمان. وهذا في جميع حقوق الله عز وجل إذا فعلها الإنسان ناسيا أو مخطئا أو مكرها فإنه لا إثم عليه ولا ضمان في حقه، لا ضمان عليه. سؤال: هل هٰذا مطرد؟ الجواب: مطرد إلا في مسألة: القتل خطأ، إذا قتل إنسان شخصا معصوم الدم خطأ، فما الذي يترتب عليه؟ لا بد أن تشاركونا في الجواب حتى نعرف هل القاعدة مطردة أو لا؟ ما الذي يترتب على القتل الخطأ؟ حق لله وحق للمخلوق. ما هو حق المخلوق؟ الدية، ما فيه إشكال، أي إنسان يقتل آخر خطأ تجب عليه الدية: ﴿ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله﴾( ). الدية المسلمة إلى أهله حق لمن؟ حق للمخلوق، وهذا أخرجوه من البحث؛ لأننا نبحث الآن في حق الله عز وجل. بقي علينا القسم الثاني وهو حق الله جل وعلا، الآن تحرير رقبة مع أن الرجل فعل ذلك خطأ فلم نسقط عنه الضمان مع أننا أسقطنا عنه الإثم. فما الجواب عن هٰذا الاستثناء الوحيد من القاعدة المتقدمة؟ الجواب: أن سقوط المؤاخذة وعدم سقوط الضمان في هذه الصورة تعظيم لشأن الدماء، حتى لا يتهوك الناس ويتساهلوا في قتل الخطأ. إذا انتهينا الآن من القسم الأول وهو ما إذا كان الخطأ أو الإكراه أو النسيان في حق الله عز وجل. أما في حق المخلوق فاعلم أن الساقط هو الإثم فقط، أما ما يترتب على ذلك من ضمان فإنه باق، ولذلك قال المؤلف: (لكن مع الإتلاف) يعني إتلاف حقوق الآدميين (يثبت البدل) فهنا الضمان ثابت، (وينتفي التأثيم عنه والزلل) فالمنفي فقط هو الإثم، أما الضمان فإنه ثابت. ولذلك قال: (لكن مع الإتلاف يثبت البدل) يعني يثبت بدل المتلف. فمثلا شخص يمشي في الطريق فعثر بسيارة شخص فأتلفها، يعني يمشي بسيارة فصدم سيارة شخص وهو ماش خطأ أو صدم شخصا وهو ماش فكسر يده، الآن هل هو آثم؟ ليس بآثم؛ لأنه مخطئ، هل يضمن ما ترتب على خطئه أو لا يضمن؟ يضمن؛ لأن الحق حق للآدمي، فإن كان التلف للنفس ضمن بالدية، وإن كان التلف في المال ضمن إما بالمثل أو بالقيمة. المثل في أي شيء؟ في المثليات، والقيمة فيما لا مثل له، والضمان في الأموال لا يكون إلا بهذين الأمرين: المثل في المثليات والقيمة فيما عدا ذلك. المثل هو كل ما له مثيل، الآن لو واحد منكم مسك هذا القلم وكسره، زعل من مثال لم يفهمه وكسر القلم، الآن يضمن هذا أو لا؟ بماذا يضمنه؟ هل هو بمثله؟ أو يضمنه بقيمته؟ يضمنه بمثله؛ يعني لو قال: خذ ريالين ما أدري هل هو بريالين أو ثلاثة مقابل هذا القلم، لو قال: لا أريد هذين الريالين، جئني بمثله، نقول له: هٰذا القلم تضمنه بمثله. إذا قول المؤلف: (لكن مع الإتلاف يثبت البدل) البدل إما أن يكون مثليا وإما أن يكون قيميا. مثال القيمي: إنسان تكلف على سيارة صنعها في بلاد التصنيع وأتت سيارة لا نظير لها، جاء واحد صدمه، لما بحثوا عن قطع هذه السيارة ما وجدوها، الآن هذه تضمن بالمثل أو بالقيمة؟ تضمن بالقيمة، لا يمكن ضمانها بالمثل؛ لأنه لا مثيل لها. ثم قال: ومن مسائل الأحكام في التبع*** يثبت لا إذا استقل فوقع هذا البيت يشير إلى قاعدة مشهورة في كلام الفقهاء وهي قولهم: يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا. الآن النبي صلى الله عليه و على آله وسلم نهى عن بيع الغرر، أليس كذلك؟ بلى، نهى عن ذلك وهو حديث صحيح معروف ومشهور، وهو أصل في باب المعاوضات منع الغرر، ما هو الغرر؟ الغرر هو الجهالة. لو أن شخصا أتى وقال لك: بعتك ما في جيبي بريالين. هل يجوز أو لا يجوز ؟ لا يجوز لماذا؟ غرر. شخص جاءك قال: بعتك هذا البيت، أنا عمرته وأشرفت على بنائه بعتك إياه بمليون ريال. وقال: الآخر: قبلت. هل هذا البيع صحيح؟ دخل ورأى الجدران والدهان وفوق وتحت هل هذا صحيح؟ هٰذا البيع أليس فيه غرر؟ هل حفرت ونظرت إلى الأساسات هل هي جيدة أو غير جيدة؟ لم تنظر إلى الأساسات. إذا هنا في هذا البيع غرر؛ لكنه غرر تابع فصح. هذا مثال في البيوع. مثال في العبادات: لو أن الإنسان أراد أن يأخذ عمرة أو حجا فمن المشروع في حقه أن يتطهر وأن يغتسل وأن يتطيب، أليس كذلك؟ تطيب بأحسن الطيب وطيب رأسه ولحيته حتى رئي وبيص الطيب في رأسه. الآن هذا الرجل الذي تطيب بهذا الطيب، انتقض وضوؤه، وأراد أن يجدد الوضوء، من المشروع في الوضوء أن يمسح الرأس، أليس كذلك؟ مسحه رأسه سوف يفضي إلى أن يعلق بيديه شيء من الطيب الذي في رأسه. هل يجب عليه أن يغسل يديه ويزيل ما في يديه من الطيب؟ الجواب: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى وبيص المسك في رأسه وهو محرم ولم ينقل عنه أنه كان إذا توضأ أزال ما علق في يديه من وبيص المسك. فهذا طيب تابع وليس مستقلا. ويمكن أن يستفاد من هذا أيضا في قاعدة أخرى يذكرها الفقهاء وهي: الاستدامة أهون من الابتداء. فهذا استدام الطيب وليس ابتداء للتطيب، هذان المثالان يكفيان إن شاء الله لشرح هذه القاعدة. ثم قال رحمه الله: والعرف معمول به إذا ورد*** حكم من الشرع الشريف لم يحد المراد بالعرف هو كل ما تعارف عليه الناس مما لا يخالف الشرع، هذا هو العرف. فإذا خالف الشرع فإنه منبوذ ولا عبرة به ولا ينظر إليه، الكلام في العرف الذي لا يخالف الشرع. يقول رحمه الله: والعرف معمول به إذا ورد*** حكم من الشرع الشريف لم يحد وهذا إشارة إلى القاعدة الكبرى وهي: العادة محكمة. يقول المؤلف رحمه الله: ما ورد به الشرع دون تحديده فإن المرجع في تحديده هو العرف. واعلم أن ما ورد في الشرع إما أن يعلم حده من الشرع نفسه، فهنا لا يرجع إلى غير الشرع في تفسير هذا اللفظ ومعرفة حدوده. فمثلا: صلاة الظهر، الصلوات هل هي مبينة في الشرع ومحددة أو لا؟ محددة، فقول الله عز وجل: ﴿وأقيموا الصلاة﴾ أمره بإقامة الصلاة أمر بعبادة، هل هذه العبادة محددة بالشرع أو تحتاج إلى الرجوع إلى العرف لتحديدها؟ محددة بالشرع. فإذا الألفاظ الواردة في الشرع هذا القسم الأول وقد بينها الشرع فالمرجع في بيانها ومعرفتها إلى أي شيء؟ إلى الشرع. القسم الثاني مما ورد في الشرع هو: ما يعرف حده باللغة، فالمرجع في ذلك إلى اللغة، مثال ذلك (بهيمة الأنعام) : ﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام﴾( ). بهيمة الأنعام ما هي؟ هل هي محددة في الشرع؟ تحديدها في الحقيقة جاء من اللغة؛ لأن العرب لا تطلق بهيمة الأنعام إلا على الإبل أو البقر أو الغنم، وما عدا ذلك فإنه لا يطلق عليه بهيمة الأنعام. فهنا المرجع في تحديد اللفظ الوارد أو فهم معناه استفيد من اللغة. هذا القسم الثاني. القسم الثالث هو: ما لم يرد له حد في الشرع، وليس هناك حد له في اللغة، فالمرجع فيه إلى العرف، وتعرفون يا إخوان أن العرف يختلف باختلاف البلدان، واختلاف الأزمان واختلاف الأحوال، فالمؤثر فيه جهات عديدة. فأمر الله سبحانه وتعالى لعباده ببر الوالدين، هل الشريعة حددت أفعالا معينة يحصل بها البر؟ هل الشرع جعل من البر أن تزور الوالد والوالدة في الصباح والمساء؟ الجواب: لا. طيب إذا ما المرجع في تحديد البر الواجب؟ العرف، فكل ما عده الناس برا فإنه مما أمر الله به. ففي زمان من الأزمان يعدون مشيك أمام أبيك من البر؛ لأنك تتفقد له الطريق، وتنظر ما يحتاج إلى إزالته فتزيله. في عرف آخر مشيك أمام أبيك من العقوق؛ لأنه تقدم بين يديه. فأيهما نأخذ؟ أيهما البر؟ نقول: البر في كل موضع بحسبه، حسب ما تعارف عليه أهل البلد وحسب ما جرى عليه عمل الناس. كذلك في صلة الأرحام، وهذا سؤال يتكرر على كثير من المشايخ وأهل العلم: بماذا تحصل صلة الرحم؟ هل هي بالزيارة في السنة مرة، بالزيارة مرتين، بالاتصال بالهاتف، بالمكاتبة، ومن هم الذين يوصلون؟ كل هذا يرجع إلى العرف، كل هذا ليس فيه حد في الشرع ولا هناك حد في اللغة، فالمرجع في تحديد ذلك إلى العرف. فالآن هل هو من المتعارف عليه بين الناس في صلة رحم ابن عمك أن تزوره كل صباح ومساء؟ لا، ليس هذا من صلة الرحم الواجب، كونه إحسانا، كونك بينك وبينه صلة هذا أمر آخر؛ لكن هل هو من صلة الرحم الواجب؟ الجواب: لا. ابن العم قد يكفي أن يراه الإنسان بين فترة وأخرى إما في مناسبات أو اتصالات عند مرض أو عند مناسبة يسر فيها فتهنئه أو ما إلى ذلك. يختلف الناس في ضبط ذلك حسب أعرافهم وحسب بلدانهم. إذا نرجع ونقول: إن العرف يرجع إليه متى؟ إذا لم يرد تحديد من الشرع، ولذلك قال المؤلف رحمه الله: والعرف معمول به إذا ورد*** حكم من الشرع الشريف لم يحد ومن أمثلة ذلك: القبض والبيع والكسب والنكاح ومسائل كثيرة كلها ترجع إلى العرف. لو ذهبت إلى رجل وقلت له: زوجني ابنتك، قال: أعطيتك بنتي، هل هذا قبول؟ نعم هذا قبول، وهو عند بعض الفقهاء لا يعد قبولا؛ لأنه لا بد من أن يكون العقد بألفاظ محددة. القبض، قبض المبيع يختلف اختلافا شديدا واختلافا كبيرا بين الأعراف وبين المقبوضات، فقبض البيوت ليس كقبض السيارات، وقبض المنقولات ليس كقبض العقارات، المهم أن المرجع في كل هذا إلى العرف. إذا لم يرد ضابط أو حد في الشرع فالمرجع إلى العرف. طيب، إذا اضطرب العرف وهذا هو السؤال المهم، إذا اضطرب العرف فما العمل؟ العرف اضطرب، هؤلاء لهم عادة وهؤلاء لهم عادة. فنقول: يعمل بالعرف الخاص القريب، ولذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرجع المستحاضة بالحيض إلى عادة نسائها، ليس إلىٰ عادة النساء على وجه العموم، إنما إلى عادة النساء القريبات منها، وأيضا ذكر الفقهاء في معرفة الولود في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تزوج الودود الولود)) ( ) كيف تعرف المرأة أنها ولود وهي لم تنجب؟ قيل: ينظر إلى قريباتها ونظيراتها: إلى أمها إلى خالتها إلى أختها إلى حواشيها القريبة. فإذا اضطرب العرف فالمرجع إلى العرف الخاص يعمل به. ثم قال رحمه الله: معاجل المحظور قبل آنه*** قد باء بالخسران مع حرمانه (معاجل المحظور) المبادر المسابق إلى المحظور، المحظور هو الممنوع، (قبل آنه) يعني قبل وقت حله وإباحته، (قد باء بالخسران) وهو الإثم، (مع حرمانه) أي مع حرمانه مما تعجله. وهذا ما يشير إليه الفقهاء بقولهم: من استعجل شيئا قبل أوانه على وجه محرم عوقب بحرمانه. وهذا القيد مهم: (على وجه محرم) يغفله كثير من المتكلمين في هذه القاعدة، من استعجل شيئا قبل أوانه على وجه محرم؛ لكن إذا استعجله على وجه مباح هل يعاقب بحرمانه؟ الجواب: لا يعاقب بحرمانه؛ لكن من استعجله على وجه محرم فإنه يعاقب بحرمانه. مثال ذلك: شخص قتل مورثه ليستعجل الإرث، فما حكمه؟ أولا: الإثم، باء بالخسران مع الحرمان، فإنه يمنع من الإرث. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يرث القاتل شيئا))؛( ) لأنه استعجل الشيء قبل أوانه على وجه محرم. وأمثلة هذا كثيرة. هل هناك استعجال بشيء على وجه مباح ولا يحرم منه الإنسان؟ نعم. مثال ذلك: من استعجل الزكاة، إنسان فقير وجاء إلى غني وقال له: أنت أنعم الله عليك وأنا عندي حاجة ملحة أوف عني هذا الدين أو أعطني هذا المبلغ حتى أقضي حاجتي واحتسبه من الزكاة. هذا استعجال للشيء قبل أوانه أو لا؟ الزكاة ما جاء وقتها بالنسبة إلى هٰذا التاجر، استعجال قبل أوانه لكن هل عوقب بالحرمان؟ الجواب: لم يعاقب بالحرمان، لأن للتاجر أن يعجل الزكاة؛ لأن تعجيل الزكاة يجوز للمصلحة، وهذا يفيدك في خروج مثل هذه الصورة، القيد الذي زدناه في قولنا: (على وجه محرم) فإذا استعجله على وجه مباح فإنه لا يعاقب بالحرمان. ثم قال رحمه الله: وإن أتى التحريم في نفس العمل*** أو شرطه فذو فساد وخلل هذا إشارة إلى قاعدة يذكرها الفقهاء: وهي أنه إذا كان التحريم -الوارد في الكتاب أو في السنة- عائدا إلى العبادة نفسها أو شرطها فإنه يدل على فسادها. إذا كان التحريم الذي في النص –في الكتاب أو في السنة- عائدا إلى العبادة نفسها أو إلىٰ شرطها فإن ذلك يفيد فساد العبادة وتحريمها. مثال ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر))( ). هذا نهي أليس كذلك؟ هذا نهي، إذا كان نهيا، الآن هل هو نهي عن العبادة نفسها يعني عن الصلاة أو عن شرطها؟ نهي عن الصلاة نفسها، فهو داخل في قوله: (وإن أتى التحريم في نفس العمل). الآن المنهي عنه المحرم هو نفس العمل، فما حكم من صلى بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الفجر أو في وقت من أوقات النهي بدون سبب؟ صلاته فاسدة مع الإثم. فساد هٰذا من حيث الحكم الوضعي، وخلل من حيث الحكم الشرعي، فهو قد أتى محرما، فهو آثم على ذلك. الآن التحريم أتى في نفس العبادة، طيب إتيان التحريم في شرطها: استدبار الكعبة؛ لكن هل فيه نص حرم استدبار الكعبة؟ فيه نصوص أمرت باستقبال القبلة: ﴿فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾( ). فإذا استدبر الكعبة فقد أتى محرما وأخل بشرط من الشروط وهو استقبال القبلة، فتكون عبادته فاسدة. مثال آخر: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ))( ). شخص صلى بدون وضوء، الآن النهي عن الصلاة نفسها أو عن الصلاة التي فقدت هذا الشرط؟ الصلاة التي فقدت هذا الشرط، فدل ذلك على فساد هذه العبادة. شخص صلى وعليه ثوب حرير ما حكم صلاته؟ فيه خلاف؛ لكن الصحيح أن صلاته صحيحة؛ طيب هو ستر عورته التي يجب أن يسترها في الصلاة بهذا الثوب المحرم، هل صلاته صحيحة؟ بعض الفقهاء يقول: لا، صلاته ليست بصحيحة لأنه لم يحصل الشرط إلا بمحرم فتفسد صلاته؛ ولكن الصحيح هو القول الثاني وهو أن صلاته صحيحة؛ لأن تحريم لبس الحرير هل هو لأجل الصلاة أو على وجه العموم؟ على وجه العموم، فالجهة منفكة، فلم يرد النهي عن شرط العبادة ذاتها ولا عن نفس العبادة، فلا يفيد الفساد ولا يفيد التحريم؛ لا يفيد التحريم يعني تحريم هذه العبادة؛ لكن لبسه للحرير محرم، وكذلك لو أنه توضأ بإناء من فضة أو بإناء من ذهب هل وضوؤه صحيح؟ الجواب: على الصحيح وضوؤه صحيح ولكنه يأثم لاستعماله هذا المحرم؛ ولكن ما نقول إن وضوءه غير صحيح؛ لأن النهي عن استعمال آنية الذهب أو الفضة ليس عائدا، متعلقا بالصلاة نفسها أو بشرطها المعين إنما هو نهي عام: ((لا تأكلوا في آنية ذهب أو فضة ولا في صحافها)).( ) إذا القاعدة ملخصها لفظا أو نثرا أن يقال: إذا عاد النهي إلى العبادة نفسها أو إلى شرطها فإن ذلك يفيد الفساد والتحريم. يشكل على هذا النهي عن رفع البصر في الصلاة، لو أن إنسانا رفع بصره في الصلاة، هذا منهي عنه في العبادة ذاتها ليس مطلقا، ومع ذلك فإن جماهير العلماء يرون صحة الصلاة، وإن كان الظاهرية يرون أن الصلاة تبطل، والقول بالبطلان له قوة؛ ولكن الإنسان قد لا يجرؤ على هذا القول مع قول الجمهور. كذلك القراءة في السجود والقراءة في الركوع منهي عنها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نهيت أن أقرأ القرآن وأنا راكع وأنا ساجد))( ). فلو أن إنسانا قرأ وهو راكع أو وهو ساجد فما حكم صلاته؟ فعل منهيا عنه في العبادة ذاتها، فهنا أيضا اختلف العلماء على قسمين. ثم قال رحمه الله: ومتلف مؤذيه ليس يضمن*** بعد الدفاع بالتي هي أحسن لعلنا نقف على هٰذه القاعدة ونكمل إن شاء الله تعالىٰ في الدرس القادم. والله تعالىٰ أعلم، وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد. السؤال: أحسن الله إليكم يا شيخ، هل المشي إلىٰ الصلاة والرجوع إلىٰ البيت يحتاج إلىٰ احتساب حتى يؤجر عليه المسلم؟ الجواب: الظاهر نعم يحتاج إلىٰ احتساب حتى يحصل كمال الأجر، ومن لم يحتسب فلا نقول إنه لا يحصل له الأجر؛ لكن ما يحصل له كما يحصل للذي يحتسب. فالاحتساب في هٰذه الأمور مما يثبت الأجور ويضاعفها ويزيدها؛ لأن الأجر يختلف، الأجر قد تكون حسنة؛ لكن حسنة هٰذا عن حسنة هٰذا بينهما بون كبير. ولذلك أذكر نفسي وإخواني بالاحتساب، فكثيرا ما تفوتنا الأجور بالغفلة عن هٰذا الأمر، أو تنقص الأجور بسبب الغفلة عن هٰذا الأمر. السؤال: هل مرجع المروءة إلى العرف أم إلى الشرع؟ الجواب: لا إلىٰ العرف، وهناك ضابط في المروءة مهم، وما عداه فهو راجع إلىٰ العرف. الضابط المهم الذي حده الشرع وهو أن لا يغشى كبيرة وأن لا يعرف برذيلة من ارتكاب محرم أو ترك واجب، وما عدا ذلك فهو مأخوذ من العرف. يعني مثلا المشي حاسرا بدون غطاء للرأس هٰذا في بعض البلدان يعتبر عاديا جدا؛ بل غطاء الرأس هو المستغرب، وفي بعض البلدان الأخرى يعتبر هٰذا من مخلات المروءة، ولذلك في السابق كانوا يعدون الأكل والشرب في المطاعم وفي الأسواق من مخلات المروءة، الآن الأكل والشرب ليس من مخلات المروءة، ما فيه إشكال أن الذي يمشي بين الناس ومعه أكل لكن حتى الآن مستهجن ومستكره أما أن يكون مطعما ولو كان على حافة الطريق فإنه ليس من مخلات المروءة في زماننا هٰذا، فهو يرجع إلىٰ العرف. السؤال: هٰذا السائل يريد تعريفا للضمان. الجواب: الضمان يطلق عدة إطلاقات، يطلق في ضمان المتلفات، ويطلق أيضا في الكفالة، فله عدة إطلاقات يضيق الوقت عنها. وهٰذا سؤال عبر الإنترنت: ما المقصود بقولك يا شيخ: إن الغرر تابع عند تمثيلك ببيع المنزل؟ الجواب: يسأل عن الغرر في أساسات البنايات، كيف يكون غررا تابعا، الآن هٰذا المنزل الذي تقدم على شرائه منه قسم معلوم وهو ما يقع عليه النظر؛ فإن ما يقع عليه النظر يمكن اختباره ويمكن تجربته ومعرفة قوته من عدمها. أما ما لا يقع عليه النظر من أساسات البنيان فهٰذا تابع، لا يمكن أن تتحقق منه؛ لكن تسامح به الشرع لكونه تابعا. ومن المشقة بمكان أن نكلف كل من أراد شراء بيت أن يذهب يحفر وينظر أساسات البنيان هل هي سليمة أو غير سليمة. والشريعة تتسامح في الغرر في مثل هاتين الصورتين، إذا كان تابعا يسيرا، تلحق المشقة به الناس... هٰذه بعض الضوابط في الغرر الذي تجيزه الشريعة. نكتفي بهذا، والله تعالىٰ أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.  

المشاهدات:6015

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين، وأصلّي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين.
أما بعد:
فلا يخفاكم أيها الإخوة أن القواعد تحتاج إلى ضرب الأمثلة والبسط في تصوير القاعدة وذكر شواهدها وأمثلتها؛ ولكن الوقت لا يسعف للقيام بذلك؛ ولذلك نقتصر في كثير مما مرّ معنا على شرح القاعدة وذكر دليلها على وجه الإجمال، ولا نلج في تفاصيل القاعدة وأمثلتها وما يستثنى منها؛ لأن الوقت فيه شُح، فمن رغب في الاستزادة فهناك مؤلفات عديدة قديمة وحديثة تبسط القول وتبين الأمثلة المندرجة في هذه القواعد وما يستثنى منها.
نواصل ما وقفنا عليه في قول الناظم رحمه الله:
وليس مشروعاً من الأمورْ*** غير الذي في شرعنا مذكورْ
انتهينا من هـٰذا، وذكرنا أن العبادة لا تكون مشروعة إلا إذا وافقت الشريعة في ستة أمور، هناك ستة أمور لا يحصل موافقة الشرع في العبادة إلا بمراعاتها، وهذه الأمور الستة لم يرد فيها دليل جامع، إنما هي مما استقرأه أهل العلم وتتبعوه من أدلة متفرقة، تحصّل منها هذا المجموع من الأمور التي لا بد من موافقة الشرع فيها حتى يكون العمل مشروعاً.
أول هذه الأمور: الموافقة في السبب، ثم الجنس، ثم القدر، ثم الكيفية، ثم المكان، ثم الزمان. و(ثم) هنا إنما هي للترتيب الذكري وليست للترتيب الواقعي.
عندنا -بارك الله فيكم- ستة أمور لا بد من توفرها في العمل حتى يكون موافقاً للشرع وسالماً من الاندراج في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحْـدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْـسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)).( )
أولاً: السبب:
لا بد أن يكون السبب، سبب العبادة مشروعاً، فإن كان سبب العبادة غير مشروع فإنه يندرج في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحْـدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْـسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)).
فمثلاً الذي يلازم الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند التطيب، كلما قُدِّم إليه طيب قال: اللهم صلّ على محمد. سؤال الله الصلاة على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبادة أو لا؟ ما الدليل على أنها عبادة؟ أمر الله بها، طيب، هل وافقت الشرع في السبب، الصلاة عبادة، لكن هل هذا السبب سببٌ دلّ الشرع على أنه مما يذكر فيه الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ الجواب: لا.
فإذا كان كذلك، فإن الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في هذا الموضع تكون من المحدثات ومن المبتدعات.
هذا مثال السبب.
مثال الجنس: من ضحى بنعامة أو بدجاجة.
الأضحية مشروعة أو لا؟ مشروعة.
فمن ضحى تقرب إلى الله عز وجل في وقت الأضحية بذبح نعامة أو دجاجة أو أرنب، هل يكون فعل مشروعاً، أم فعل بدعة؟ هل التضحية بهذا الجنس مما جاء به الشرع؟
بماذا تكون التضحية؟ ببهيمة الأنعام؛ لقوله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾.( )
وهذا بيان جنس ما يُتقرب إلى الله عز وجل به في الأضحية، وعلى هذا فمن خرج عن هذا الجنس فقد خرج عن المشروع إلى المحدث، فيكون داخلاً في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَحْـدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْـسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)).( )
في القدر: لو أن شخصاً قال: أنا عندي نشاط، وأرغب في أن أصلي الفريضة، فريضة الفجر ثلاث ركعات، وفريضة الظهر والعصر خمس ركعات، والمغرب أربع، وزاد، الآن زاد في أي شيء؟ في القدر، هل يكون عمله مقبولاً؟ الجواب: لا؛ لأنه لم يوافق الشرع في القدر.
كذلك الأمر الرابع- الذي لا بد من موافقة الشرع فيه-: الكيفية، لو أن شخصاً في السعي أراد أن يذكِّر من معه بالأذكار، ماذا يفعل وكيف يقول في سعيه أو في طوافه، فجعل وجهه إلى المجموعة التي يطوف بها وجعل البيت عن يمينه وطاف ماشياً القهقرى، ماشياً إلى الخلف، وطاف سبعة أشواط على هذه الصفة، هل يكون قد قام بما وجب عليه؟ ما قام بما وجب عليه.
وإنما ذكرت هذه الصورة لأنها تكثر في أيام المواسم، تجد أن أحد الذين يعدّون من أهل الفضل في هذه الحملة يحسن إلىٰ من معه، فيريد أن يرشدهم إلى طريقة الذكر أو الطواف أو ما إلى ذلك فيستقبلهم، ويجعل ظهره على خلاف الواجب، فيمشي القهقرى طائفاً، فهل يجزئه هذا الطواف؟ الجواب: لا؛ لأنه خالف الشريعة في الكيفية، فإن كيفية الطواف الواجب فيها أن يكون البيت عن يسار الطائف.
خامس ما يجب موافقة الشرع فيه الزمان: فإذا فعل الإنسان عبادة في غير زمانها المشروع فإنه يكون قد أحدث، إلا إن كان على وجه القضاء، فمن ذبح شاة عقيقة لكونه حصّل على وظيفة؛ الآن هل العقيقة مشروعة للولد أو للوظيفة؟ للولد، فمن فعل هذا فقد اجتمع عنده إشكالان:
الإشكال الأول أنه خالف الشرع في السبب. وخالفه أيضاً في الزمان.
لو أن الرجل قال: أنا حملت زوجتي، والأمور متيسرة عندي الآن، وسأذبح العقيقة قبل أن تلد، هل يكون قد أدى ما عليه؟ لم يؤدّ ما عليه؛ لأنه لم يذبح العقيقة في وقتها المشروع، فإن وقت العقيقة هو بعد الوضع.
وأفضل ما يكون بعد سبعة أيام من الوضع. فهـٰذا خالف الشرع في الزمان.
وكذلك في المكان: لو أن شخصاً تقرب إلى الله عز وجل بالطواف في غير مكة، لم يطف تقرّباً لأحد إنما تقرباً إلىٰ الله عز وجل طاف بأحد المساجد، هل فعل محدثاً وبدعة أو لا؟ وجه البدعية أنه أتى بالعبادة في غير مكانها، فإن الطواف عبادة تتعلق بالبيت، ولا تجوز في غيره.
إذاً هـٰذه أمور ستة اجعلها منك على بال في كل ما تفعل، فإن وافقت الشرع فهو ما أمرك الله به، وإن خالفت الشرع في واحد منها فإنه بدعة محدث.
هذه الأمور الستة لا بد من موافقة الشرع فيها حتى يتم امتثال الشرع في هذه العبادة والأمن من البدعة فيها.
قال الناظم الشيخ عبد الرحمـٰن السعدي رحمه الله تعالى:
وسائل الأمور كالمقاصد*** واحكم بهذا الحكم للزوائد
والخطأ والإكراه والنسيـان*** أسقطـه معبودنا الرحمـٰنُ
لكن مع الإتلاف يثبت البدل*** وينتفي التأثيم عنه والزلل
ومن مسائل الأحكام في التبع*** يثبتُ لا إذا استقل فوقع
والـعرف معمول به إذا ورد*** حكم من الشرع الشريف لم يُحد
معاجل المحظور قبل آنه*** قد باء بالخسران معْ حرمانه
وإن أتى التحريم في نفس العمل*** أو شرطه فذو فساد وخلل
ومتلف مؤذيه ليس يضمن*** بعد الدفاع بالتي هيْ أحسن
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
قال المؤلف رحمه الله:
وسائل الأمور كالمقاصد*** واحكم بهذا الحكم للزوائد.
فذكر في هذا البيت ثلاثة أقسام:
• ذكر الوسائل.
• وذكر المقاصد.
• وذكر المتممات الزوائد.
فنريد أن نعرف الفرق بين هذه الأمور:
أولاً: الوسائل جمع وسيلة، وهي ما يُتوصل به إلى الشيء، يقول رحمه الله: (وسائل الأمور) يعني ما يتوصل به إلىٰ الأمور (كالمقاصد) يعني حكمها – أي حكم هذه الوسائل- كحكم المقاصد.
والمقاصد هي الأمور المقصودة بذاتها، أي المأمور بها ابتداءً.
فصلاة الجماعة مقصودة أو ليست مقصودة للشارع؟ مقصودة؛ ولذلك أمر بها وحث عليها ورغب فيها وحذر من تركها.
وسائل تحقيق صلاة الجماعة كثيرة:
منها المشي إلىٰ المسجد، المشي إلى المسجد وسيلة إلىٰ تحصيل هذا المقصود.
والتبكير وسيلة إلىٰ تحصيل هذا المقصود.
اتخاذ ما يعين من الأدوات والآلات التي تمكن الإنسان من حضور الصلاة جماعة وسيلة.
فما حكم هذه الوسائل؟ حكم هـٰذه الوسائل حكم المقاصد، فهذه الوسائل حكمها حكم المقصود الذي تؤدي إليه أو الذي جعلت وسيلة وسبباً للتوصل إليه، ولذلك صلاة الجماعة على الراجح من أقوال أهل العلم واجبة.
فماذا نقول في حكم السعي إلىٰ صلاة الجماعة؟ الحكم واجب.
أخذ الأسباب المعينة على حصول صلاة الجماعة من النوم مبكراً مثلاً لصلاة الفجر، ومن إعداد الساعة المنبهة، وما إلى ذلك مما يحصل به حضور الجماعة ما حكمه؟ حكم الأصل؛ المقصد، الأصل وهو حضور صلاة الجماعة في الفجر واجب، فكل ما يؤدي إلى تحقيق هذا الواجب فهو واجب.
وهو ما يشير إليه الفقهاء والأصوليون بقولهم: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فكل ما لا يمكن فعل الواجب إلا به فإن حكمه الوجوب.
وكذلك المسنون، كل ما لا تحصل السنة إلا به فإنه مسنون.
وهذا حتى في المحرمات وحتى في المكروهات، فإن ما لا يتم اجتناب المحرم إلا به فإنه محرم وواجب الاجتناب، ولذلك جاءت الشريعة المطهرة بمراعاة هذا الأصل، ففي جانب المحرمات لم تنهَ عنها بذاتها فقط، بل نهت عنها وعن ما يقرب إليها، ولذلك قال سبحانه وتعالىٰ: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾،( ) لما ذكر المحرمات، وأما في الواجبات فقال: ﴿فَلاَ تَعْتَدُوهَا﴾( ) لأن الواجب في ما أوجبه الله عز وجل الاقتصار على ما فرض، أما المحرم فالواجب اجتناب المحرم واجتناب كل وسيلة توصل إليه، ولذلك نهى الله سبحانه وتعالى عن الزنى وعن ما يقرّب إليه فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾،( ) وهكذا في كل محرم، فإن الشريعة حرمت المحرم وحرمت كل ما يوصل إلى هذا المحرم، كما أنها أوجبت الواجبات وأوجبت كل ما يوصل إليها، أي ما لا تتم هذه الواجبات إلا به، وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (وسائل الأمور كالمقاصد) يعني حكمها كالمقاصد. فقوله: (كالمقاصد) يعني لا في المنزلة والأجر إنما في الوجوب والحكم، وإلا فلا شك أن الوسائل لا يكون أجرها كأجر المقاصد، فالمشي إلى المسجد ليس أجره كأجر الصلاة في المسجد، إنما هو في الحكم موافق لحكم الصلاة في المسجد.
فانتبه إلى هـٰذه التسوية في قوله: (وسائل الأمور كالمقاصد) يعني في الأحكام، أما الأجور فالأجور تختلف، ولا قياس في الأجور والثواب، ولذلك ترد الشريعة في العمل اليسير ويكون أجره عظيماً ولا يذكر نظيره فيما هو واجب، فتنبه إلىٰ هـٰذا.
ثم قال رحمه الله: (واحكم بهذا الحكم) أي أثبت هذا الحكم (للزوائد)؛ يعني للأمور الزائدة المتممة، فما مراده بالزوائد؟ مراده بالزوائد ما يترتب على فعل العبادة بعدها، هذا مراده بالزوائد، فالإنسان إذا جاء إلى المسجد وصلى، الآن حصلت الوسيلة وحصل المقصود، هل يكون قد انتهى الأجر؟ الجواب: لا، رجوعك إلى بيتك أنت مأجور عليه؛ لأنك في عبادة فأنت في توابع ومتممات وزوائد هذه العبادة.
ولذلك جاء في صحيح مسلم أن الصحابي قال: إني أحتسب على الله ذهابي ورجوعي إلى المسجد. فاحتسب على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذهاب وهو وسيلة والرجوع وهو متمم للمقصود، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فقوله: (واحكم بهذا الحكم للزوائد) أي احكم بثبوت الفضل للزائد، ولا شك أن الزائد ليس كالوسيلة، هو دون الوسيلة؛ لكنه لا يخرج عن كونه في جملة ما يتعبد به لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
هذا معنى قول المؤلف رحمه الله:
وسائل الأمور كالمقاصد*** واحكم بهذا الحكم للزوائد
ثم قال رحمه الله في قاعدة مهمة جليلة:
والخطأ والإكراه والنسيـان
هذا كم أمر؟ ثلاثة أمور.
"أسقطـه معبودنا الرحمـٰنُ"
ننظر إلى هـٰذه الأمور الثلاثة:
أولاً: الخطأ ما هو الخطأ؟ الخطأ هو أن يريد الإنسان شيئاً أو يقصد شيئاً ويحصل له غيره أو يتفق منه غيره.
فمثلاً أردت أن أسأل الأخ، فعينت غيره، الذي أمامه، هذا خطأ بقصد، أنا كنت أريد أن أسأله فتوجه السؤال إلى غيره، أردت شيئاً واتفق لي وحصل لي غيره، هذا هو الخطأ.
والإكراه: هو أن يفعل الإنسان شيئاً من غير اختيار صحيح. وذلك بأن يحمله شخص على أن يفعل ما لا يريد، أو يقول ما لا يشتهي.
والإكراه درجات:
• منه ما هو إكراه ينغلق فيه الاختيار ويلغى فيه اختيار الشخص فلا اختيار له بالكلية.
• ومنه إكراه يفسد الاختيار ولا يلغيه.
مثال الأول: إذا أمسك شخص برجل ورماه على آخر فمات الآخر، الآن على أيهما يقع اللوم والمؤاخذة؟ هل هو على الرامي؟ أو على المرمي؟
الموت حصل من المرمي ولكن من هو الملوم؟ الرامي هو الملوم؛ لأن المرمي هل له اختيار؟ هو كالحجر لا اختيار له.
وهذا مثال النوع الأول من أنواع الإكراه وهو الذي يلغى فيه اختيار الشخص بالكلية.
أما الذي يفسد فيه الاختيار، فكأن تأتي إلى شخص وتقول له: افعل كذا أو فعلت بك كذا، إما قتل أو سجن أو ضرب، أو أخذ مال أو إلحاق ضرر به أو بولده أو بمن يحب، الآن هذا سيفعل ما أمرته به.
فعله هذا وقع باختياره أو بغير اختياره؟ وقع باختياره؛ لكنه اختيار فاسد؛ يعني لو لم يكن هناك مؤثر حامل على أن يفعل هذا الأمر لما تقدم إليه.
لو قال شخص لآخر: هشّم سيارة فلان وإلا سجنتك أو ضربتك أو أخذت مالك، الآن هذا إكراه أو ليس إكراهًا؟
هم يذكرون للإكراه شروطاً، فالرجل قادر على أن يمضي ما هددك به، وأن يوقع بك الضرب، وذهبت وكسرت السيارة، وأنت بتكسيرك السيارة هذا فعل منك باختيار أو بغير اختيار؟ باختيار، لكن هل هذا الاختيار صحيح؟ هذا اختيار فاسد، ودليل فساده أنه لو لم تحمل وتضطر على أن تفعل هذا الأمر ما فعلته.
فالإكراه هو أن يفعل الإنسان شيئاً بغير اختيار صحيح، إما باختيار ملغى أو باختيار فاسد.
قوله: (والنسيـان) هذا ثالث ما ذكر المؤلف رحمه الله، النسيان.
والنسيان في الأصل ضد الذكر، وهو السهو أو الذهول الحاصل بعد علم.
وبه تعرف الفرق بين النسيان وبين الجهل، فالجهل هو عدم العلم، وأما النسيان: فهو ذهول وسهو بعد حصول العلم.
هذه الأمور الثلاثة، ماذا ذكر عنها المؤلف رحمه الله قال: (أسقطـه معبودنا الرحمـٰنُ) أسقطه: أي أسقط المؤاخذة به.
فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من واسع فضله وعظيم إحسانه وبره أن أسقط عن عباده المؤاخذة بهذه الأمور الثلاثة: الخطأ والإكراه والنسيان.
دليل ذلك قول الله تعالىٰ: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾( ) هذا فيه الدليل على الخطأ والنسيان، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾( ) هذا أيضاً دليل على عدم المؤاخذة بالخطأ. أما الإكراه فهي الآية التي ذكرتموها وهي قول الله جل وعلا: ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾( ) أي هو المؤاخذ، فمن شرح بالكفر صدراً، كان إقباله على الكفر باختيار منه، وأما من حُمل –على الصحيح- فإنه لا يؤاخذ بهذا، وهذا دليل على الإكراه.
دليل على أن الإكراه لا يؤاخذ به الإنسان، وجه الدلالة من الآية؟ وجه الدلالة: أن الإنسان إذا كان لا يؤاخذ في أكبر المعاصي وهي الكفر بالله عز وجل- إذا كان ذلك من غير اختيار -فما دونها من المعاصي من باب أولى.
إذاً عرفنا الآن الأدلة على إسقاط المؤاخذة في هذه الأمور من الكتاب.
وأما من السنة: فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء عنه من طرق متعددة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ [والنسيان] وما استكرهوا عليه))( ). وهذا الحديث لا يخلو طريق من طرقه من وهن؛ ولكن مجموع الطرق يفيد الثبوت، يفيد ثبوت الحديث وصحته، ولو لم يثبت فإن القرآن دال على هذه القاعدة ولا إشكال.
طيب ما الذي يسقط بالخطأ والإكراه والنسيان؟ الأفعال –المخالفات- التي تكون من الإنسان، إما أن تكون في حق الله، وإما أن تكون في حق الخلق.
فما كان في حق الله عز وجل فإذا فعله الإنسان مخطئاً أو مكرهاً أو ناسياً فإنه لا يؤاخذ على هذا الفعل؛ أي لا إثم عليه في هذا الفعل.
وهذا معنى قوله: (أسقطه) أي إن الإثم ساقط عنه، فلا إثم.
يبقى الضمان، هل هو ضامن؟
وأضرب لكم مثلاً يتضح به سؤال الضمان: لو أن شخصاً دخل الحرم المكي، والحرم المكي يحرم فيه الصيد، فنسي أنه في الحرم وصاد غزالاً أو طيراً، فما الحكم؟ هل هو آثم؟ رجل أخطأ؛ نعم هو تعمد الصيد لكنه نسي أنه في الحرم، رجل يتبع الصيد ولما رأى هذا الغزال ما ظن أنه في حرم ولا جاء على باله، مباشرة سدد وأطلق، الآن هل هو آثم؟ ليس آثماً لأن الإثم إنما يكون من الدافع، وهذا ليس بدافع؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد وضع عن الأمة النسيان، كما في قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾( ) قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إن الله جلَّ وعلا قد قال: قد فعلت))( ) كما في صحيح مسلم، فهو غير مؤاخذ.
طيب، هل يجب عليه جزاء الصيد؛ لأن من قتل صيداً في مكة في الحرم يجب عليه جزاء ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾( ).
هل يجب عليه الضمان؟ الصحيح أنه لا يجب عليه الضمان؛ لأن الآية قالت: ﴿وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء﴾ فرتبت الجزاء على القتل العمد، وهل هذا متعمد؟ الجواب ليس متعمداً، فإذا كان غير متعمد فإنه لا يضمن، وعليه فإنه يسقط في حقه الإثم ويسقط في حقه الضمان.
وهذا في جميع حقوق الله عز وجل إذا فعلها الإنسان ناسياً أو مخطئاً أو مكرهاً فإنه لا إثم عليه ولا ضمان في حقه، لا ضمان عليه.
سؤال: هل هـٰذا مطرد؟ الجواب: مطرد إلا في مسألة: القتل خطأ، إذا قتل إنسان شخصاً معصوم الدم خطأً، فما الذي يترتب عليه؟ لا بد أن تشاركونا في الجواب حتى نعرف هل القاعدة مطردة أو لا؟
ما الذي يترتب على القتل الخطأ؟
حق لله وحق للمخلوق.
ما هو حق المخلوق؟ الدية، ما فيه إشكال، أي إنسان يقتل آخر خطأ تجب عليه الدية: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ﴾( ). الدية المسلمة إلى أهله حق لمن؟ حق للمخلوق، وهذا أخرجوه من البحث؛ لأننا نبحث الآن في حق الله عز وجل.
بقي علينا القسم الثاني وهو حق الله جل وعلا، الآن تحرير رقبة مع أن الرجل فعل ذلك خطأ فلم نسقط عنه الضمان مع أننا أسقطنا عنه الإثم.
فما الجواب عن هـٰذا الاستثناء الوحيد من القاعدة المتقدمة؟
الجواب: أن سقوط المؤاخذة وعدم سقوط الضمان في هذه الصورة تعظيم لشأن الدماء، حتى لا يتهوك الناس ويتساهلوا في قتل الخطأ.
إذاً انتهينا الآن من القسم الأول وهو ما إذا كان الخطأ أو الإكراه أو النسيان في حق الله عز وجل.
أما في حق المخلوق فاعلم أن الساقط هو الإثم فقط، أما ما يترتب على ذلك من ضمان فإنه باقٍ، ولذلك قال المؤلف: (لكن مع الإتلاف) يعني إتلاف حقوق الآدميين (يثبت البدل) فهنا الضمان ثابت، (وينتفي التأثيم عنه والزلل) فالمنفي فقط هو الإثم، أما الضمان فإنه ثابت.
ولذلك قال: (لكن مع الإتلاف يثبت البدل) يعني يثبت بدل المتلف.
فمثلاً شخص يمشي في الطريق فعثر بسيارة شخص فأتلفها، يعني يمشي بسيارة فصدم سيارة شخص وهو ماشٍ خطأ أو صدم شخصاً وهو ماشٍ فكسر يده، الآن هل هو آثم؟
ليس بآثم؛ لأنه مخطئ، هل يضمن ما ترتب على خطئه أو لا يضمن؟ يضمن؛ لأن الحق حق للآدمي، فإن كان التلف للنفس ضمن بالدية، وإن كان التلف في المال ضمن إما بالمثل أو بالقيمة.
المثل في أي شيء؟ في المثليات، والقيمة فيما لا مثل له، والضمان في الأموال لا يكون إلا بهذين الأمرين: المثل في المثليات والقيمة فيما عدا ذلك.
المثل هو كل ما له مثيل، الآن لو واحد منكم مسك هذا القلم وكسره، زعل من مثال لم يفهمه وكسر القلم، الآن يضمن هذا أو لا؟ بماذا يضمنه؟ هل هو بمثله؟ أو يضمنه بقيمته؟ يضمنه بمثله؛ يعني لو قال: خذ ريالين ما أدري هل هو بريالين أو ثلاثة مقابل هذا القلم، لو قال: لا أريد هذين الريالين، جئني بمثله، نقول له: هـٰذا القلم تضمنه بمثله.
إذاً قول المؤلف: (لكن مع الإتلاف يثبت البدل) البدل إما أن يكون مثليّاً وإما أن يكون قيميّاً.
مثال القيمي: إنسان تكلف على سيارة صنعها في بلاد التصنيع وأتت سيارة لا نظير لها، جاء واحد صدمه، لما بحثوا عن قطع هذه السيارة ما وجدوها، الآن هذه تضمن بالمثل أو بالقيمة؟ تضمن بالقيمة، لا يمكن ضمانها بالمثل؛ لأنه لا مثيل لها.
ثم قال:
ومن مسائل الأحكام في التبع*** يثبت لا إذا استقل فوقع
هذا البيت يشير إلى قاعدة مشهورة في كلام الفقهاء وهي قولهم: يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
الآن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الغرر، أليس كذلك؟ بلى، نهى عن ذلك وهو حديث صحيح معروف ومشهور، وهو أصل في باب المعاوضات منع الغرر، ما هو الغرر؟ الغرر هو الجهالة.
لو أن شخصاً أتى وقال لك: بعتك ما في جيبي بريالين. هل يجوز أو لا يجوز ؟ لا يجوز لماذا؟ غرر.
شخص جاءك قال: بعتك هذا البيت، أنا عمرته وأشرفت على بنائه بعتك إياه بمليون ريال. وقال: الآخر: قبلت. هل هذا البيع صحيح؟ دخل ورأى الجدران والدهان وفوق وتحت هل هذا صحيح؟ هـٰذا البيع أليس فيه غرر؟ هل حفرت ونظرت إلى الأساسات هل هي جيدة أو غير جيدة؟ لم تنظر إلى الأساسات.
إذاً هنا في هذا البيع غرر؛ لكنه غرر تابع فصح. هذا مثال في البيوع.
مثال في العبادات: لو أن الإنسان أراد أن يأخذ عمرة أو حجّاً فمن المشروع في حقه أن يتطهر وأن يغتسل وأن يتطيب، أليس كذلك؟ تطيب بأحسن الطيب وطيب رأسه ولحيته حتى رئي وبيص الطيب في رأسه.
الآن هذا الرجل الذي تطيب بهذا الطيب، انتقض وضوؤه، وأراد أن يجدد الوضوء، من المشروع في الوضوء أن يمسح الرأس، أليس كذلك؟ مسحه رأسه سوف يفضي إلى أن يعلق بيديه شيء من الطيب الذي في رأسه.
هل يجب عليه أن يغسل يديه ويزيل ما في يديه من الطيب؟
الجواب: لا؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرى وبيص المسك في رأسه وهو محرم ولم ينقل عنه أنه كان إذا توضأ أزال ما علق في يديه من وبيص المسك. فهذا طيب تابع وليس مستقلاًّ.
ويمكن أن يستفاد من هذا أيضاً في قاعدة أخرى يذكرها الفقهاء وهي: الاستدامة أهون من الابتداء.
فهذا استدام الطيب وليس ابتداءً للتطيب، هذان المثالان يكفيان إن شاء الله لشرح هذه القاعدة.
ثم قال رحمه الله:
والـعرف معمول به إذا ورد*** حكم من الشرع الشريف لم يُحد
المراد بالعرف هو كل ما تعارف عليه الناس مما لا يخالف الشرع، هذا هو العرف.
فإذا خالف الشرع فإنه منبوذ ولا عبرة به ولا ينظر إليه، الكلام في العرف الذي لا يخالف الشرع.
يقول رحمه الله:
والـعرف معمول به إذا ورد*** حكم من الشرع الشريف لم يُحد
وهذا إشارة إلى القاعدة الكبرى وهي: العادة مُحَكَّمَة.
يقول المؤلف رحمه الله: ما ورد به الشرع دون تحديده فإن المرجع في تحديده هو العرف.
واعلم أن ما ورد في الشرع إما أن يعلم حده من الشرع نفسه، فهنا لا يرجع إلى غير الشرع في تفسير هذا اللفظ ومعرفة حدوده.
فمثلاً: صلاة الظهر، الصلوات هل هي مبينة في الشرع ومحددة أو لا؟ محددة، فقول الله عز وجل: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةََ﴾ أمره بإقامة الصلاة أمر بعبادة، هل هذه العبادة محددة بالشرع أو تحتاج إلى الرجوع إلى العرف لتحديدها؟ محددة بالشرع.
فإذاً الألفاظ الواردة في الشرع هذا القسم الأول وقد بينها الشرع فالمرجع في بيانها ومعرفتها إلى أي شيء؟ إلى الشرع.
القسم الثاني مما ورد في الشرع هو: ما يعرف حده باللغة، فالمرجع في ذلك إلى اللغة، مثال ذلك (بهيمة الأنعام) : ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ﴾( ).
بهيمة الأنعام ما هي؟ هل هي محددة في الشرع؟ تحديدها في الحقيقة جاء من اللغة؛ لأن العرب لا تطلق بهيمة الأنعام إلا على الإبل أو البقر أو الغنم، وما عدا ذلك فإنه لا يطلق عليه بهيمة الأنعام.
فهنا المرجع في تحديد اللفظ الوارد أو فهم معناه استفيد من اللغة. هذا القسم الثاني.
القسم الثالث هو: ما لم يرد له حد في الشرع، وليس هناك حد له في اللغة، فالمرجع فيه إلى العرف، وتعرفون يا إخوان أن العرف يختلف باختلاف البلدان، واختلاف الأزمان واختلاف الأحوال، فالمؤثر فيه جهات عديدة.
فأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لعباده ببر الوالدين، هل الشريعة حددت أفعالاً معينة يحصل بها البر؟ هل الشرع جعل من البر أن تزور الوالد والوالدة في الصباح والمساء؟ الجواب: لا.
طيب إذاً ما المرجع في تحديد البر الواجب؟ العرف، فكل ما عده الناس برّاً فإنه مما أمر الله به.
ففي زمان من الأزمان يعدون مشيك أمام أبيك من البر؛ لأنك تتفقد له الطريق، وتنظر ما يحتاج إلى إزالته فتزيله.
في عرف آخر مشيك أمام أبيك من العقوق؛ لأنه تقدم بين يديه.
فأيهما نأخذ؟ أيهما البر؟
نقول: البر في كل موضع بحسبه، حسب ما تعارف عليه أهل البلد وحسب ما جرى عليه عمل الناس.
كذلك في صلة الأرحام، وهذا سؤال يتكرر على كثير من المشايخ وأهل العلم: بماذا تحصل صلة الرحم؟ هل هي بالزيارة في السنة مرة، بالزيارة مرتين، بالاتصال بالهاتف، بالمكاتبة، ومن هم الذين يوصلون؟
كل هذا يرجع إلى العرف، كل هذا ليس فيه حد في الشرع ولا هناك حد في اللغة، فالمرجع في تحديد ذلك إلى العرف.
فالآن هل هو من المتعارف عليه بين الناس في صلة رحم ابن عمك أن تزوره كل صباح ومساء؟ لا، ليس هذا من صلة الرحم الواجب، كونه إحساناً، كونك بينك وبينه صلة هذا أمر آخر؛ لكن هل هو من صلة الرحم الواجب؟ الجواب: لا. ابن العم قد يكفي أن يراه الإنسان بين فترة وأخرى إما في مناسبات أو اتصالات عند مرض أو عند مناسبة يُسر فيها فتهنئه أو ما إلى ذلك.
يختلف الناس في ضبط ذلك حسب أعرافهم وحسب بلدانهم.
إذاً نرجع ونقول: إن العرف يرجع إليه متى؟ إذا لم يرد تحديد من الشرع، ولذلك قال المؤلف رحمه الله:
والـعرف معمول به إذا ورد*** حكم من الشرع الشريف لم يُحد
ومن أمثلة ذلك: القبض والبيع والكسب والنكاح ومسائل كثيرة كلها ترجع إلى العرف.
لو ذهبت إلى رجل وقلت له: زوجني ابنتك، قال: أعطيتك بنتي، هل هذا قبول؟ نعم هذا قبول، وهو عند بعض الفقهاء لا يعد قبولاً؛ لأنه لا بد من أن يكون العقد بألفاظ محددة.
القبض، قبض المبيع يختلف اختلافاً شديداً واختلافاً كبيراً بين الأعراف وبين المقبوضات، فقبض البيوت ليس كقبض السيارات، وقبض المنقولات ليس كقبض العقارات، المهم أن المرجع في كل هذا إلى العرف.
إذا لم يرد ضابط أو حد في الشرع فالمرجع إلى العرف.
طيب، إذا اضطرب العرف وهذا هو السؤال المهم، إذا اضطرب العرف فما العمل؟ العرف اضطرب، هؤلاء لهم عادة وهؤلاء لهم عادة.
فنقول: يعمل بالعرف الخاص القريب، ولذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ أرجع المستحاضة بالحيض إلى عادة نسائها، ليس إلىٰ عادة النساء على وجه العموم، إنما إلى عادة النساء القريبات منها، وأيضاً ذكر الفقهاء في معرفة الولود في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تزوج الودود الولود)) ( ) كيف تعرف المرأة أنها ولود وهي لم تنجب؟ قيل: ينظر إلى قريباتها ونظيراتها: إلى أمها إلى خالتها إلى أختها إلى حواشيها القريبة.
فإذا اضطرب العرف فالمرجع إلى العرف الخاص يعمل به.
ثم قال رحمه الله:
معاجل المحظور قبل آنه*** قد باء بالخسران معْ حرمانه
(معاجل المحظور) المبادر المسابق إلى المحظور، المحظور هو الممنوع، (قبل آنه) يعني قبل وقت حِلِّهِ وإباحته، (قد باء بالخسران) وهو الإثم، (مع حرمانه) أي مع حرمانه مما تعجله.
وهذا ما يشير إليه الفقهاء بقولهم: من استعجل شيئاً قبل أوانه على وجه محرم عوقب بحرمانه.
وهذا القيد مهم: (على وجه محرم) يغفله كثير من المتكلمين في هذه القاعدة، من استعجل شيئاً قبل أوانه على وجه محرم؛ لكن إذا استعجله على وجه مباح هل يعاقب بحرمانه؟ الجواب: لا يعاقب بحرمانه؛ لكن من استعجله على وجه محرم فإنه يعاقب بحرمانه.
مثال ذلك: شخص قتل مورثه ليستعجل الإرث، فما حكمه؟ أولاً: الإثم، باء بالخسران مع الحرمان، فإنه يمنع من الإرث.
ولذلك قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يرث القاتل شيئاً))؛( ) لأنه استعجل الشيء قبل أوانه على وجه محرم.
وأمثلة هذا كثيرة.
هل هناك استعجال بشيء على وجه مباح ولا يحرم منه الإنسان؟ نعم.
مثال ذلك: من استعجل الزكاة، إنسان فقير وجاء إلى غني وقال له: أنت أنعم الله عليك وأنا عندي حاجة ملحة أوفِ عني هذا الدين أو أعطني هذا المبلغ حتى أقضي حاجتي واحتسبه من الزكاة.
هذا استعجال للشيء قبل أوانه أو لا؟ الزكاة ما جاء وقتها بالنسبة إلى هـٰذا التاجر، استعجال قبل أوانه لكن هل عوقب بالحرمان؟ الجواب: لم يعاقب بالحرمان، لأن للتاجر أن يُعَجِّلَ الزكاة؛ لأن تعجيل الزكاة يجوز للمصلحة، وهذا يفيدك في خروج مثل هذه الصورة، القيد الذي زدناه في قولنا: (على وجه محرم) فإذا استعجله على وجه مباح فإنه لا يعاقب بالحرمان.
ثم قال رحمه الله:
وإن أتى التحريم في نفس العمل*** أو شرطه فذو فساد وخلل
هذا إشارة إلى قاعدة يذكرها الفقهاء: وهي أنه إذا كان التحريم -الوارد في الكتاب أو في السنة- عائداً إلى العبادة نفسها أو شرطها فإنه يدل على فسادها.
إذا كان التحريم الذي في النص –في الكتاب أو في السنة- عائداً إلى العبادة نفسها أو إلىٰ شرطها فإن ذلك يفيد فساد العبادة وتحريمها.
مثال ذلك: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا صلاة بعد صلاة العصر))( ). هذا نهي أليس كذلك؟ هذا نهي، إذا كان نهياً، الآن هل هو نهي عن العبادة نفسها يعني عن الصلاة أو عن شرطها؟ نهي عن الصلاة نفسها، فهو داخل في قوله: (وإن أتى التحريم في نفس العمل).
الآن المنهي عنه المحرم هو نفس العمل، فما حكم من صلى بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الفجر أو في وقت من أوقات النهي بدون سبب؟ صلاته فاسدة مع الإثم.
فساد هـٰذا من حيث الحكم الوضعي، وخلل من حيث الحكم الشرعي، فهو قد أتى محرماً، فهو آثم على ذلك.
الآن التحريم أتى في نفس العبادة، طيب إتيان التحريم في شرطها: استدبار الكعبة؛ لكن هل فيه نص حَرَّمَ استدبار الكعبة؟ فيه نصوص أمرت باستقبال القبلة: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾( ). فإذا استدبر الكعبة فقد أتى محرماً وأخل بشرط من الشروط وهو استقبال القبلة، فتكون عبادته فاسدة.
مثال آخر: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ))( ). شخص صلى بدون وضوء، الآن النهي عن الصلاة نفسها أو عن الصلاة التي فقدت هذا الشرط؟
الصلاة التي فقدت هذا الشرط، فدل ذلك على فساد هذه العبادة.
شخص صلى وعليه ثوب حرير ما حكم صلاته؟ فيه خلاف؛ لكن الصحيح أن صلاته صحيحة؛ طيب هو ستر عورته التي يجب أن يسترها في الصلاة بهذا الثوب المحرم، هل صلاته صحيحة؟ بعض الفقهاء يقول: لا، صلاته ليست بصحيحة لأنه لم يحصل الشرط إلا بمحرم فتفسد صلاته؛ ولكن الصحيح هو القول الثاني وهو أن صلاته صحيحة؛ لأن تحريم لبس الحرير هل هو لأجل الصلاة أو على وجه العموم؟ على وجه العموم، فالجهة منفكة، فلم يرد النهي عن شرط العبادة ذاتها ولا عن نفس العبادة، فلا يفيد الفساد ولا يفيد التحريم؛ لا يفيد التحريم يعني تحريم هذه العبادة؛ لكن لبسه للحرير محرم، وكذلك لو أنه توضأ بإناء من فضة أو بإناء من ذهب هل وضوؤه صحيح؟ الجواب: على الصحيح وضوؤه صحيح ولكنه يأثم لاستعماله هذا المحرم؛ ولكن ما نقول إن وضوءه غير صحيح؛ لأن النهي عن استعمال آنية الذهب أو الفضة ليس عائداً، متعلقاً بالصلاة نفسها أو بشرطها المعين إنما هو نهي عام: ((لا تأكلوا في آنية ذهب أو فضة ولا في صحافها)).( )
إذاً القاعدة ملخصها لفظاً أو نثراً أن يقال: إذا عاد النهي إلى العبادة نفسها أو إلى شرطها فإن ذلك يفيد الفساد والتحريم.
يشكل على هذا النهي عن رفع البصر في الصلاة، لو أن إنساناً رفع بصره في الصلاة، هذا منهي عنه في العبادة ذاتها ليس مطلقاً، ومع ذلك فإن جماهير العلماء يرون صحة الصلاة، وإن كان الظاهرية يرون أن الصلاة تبطل، والقول بالبطلان له قوة؛ ولكن الإنسان قد لا يجرؤ على هذا القول مع قول الجمهور.
كذلك القراءة في السجود والقراءة في الركوع منهي عنها، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((نهيت أن أقرأ القرآن وأنا راكع وأنا ساجد))( ). فلو أن إنساناً قرأ وهو راكع أو وهو ساجد فما حكم صلاته؟
فعل منهيّاً عنه في العبادة ذاتها، فهنا أيضاً اختلف العلماء على قسمين.
ثم قال رحمه الله:
ومتلف مؤذيه ليس يضمن*** بعد الدفاع بالتي هيْ أحسن
لعلنا نقف على هـٰذه القاعدة ونكمل إن شاء الله تعالىٰ في الدرس القادم.
والله تعالىٰ أعلم، وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد.
السؤال: أحسن الله إليكم يا شيخ، هل المشي إلىٰ الصلاة والرجوع إلىٰ البيت يحتاج إلىٰ احتساب حتى يؤجر عليه المسلم؟
الجواب: الظاهر نعم يحتاج إلىٰ احتساب حتى يحصل كمال الأجر، ومن لم يحتسب فلا نقول إنه لا يحصل له الأجر؛ لكن ما يحصل له كما يحصل للذي يحتسب.
فالاحتساب في هـٰذه الأمور مما يثبت الأجور ويضاعفها ويزيدها؛ لأن الأجر يختلف، الأجر قد تكون حسنة؛ لكن حسنة هـٰذا عن حسنة هـٰذا بينهما بون كبير.
ولذلك أذكر نفسي وإخواني بالاحتساب، فكثيراً ما تفوتنا الأجور بالغفلة عن هـٰذا الأمر، أو تنقص الأجور بسبب الغفلة عن هـٰذا الأمر.
السؤال: هل مرجع المروءة إلى العرف أم إلى الشرع؟
الجواب: لا إلىٰ العرف، وهناك ضابط في المروءة مهم، وما عداه فهو راجع إلىٰ العرف.
الضابط المهم الذي حدّه الشرع وهو أن لا يغشى كبيرة وأن لا يعرف برذيلة من ارتكاب محرم أو ترك واجب، وما عدا ذلك فهو مأخوذ من العرف.
يعني مثلاً المشي حاسراً بدون غطاء للرأس هـٰذا في بعض البلدان يعتبر عاديّاً جدّاً؛ بل غطاء الرأس هو المستغرب، وفي بعض البلدان الأخرى يعتبر هـٰذا من مخلات المروءة، ولذلك في السابق كانوا يعدون الأكل والشرب في المطاعم وفي الأسواق من مخلات المروءة، الآن الأكل والشرب ليس من مخلات المروءة، ما فيه إشكال أن الذي يمشي بين الناس ومعه أكل لكن حتى الآن مستهجن ومستكره أما أن يكون مطعماً ولو كان على حافة الطريق فإنه ليس من مخلات المروءة في زماننا هـٰذا، فهو يرجع إلىٰ العرف.
السؤال: هـٰذا السائل يريد تعريفاً للضمان.
الجواب: الضمان يطلق عدة إطلاقات، يطلق في ضمان المتلفات، ويطلق أيضاً في الكفالة، فله عدة إطلاقات يضيق الوقت عنها.
وهـٰذا سؤال عبر الإنترنت: ما المقصود بقولك يا شيخ: إن الغرر تابع عند تمثيلك ببيع المنزل؟
الجواب: يسأل عن الغرر في أساسات البنايات، كيف يكون غرراً تابعاً، الآن هـٰذا المنزل الذي تقدم على شرائه منه قسم معلوم وهو ما يقع عليه النظر؛ فإن ما يقع عليه النظر يمكن اختباره ويمكن تجربته ومعرفة قوته من عدمها.
أما ما لا يقع عليه النظر من أساسات البنيان فهـٰذا تابع، لا يمكن أن تتحقق منه؛ لكن تسامح به الشرع لكونه تابعاً.
ومن المشقة بمكان أن نكلف كل من أراد شراء بيت أن يذهب يحفر وينظر أساسات البنيان هل هي سليمة أو غير سليمة.
والشريعة تتسامح في الغرر في مثل هاتين الصورتين، إذا كان تابعاً يسيراً، تلحق المشقة به الناس... هـٰذه بعض الضوابط في الغرر الذي تجيزه الشريعة.
نكتفي بهذا، والله تعالىٰ أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83197 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78237 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72548 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60684 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55032 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52242 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49437 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات47987 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44833 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44139 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف