(19) استكمال حديث "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع"

رابط المقال

 

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد...

فقد جاء في الصحيحين من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن سبع، قال: «أَمرنا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بِسبْعٍ»، ونهانا عن سبع، فالمنهي عنه من السبع هو مما يتعلق بأمور سبعة عدها البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه: «وَنَهانَا عَنْ خواتِيمَ أَوْ تَختُّمٍ بالذَّهبِ، وَعنْ شُرْبٍ بالفَضَّةِ، وعَنِ المياثِرِ الحُمْرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ» هذه سبعة أمور اشتمل عليها حديث البراء فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

ما المراد بالمنهيات هنا؟

قوله: نهانا عن سبع أي ذكرها في سياق واحد، وليس المقصود أن جميع المنهيات في الشريعة محصورة في هذه السبع، بل هذه من الأمور التي اجتمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها في النهي، وهي تنقسم في الجملة إلى قسمين: قسم يتعلق باللباس، وقسم يتعلق بالأواني، فعد النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أمور مما ينهى عنه، وهي تنقسم في الجملة إلى قسمين: منها ما يتعلق باللباس وهذا أكبر وأكثر المذكور، ومنها ما يتعلق بالأواني.

النهي عن التختم بالذهب للرجال:

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المناهي المتعلقة باللباس، والمناهي المتعلقة بالأواني في غير ما حديث، منها هذا الحديث فإنه نهى صلى الله عليه وسلم عن خواتيم أو تختم بالذهب، وهذا يشمل النهي عن لبس الخواتيم التي للزينة، أو التي للحاجة، فكل ما كان من الذهب فإنه لا يجوز لبسه للرجل؛ وذلك لما جاء في هذا الحديث، ولما جاء في السنن من حديث علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يده اليمنى قطعة من الحرير، وبيده اليسرى ذهبًا فقال: «حُرِّمَ لِباسُ الحريرِ والذَّهَبِ على ذُكورِ أُمَّتي، وأُحِلَّ لِإناثِهِم»  (1)  .

الإجماع على تحريم لبس الذهب للرجال:

 والحديث أصل في تحريم لبس الذهب للرجال وهو أمر مجمع عليه لا خلاف فيه بين أهل العلم، وقد جاء في أحاديث عديدة، وسواء أن كان ذلك في كل الخاتم، سواء أن كان الذهب في كل الخاتم أو كان في بعضه، فإنه كل ما كان من الذهب لا يجوز لبسه ولو كان في جزء من الخاتم أو في فصه أو فيشيء منه لعموم النهي الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وكذلك نهى عن شرب في آنية الفضة، وهذا ثاني المذكورات فإنه ذكر صلى الله عليه وسلم النهي عن الشرب بالفضة، وقد جاء ذلك في الصحيحين قال: «ولا تَشربوا في آنِيةِ الذَّهَبِ والفضَّةِ، ولا تأكلوا في صِحافِها؛ فإنَّها لهم في الدُّنيا، ولنا في الآخِرةِ»  (2)  ، وقد جاء هذا التعليل أيضًا في النهي عن لبس الحرير، وهو مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث فإنه نهى عن ذلك لأجل أنه لباس أهل الإيمان في الآخرة، ولا يكون لهم في الدنيا.

المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شرب بالفضة، وهذا يشمل الآنية التي من فضة خالصة، ويشمل أيضًا الآنية التي طليت بالفضة وكذلك التي طليت بالذهب إذا كان يجتمع من الطلاء جرمًا، أما إذا كان لا يجتمع من الطلاء جرم بمعنى أنه لون وليس له اجتماع لو حك أو أذيب، فإنه لا بأس بذلك لأنه ليس من آنية الذهب ولا من آنية الفضة.

تحريم بعض الزينة على الرجال:

قال: «وعَنِ المياثِرِ الحُمْرِ» وهذا ثالث ما ذكره صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المنهيات في هذا الحديث وهو المياثر الحمر، والمياثر جمع ميسرة وهي ما يجلس عليه سواء أن كان ذلك في السرج أو كان في كون البعير فإنهم كانوا يتخذون ذلك من الحرير، ويحشونه بالقطن، ويجعل في مقعد الإنسان على السرج أو في كون البعير يجلس عليه، فنهي عنه لما في ذلك من ملابسة الحرير الذي نهي عنه المؤمنون في الدنيا فيما يتعلق بالألبسة، وفيما يتعلق باللبس بالنسبة للرجال. وأما النساء فإنه حل لهن أن يلبسن ما شئن من الحرير لأنه من الزينة، والمرأة الزينة في حقها أصيلة كما قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ  (3)  .

رابع المذكورات: «وَعَنِ الْقَسِّيِّ»، والقسي هي نوع من النسيج الذي يخلط فيه الحرير مع الكتان وهي ألياف من النبات تجعل في الثياب، فهذا ثوب ليس خالصًا من الحرير إنما هو مخلوط بحرير، فما كان خلطه حرير فإنه مما ينهى عنه.

وكذلك مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «وَعَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ» فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن لبس الحرير مطلقًا بالنسبة للرجال سواء أن قصد به الزينة أو لم يقصد به الزينة، لكن استثني ما إذا كان ذلك على وجه الاستطباب والعلاج، كأن يكون به حكة فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة أصابتهما.

وسادس المذكورات في الحديث: «وَالإِسْتَبْرَقِ» وهو حرير غليظ فنهى عنه صلى الله عليه وسلم، «وَالدِّيبَاجِ» كذلك نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من خيوط الحرير في سداه وفي لحمته، والمقصود أن هذا الحديث نهى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأمور؛ لأنها مما يتنعم به أهل الدنيا على وجه يغفلون به عن الاستعداد للآخرة، فإما يتنعم به أهل الإيمان في الآخرة وفقنا الله وإياكم لصالح العمل، ووقانا السيئة في السر والعلن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.