خطبة الجمعة - سلامة الصدر فضائل وأسباب

رابط المقال

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مْنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُوُلُهُ صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَىَ يَوْمِ اَلدِّينِ، أمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوُا اللهَ عِبادَ اللهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (1)  .

وَاعْلَمُوا بَارَكَ اَللَّهُ فِيكُمْ أَنَّهُ لَا نَجَاةَ لِأَحَدٍ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ، وَلَا فَلاحَ لِعَبْدٍ يَوْمَ المِيعَادِ إِلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ اَللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبٍ سَلِيمٍ طَيِّبٍ طَاهِرٍ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (2)  وَصَاحِبُ القَلْبِ اَلسَّلِيمِ هُوَ ذَاكَ اَلَّذِي سَلَّمَ قَلْبَهُ وَصَدْرُهُ مِنَ اَلشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ، وَمِنَ الِحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَسَيِّئِ اَلْآفَاتِ وَالكِبْرِ وَالعُلُوِّ عَلَى اَلْخَلقِ.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى أَثْنَىَ عَلَىَ خَيْرِ اَلْقُرُونِ أَصْحَابِ سَيِّدِ اَلْأَنَامِ – صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ فَقَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (3)  ، وقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (4) 

إِنَّ سَلَامَةَ اَلصَّدْرِ عَظِيمَةُ المَقَامِ رَفِيعَةُ المَنْزِلَةِ، هِيَ سَبَبُ اَلسَّبْقِ وَالتَّقَدُّمِ بَيْنَ اَلنَّاسِ؛ فَمَنْ كَانَ ذَا قَلْبٍ سَلِيمٍ وَصَدَرَ مُعَافَى مِنْ اَلْآفَاتِ وَالشُّرُورِ وَالْمَعَاصِي، كَانَ سَابِقًا وَلَوْ تَأَخَّرَ فِي بَعْضِ اَلْعَمَلِ يَقُولُ إِيَاسُ بنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَصْحَابِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «كَانَ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُمْ يَعْنِي الْمَاضِينَ أَسْلَمَهُمْ صَدْرًا وَأَقَلَّهُمْ غِيبَةً»  (5)  .

الأَفْضَلُ وَالمُقَدَّمُ بَيْنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ –صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الأَسْلَمُ صَدْرًا وَالأَقَلُّ غِيِبَةً، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي بَشِيرٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَعْمَالِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؟ قَالَ: «كَانُوا يَعْمَلُونَ يَسِيرًا وَيُؤْجَرُونَ كَثِيرًا» وَقَالَ: قُلْتُ: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: «لِسَلَامَةِ صُدُورِهِمْ»  (6)  .

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ سَلَامَةَ اَلصَّدْرِ مِنْ أَعْظَمِ خِصَالِ البِرِّ وَلَهَا فَضَائِلُ وَمَنَاقِبُ جَلِيلَةٌ:

فَأَصْحَابُ سَلَامَةِ اَلصَّدْرِ هُمْ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ - جَعَلَنَا اَللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ - يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ آمِنِينَ يَوْمَ اَلْفَزَعِ اَلْأَكْبَرِ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَىَ اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، صَاحِبُ اَلصَّدْرِ اَلسَّلِيمِ ذَاكَ اَلَّذِي أَثْنَى عَلَيْهِ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعْلُهُ مُقَدَّمًا بَيْنَ اَلنَّاسِ.

قَالَ –صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَمَا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قاَلَ: «كلُّ مَخْمُومِ القَلْبِ، صَدوُقِ اللِّسانِ، قالوُا: صَدوقُ اللِّسانِ، نعرفُهُ، فما مَخمومُ القلْبِ؟ قالَ: هوَ التَّقيُّ النَّقيُّ، لا إِثْمَ فيهِ، وَلَا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَدَ»   (7)  فَبَدَأَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِبَيَانِ هَذِهِ اَلصِّفَاتِ بِنَقَاءِ القَلْبِ وَطَهَارَتِهِ فَقَالَ: هُوَ اَلتَّقِيُّ اَلنَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ صَاحِبَ اَلصَّدْرِ اَلسَّلِيمِ مُبَشَّرٌ بِعَطَاءٍ جَزِيلٍ، وَلَوْ قَلَّ عَمَلُهُ؛ فَإِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَ أَنَّ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ جَالِسًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنَ اَلْأَنْصَارِ فَقَالَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَجَاءَ ذَاكَ اَلرَّجُلِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الوُضُوءِ ثُمَّ دَخْلِ فَكَانَ قَدْ تَكَرَّرَ قَوْلُ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا فِيهِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ .

قَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بن عَمْرُو رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا سَمِعَ مِنِ اَلنَّبِيِّ –صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الخَبَرِ قَالَ لِهَذَا اَلرَّجُلِ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْكُثَ عِنْدَكَ لِشَيْءٍ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِيِ فَمَكَثَ عِنْدَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمْ يَرَ مِنْهُ مَزِيدَ عَمَلٍ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ إِذَا نَامَ وَتَقَلَّبَ فِي نَوْمِهِ ذَكَرَ اَللَّهَ –عَزَّ وَجَلَّ- فَقَالَ لَهُ: عَبْدُ اَللَّهِ يَسْأَلُهُ عَنْ سَبَبِ قَوْلِ اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ: يَا فُلَانُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَهْلِيِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ اَلثَّلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ تَأْوِيَنِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيِ بِهِ فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا اَلَّذِي بَلَغَ بِكَ ذَلِكَ أَنْ شَهِدَ لَكَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ قَالَ اَلرَّجُلُ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتُ. قَالَ: فَلَمَّا وَلَيْتَ دَعَانِي هَذَا فِي اَلظَّاهِرِ لَكِنْ فِي البَاطِنِ شَيْءٌ آخَرُ أَخْبَرَ بِهِ فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِيِ لِأَحَدٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اَللَّهُ إيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اَللَّهِ هَذِهِ هِيَ اَلَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ اَلَّتِي لَا نُطِيقُ.  (8)  .

هَذِهِ اَلْمَنْزِلَةُ اَلْعَظِيمَةُ شَهِدَ لَهُ اَلرَّسُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ، وَاَلَّتِي لَا نُطِيقُ.

 أَيُّهَا اَلمُؤْمِنُونَ: عِبَادَ اَللَّهِ؛ إِنَّ سَلَامَةَ اَلصَّدْرِ تَجْمَعُ اَلْقَلْبَ عَلَىَ كُلِّ خَيْرٍ وَتَصَرِفُهُ عَنْ كُلِّ شَرٍّ، تَقِيهِ اَلْأَحْزَانَ وَالْهُمُومَ وَالْغُمُومَ فَلَا أَقَرَّ مِنْ صَاحِبِ قَلْبٍ سَلِيمٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَرْوَحُ لِلْمَرْءِ وَلَا أَطْرَدُ لِلْهَمِّ وَلَا أَقَرُّ لِلْعَيْنِ مِنْ سَلَامَةِ اَلصَّدْرِ عَلَى عِبَادِ اَللَّهِ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ سَلِيمَ اَلصَّدْرِ عَفِيفُ اَللِّسَانِ، سَلِمَ اَلنَّاسُ مِنْ شَرِّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، سَلِمَ اَلنَّاسُ مِنْ يَدَيْهِ وَأَذَاهُ، وَمِنْ لِسَانِهِ وَقَوْلِهِ، فَكَانَ مُقَدِّمًا فِي الخَيْرِ مُتَأَخِّرًا عَنْ كُلِّ شَرٍّ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ سَلَامَةَ اَلصَّدْرِ هَدْيُ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ صَلَوَاتِ اَللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ – صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْلَمُ اَلنَّاسِ صَدْرًا وَأَطْيَبُهُمْ قَلْبًا وَأَصْفَاهُمْ سَرِيرًةً وَأَنْقَاهُمْ مَخْبَرًا صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ أَخَذَ بِذَلِكَ كَانَ مُقَدَّمًا فِي اِتِّبَاعِ هَدْيِهِ – صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا هُوَ يُدْمِيِ قَوْمُهُ وَجْهَهُ وَيَكْسِرُونَ رُبَاعِيَّتَهُ وَيَشِجُّونَ رَأْسَهَ – صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَزِيدُ عَنْ أَنْ يَقُولَ: "اللهُمَّ اغْفِرْ لقوْميِ فإنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"  (9)  .

أَقُولُ هَذَا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ إِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُورُ اَلرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمَدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اَللَّهِ وَرَسُولُهُ صَلَّىَ اَللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمِنِ اِتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ، أمَّا بَعْد:

فَاتَّقُوا اَللَّهَ عِبَادَ اَللَّهِ؛ طَيَّبُوا قُلُوبَكُمْ؛ فَتَطيِبُ القُلُوبُ ,عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وَكَّلُّ عِبَادَةٍ وَطَاعَةٍ، يُقْصَدَ بِهَا أَنْ يَطِيبَ قَلْبُكَ فَإِذَا أَرْدَتْ طِيبَ قَلْبَكَ فَأَقْبِل عَلَى طَاعَةِ رَبِّكَ، أَقْبَل عَلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَانْصَرِفَ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، بِذَلِكَ يَسلَمْ قَلْبُكَ وَيَطِيبُ، ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (10) 

إِنَّ سُوءَ اَلطَّوِيَّةِ وَفَسَادَ اَلصَّدْرِ وَظُلْمَةَ القَلْبِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِسَبَبِ اَلْمَعَاصِي وَالْإِعْرَاضِ عَنْ اَللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ - فَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى اَللَّهِ وَأَخْلَصَ لَهُ وَحَقَّقَ مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى كَانَ قَلْبُهُ سَلِيمًا، لِذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثِ زَيد بن ثَابِتْ أَنَّ اَلنَّبِيَّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ثلاثٌ لا يغِلُّ عليهنَّ قلبُ امرئٍ مُسلِمٍ إخلاصُ العملِ للهِ ومُناصَحةُ وُلاةِ المُسلِمينَ ولُزومُ جماعتِهم فإنَّ دعوتَهم تُحيطُ مِن ورائِهم»  (11) 

 فَاتَّقُوُا اَللَّهَ أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الخِلَالَ اَلثَّلَاثَ: اَلْإِخْلَاصُ، لُزُومُ الجَمَاعَةِ، مُنَاصَحَةُ وُلَاةِ اَلْأَمْرِ تَصْطَلِحُ بِهَا اَلْقُلُوبُ، فَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا طُهِّرَ قَلْبُهُ مِنَ الخِيَانَةِ وَالدَّغَلِ وَالشَّرِّ.

أَيُّهَا اَلْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ صَلَاحِ اَلْقَلْبِ وَطِيبِهِ أَنْ يُقْبِلَ اَلْإِنْسَانُ عَلَى كِتَابِ اَللَّهِ تِلَاوَةً وَتَدَبُّرًا وَتَفَقُّهًا وَعَمَلاً ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (12) 

فَكُلَّمَا أَقْبَلَتَ يَا عَبْدَ اَللَّهِ عَلَىَ كِتَابِ اَللَّهِ تِلَاوَةً وَحِفْظًا وَتَدَبُّرًا وَفَهْمًا أَصْلَحَ اَللَّهُ سَرِيرَتَكَ وَسَلَّمَ اَللَّهُ قَلْبَكَ.

إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ صَلَاحِ القَلْبِ أَنْ يَسْعَىَ الإِنْسَانُ بِالْخَيْرِ لِلنَّاسِ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فَلَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَعَهُمْ القَوْلَ الحَسَنَ، وَلِذَلِكَ قَالَ اَلنَّبِيُّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكَ لَكُمْ: أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»  (13)  .

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَنَالُ الإِنْسَانُ بِهِ سَلَامَةَ القَلْبِ أَنْ يَتَوَقَّىَ سُوءَ اَلظَّنِّ، فَإِنَّ سُوءَ اَلظَّنِّ بِئْسَ سَرِيرَةُ اَلرَّجُلِ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾[الحجرات: 12] وَقَالَ النَّبِيُّ –صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّه أكذَبُ الحَديثِ»  (14) 

إِنَّ مِمَّا يَنَالُ بِهِ العَبْدُ سَلَامَةَ صَدْرِهِ أَنْ يَفْتَقِرَ إِلَى اَللَّهِ بِالدُّعَاءِ وَأَنْ يُلِحَّ عَلَيْهِ بِالسُّؤَالِ، وَأَنْ يَضْرَعَ إِلَيْهِ لَيْلاً وَنَهَارًا أَنْ يَرْزُقَهُ قَلْبًا سَلِيمًا قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: أُرْشَدْتَ لِلْحِيَلِ.

اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ صُدُورًا سَلِيمَةً وَقُلُوبًا طَاهِرَةً نَقِيَّةً، اَللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ اَلشِّرْكِ وَالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَسَائِرِ اَلْآفَاتِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلَحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ اَلعَالَمَيْنِ، اَللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ اَلْحَرَمَيْنِ اَلشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، سَدِّدَهُمْ فِي اَلْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اَللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ عَاجِلٍ وَآجِلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ عَاجِلٍ أَوْ آجلٍ

، أَعذْنَا مِنْ اَلْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، لَا تُزغْ قُلُوبَنَا بَعْد إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهَّابُ.