الحلقة(21) موسى عليه السلام، كليم الله.

رابط المقال

 

المقدم:- في لقاء سابق تحدثنا عن ولادة موسى عليه السلام والأحداث التي مرت به وعندما دخل بيت عدوه الذي كانت نهايته على يديه فيما بعد. 

في هذه الحلقة نتحدث عن نبوة موسى عليه السلام بدءا من المكان الذي ذهب إليه الطور، وكلام الله له –سبحانه وتعالى-.

الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..

فخبر موسى عليه السلام خبر عظيم في كتاب الله تعالى، وعندما تقرأ قوله –جل وعلا-: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (1)   تشهد رعاية الله –جل وعلا- وعنايته وحفاوته بهذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه منذ أن كان في بطن أمه إلى أن جاءته ساعة الاصطفاء التام الكامل وهو أن يكون من المرسلين النبيين تلك الأحداث كلها أجملها الله –جل وعلا- في أية واحدة وهذا من بديع اختصار القرآن ووقوف آيات الله الحكمية على مقاصد تلك القصص وأسرارها يقول الله –جل وعلا-: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (2)   كل هذا جاء بعد خبره –جل وعلا- ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (3)   فإن قوله ولتصنع على عيني إذ تمشي أختك كما في سورة طه.

بعد هذا الإجمال المختصر لتلك الأحداث الطويلة ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (4)   قال: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (5)   بعد ذلك.

إذًا كل هذه الأحداث السابقة والوقائع المتقدمة هي تحقيق ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (6)   جاء ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (7)   أي اصطفيتك واخترتك واجتبيتك لنفسي جل في علاه –سبحانه وبحمده- والله له الحكمة البالغة فيما يستطيع ويختار.

المقدم:- إذًا القائل الله –سبحانه وتعالى- ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (8)  ؟

الشيخ:- نعم القائل ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (9)  ؟

المقدم:- أين يا شيخ المكان؟

الشيخ:- قال ذلك جل في علاه خبر لموسى في كل ما جرى بعد ذلك جاء الوحي الذي به تمت الصناعة تم الاصطفاء تم الاصطناع وتم الاصطفاء والاجتباء وهو أن يكون كليم الرحمن أن يكون رسولًا من رسل الله تعالى قال تعالى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي (10)   قبل هذا قبل أن يقول الله تعالى: اذهب الله –جل وعلا- في سورة طه أجمل ما جرى في الإيحاء، لكن في غيره من المواضع فصل في ذلك ومن ذلك قوله –جل وعلا-: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا (11)   الطور جبل وهو في سيناء وتحديده مختلف فيه، لكنه جبل من الجبال التي جرى عندها من الأحداث العظام ما جعل الله تعالى يقسم به في قوله –جل وعلا-: ﴿وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (12)   فقيل إن هذا الجبل هو الذي كلم عنده رب العالمين موسى.

يقول –جل وعلا-: ﴿آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا (13)   أي قال لأهله زوجته ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (14)   هذه النار إما أن يكون عند أحد فأستفيد خبرًا في الاستدلال عن الطريق، أو تكون نارًا مقيدة فأستفيد منها شعلة آتيكم بها لعلكم تصطلون أي تستدفئون بحرها أو تستنفعون بحرها بوجه من الوجوه ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (15)   وهنا يظهر اصطفاء موسى عليه السلام، بل تميزه على سائر النبيين فإن موسى اختص بأنه كليم الله أو كليم الرحمن هذه الصفة التي اختص بها ما سرها.

الأنبياء كلموا الله –جل وعلا- وكلمهم رب العالمين، فكلمه النبي –صلى الله عليه وسلم- وكلمه سائر النبيين ممن أوحى إليهم جل في علاه، لكن ما الميزة التي جعلت موسى يوصف بهذا الوصف؟ أنه كليم الله الميزة أن ابتداء الوحي لموسى لم يكن بواسطة.

المقدم:- مباشرة من الله –سبحانه وتعالى-.

الشيخ:- بل كان مباشرة من الله تعالى على خلاف ما جرى عليه سنن الإيحاء للرسل أن يأتيهم جبريل كما جاء إلى سيد ولد آدم –صلى الله عليه وسلم- في الغار فقال: اقرأ ما أنا بقارئ اقرأ ما أنا بقارئ اقرأ ما أنا بقارئ اقرأ باسم ربك الذي خلق فكان الوحي من طريق جبريل عليه السلام بواسطة، لكن موسى عليه السلام لم يكن ابتداء الوحي إليه بواسطة، بل بخطاب رب العالمين حيث قال له –جل وعلا- فيما قصه: ﴿أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (16)   هكذا ابتدأ الوحي ولذلك كان موسى عليه السلام كليم الله.

بعد ذلك اندهش موسى بالتأكيد لأنه حدث عظيم، ولكنه حدث سبقه تهيئة وهذا السر في أن موسى لم يجل ولم يصبه روعة مع أن المحدث له والمتكلم معه رب العالمين، لكن ربط الله على قلبه بما آتاه من العلم والحكمة والاصطناع والصناعة على عين الله تعالى التي هيأته بهذه المرتبة أن يسمع كلام رب العالمين، والذي كلمه هو رب العالمين جل في علاه وليس كلامًا لملك كما يقول بعض الناس أن الذي كلمه ملك أو الذي كلمته شجرة بأمر الله تعالى لا يمكن أن يقول الملك يا موسى إني أنا الله رب العالمين هذا الكلام لا يقوله لا ملك ولا شجر ولا غيره، إنما يقوله الله الذي هو رب العالمين –سبحانه وبحمده- ولذلك قال –جل وعلا- في محكم كتابه في بيان اصطفاء موسى على غيره قال: ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ (17)   من الذي كلمه؟ كلم موسى رب العالمين جل في علاه، فإن الله –سبحانه وبحمده- كلم موسى وأكد ذلك تأكيدًا فقال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (18)   حتى ينقطع أي نوع من أنواع التوهم، أن الذي كلم موسى ملك أو كلم موسى شجر أو كلم موسى من كلم ممن يقوله بعض المؤولون كل هذا من الغلط والتجاوز لما أخبر الله تعالى به كتابه وهو نزول بهذه المنزلة العظيمة التي بوأها الله تعالى موسى عليه السلام حيث إن من فضائله أن الله تعالى كلمه في ابتداء الوحي دون واسطة.

المقدم:- لكن شيخنا هل الله –سبحانه وتعالى- أيضًا كلم بقية الأنبياء وهم في الأرض في الحياة الدنيا؟

الشيخ:- نعم كلم الله تعالى من شاء من الرسل على الأرض أو على غير ذلك المراد أن الأصل حصل التكليم فمنهم من كلم الله كما ذكر الله تعالى في سور الوحي التي أوحاها لرسله وأخبر بأنه من هؤلاء الرسل من كلم الله جل في علاه ومنهم نبينا –صلى الله عليه وسلم- فقد كلمه الله –سبحانه وبحمده- كلمه في المعراج لما عرج إلى السماء الدنيا وحصلت بينه وبين الله تعالى المراجعة في فرض الصلاة.

المقصود أن هذا شيء ثابت دلت عليه الأدلة بطريقة متنوعة، فالله تعالى أخبر بالتكليم وأخبر بالمناداة وأخبر بالمناجاة وأخبر بالقول كل هذا يدل على ثبوت كلام الله –جل وعلا- لعباده والقرآن كلام الله كما قال –سبحانه وبحمده- في إجارة المشرك حتى يسمع كلام الله.

المقدم:- وجاء التأكيد وخص موسى بالتكليم وكلم الله موسى تكليمًا.

الشيخ:- نعم وموسى عليه السلام إنما خص بهذا لأنه ميز أن تنظر في سياق الآيات ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (19)   ثم بعد ذلك ذكر الله –جل وعلا- الوحي لهؤلاء كلهم قال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (20)   فذكر ما اختص به في الوحي بين هؤلاء كلهم فتكليم موسى إنما كانت خصيصته في كونه ابتدأ الله تعالى الوحي إليه بالتكليم كما قال –جل وعلا- في غير ما في أية ﴿أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (21)   وما أشبه ذلك من الآيات التي تكلم فيها الله تعالى مع موسى.

المقدم:- أنا أستأذنك شيخ خالد فقط في سؤال واستفسار من الأخ مسلم السحيمي يطرحه بين يديكم تفضل مسلم.

المعلق:- تحديدًا في هذه النقطة التي ذكرها الشيخ وهو عن موسى عليه السلام وكلام الله –عز وجل- في آيات أنها خاصية اصطفى الله –عز وجل- موسى عليه السلام بالكلام فهل هذا صحيح أن الله –عز وجل- بعد ما ذكر أنه أوحى للأنبياء قال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (22)   في سورة الأعراف: ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي (23)   فالرسالة والكلام هل هو صحيح أنه مختص بموسى عليه السلام عن سائر الأنبياء والرسل؟

الشيخ:- الخصيصة ذكرناها قبل قليل أنها ليست في أصل التكليم، فالله تعالى كلم جملة من رسله، ومن طرق الوحي أن يكلم الله تعالى من يشاء من رسله صلوات الله وسلامه عليهم، لكن الذي اختص به موسى أن له في هذه الصفة وفي هذه الخاصية مزيد اختصاص حيث أن الله ابتدأ إليه الوحي بالكلام.

المقدم:- يعني لم هناك مقدمة أبدًا شيخ خالد لموسى عن طريق واسطة أو رسالة.

الشيخ:- أبدا أبدًا هو كما قال الله –جل وعلا- وقصها في محكم كتابه ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (24)   وهذا من وحي الله له جل في علاه وأيضًا قوله: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (25)   ثم أظهر له من الآيات ما ثبت به فؤاده في تلك اللحظة حيث قال: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (26)   ثم أعطاه أية أخرى ليتحقق أن هذا الذي تكلم معه وأخبره أنه هو رب العالمين هو رب العالمين جل في علاه، وموسى كان قبل الرسالة على دين بني إسرائيل وهو بقايا التوحيد وما جاءت به الرسل قبله، لكنه من الله عليه بهذه الرسالة لينقذ بني إسرائيل مما كانوا فيه من البغي والظلم والبطش الذي تسلط به فرعون على قوم موسى وليجدد هذه الرسالة ويأتي بما يحتاج إليه الناس مما جاءت به رسالة موسى عليه السلام.

أتاه الله أية أخرى وكل ذلك رحمة من الله –جل وعلا- حيث ثبت فؤاده فقال: ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ (27)   وهذه الآية الثانية ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ (28)   أي آيتان من ربك يدلان على صدق ما سمعت وصدق الإيحاء إليك ثم بعد ذلك أمره بالذهاب إلى فرعون.

المقدم:- عفوا شيخ خالد الآية الأولى واضحة ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ (29)   لكن الآية الثانية ما المقصود بها؟

الشيخ:- ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ (30)   وهذا تتمة الآية لأن بعد تتمة الآية الأولى والجناح والجانب ذلك بأن تخرج اليد بيضاء نقية لا سوءة فيها ولا مرض، بل تضيء إضاءة ظاهرة يدركها كل أحد، بعد ذلك قال –جل وعلا-: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (31)   موسى عليه السلام لما أمره الله بالذهاب إلى فرعون، هو فر من فرعون لماذا فر من فرعون؟ خوفًا من بطشه وأنه قتل نفسًا من بني إسرائيل قال معتذرًا لربه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (32)   ثم طلب من الله –جل وعلا- أن يجعل له معينًا على تحمل هذه الرسالة لأنه سيلقى عدوًا شديد البطش كبير السلطة والأذى وهو فرعون وقومه وسيلقى أيضًا معاندة من بني إسرائيل الذين جبلوا على أنواع من الصلف والمشقة ما تأذى به موسى عليه السلام فقال لربه: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (33)   هنا نقف كيف أن هذا النبي الكريم كان في هذه المنة العظيمة وهذه النفحة الكبرى من رب العالمين الاصطفاء والإرسال كان مطلعًا على ضعفه ومشخصًا لنقاط الضعف التي يمكن أن يدخل بها عليه فذكر لربه –جل وعلا- أمرين؛

الأمر الأول:- النفس التي قتلها وما سيلقي به فرعون وقومه موسى بسبب ذلك.

الثانية:- هو ما كان من عقدة في لسانه صلوات الله وسلامه عليه لا يحصل بها البيان التام، ولذلك قال: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (34)   وذلك في الآية الأخرى قال له الله –جل وعلا-: ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ (35)   أي نؤازرك بهارون، ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (36)   وهنا وعد وبشارة لموسى أن يرمي ببصره إلى النهاية لا إلى البداية فالبدايات قد تكون صعبة وقد تكون شاقة، وقد تكون ذات عناء وأنواع من العوائق التي قد تقعد الإنسان عن المضيف الطريق، لكن عندما ترمي ببصرك إلى النهاية فعند ذلك سترى أن كل ما تلقاه قبل ذلك ليس بشيء إذا بلوغك ما أملت ووصولك إلى ما أردت لاسيما إذا كان هذا بوعد من الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير –سبحانه وبحمده- حيث وعده قال: ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (37)   وكان ما كان من أحداث انتهت بما أخبر الله –جل وعلا- به من غلبة موسى وهارون ومن معهما غلبوا ما كان من فرعون وقومه.

هذه المنة التي من الله تعالى بها على موسى كانت من أكبر ما اختص به موسى، موسى عليه السلام أيضًا خصه الله تعالى بخصائص منها أن الله تعالى كتب له الألواح بيده جل في علاه، فمن خصائص موسى عليه السلام وفضائله التي امتاز بها أن الله تعالى خط له التوراة بيده كما قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا (38)   من فضائله صلوات الله وسلامه عليه أنه يجزى بصعقة سابقة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لما فضل أحد المسلمين رسول الله على موسى قال لا تفضلوا بين الأنبياء ثم قال: فإنه ينفخ في السور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال: ثم ينفخ فيه أخرى يقول –صلى الله عليه وسلم- فأكون أول من بعث فإذا موسى أخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقة يوم الطور أو بعث قبلي هكذا أشار النبي –صلى الله عليه وسلم- وصعقة الطور هو لما سأل ربه أن يراه حيث قال: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا (39)   فأخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن سلامته من الصعق في ذلك اليوم يوم يقوم الناس لرب العالمين سلامته من الصعق إما أن تكون لصعقه الذي حصل في الدنيا لما تجلى ربه للجبل فخر موسى صاعقًا، وإما أن يكون لأنه بعث قبل النبي –صلى الله عليه وسلم- فتقدم عليه بالإفاقة –صلى الله عليه وسلم-.

موسى عليه السلام من فضائله أن الله تعالى خصه بإيتاء الكتاب وآتاه كتابًا مفصلًا فيه من الهدى أعظم الكتب بعد القرآن التوراة ولذلك يقول الله –جل وعلا-: ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (40)   ويقول –جل وعلا-: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (41)   كل هذه الخصائص وغيرها كثير كلها مما اختص الله –جل وعلا- به موسى عليه السلام ومنحها الله –جل وعلا- إياها.

المقدم:- نحن شيخ خالد لا نريد أن نقاطعك فيما تسرد من قصص جميلة ورائعة لكن الخلل الذي كان عند قوم موسى فبعث الله من أجله موسى عليه السلام لفرعون ومن معه.

الشيخ:- أحسنت هو موسى ذكر في ثنايا الكلام جاء لغرضين؛ لتكميل حال بني إسرائيل، فإنه طال العهد بينهم وبين النبوات والأمر الثاني لأنهم هم ممن ورث الهداية والديانة من إبراهيم وذريته صلوات الله وسلامه عليهم ولذلك قال مؤمن فرعون في سياقه لإقناعهم بصحة ما جاء به موسى ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ (42)   فهم على بقية من ديانة موسى وهارون فبنو إسرائيل من ذرية يعقوب عليه السلام، فلما طال العهد احتاجوا إلى أن يجدد هذا الدين إضافة إلى إخراجهم من تسلط وجبروت وظلم وصلف فرعون وقومه الذين ذكر الله –جل وعلا- من تسلطهم على بني إسرائيل ما ذكر من قتل الذكور واستحياء النساء واستذلالهم والبطش بهم وما إلى ذلك.

المقدم:- ويبدو شيخ خالد أن فرعون أيضًا يبدو أنه فعل أعظم جرم وقال: أنا ربكم الأعلى قالها في النهاية لكن يبدو أنه طبقها واقعًا عمليًا قبل بعثة موسى عليه السلام.

الشيخ:- نعم ولذلك الله تعالى قال في أول القصص: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ (43)   فعلوه في الأرض كان من أسباب البعثة.

المقدم:- أنا أشكرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح ضيف برنامجنا.