الحلقة (20) نبي الله موسى(ولتصنع على عيني).

رابط المقال

 

المقدم:- شيخ خالد في هذه الحلقة بإذن الله تعالى نتحدث عن نبي الله موسى عليه السلام ومنطلقين من قول الله: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (1)   ونحن نقرأ في هذا الكتاب ونتأمل نجد أن قصص موسى وردت كثيرة حيث إن لفظ موسى ورد في القرآن في مائة موضع أو مائة وثلاثين موضع كلها وردت في كتاب الله، فلو تحدثنا بداية عن موسى عليه السلام ونشأته وأيضًا السر من تكرار اسم موسى في كتاب الله أكثر من غيره.

الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.

فأسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من المباركين أن ينفعنا بهذا الكتاب الحكيم وأن يرزقنا تلاوته إناء الليل وإناء النهار على الوجه الذي يرضى به عنا.

فيما يتعلق بقصة موسى عليه السلام كررها الله –جل وعلا- في محكم كتابه في مواضع عديدة وهذه المواضع منها ما يظهر منه نوع من التكرار وبعضها لابد لا يخلو موضع من زيادة أو تنبيه أو فائدة لم يأتي لها إشارة في موضع آخر لذلك التكرار الذي في كتاب الله تعالى هو إضافة إلى كونه مثاني يكرر –جل وعلا- التذكير ويكرر –سبحانه وبحمده- ما ينفع قلوب الناس ويحيي أفئدتهم وينير طريقهم إضافة إلى هذه المعاني هناك إضافات في كل موضع ذكره الله تعالى من قصص أعاده وكرره، فليست الإعادة محضة ولو كانت إعادة بأسلوب آخر لكانت كافية في التذكير وإعادة التأمل في هذه القصة فكيف وفي كل موضع من مواضع إعادة القصص يكون هناك من الإضافة والتنبيه ما ليس في غيرها أعد ذكر نعمان إن ذكره هو المسك كلما كررته يتضوع.

موسى عليه السلام من أسباب تكرار قصته كثيرًا في كلام الله –جل وعلا- أنه من أقرب أصحاب الرسالات إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك أن عيسى مع كونه أقرب إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- زمانًا فليس بينه وبين عيسى نبي ولا رسول، لكن موسى عليه السلام هو الأصل في رسالة بني إسرائيل وعيسى جاء برسالة متممة لرسالة موسى عليه السلام.

فموسى له من المزية في طول زمان رسالته وأيضًا كثرة الأحداث التي حصلت في أيامه ومع قومه الذين هم بنو إسرائيل وفيها من العبر والعظات ما يستوجب الوقوف.

السبب الثالث أن بني إسرائيل سواء كانوا ممن آمن بموسى وهم اليهود أو من آمن بموسى وعيسى وهم النصارى هم الأمم الباقية حتى يرث الله الأرض ومن عليها مع أهل الإسلام، فإن الله تعالى أبقى هذه الأمة وهي أمة مقارنة لأمة الإسلام وعداوتها مستمرة في الكيد لأهل الإسلام كما قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمنوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا (2)   استمرارية هذه الأمة ومزآمنتها لأمة الإسلام اقتضت من كشف أحوالها ومعرفة شئونها ليس مع نبينا محمد فحسب، بل مع نبيهم موسى عليه السلام ليتبين كيف صبر عليهم وكيف تعامل معهم فهو يكشف جملة من طبائع هؤلاء ويكشف طريقة تعاطيهم مع الحق وطريقة تعاملهم مع مقدميهم وأنبيائهم ورسلهم، هذه من الحكم في قصة موسى عليه السلام في كتاب الله –عز وجل-.

المقدم:- لو تحدثتم شيخ خالد أيضًا عن زمانه ومكانه عليه الصلاة والسلام.

الشيخ:- زمانه هو في الفترة التي تلت إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف عليه السلام جملة من النبيين الذين كانوا قبل موسى عليه السلام لكن مكانه كان في نفس المنطقة التي بعث فيها الأنبياء، ابتداء كان في مصر وهذا موضع الولادة والنشأة، ثم بعد ذلك ارتحل إلى الأرض المقدسة التي أمروا بدخولها لكن قومه تنكبوا وتلكئوا فلم يدخل، بل مات عليه الصلاة والسلام وهو مع قومه في التيه الذي ضربه الله تعالى على بني إسرائيل يتيهون في الأرض، فمات موسى إبان التيه الذي ضربه الله تعالى على بني إسرائيل، فموته ومكان نهايته عليه الصلاة والسلام في أرض سيناء أو قريب منها وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- بقبره وأنه بقرب الكسيب الأحمر لكن تحديد ذلك ليس له وضوح ولا بيان، بل كل قبور الأنبياء لا يثبت منها شيء إلا قبر نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-.

هذا ما يتصل بمكان نشأته ومكان رسالته ومكان وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام.

المقدم:- لو دخلنا أيضًا إلى ولادته يبدو أن ولادته وما قبلها وما بعدها بدأت الأحداث من لحظة ذلك اليوم الذي جاء فيه عليه الصلاة والسلام.

الشيخ:- قبل ولادة موسى عليه السلام هناك حدث حصل كان له آثار في نشأته عليه الصلاة والسلام موسى كان آبائه وأهله من بني إسرائيل الذين كانوا في مصر تحت ولاية فرعون، وفرعون كان ملكًا جبارًا طاغيًا في الأرض مكنه الله تعالى من قدرات كبيرة وعنده من القوة والسلطان ما اغتر به جاءه أحد كهانه وأخبره أنه يولد من بني إسرائيل من يكون زوال ملكك على يده.

طبعا هذه السطوة وذلك السلطان يأبى مثل هذا الخبر ويجل منه، فلذلك فعل في بني إسرائيل من الظلم والتسلط والبطش ما وصفه الله تعالى في كتابه فكان يقتل أبنائهم ويستحي نسائهم أي يستبقي نسائهم للخدمة والمهانة والمذلة، وكان في فعله هذا لا يبقى على شيء من ذكور بني إسرائيل لاسيما أنه قسم ذلك كما يقول المؤرخون سنة يبقى وسنة يقتل، وفوق هذا استذلهم استذلال ليمحق أي نوع من أنواع تحقق تلك الكهانة التي أخبره به الكاهن ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (3)  .

والله –جل وعلا- في مقدم قصة ولادة موسى عليه السلام وما جرى من أحداث قال لرسوله: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (4)   ثم وصف حال فرعون وما هو عليه من الاستكبار ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (5)   هذا هو توصيفه توصيف من رب العالمين الذي يطلع على السر والعلانية، فتستوي عنده الظواهر والبواطن.

ذكر الله –جل وعلا- من حال فرعون وقومه ما ذكر في هذه الآية، ثم أخبر عن إرادته قال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ (6)   وهذه منة من الله تعالى على بني إسرائيل ﴿الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (7)   هذا ما أراده الله، خبر بإرادة الله قبل أن يسرد علينا القصة جل في علاه أو يخبرنا بما جرى ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (8)   ما الذي جرى لتحقيق هذه الإرادة الربانية؟

هذه إرادة ربانية والله –جل وعلا- غالب على أمره إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون فما الذي جرى لتحقيق هذه الإرادة من تمكين هؤلاء المستضعفين بل وجعلهم وارثين حيث قال –جل وعلا- في ذكر ما وعدهم ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (9)   هم أئمة يسدون ونجعلهم أيضًا وارثين قال –جل وعلا- لتحقيق هذا في بداية التفصيل ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى (10)  .

إذًا هنا بدأ الفرج وهو ما ألقاه الله تعالى في قلب أم موسى فالوحي المقصود به في قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى (11)   هو إعلام على وجه خفي وليس وحي رسالة أو نبوة لأن الوحي في كتاب الله تعالى يطلق ويراد به ما يكون لرسول أو لنبي ويطلق ويراد به ما يكون لمن أراد الله تعالى أن يعلمه بطريقة أو بأخرى عن شيء فيه مصلحة ونفع.

المقدم:- والوحي جاءها بطريقة غير مباشرة.

الشيخ:- طبعا وحي ما ندري كيفيته لكنه شيء جرى به الإعلان على وجه خفي ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ (12)   يعني لما ولدت هي خافت لأنه الوقت الذي يدهم جنود فرعون بيوت بني إسرائيل ليتفقدوا من ولد فإذا كان ذكر أخذوه ليقتلوه، فلما وضعته أوحى الله تعالى لها ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ (13)   ابتدئي بإرضاعه لحاجته ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ (14)   ثم الإلقاء في اليم هو إلقاء إلى التهلكة ولا تقدم نفس أم على مثل هذا إلا من يقين راسخ فقال لها –جل وعلا-: ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي (15)   لا تخافي من أمر المستقبل، ولا تحزني لأمر فائت من فقد ولد أو وقوع ضر قال: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ (16)   هذا وعد الوعد الأول ثم قال –جل وعلا-: ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (17)  .

وهنا تظهر عظمة الإيمان في القلوب الصادقة حيث فعلت ذلك، ولهذا طوي الله تعالى القصة في مسألة الوضع وضعه في التابوت وإلقاءه في اليم إلى ما الذي جرى؟ ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ (18)   من أين؟ من اليم بعد أن امتثلت أمر الله أم موسى عليها السلام ورضي الله عنها ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا (19)   قوله: ليكون لهم عدوًا وحزنًا هل هي تعليل للالتقاط؟ هل التقطوه لأجل هذا؟

الجواب لا إنما هذا هو العاقبة، وهذا هو الذي انتهى إليه المصير والمآل أنه كان لهم عدوًا وكان لهم حزنًا كما قال الله –جل وعلا-: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا (20)  .

لما التقط امرأة فرعون كانت ذات قلب رقيق وطيب، ولم ترزق بولد.

المقدم:- وكانت مؤمنة.

الشيخ:- لا لم تكن مؤمنة ما كان في إيمان أصلا لم يكن هناك إيمان في ذلك الوقت لم تكن على دين موسى، موسى مازال رضيعًا وما أدري عن حالها وإيمانها وما هي لكن لم تكن مؤمنة بموسى بالتأكيد لأنه رضيع، لكن الله –جل وعلا- ميز موسى بأمر جعل امرأة فرعون تقبل عليه وفرعون يقبل أن يكون موسى في بيته مع كونه يحتمل احتمال كبير أن يكون من بني إسرائيل، وهو يخشى على ملكه لكن الله تعالى لما أمر أم موسى بإلقائه كما ذكر ذلك في قصة الولادة في سورة طه يقول –جل وعلا-: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ (21)   هذا تفصيل للأحداث ثم قال: ﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ (22)   كل هذا جرى لكن هنا الذي أريد أن أقف عليه في سر محبة امرأة فرعون لموسى قال: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (23)   هذه المحبة هي ما قذفه الله –جل وعلا- في قلب امرأة فرعون وفي قلب فرعون وفي قلب من حمل هذا الرضيع ليذهب به إلى فرعون، إنها من الله –جل وعلا- ألقاها لموسى كانت سببًا في نجائه وقد قال –جل وعلا-: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (24)   أي لتنشأ وتغذى وتشب في رعايتي وتحت نظري وهذا مزيد عناية وإكرام لموسى عليه السلام.

التقطه آل فرعون وقالت امرأة فرعون لفرعون ﴿لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا (25)   بل قالت كلمة أكبر من هذا كما قص تعالى قالت: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (26)   ما حال أم موسى في كل هذه الأحداث هي ترامى إلى سمعها أن التابوت قد التقطت وقد أخذ يقول الله –جل وعلا-: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا (27)   أي فارغًا من كل هم وخاليًا من كل تفكير إلا من هم موسى، وإن كادت أي قربت لتبدي به أي لتظهر أنه ابنها وأنه لها، طبعا هي ماذا تخشى؟

المقدم:- تخشى على موسى من قتله.

الشيخ:- من قتله فإذا أظهرت هل سيكون تأمين له من القتل؟ الجواب لا ولذلك ربط الله تعالى على قلبها وأمسك لسانها أن تتكلم ولذلك قال –جل وعلا-: ﴿إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (28)   وهذا من فضل الله أن ثبتها ومن إمضاء الله لتقديره وقدره وما قضاه من نشأة موسى في بيت فرعون ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ (29)   الأم تقول لأخت موسى قصيه أي تتبعه وتحسسي شأنه ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (30)   رأته رأت أخاها بين أيديهم وقد حرم الله عليه المراضع كما قال: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ (31)   كان لا يأكل لا يلتقم ثدي مرضعة حتى أذن الله –جل وعلا- بأن تقول أخت موسى لهم ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (32)   يقول الله –جل وعلا-: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ (33)   الآن تحقق الوعد الأول وهو ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ (34)   تحقق الوعد فقرت عينها وانشرح صدرها وأيقنت بوعد الله تعالى كما قال تعالى: ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (35)   هذا هو المشهد الأول في ولادة موسى عليه السلام وحضانته ومن عظيم حكمة الله تعالى أن نشأ موسى في بيت فرعون تحت نظره وفي مملكته بل في قصره يغذوه مع أنه على يده سيزول ملكه.

نشأ موسى عليه الصلاة والسلام، وشب وكبر في بيت فرعون وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (36)   ميزه الله تعالى بأمرين في بلوغه بالعلم الذي يدرك به المنافع والمضار والحكمة التي يصيب فيها التصرف السليم، لكن جرت أحداث هذه الأحداث كانت في سياق تنشئته وثقله للمهمة العظمى التي يتبوأها وهو قصته مع من استنجد به عرف موسى أن هذه أمه وأنه من بني إسرائيل وأن فرعون طاغية مستبد في الأرض فهو عرف أنه من بني إسرائيل.

جرى أن استنجد به أحدهم ووقع ما وقع من قتله للقبطي، ثم خرج منها خائفًا يترقب وهذا المشهد يبين ما كان عليه موسى عليه السلام من وجل بعد أن ذاع أنه قتل أحدًا من الأقباط واستغرب الناس في أمره وطلبه فرعون ليرى من شأنه ما يرى، لكن موسى خرج من مصر متوجهًا إلى مدين كما قال الله تعالى: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (37)  .

جاء إلى مدين لما جاء إلى مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، وحصلت القصة التي فيها وجد امرأتين تزودان أي تحفظان بهائهما وسقى لهما ثم تولى إلى الظل، بعد أن أحسن هذا الإحسان لهاتين الجارتين مع أنه طريد وخائف ووجل تولى إلى الظل ثم جاء إلى ربه بتلك الكلمات العظيمات التي سنقف معها لبعض الوقت وهو قوله: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (38)   هذه الكلمات المباركات التي كانت مفتاح خيرات كثيرة تتابعت على موسى عليه السلام.

فكان من تلك الخيرات ابتداء أنه وجد وظيفة ثم وجد نكاحًا ثم جاءه الآمن أيضًا ثم بعد ذلك جاءته أعظم المنن جاءته الرسالة يقول الله –جل وعلا- بعد أن دعا موسى بعد إحسانه ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (39)   يقول –جل وعلا-: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (40)   ثم بعد ذلك ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (41)   فحصل له الآمن ابتداء ثم حصل له الوظيفة ثانية ثم حصل له النكاح ثالثًا، وبعد هذا كله ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا (42)   جاءته بشائر الرسالة وهذا كله ناتج عن تضرع كبير بقلب خالص وإيمان ثابت ويقين لا يتزلزل ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (43)   وحقق الله ما وعد به ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (44)   فكانت تلك الصناعة العظيمة التي جرت لموسى والرعاية الكبرى من رب العالمين لموسى حتى بلغ هذا المبلغ على أبواب الرسالة والنبوة.