الحلقة(18) قصة نبي الله :شعيب خطيب الأنبياء.

رابط المقال

 

المقدم:- نواصل حديثنا حول قصص الأنبياء وأيضًا ما نستلهمه من دروس وعبر نأخذها من خلال قراءتنا لكتاب الله –سبحانه وتعالى- وأيضًا من خلال إطلاعنا على سنة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- نحن في هذه الحلقة نتحدث عن نبي ورد ذكره في كتاب الله فيما يقارب عشرة مواضع وهو خطيب الأنبياء وهو شعيب عليه الصلاة والسلام. 

لو تحدثنا وبينتكم حفظكم الله شعيب عليه السلام من ناحية اسمه وأيضًا قومه الذين بعث إليهم.

الشيخ:- الحمد لله رب العالمين أنزل كتابه بالحق المبين ودل على صراطه المستقيم فله الحمد كله أوله وآخره ظاهرة وباطنه لا نحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين أما بعد..

فأسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم البصيرة في الدين، وأن ينفعنا بهذا القصص الكريم وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

نحن في هذه الحلقة بين يدي نبي كريم من أنبياء الله تعالى وهو شعيب عليه الصلاة والسلام، شعيب الذي قص الله خبره وذكر نبأه في محكم كتابه في مواضع عديدة شعيب عليه السلام بعث ونبأ قبل موسى عليه السلام فهو من الأنبياء السابقين لبني إسرائيل وهو من ذرية إبراهيم عليه السلام لأن النبوة بعد إبراهيم هي في ذريته عليه أفضل الصلاة والسلام.

وشعيب من حيث مكان قومه ذكر الله من حيث مكان قومه ذكر الله –جل وعلا- أنه بعث إلى مدين وذكر الله تعالى أيضًا في خبره أصحاب الأيكة فهل هما شيء واحد أم هما مكانان مختلفان؟

فالله تعالى ذكر في كتابه الحكيم أنه قال: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا (1)   فذكر مدين وهي مكان أو قبيلة والذي يظهر أنه مكان تسمى باسم القبيلة التي تسكنه وذلك أنه أضاف الإخوة إليهم ولا تضاف إلى الأماكن إنما تضاف إلى الأشخاص كما قال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا (2)   وثمود أخاهم صالحًا فالإخوة بين المشتركين في النسب.

فمدين هو من أجداد الذين بعث فيهم شعيب عليه السلام، وفي مقام ذكر أصحاب الأيكة لم يذكر أخاهم بل قال –جل وعلا-: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ (3)   ولم يقل إذ قال لهم أخوهم إنما قال: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (4)   فمن العلماء من قال إن أصحاب الأيكة قوم ملحقون بمدين ليسوا منهم وكانوا مشمولين بدعوة شعيب فهم داخلون في دعوته ومن أهل العلم من قال: إن مدين هي نفس الوصف الآخر وهو أصحاب الأيكة، فهم أسماء لمكان واحد ومنهم من قال: إنهم قوم آخرون وليسوا ملحقين، إنما بعث إليهم مرة ثانية بعد أن أهلك الله قومه فيما قصه وما سنستعرضه في الآيات الحكيمة.

المقدم:- وهل يعرف مكانهم شيخ خالد؟

الشيخ:- هو وصفهم للمكان هي الأيكة والأيكة هي الشجرة الكثيف الناعم من السدر وغيره فهو مكان كثير الأشجار، لكنه فيما يظهر قريب من مساكن الأولين وهو في هذه المنطقة المباركة التي تتابع فيها الأنبياء من الجزيرة العربية وشمالها في فلسطين والشام ونحو ذلك من الأماكن ليس هناك تحديد دقيق لمكانهم لكن ينبغي أن ينبه إلى أن شعيب الذي قص الله تعالى خبره في هذه السورة أو في هذه السور هو غير شعيب صاحب موسى لأن من الناس من يظن أن شعيبا النبي هو شعيب أبو الجاريتين الذي قال لموسى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (5)   فالصواب أن ذاك غير هذا.

وسبب الاشتباه أنه ذكر شعيبا وذكر أيضًا ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ (6)   فتشابه اسم المكان المدينة واسم الشخص، فظن بعض الناس أن شعيب هو شعيب النبي وهذا ليس بصحيح، فشعيب النبي يختلف عن شعيب الذي جاء في قصة موسى ووروده مدين.

النبي شعيب عليه السلام نبي كريم بعثه الله تعالى وقص من خبره أنه أتى إلى قوم في حال من الفساد الاقتصادي من تطفيف المكاييل والبخس للموازين ما جعل ذلك بارزًا في رسالته، فكان مجيئه عليه الصلاة والسلام كان مجيئه للتصحيح الاعتقادي والتصحيح الاقتصادي، وذلك أن الله تعالى يبعث الرسل لتصويب مسيرة الناس عند الانحراف، سواء كان ذلك فيما يتعلق بأصل الاعتقاد والعبودية لله تعالى تحقيق العبادة له –جل وعلا- دون غيره، أو كان ذلك في نواحي أخرى من حياة الناس الاختلال فيها يؤدي إلى الفساد.

ولذلك جاء فقال لقومه كما قص الله تعالى خبره قال جل في علاه: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (7)   هذا في أول الدعوة فدعاهم إلى التوحيد بعد هذا عطف على ذلك جملة من المطلوبات فنهاهم عن النقص في المكيال والميزان قال: ﴿وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ (8)   يعني عندكم من السعة ما يغنيكم عن أن تنقصوا المكيال والميزان وهي معايير قياس للأشياء، فالمكيال هو ما يستعمل لقياس الأشياء بالحجم والميزان هو ما يستعمل لقياس الأشياء بالثقل، وهذا من المعايير التي كانت تستعمل في الزمان السابق.

فنهاهم عن البخس وإنقاص المكاييل والموازيين وحتى يتضح المكيال والميزان بالحساب المعاصر يعني قياس مثلا لتر ماء هذا قياس وزن أو قياس كيل؟ هذا قياس كيل لأنه يقيس بالحجم، وأما الذي يقيس بالثقل هو الكيلو والرطل وما إلى ذلك.

المقدم:- إذًا كان قوم شعيب عليه السلام هذه هي السمة الظاهرة عندهم أنهم يبخسون الناس ويغشونهم في المكيال وفي الميزان.

الشيخ:- نعم كانوا يبخسون الناس في مكاييلهم وموازينهم وفي معايير قياسهم نهاهم الله تعالى عن ذلك ونهاهم نبيهم وذكرهم بالآخرة قال: ﴿وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (9)   هو ما يحيط بهم من العقوبات سواء في الدنيا أو في الآخرة ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (10)   فنهاهم عن الفساد في الأرض، لأن البخس في المكاييل والموازيين يؤول إلى الظلم هو نوع من الظلم، والظلم هو سبب الفساد في الأرض ولذلك قال: ﴿وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (11)  .

هذا خطاب شعيب عليه السلام لقومه، ما الذي جرى من قومه لما خاطبهم بهذا الخطاب؟ هل سارعوا في الاستجابة إليه وقبول نصحه؟

الجواب إن جوابهم كان مخيبًا لهم ورادًا ما دعاهم إليه شعيب عليه السلام، ولذلك قالوا له على وجه الاستخفاف والاستهزاء ﴿أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (12)   انظر كيف هذا الاستخفاف بالنبي –صلى الله عليه وسلم- شعيب هذا نهي عما يفسد دينهم وما يفسد دنياهم ما يفسد دينهم عبادة غير الله –عز وجل- ما يفسد دنياهم التطفيف في المكاييل والموازيين فنهاهم عن الأمرين فقالوا له كالمستخفين به المستهزئين يعني أنت تنهانا عن أن نعبد ما يعبد آباؤنا من الإلهة وأن نفعل في أموالنا ما نشاء في التعاملات والمعاملات كل هذا من ثمار صلاتك التي تقبع عليها وتشتغل بها!

قالوا له: ﴿أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (13)   يعني أيسوغ أن يكون هذا منك وأنت حليم ذو أنات رشيد بعيد عن السفه قال لهم مع أن المقام مقام استهزاء واستخفاف قال لهم: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي (14)   يعني فيما أمرتم به وفيما نهيتهم عنه يعني دلالة واضحة البينة هي ما يظهر الحق من الأدلة والله أقام الأدلة على صحة ما جاءت به الرسل في الآفاق وفي الأنفس وفي الأذهان وفي الأفهام إني على بينة من ربي ثم نهي لكم عن هذا الانحراف ليس لمكاسب شخصية ولا لحماية مال خاص بي، بل هو لمصلحتكم أنتم ولذلك قال: ﴿وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا (15)   يعني لست خائفًا على رزق أو مكسب أو مصلحة ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ (16)   يعني أنا أول الملتزمين لما أدعو إليه لتحقيق العبودية لله ومن ترك تطفيف المكاييل والموازين ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ (17)   هذه الدعوة وهذا القول ما أردت به إلا الإصلاح ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ (18)   يعني طاقتي وقدرتي ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (19)  .

هكذا خاطب شعيب عليه السلام قومه في إصلاح هذا الفساد الاقتصادي، وذلك الفساد العقدي الذي شاع وانتشر في قومه.                                        

المقدم:- جميل الآن هذا ما قصه الله وما أخبر به من عمل شعيب مع قومه، لكن ما هي ردة الفعل من قوم شعيب على ما قاله شعيب عليه الصلاة والسلام؟

الشيخ:- هم كذبوه بالواقع كذبوه وردوا دعوته واستهزئوا به كما قال الله تعالى: ﴿أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (20)   أعاد عليهم البيان والإيضاح، لكنه زاد إضافة في توجهيهم إنه يعني لا تجعلون المسألة شخصية وقضية بيني وبينكم، أنا لست صاحب خصومة ولا صاحب مصلحة حتى تشخصنوا وتحصروا القضية في شخصي ولذلك قال لهم هبوا أن بيني وبينكم مشكلة، لكن هذه المشكلة التي بيني وبينكم لا تدعوكم ولا تحملكم على تكذيب ولذلك قال: ﴿وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي (21)   أي طلبكم المشاقة والمباعدة لما أقول والسعي في إلحاق المشقة بي والإضرار بي ﴿وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ (22)   طيب هذه أقوام بعيدة قال: ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (23)   أي أنهم قريبو عهد منكم، فالقرب هنا قرب زماني وأيضًا قرب مكاني.

فمدين ليست بعيدة عن سدوم على حسب ما ذكر أصحاب التواريخ وأصحاب الجغرافيا بالتالي هو ذكرهم بما جرى من مهلكات وعقوبات هي محفوظة حاضرة في أذهانهم منها ما هو بعيد فيقال: إن البعد سبب لعدم تكرارها ومنها ما هو قريب يؤكد أن ما أصاب أولئك ليس ببعيد عنكم ولذلك قال: ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (24)   عاد عليهم التذكير بعد أن خوفهم المثولات والعقوبات والمهلكات قال: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (25)   الله اكبر.

هكذا الرسل يعرفون بالله –عز وجل- لأن هول الناس عن مفاسد تفسد دنياهم وتخرب أخراهم لكنهم يعرفون مع هذا بالله الذي يوجب العلم به –سبحانه وتعالى- والمعرفة به –سبحانه وتعالى- توجب الاستقامة والصلاح ولذلك قال: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (26)   رحيم أي عظيم الرحمة واسعها ودود أي يتودد جل في علاه إلى عباده بأنواع من الألطاف وألوان من الإحسان والود لعباده لتستقيم أمورهم وتصلح دنياهم وأخراهم.

المقدم:- شيخ خالد أنا استأذنك فقط في إطلالة ومداخلة من الأخ مسلم السحيمي أتفضل مسلم بإطلالتك أو استفسارك.

المعلق:- شكرًا حقيقة أود أن أضيف في هذا الجانب أن إصلاح حياة الناس ومعايشهم هو استكمال لإصلاح دينهم ولذلك جميع الأنبياء كانوا يدعون أقوامهم إلى عبادة الله –عز وجل- ثم يتبعون هذا بإصلاح لأمور معايشهم وما قصة شعيب عليه السلام إلا تدليل على أن دعوة الرسل أو أن دين الناس أو أن الأديان أتت لإصلاح حياة الناس بإقامة الحق والعدل فيها بتوحيد الله –عز وجل- الذي هو أساس العدل وبإصلاح وتشريعات لأمور حياتهم لتصلح وتتابعت القصص على هذا المنوال أن الأساس هو توحيد الله –عز وجل- الذي هو أعلى العدل ثم إصلاح بعض الخلل في جزئيات حياة الناس وشيخنا الشيخ خالد ذكر ما يكفي في هذا المجال.

المقدم:- جميل شيخ خالد أيضًا من الأشياء التي حدثت من قوم شعيب عليه السلام بعد الأمور الجميلة والرائعة والتودد والبيان وإظهار الحقائق من شعيب لقومه هل فعل قومه مثلما فعلت الأقوام السابقة بقولهم: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا (27)   وتحديه وأين العذاب الذي تتوعدون به أم أنهم استجابوا لأمر شعيب عليه الصلاة والسلام.

الشيخ:- لا لم يستجيبوا قوم شعيب عاندوه بل هددوه بعد الاستخفاف به رغم عظيم البيان وسعة الصدر في الإيضاح وإزالة الإبهام كان جوابهم كما قص الله تعالى قالوا: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ (28)   كأنهم عجب لا يفهمون لسانه هو تهمة له لا لهم، كانوا يقولون أنت رغم هذا البيان وهذا الإيضاح البين فنحن لا نفهم ما تقول، ماذا تريد؟ ماذا تقصد؟ أي إصلاح تريد؟ فهذا نوع من التسفيه زيادة على ما تقدم مع وضوح ما كان يدعوهم إليه ما نفقه كثيرًا مما تقول هذه مشكلة زعموها ﴿وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا (29)   هنا نظرة إلى شخصه ومسلكه ﴿وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (30)   يعني لست ذا مكانة ممتنعة حتى نخافك ولكن رهطك هو الذي وهو من ينتسب إليهم ومن يحتمي بهم هم الذين منعوا قال لهم كلمة تبين أنه لا ينظر إلى رهط ولا إلى جماعة إنما نظره وقلبه معلق بربه جل في علاه قال: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ (31)   يعني لا يمنعكم من إيقاع الضرر بي إلا رهطي دون أن تخافوا من الله تعالى وما يمكن أن يحل بكم من العقوبات ﴿أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (32)   وهنا وقفة أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يستحضرون معية الله –جل وعلا- وإطلاعه وشهوده لما يفعله هؤلاء.

ولاشك أن الإنسان إذا استشعر هذا المعنى خف عليه كثيرًا ما يجده من معاناة الظلم، إذا كان الظالم تحت نظر الله تعالى ويرقب الله –جل وعلا- فعله استحضرت شهود الله لفعل الظلمة كان ذلك مما يسري عنك ويكشف عنك المضرة لأنك تعلم أن الله تعالى لا يصلح عمل المفسدين وأنه قد قال: ﴿لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (33)   فسينتقم منهم ولذلك قال: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ (34)   

المقدم:- لكن بعدها يا شيخ ماذا حل بقوم شعيب من عذاب؟

الشيخ:- طبعا لما قال لهم هذا قال يعني وصل إلى حد النهاية هم أصروا قال لهم: ﴿ وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ (35)   وهذا إيضاح أن ما سيقع سينكشف به الأمر ﴿وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (36)   انتظروا لا تستعجلوا سيأتيكم ما وعدكم الله تعالى.

قال –جل وعلا-: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ (37)   حصلت النجاة لشعيب ومن وافقه والتزم بشرعه ثم قال: ﴿وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (38)   أين ذلك الملك؟ وأين تلك المتع وأين تلك الأموال التي استكثروا بها؟ ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا (39)   هلكوا أنه لم يكون قبل ذلك وكأن الدنيا لم تطأها أقدامهم ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (40)   والمقارنة بين مدين وثمود لتشابه ما بينهم في الاستكبار والعلو والزهو.

ولذلك قال –جل وعلا-: ﴿أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (41)  .

المقدم:- شيخ خالد ونحن على مشارف نهاية حلقتنا أود أن أسألكم سؤالين على عجالة

الأول:- في قوله تعالى وتحدث عن شعيب: ﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ (42)   لو وضحتم فقط ما هي هذه البينة التي أتى بها شعيب؟

الشيخ:- البينة هي كل ما يبين الحق ويظهره من الآيات والدلالات على صدق النبيين لا أذكر في القرآن أن الله تعالى ذكر لشعيب أية محددة لكن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال كما في الصحيح «ما من نبي بعثه الله إلا وأتاه من الآيات ما على مثله أمن البشر»

المقدم:- والثانية أنه ينعس بالخطيب.

الشيخ:- نعم وذلك لفصاحته وحسن بيانه وجزالة ألفاظه وهذا الوصف لم يثبت بالكتاب ولا بالسنة فلا أعلم في كلام بالتأكيد كلام الله لم يصفه بذلك، وفي السنة لم أقف على شيء يصح في هذا وإنما هو مما درج في كلام المفسرين واشتهر لجزالة ألفاظه ووجازتها وغزارة ما فيها.