صلاة الجماعة في المساجد لا يعدلها شيء

رابط المقال

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه، بضعا وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يُصلُّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلَّى فيه، يقولون: اللهمَّ ارحمه، اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحدثْ فيه))    (1) 

مقدّمة:

في هذا الحديث الشَّريف، الّذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم، منزلةَ الصلاة في الجماعة في المسجد، وما فيها من مضاعفة الأجر، كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم سبب هذه المضاعفة، وفي ذلك حثٌّ وحضٌّ للمسلم على الاجتهاد في المحافظة على صلاة الجماعة، حتى ينال هذا الأجرَ العظيم.

معنى الحديث:

*قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في جماعةٍ: تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه)):

المقصود بالجماعة عموماً، ما زاد على واحد، أي ما كان اثنين فأكثر، فصلاة الجماعة عموماً تتحقَّق بإمام ومأموم واحد، لكنّ صلاة الجماعة التي يتحقّق بها الفضل الوارد في هذا الحديث، هي التي تنعقد في المسجد خاصّةً.

ويدلّ على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث، أنّ صلاة الجماعة هذه، تزيد في الأجر، على صلاة الرجل في بيته، وصلاته في سوقه، وذلك سواء أدّى هذه الصلاة -أي التي في بيته وسوقه- منفرداً أو في جماعة.

لأنّ صلاة المرء إما أن تكون منفردةً أو في جماعة، وفي الحالتين فإما أن تكون في المسجد، أو في البيت، أو في موقع عمله، فالمضاعفة وزيادة الأجر التي نصّ عليها هذا الحديث، تختصُّ بصلاة الجماعة التي تكون في المساجد.

ويدلُّ على ذلك كذلك، ما سوف يرد في الحديث من بيان لسبب هذه المضاعفة، من كثرة الخطى، وانتظار الصّلاة، والمكث في المسجد.

وهذا هو مذهب عامَّة العلماء: أنَّ صلاة الجماعة في المساجد، هي التي تتحقق بها الأجور المضاعفة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث.

ويُلحق بهذه المساجد التي يتضاعف أجر صلاة الجماعة بها، الأماكن المسبّلة في الأحياء للصلاة فيها، والتي يُرفع فيها الأذان، وتُقام فيها الفروض الخمسة.

ويُلحق بها كذلك مساجد الأسواق، إذا أُسّست لتكون مساجد، ويُواظَبُ فيها على الأذان وإقامة الصَّلوات الخمس، ويغدو إليها مصلُّون، فينتظرون فيها الصلاة، ويمكثون فيها تعبّداً لله تعالى، فإنهم ينالون بفضل الله عز وجلّ من هذا الجزاء المضاعف.

ويُلحق بها كذلك المزارع والقصور التي فيها مساجد مفتوحة على الشوارع، فهذه حكمها حكم المساجد التي في الأحياء، إذا كانت مسبّلةً للصلاة على وجه العموم لكل الناس، ويؤذّن فيها للصَّلوات الخمس.

أمّا مساجد المحطّات البعيدة من البيوت السَّكنيَّة المستقرّة، والّتي لا يؤمُّها في غالب الأحوال إلا المسافرون، فهي أشبه بالأماكن المخصّصة للصلاة، من أن تكون مساجدَ يتضاعف الأجر بصلاة الجماعة فيها، ولكن مع ذلك لا يبعد أن تحصل على هذه الخصيصة، فيتضاعف الأجر بغشيانها، إذا لم يكن ثمّة مساجد قريبة.

ويُلحق بصلاة الرجل في بيته، صلاته في بيوت أهله وأصدقائه، وصلاته في الفندق وما شابهه، كما يُلحق بصلاة الرجل في سوقه، صلاته في مكتبه ومقرّ عمله، فكلّها لا يتحقّق فيها أجر المضاعفة.

*قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بضعاً وعشرين درجة)):

أي أنّ صلاة الجماعة، تزيد على صلاة الرجل في بيته وسوقه، ببضعٍ وعشرين درجة، فكنّى عن العدد بلفظ "بِضْع" الّذي يدلّ على عددٍ يقع فيما بين الثّلاث والتّسع  (2)  ، فلم يُبيَّن عدد الزيادة والمضاعفة في هذا الحديث، إمَّا من قبل الراوي أو من  لدن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ورد بيانه في رواياتٍ أخرى، ففي حديث أبي هريرة وفي حديث أبي سعيد كان خمساً وعشرين، وفي حديث ابن عمر كان سبعاً وعشرين، فذهب بعض العلماء إلى أنَّ أحدهما ناسخ للآخر، وقيل إنَّ أجر الصلاة السرية يتضاعف خمساً وعشرين درجة، والصلاة الجهرية سبعاً وعشرين درجة، وقيل غير ذلك، والذي يظهر والله أعلم أن الخمس والعشرين هي مبدأ المضاعفة والسبع والعشرين هي منتهى المضاعفة، فأقرب الأقوال في ذلك إثبات كلّ هذه الأعداد، والاعتقاد بأن تفاوتها بحسب تفاوت أحوال الجماعات في الفضل.

وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم (درجةً) جاء بيانها في بعض الأحاديث، بأنها تدلّ على الضِّعف الواحد، وفي بعض الأحاديث ورد البيان بأنها صلاة، يعني من صلى الجماعة في المسجد، تكون صلاته  مساويةً لسبع وعشرين أو لخمس وعشرين صلاة، في البيت أو مقرّ العمل.

وقد روى بعض الشرّاح أن رجلاً فاتته صلاة الجماعة، فطاف في المساجد، فلم يلقَ من يُصلّي معه، فصلاها سبعاً وعشرين مرّةً، ثم نام فرأى في المنام أنه يركض خلفَ من صلوا في المسجد! ثمّ سمع هاتفاً يقول له: إنك لن تبلغ درجتهم. وعلى كل حال فالرؤى لا تثبت بها الأحكام، لكن قد يستفيد منها الإنسان شيئاً مما تعززه النصوص وتقوِّي دلالته.