مفهوم افعل ولا حرج في المناسك

رابط المقال

الجواب
في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ فقال: «اذبح ولا حرج»، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارم ولا حرج»، فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج»  (1)  ، هذه الجملة النبوية المباركة، هي عنوان  لرفع الحرج عن الحجاج فيما فيه سعة، فقوله: (افعل ولا حرج) هنا فيما يتعلق بترتيب أعمال الحج يوم النحر، تقديمًا وتأخيرًا، إما عن جهل، أو عن حاجة، أو لأيّ سبب آخر، فافعل ولا حرج.
وهل هذا خاص بيوم النحر؟ ليس خاصًّا بيوم النحر، بل هذا عام في حج النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ييسر على الناس أمورهم بالقدر الذي يمكن أن يكون فيه التيسير؛ لأن هناك قضايا لا يمكن فيها التيسير؛ لأنه يفوت ويختل بها الحج، فمثلا لو أن شخصًا فاته الوقوف بعرفة، فلا يقال له: حجك صحيح؛ تيسيرا عليه؛ لأنه فاته ركن من أركان الحج، لا يصح الحج إلا به، ولكن لو أدرك من وقت الوقوف ولو زمنًا يسيرًا، فإننا نقول له: حجك صحيح،  عروة بن مضرس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف ـ يعني بجمع ـ قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيء، أكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا، فقد تم حجه، وقضى تفثه»  (2)  .
وبعض الناس يستعمل هذه اللفظة (افعل ولا حرج) على وجه يكون فيه نوع من الترك للواجبات، والتخلي عن أعمال المناسك والحج، والنبي لم يقلها في سياق ترك الواجبات، إنما قالها في ترتيب بعض الأعمال، ولذلك ينبغي أن يحرص الحاج على الإتيان بنسكه على الوجه الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، في الأركان والواجبات، وفرق بين التيسير وبين التلاعب وعدم إقامة العبادة على الوجه الذي يرضي الله عزّ وجل، والنبي  كان يحرص غاية الحرص على بيان المناسك، ويقول للناس: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه»  (3)  .
والناس طرفان: بعضهم يقول: افعل كما شئت، ويكفي النية! وبعضهم يلزم الناس بأشياء، ولو كان فيه رخصة وسعة، وكلاهما خارج عن الصراط المستقيم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناس إلى الاستمساك بالحبل القويم والصراط المستقيم، وأخذ الدين على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل.
والنية وحدها لا تكفي، بل لابد أن يعطف عليها اتباع للسنة؛ لقول النبي : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»  (4)  ، والعمل الصالح لا يمكن أن يكون صالحًا ولا حسنًا إلا إذا جمع وصفين:
الوصف الأول: أن يكون لله خالصًا، والوصف الثاني: أن يكون موافقا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
كما ينبغي البعد عن التشديد على الناس، وحملهم على الأقوال الشديدة، ولو اختارها الإنسان لنفسه، فلا يملك أن يحمل الناس عليها، والميزان والقاعدة فيما يتعلق بالتوسعة والترتيب وما أشبه ذلك، هي هدي النبي صلى الله عليه وسلم.