كتاب الصلاة -- باب : استقبال القبلة.

رابط المقال

المقدمدكتور خالد كنا توقفنا عند شرط استقبال القبلة، نحن نريد في هذه الحلقة أن تتحدث عن هذا الشرط، إن كان هناك أيضًا مجال للتفصيل وإلا ففي الحلقة القادمة ـ بإذن الله تعالى ـ تتم ما بدأتموه الآن.

الشيخ:الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على البشير والنذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وأصحابه اجمعين أما بعد.

لا خلاف بين أهل العلم أن من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة، فمن شروط صحة الصلاة أن يستقبل المؤمن في صلاته البيت الحرام يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (1)  هذه الآية الكريمة هي التي شرع الله ـ تعالى ـ فيها للمؤمنين استقبال الكعبة في البلد الحرام، وهذا ما كان عليه عمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وأجمعت عليه الأمة، وأحاديث ذلك كثيرة واستقبال القبلة قد يقول قائل ليه يعني نستقبل الكعبة لماذا لا نستقبل أي جهة أخرى؟ أو نستقبل يعني شيئًا آخر؟

الجواب: على هذا الإشكال السؤال أولًا أن هذه البقعة التي هي مكة وخصوصًا القبلة التي هي الكعبة، هي أول بيت وضع للناس كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (2)  ما معنى أول بيت وضع للناس؟ المقصود بذلك أول بيت وضع للعبادة، فهذه البقعة لها خاصية أنها أول بقعة عبد فيها الله ـ تعالى ـ في الأرض وهذه خاصية كبرى، لأن الله ـ تعالى ـ إنما خلق الخلق ليعبدوه فكانت هذه البقعة معظمة مجلة لأجل هذا، ولذلك الله ـ تعالى ـ في خصائص مكة في ذكره لجملة من خصائصها في سورة آل عمران يقول: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (3)  فذكر الله ـ تعالى ـ قرابة خمسة أمور مما اختص بها هذا المكان وجعله محلًا لمجيء الناس من كل مكان، ولهذا قال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (4)  بعد أن ذكر هذه الخصائص الخمسة أولي هذه الخصائص، هو أن هذه البقعة هي البقعة التي عبد الله ـ تعالى ـ فيها أولًا.

وقد قال جماعة من العلماء: إن الكعبة هي قبلة الأنبياء كلهم، وهذا ما ذكره جماعة من أهل العلم ولا غرابة في ذلك، فإن هذا البيت قصده إبراهيم، وقصده موسى، وقصده يونس، وقصده هود، وقصده جماعات من الأنبياء، وآدم ـ عليه السلام ـ هو أول من بنى البيت وجدد بنائه إبراهيم ـ عليه السلام ـ فهذه الخاصية لهذا البيت يعني ليست حديثة وليست مقترنة بدين الإسلام، بل هي خاصية قديمة ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا (5)  فاستقبال القبلة لأجل هذا المعنى وفيه من توحيد المؤمنين وتوحيد وجهتهم ما هو ظاهر ومعروف في الدنيا بجميع أماكنها وأقطارها وجهاتها كل من أراد أن يتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بالصلاة التي هي عمود الإسلام لا يجد جهة إلا ذلك البيت الحرام يتوجه إليه أينما كان ﴿وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (6)  أي جهته.

وهذا من خصائص الله ـ تعالى ـ واصطفائه لهذه البقعة، هناك مسائل كثيرة يعني لكن أشير في بداية الحديث عن هذه القضية أنه في أول البعثة ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستقبل البيت، إنما كان يستقبل بيت المقدس حتى لما كان في مكة ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا صلى صلى بين الركنين من الركن اليماني والحجر الأسود لكونه يجمع بين البيت الحرام والتوجه إلى بيت المقدس الذي هو وجهته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أول صلاته، واستمرت هذه الحال إلى أن هاجر ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة، ومكث فيها ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا يتوجه إلى بيت المقدس.

وكان يتمنى ويرغب أن يوجهه الله ـ تعالى ـ إلى الكعبة البلد الحرام، فأشار الله ـ تعالى ـ إلى هذا المعنى بقوله: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ (7)  فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقلب وجهك في السماء ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا (8)  ألا وهي مكة الكعبة البلد الحرام، فتوجه إليها ـ صلى الله عليه وسلم ـ واستقر الأمر على هذا وكانت أول صلاة صلاها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قِبَل الكعبة هي صلاة العصر، وبعدها استمر الأمر على هذه الحال وحصل طبعا لما حولت القبلة تشبيه وتشكيك من المنافقين ومن اليهود، وذلك أن اليهود كانوا يفرحون باستقبال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبيت المقدس، لكن انتهى الأمر بتوطيد هذا وتوكيده في القرآن وعمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ به.

المقدم: طيب يا شيخ يعني الآن، بودي لأن هنا أسئلة ـ يا شيخ ـ كثيرة حول القبلة هذا الشرط من شروط صحة الصلاة الذي تحدثتم عنه مشكورين، يعني الآن ـ يا شيخ ـ بالنسبة للمسافرين، ونحن في هذه الأوقات، نحن الآن وقت سفر الناس الآن يتناقلون هي فرصتهم من لم يستطع أن يحدد القبلة ماذا يعمل؟ هل ينتظر يا شيخ حتى يستطيع؟

الشيخ: إذا كنا نريد أن نكمل ما يتصل بالقبلة نقول: ما الذي يجب التوجه إليه؟

الذي يجب التوجه إليه بالنسبة لاستقبال للقبلة من كان معينًا للكعبة فيجب عليه استقبال عينها، فإذا كنت داخل الحرم داخل البناء المسجد الحرام وترى الكعبة، فالواجب عليك استقبال عين الكعبة لا يكفي الجهة، وهذا يلاحظ تجد أن بعض المصلين من الحجاج والعمار أو حتى من أهل البلد إذا جاءوا للحرم لو قدرنا أن هذه القبلة تجده يصلي إلى هذه الجهة يعني فقط كونه اتجه إلى الجهة يكفي ولكن هذا ليس فرض من كان في داخل الكعبة أو من كان في داخل الحرم، من كان في داخل الحرم ويعاين الكعبة يجب عليه أن يتجه إلى عين الكعبة، وأما من كان خارج الحرم فالذي يجب عليه جهتها.

بعض العلماء يقول الذي في مكة يجب عليه عين القبلة، لكن هذا غير ممكن ومتعذر أن يتوجه إلى عين الكعبة وهو في حال الغيبة عنها ولذلك الله ـ تعالى ـ قال: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (9)  جهته وهنا نعلم أنه ليس المطلوب منا نحن مثلا في الرياض والمستمعون في أقطار الدنيا منهم من في الغرب أو في الشرق أو في الجنوب أو في الشمال هؤلاء لا يستطيعون أن يحددوا الجهة بالتحديد الدقيق الذي كأنما يصيبون لو مددت خطًا من مكانك إلى الكعبة لأصبت، هذا ليس مطلوبًا ولا واجبًا، ولذلك جاء الآية بوضوح قال: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (10)  أي جهة والجهة لا يلزم منها إصابة العين أي عين الكعبة يكفي الاتجاه.

ولهذا من كان مثلا في أي جهة من جهة الدنيا يتوجه إلى جهة مكة ويكفيه هذا في الصلاة ولهذا جاء في السنن من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «ما بين المشرِقِ والمغرِبِ قِبلَةٌ»  (11)  هذا بالنسبة لها للمدينة، لأن المدينة شمال عن مكة فقال: «ما بين المشرِقِ والمغرِبِ قِبلَةٌ» فلو صليت هكذا أو صليت هكذا أو صليت هكذا أنت مستقبل للقبلة، فلا يلزم أن تصيب عين الهدف حتى تكون قد استقبلت لأنه قال: «ما بين المشرِقِ والمغرِبِ قِبلَةٌ».

المقدم: أحسن الله إليك.