كتاب الصلاة - تابع مواقيت الصلاة

رابط المقال

المقدم: دكتور خالد تحدثنا في الحلقة السابقة عن مواقيت الصلاة، وذكرتم بأن لكل وقت مبدأ ومنتهى، وتحدثتم كذلك هل الفضل لأول الوقت أو لآخره؟ وغير ذلك ونكمل الآن في هذه الحلقة أيضًا حديثنا عن مواقيت الصلاة.

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.

فما يتصل بمواقيت الصلاة تكلمنا عن شيء مما يتعلق بالمواقيت، وفي هذا المجلس نتكلم عن مبدأ الوقت ومنتهاه.

 بالنسبة للصلوات المفروضات الخمس في حال السعة وكنا قد ذكرنا أن الأوقات فيما يتعلق بالمصلين تنقسم إلى قسمين:

 أوقات حال العذر، وأوقات حال السعة وهذا هو الأصل، وأما حال العذر فهو حال طارئة.

 وأنها خمسة في حال السعة، وثلاثة في حال العذر.

الأوقات الخمسة مبدؤها من حيث التوقيف القرآني: صلاة الظهر الله ـ تعالى ـ يقول: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (1)  ، هذا وقت ما ينالها من وسط السماء إلى جهة المغرب، وكذلك في السنة النبوية جل الأحاديث التي ذكرت مواقيت الصلوات إنما ابتدأت بصلاة الظهر، فإنها بدأت ببيان الأوقات من صلاة الظهر، وأيضًا في صلاة النبي –صلى الله عليه وسلم-بأصحابه فيما بيَّن لهم الأوقات كان ذلك مبدؤه بصلاة الظهر، وأيضًا صلاة جبريل بالنبي –صلى الله عليه وسلم-لما بين  له مواقيت الصلوات، مبدؤها ومنتهاها في يومين كانت بصلاة الظهر.

فنبتدئ بصلاة الظهر، مبدؤها بميل الشمس من وسط السماء إلى جهة المغرب، وهذا هو دلوكها، وهو ميلها بعد ذلك، هذا هو أول الوقت، منتهاه إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، وبهذا ينتهي وقت صلاة الظهر، ويحضر وقت صلاة العصر، فوقت صلاة العصر من مصير ظل كل شيء مثله إلى أن يصير إلى مثليه، وهذا الوقت وقت الاختيار وهو وقت شدة الشمس وقوَّتها وحياتها، ثم تبدأ الشمس تميل إلى جهة الغروب، عند ذلك يكون هذا وقتًا للعصر، لكنه وقت ضرورة وليس وقت اختيار، وهذا مما تتميز به صلاة العصر عن سائر الصلوات أن لها وقتين؛ وقت ضرورة، ووقت اختيار.

وقت الضرورة هو من قرب الشمس إلى الغروب، إلى أن تشرع الشمس في السقوط بأن يسقط حاجبها الأسفل في جهة المغرب، هذا ما يتعلق بوقت صلاة العصر.

 وينتهي وقت صلاة العصر ضرورته في وقت الضرورة بغروب الشمس لسقوط القرص.

 متى يبتدئ وقت المغرب؟

بمغيب الشمس تمامًا، فإذا وجبت الشمس وسقطت في جهة المغرب غاب حاجبها الأعلى، فعند ذلك يبتدئ وقت المغرب.

 إلى متى يستمر؟ إلى مغيب الشفق، والشفق هو الحمرة كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه  (2)  .

ثم يبتدئ وقت صلاة العشاء ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل الأوسط، كما جاء ذلك في حديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ حيث قال في صلاة العشاء:«وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ»  (3)  أو إلى نصف الليل الأوسط، وهذا يدل على أن وقت صلاة العشاء ينتهي بمنتصف الليل، كيف يحسب منتصف الليل؟

الليل يحسب منتصف الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، كم عدد الساعات؟ إذا كان مثلا عدد الساعات خمس عشر ساعات مثلا فبمضي خمس ساعات من غروب الشمس ينتهي وقت العشاء، وبهذا نعلم أن التوقيت الذي يعني يستعمله كثير من الناس وهو التوقيت الاصطلاحي بأن الثانية عشرة من منتصف الليل هذا توقيت مهم وليس في الصحيح ليس هذا في منتصف الليل في كل مكان وفي كل قُطر، وفي كل فترة من أيام السنة، بل هذا يختلف باختلاف البلدان.

ولهذا ينبغي للمؤمن أن يتحرى وقت منتصف الليل بالنظر إلى غروب الشمس وطلوع الفجر ويحسب الوقت.

 وهناك تقاويم تذكر منتصف الليل، وهذا يعني تنبيه حسن حتى يعرف المؤمن متى ينتهي وقت صلاة العشاء.

 بعد ذلك بقي وقت صلاة الفجر، وهو من طلوع الفجر الصادق، والفجر فجران كما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ «الْفَجْرُ فَجْرَانِ: فَجْرٌ يَحْرُمُ فِيهِ الطَّعَامُ وَتَحِلُّ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَفَجْرٌ تَحْرُمُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَيَحِلُّ فِيهِ الطَّعَا »  (4) 

 المقصود بالصلاة هنا صلاة الفجر، أي لا يجوز أن يصلي فيها الإنسان الصلاة وهو الوقت الكاذب، وأما الفجر الصادق فهو الفجر الذي يزداد بياضًا، وهو أيضًا يأتي مستطيلًا ولا يأتي مستطيرًا.

 هذا التفريق بين وقتين؛ صلاة الفجر الصادق، والفجر الكاذب.

إذا دخل وقت صلاة الفجر فبهذه العلامات فإن الصلاة تحل إلى متى؟ إلى طلوع الشمس، فبطلوع الشمس لشروعها في الطلوع والشروق ينتهي وقت صلاة الفجر، هذا بالنسبة للمواقيت، مبدأ المواقيت ومنتهاها وهو في حال السعة.

أما في حال العذر فهي ثلاثة؛ الفجر وقت وهو لا يختلف في حال السعة والضيق، والحال الثانية أو الوقت الثاني وقت صلاة الظهر والعصر، وقت واحد ويبتدئ من ميل الشمس إلى جهة المغرب يعني من دخول وقته لصلاة الظهر إلى خروج وقت صلاة العصر، وهذا كله وقت واحد للمعذور بسفر، أو المعذور بمرض، أو المعذور بحاجة أن يصلي في أول الوقت وفي آخره على حد سواء؛ لأنه إذا جاز الجمع صار الوقت واحدًا، كما أن الظهر تصليها في اول الوقت وتصليها في آخر الوقت، فكذلك ، الصلاتان المجموعتان يصليهما الإنسان في أول الوقت وفي آخر الوقت.

صلاة المغرب والعشاء أيضًا وقتها هو ثالث الأوقات بالنسبة للمعذور، وهو وقت واحد من غروب الشمس إلى منتصف الليل، كله وقت واحد يصلي المغرب والعشاء في أول الوقت بين الوقتين في آخر الوقت، لا يلزمه أن يتحرى خروج وقت المغرب ودخول وقت العشاء ليوقع الصلاة في هذا، وفي هذا ما يعرف في كلام بعض العلماء بالجمع الصوري، لا يلزمه هذا فإن هذا من المشقة والسنة التي رفعتها الشريعة ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (5)  بل يصلي فيما شاء من الوقت، في أوله، في أوسطه، في آخره، ولا يتحرى شيئًا أن يوقع المجموعتين في الأولى، أو أن يوقعهما في الثانية، أو ألا يأتي المنطقة الوسط كما يتوهم بعض الناس هذا ما يتصل بأوقات الصلوات فيما يتعلق بمبدئها ومنتهاها للصلوات الخمس سواء كانت في حال السعة، أو في حال العذر إلا أنه ينبغي للمؤمن أن يراعي هذه الأوقات مراعاة بالغة، وأن يحافظ عليها محافظة أكيدة فإن الوقت من أكد شروط الصلاة كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (6)  ، فتأخير الصلاة من غير عذر عن وقتها هو من كبائر الإثم وعظائم الذنب.

 ولذلك يجب على المؤمن أن يتعاهد هذه الأوقات وأن يتحراها، وتحريها هو من انتظار الصلاة الذي قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-لما ذكر ما يكفِّر الله بها الخطايا ويحط به السيئات قال: «انْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ»  (7)  يعني هذا هو الرباط الحقيقي الذي يربط فيه الإنسان نفسه على طاعة الله تعالىـ ويكون متشوفًا لما فرض الله تعالى ليؤديه في وقته، فانتظار الصلاة بعد الصلاة هذا من أجلِّ الأعمال وأعظمها ويدخل فيه ما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-في حديث السبعة «يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ» وذكر منهم «وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ »  (8)  ، لأنها محال أداء الصلاة، فتعلق قلبه إذا خرج منها تعلق قلبه بالمسجد، يتحرى الوقت الذي يعود فيه إلى المسجد ليؤدي الصلاة الأخرى.

فينبغي الاعتبار والاعتناء والاهتمام بهذا الأمر، وقد قال الله ـ تعالى ـ: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (9)  وهذا يدل على وجوب رعاية أوقات الصلوات، والصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا في غاية الحرص على الصلاة، كانوا في غزوة فأخر أحدهم الصلاة فقال ـ رضي الله عنه ـ بريدة قال ـ رضي الله عنه ـ لأصحابه:"بَكِّرُوا بِالصَّلاَةِ" فإن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «من فاتتهُ صلاةُ العصرِ فقد حبِطَ عملُهُ»  (10)  ، وهذا في صلاة واحدة وهو في كل الصلوات كل صلاة تفوتك كيف تفوت الصلاة؟

بأن تخرجها عن وقتها من غير عذر هذا فوات الصلاة، أن تخرج الصلاة عن وقتها بلا عذر هذا إثمه ووزره ما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-في حديث بريده فقد حبط عمله، في رواية ابن عمر «كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ»  (11)  ، وهذا يدل على عظيم الخسار المترتب على ترك الصلاة وتأخيرها عن وقتها.

أنا أحذِّر إخواني وأخواتي من ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها لأنه إذا أخرج الإنسان صلاة واحدة عن وقتها فهو بين سيئتين من أهل العلم من يقول: أنه كفر مخرج عن الملة، كما قال ذلك إسحاق بن راهويه –رحمه الله-، ومنهم من يرى وهذا قول جماهير العلماء الأمة أنه يحبط العمل عمل ماذا؟ عمل ذلك اليوم، وهذا معنى قوله –صلى الله عليه وسلم-: «من فاتتهُ صلاةُ العصرِ فقد حبِطَ عملُهُ»  (12)  أي عمل ذلك اليوم، فمهما كان عمل ذلك اليوم عظيمًا وكبيرًا وكثيرًا، فإن سيئة ترك الصلاة تحبط العمل، أي تذهب أجر ما عملت من الصالحات في ذلك اليوم.

فينبغي العناية بالصلوات والحفاظ عليها، وقد جاء في حديث سمرة بن جندب في قصة الرؤية التي رآها النبي –صلى الله عليه وسلم-وقص على أصحابه قصة ذاك الرجل الذي رآه مستلقيًا وآخر على رأسه يحمل على رأسه حصى ويرميها على رأسه فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-ماذا؟ قال: انطلق ثم أخبر عن شأنه وقال: «ذاك رجل ينام عن الصلاة المكتوبة»  (13)  ، وهذا يبين خطورة الأمر، وأنها عقوبة شديدة، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّهُ ليسَ في النَّومِ تَفريطٌ، إنَّما التَّفريطُ في اليقَظةِ».  (14) 

فينبغي للمؤمن أن يحرص، وأن يبذل الأسباب على أداء الصلاة في أوقاتها، فإذا غلبه النوم فعند ذلك قد وسع الله ـ تعالى ـ عليه ولا حرج، فقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-كما في الصحيح من حديث أنس «مَن نام عن صَلاةٍ أو نَسِيَها فلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها».  (15)