الحلقة(2) من برنامج(فادعوه بها2) ولله الأسماء الحسنى

رابط المقال

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بين البيان المبين، وتركنا على محجَّة بيضاء لا يلتبس بها السبيل، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد...

فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم أيها الإخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم [فادعوه بها]

إنها أسماء الله تعالى التي أمرنا جل في علاه أن نعرفها، وأن ندعوه بها سبحانه وبحمده. الأسماء الحسنى هي الطريق الأوثق والأعظم والأوسع لمعرفة الله جل في علاه، ولذلك عرَّف الله تعالى بنفسه في كتابه، فأعظم طرق العلم بالله، وأعظم طرق المعرفة به -سبحانه وبحمده- الإقبال على ما ذكره الله في محكم كتابه من أوصافه، من أسمائه الحسنى وصفاته العلى.

فالقرآن المجيد متضمِّن لذكر صفات الرب جل وعلا على وجه لا نظير له، ولهذا أكثر ما ذكره الله تعالى في كتابه، وفي محكم آياته هو التعريف به في أسمائه وصفاته، وذاك هو أعظم ما في القرآن الحكيم، لذلك أعظم آية في القرآن الحكيم هي آية الكرسي التي أخلصت لبيان وصف رب العالمين جل في علاه.

 في الصحيح من حديث أُبيّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله فقال:  «أتدري أيَّ آيةٍ في كتابِ اللَّهِ معكَ أعظَمَ؟ قال: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (1)  الله أكبر! هذه أعظم آية في كتاب الله،«فضرب بيدِهِ في صدرِهِ، وقال: لِيَهنِكَ العِلمَ أبا المِنذِرِ«  (2)  ، هكذا يهنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عرف أن أعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي.

تأملوا ما في هذه الآية التي يحفظها المسلمون صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساء، شبابًا وشيبًا، تأملوا ما الذي فيها؟ ما هو موضوعها؟ ما هو مضمونها؟

إنه التعريف بالله، إنه بيان ما لله من كمالات، إنه ذكر أسماء الله وصفاته هو ما تضمنته هذه السورة الكريمة، هذه الآية الكريمة التي أخلصت لبيان ما لله من كمالات، إن هذا يبين أن أشرف ما في القرآن وأعظم ما تضمنه كتاب رب العالمين هو التعريف به سبحانه وبحمده، ولهذا كانت سورة الإخلاص مع كونها أقصر أو من أقصر السور آيات إلا أن فضلها بلغ أنها تعدل ثلث القرآن كما قال صلى الله عليه وسلم في أحاديث عديدة بين أن من قرأ سورة الإخلاص فكأنما قرأ ثلث القرآن  (3)  ، لماذا؟

لأنها صفة الرحمن، كان أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ الفاتحة، وقرأ ما شاء الله من قراءة في صلاته ختم قراءته بتلاوة سورة الإخلاص، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «سلوه لما يصنع ذلك؟» فقال الرجل: "يا رسول الله إنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:  «أخبِروه أنَّ اللهَ يُحِبه«  (4)  وذلك جزاء له على محبة صفة الرب سبحانه وبحمده.

سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لماذا؟

لأنها طريق المعرفة بالله، إنها صفة الرحمن جل في علاه، ولهذا قيل أن هذه السورة هي نسب الرحمن؛ لأن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسب لهم ربه، فقال الله -جل وعلا-: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[1] اللَّهُ الصَّمَدُ [2] لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [3] وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (5)  .

فمن أعظم سبل العلم بالله والمعرفة به معرفة أسمائه وصفاته، فكلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله وصفاته، وعلمًا بما ذكره الله تعالى في كتابه من أسمائه الحسنى المبثوثة في آيات القرآن، وقف عندها، وتأمل معانيها كلها ازداد الإنسان علمًا بهذه الصفات عرف منصفات ربه، وانجذب إليه، وأحب ما كان سببًا لتحقيق العبودية له جل وعلا.

أصل معرفة الله تعالى هي معرفة ما تضمنه هذا الكتاب من أسماء الله وصفاته، وما فيها من المعاني وليس المقصود أن تُحفظ ألفاظها: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار... دون وقوف على معاني تلك الأسماء، ومعرفة بما تضمنته تلك الأسماء من جليل المعاني، وعظيم المعارف التي تُعرف بالله عز وجل وتدل عليه.

باب أسماء الله -عز وجل- ومعرفة الأسماء والصفات من أعظم الأبواب التي توصل إلى الله تعالى، وتقرب إليه سبحانه وبحمده، ولهذا أمرنا الله تعالى بمعرفته، والتعلم لهذه الأسماء فقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (6)  ، فأخبر -جل وعلا- بأسمائه الحسنى، وأمرنا بأن ندعوه بها، ثم نبَّه وحذَّر من الانحراف فيما يتعلق بأسمائه وصفاته، فقال: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ (7)  ،فإن كل من خرج عن دلالات الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته من إثباتها على الوجه اللائق بالله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، من غير تعطيل لها أو تمثيل لها، فإنه على جادة عظيمة، وطريق قويم، ومعرفة بالله تعالى كاملة حسب ما جاءت به النصوص، ودلت عليه الأدلة.

إن الله تعالى عرف بنفسه في كتابه بأسمائه وصفاته، فذكرها إجمالًا قائلًا -جل وعلا-: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)  ، ثم جاء ذكر هذه الأسماء على وجه التفصيل في كتابه، فكلما ازددت معرفة بأسماء الله ازددت علمًا به.

لكن لقائل أن يقول: لماذا وصف الله تعالى أسمائه بالحسنى؟ هل لأن ألفاظها جميلة وبهية وليس فيها من القبح شيء؟

الجواب: إن ذاك سببًا من أسباب وصف أسمائه بالحسنى، فأسماء الله حسنى؛ لأنها من حيث الألفاظ ألفاظ بهية: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، العزيز، العفو، الغفور... وما إلى ذلك من الأسماء التي ألفاظها جميلة بهيَّة تجلب الأسماع، وتسرق الألباب، فإذا انتقلت من بهاء المنظر إلى جمال المضمون والمخبر، وما احتوته من المعاني كان ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ (9)  ، إن هذه الأسماء وُصفت بأنها حسنى أي بلغت في الحسن الغاية والمنتهى، فليس فوق حسنها حسن، ولا وراء بهائها بهاء، ولا بعد جمالها جمال فقد بلغت في كل كمال الذروة.

إنها حسنى؛ لأنها تعرف بالله عز وجل، فهي الطريق الذي يعرف به العبد ربه، فقد عرفت بأحسن مسمى، وأشرف مدلول، بها عرفنا الله تعالى سبحانه وبحمده فإننا نعرفه بأسمائه وصفاته، وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم، فهو الجميل على الحقيقة كيف لا! وجمال سائر هذا الكون من بعض آثار الجميل، فربها أولى وأجدر عند ذي العرفان، فجماله بالذات والأسماء والأوصاف والأفعال بالبرهان.

إنها عرفت بالله ولك أن تستمع إلى ما ذكره الله في آخر سورة الحشر على سبيل المثال، تأمل ما فيها من دلالات الكمالات ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [22]هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [23]هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ (10)  ، بعد هذا التنزيل والتكميل الذي بين جليل ما لله من صفات يقول -جل في علاه-: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (11)  .

         فلك المدائح والمحامد كلها        بخواطري وجوانحي ولساني

إن أسماء الله تعالى حسنى؛ لأنها مباركة، فهي تدل عليه وتعرِّف به، وتجلب للإنسان سعادة الدنيا وفوز الآخرة، لذلك قال -جل وعلا-: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ (12)  ، أسماؤه كلها بركة، أسماؤه كلها خير، أسماؤه كلها رحمة،         وما بلغ المهدون نحوك مدحةً                    وإن أطنبوا إن الذي فيك أعظم.

 لك الحمد كل الحمد لا مبدأ له، ولا منتهى والله بالحمد أعلم.

إن أسماءه حسنى -جل وعلا- لكونها تنفي عن الله عز وجل كل نقص وعيب، وبها نعرف كمالات الرب جل في علاه، فالله تعالى ذكر أسماءه ثم ختم ذلك بتسبيح نفسه، وتنزيهه -جل في علاه- عما يعتقده الجاهلون، كما مر في الآيات التي سمعناها قبل قليل في آيات سورة الحشر، قال الله تعالى بعد أن ذكر صفاته، وذكر أسماءه قال سبحانه: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (13)  ، ويقول -جل وعلا-: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (14)  ، ويقول: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (15)  ، والله أكبر من له الأسماء والأوصاف كاملة بلا نقصان، وهو الإله السيد الصمد الذي صمدت إليه الخلق بالإنعام.

الكامل الأوصاف من كل الوجوه، كماله ما فيه من نقصان، إنها تدل على الله -عز وجل- وتُعرف به، لذلك كانت حسنى، إنما تنفي عن الله كل نقص وعيب؛ لذلك كانت حسنى، إنها طريق دخول الجنة ولذلك كانت حسنى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: »إن لله تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلا واحدا مَنْ أَحْصَاهَا دخل الجنة«  (16) 

 اللهم اجعلنا ممن وفِّق إلى إحصائها، والعلم بها، ومعرفتها، واسلك بنا يا ربنا سبيل الهدى والرشاد، وأعذنا من الزيغ والضلال، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم [فادعوه بها]، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.