السيرة الذاتية للشيخ أ.د خالد المصلح من البداية إلى وفاة الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله

رابط المقال

الشيخ: تقصرون إلى أن ترجعوا ما بتقول أنت في بريطانيا؟.

المتصل: في بريطانيا لمدة شهر تقريبًا.

الشيخ: أنتم مسافرون إلى أن ترجعوا الله ـ تعالى ـ يقول: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (1) 

بدأ حياته مدرسًا لمادة الحاسب الآلي في الثانوية العامة، لكنه وجد نفسه فيما بعد مولعًا بالشريعة وعلومها عزم نفسه وأمره وغير مسار حياته ولازم الشيخ الراحل محمد بن عثيمين –رحمه الله-ضيفنا في هذه الحلقة من برنامج وجوه إسلامية الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح نقلب صفحات من سيرته وشجونه وذكرياته ورؤاه ومواقفه فأهلا وسهلًا بكم.

يدين بالحجاز بولاء زرعته سنين طفولة تجذرت في وجدانه كلما تحدث عنها وصفها بالتعددية والانسجام في قلب واحد وهو الإسلام مكة المكرمة بالنسبة إليه هي النشأة والدار والمدرسة والهوى والذكريات

الشيخ: المعيشة في مكة تكسب الحقيقة نوع من العالمية في الأخلاق والعالمية في الأفكار والعالمية في العادات والعالمية في نواحي عديدة وذلك لتنوع من يأتي إليها في أعرافهم وتقاليدهم ولغاتهم ولباسهم وسائر شئونهم فكانت النشأة في مكة مكسب حقيقة لأن الإنسان منذ بدايته وفق إلى الاطلاع على عادات مختلفة وعلى بيئات مختلفة وعوائد مختلفة، وإن كان السمة العامة قد تكون مشتركة لاسيما فيما يتعلق بسكان الدائمين، لكن هذا التنوع في القادم إلى مكة والساكن فيها يكسب رصيدًا مفيدًا في التعامل مع الناس على اختلاف أجناسهم على اختلاف أعرافهم على اختلاف عاداتهم، فكانت مميزة من هذه الناحية إضافة إلى شرف البقعة وقدسية المكان، فمكة شرفها الله أطهر بقاع الأرض هي البقعة التي عبد الله تعالى فيها أولًا ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا (2)  هذه الخصائص لا شك أنها تلقي بظلالها على ساكنيها والناس في هذا متفاوتون مستقل ومستكثر.

المقدم: يري الدكتور المصلح بأن هناك شخصيات حرصت عليه في صغره وتعبت عليه في تعليمه ولا ينسى قصة إضرابه عن الدراسة حين كان في الصف الأول الابتدائي.

الشيخ: كان جدي لوالدي وجدي لوالدتي في مكة ويمتهنون التجارة وعملهم في السوق، وبالتالي نحن نزل في السوق ونلقي الناس كنا نتأثر بهذا الجو وهذا المحيط إضافة إلى أن الجد لوالدتي –رحمه الله-وغفر له الشيخ سليمان السبيعي كان حريصًا على أن يدخلنا شيئًا من الدراسة في المساجد وحلق القرآن وكان هذا مفيدًا ومؤثرًا في بداية النشأة.

المقدم: بعد تخرج ضيفنا من الثانوية العامة كان يطمح إلى دراسة الطب في الولايات المتحدة ولم تكن ميوله إلى دراسة الشرعية، لكنه وجد نفسه أثناء دراسته لجامعة البترول والمعادن متوجهًا نحو العلم الشرعي.

الشيخ: لما ذهبت إلى جامعة البترول أنا لم أكن أنوي التكميل فيها حقيقة، إنما كنت ذهبت إليها مع رفقة لأجل قضاء جزءًا من الوقت ثم بعد ذلك الانتقال لدراسة الطب في خارج المملكة التحاقًا بأخي الأكبر عدنان الذي كان يدرس في أمريكا في ذلك الوقت، فقلت الفترة هذه لن يأتي قبول وتترتب الأمور لعلي أذهب إلى جامعة البترول، فذهبت وبقيت في الجامع أو درست السنة الأولى اللي يسمى الأورنتشين اللي هي السنة التمهيدية التحضيرية واجتزتها ولله الحمد.

بعد ذلك فطرت الهمة عن السفر إلى الخارج وقلت بما إني يعني بدأت هذا المشوار لعلي أتممه في المملكة واستكملت دراستي في جامعة البترول، جامعة البترول كانت تتميز بكونها بعيدة عن مكان إقامتي فكان الوالد والأهل في منطقة الحجاز وانتقلت بالتالي إلى منطقة الشرقية في الظهران وأصبحت منطقة معزولة بالنسبة لي عن الأقارب والأهل ليس لي أقارب في تلك المنطقة، فكنت في السكن الطلابي مع المجموعة من الطلاب وكان السكن يسخر بمجموعة من الأنشطة الحسنة الجميلة.

الحقيقة الرغبة في التعلم العلوم الشرعية كانت موجودة من قبل، لكن تضاعفت وزادت ونمت وأصلت في تلك الفترة فترة جامعة البترول والمعادن.

المقدم: يقول المصلح بأن تعلمه للشريعة في تلك الفترة كان مقتصرًا على الكتب والأشرطة وزيارة العلماء ولم يكن ممنهجًا أو على يد شيخ يواظب على دروسه كما أن تخصصه الهندسي لم يشفع له عند العلماء لمناقشتهم في بعض المسائل الشرعية.

الشيخ: إحدى زياراتي للمدينة التقيت بالشيخ محمد إيمان الجهمي ـ الله يغفر له ويرحمه ـ وعرضت عليه مسألة من مسائل العقيدة الدقيقة فقال لي: وكأنه رأي عين الآن يقول لي: هذه المسألة التي تسأل عنها يا بني هي من المسائل التي ندرسها في الدراسات العليا في قسم العقيدة.

موقف آخر لا أزال أذكره إن مرة زرنا الشيخ الدكتور حماد الأنصاري ـ غفر الله له ـ في المدينة وسألته عن تعريف الحديث الصحيح فالشيخ قال لي: أنت من أي تخصص؟ قلت له: أنا من جامعة البترول والمعادن فقال: يا ابني ما شانك في هذا ما لك دخل في هذه العلوم هذا شيء لطلاب الشريعة والدراسات الإسلامية أنت في الهندسة وفي العلوم البعيدة عن هذا التخصص فلا تسأل قلت له: أنا طالب علم قال: لست طالب علم أشلون ما أنا بطالب علم أنا أطلب العلم وأن كنت في التخصص التطبيقي والتجريبي ـ الله يغفر له ويرحمه ـ قال: لست طالب علم وأثبت لك كنا في مجلس مليء بالمشايخ والإخوان وطلبة العلم فقال: ما كذا وما كذا ما المقصود بكذا؟ فسألني عدة أسئلة دقيقة فلما أجبته عنها قال: أنت لست طالب علم أنت لست طالب علم أنت محب للعلم قلت: تكفي هذه، هذه شهادة يعني لأنه كان هناك نوع من الدراسة المتخصصة في بعض الجوانب العلمية طبعا يعني الجو هذا بالتأكيد أنه الدراسة بدون شيخ يعني لها جوانب سلمية من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه.

المقدم: في عام 1988 عين الدكتور خالد مدرسًا لمادة الحاسب الآلي في المرحلة الثانوية في مدينة عنيسه يحكي أنه بعد سنوات لم يجد نفسه في هذا التخصص وقرر التوجه نحو العلم الشرعي.

الشيخ: عزمت وقدمت استقالتي من التعليم وكنت في تلك المرحلة متزوج وعندي أولاد، لكن يعني رأيت أنه الإقدام على هذه الخطوة سيكون له عاقبة حميدة ولا يفوتني هنا أن أذكر الوالد الله يمتعه متاع حسن أنه كان مشجعًا لأني طبعا تعرف إني كنت رب أسرة وسأنقطع عن العمل والمصدر المالي بالتالي سيقف وأنت بحاجة، فما كان منه قال: الله يساعدك وتوكل على الله، فتوفقت عن التعليم والتحقت بجامعة الإمام انتظامًا وكان قبل ذلك في فترة تدريسي سنتين كنت منتسبًا في جامعة الإمام، لكن لما بقي سنتان لقيت أنه انتظم حتى أتمكن من الدراسات العليا لأنه لا يمكنونك من الدراسات العليا إذا كنت صاحب شهادة انتساب، فشاورت الشيخ شيخنا محمد وقال: توكل على الله على أن الشيخ أنا لا أنساها قال لي: أي سنة تريد أن تدخل بما أنك فرغت من جامعة وعندك تحصيل علمي يمكن أن يجرى لك نوع من المعادلة وتدخل بدل ما تبدأ من السنة الأولى ممكن في السنة الثالثة والرابعة حسب ما يجرى من فحص ودراسة، قلت له أنا أبدأ من أول يا شيخ أفضل فبدأت من السنة الأولى والثانية انتساب والثالثة والرابعة انتظام تخرجت عام 1414 اللي هو عام 1994 تخرجت من جامعة الإمام فرع القصيم بعدها كملت دراسة الماجستير وكانت الرسالة في شيء يتعلق بالتخصص وأنا حرصت أنه الرسائل الماجستير والدكتوراه تكون أولًا تفيد من التخصص السابق إضافة إلى ذلك تقدم شيئًا جديدًا، فكانت الدراسة في الماجستير الحوافز التسويقية التجارية وأحكامها الفقهية يعني الضمان والصيانة والهدايا وسائر ما يستعمل في وسائل التسوية وجذب الزبائن أحكامها في الفقه الإسلامي.

أما الدكتوراه فكانت بعد ذلك في التضخم النقدي وأحكامه في الفقه الإسلامي.

الشيخ محمد بن عثيمين: كل هذا بقضاء الله وقدره

المقدم: تتلمذ الدكتور خالد على يد الشيخ محمد بن عثيمين-رحمه الله-سنوات طويلة وكان من الثلاثة الذين عهد إليهم بخلافته في الجامع الكبير بعنيزة، وما زالت الشجون الشخصية بينه وبين الشيخ بن عثيمين عالقة في ذاكرته.

الشيخ: الشيخ –رحمه الله-كما ذكرت لك يعني كان يحتفي عمومًا بطلاب العلم ويشجعهم.

الشيخ محمد بن عثيمين: يسرني هذا لأن اللقاء بين الناس يجلب المودة.

الشيخ: كنت من هؤلاء الذين حظوا بشيء من التشجيع من شيخنا –رحمه الله-فمرة من المرات في إحدى اللقاءات جئت إلى الشيخ –رحمه الله-وحضرت درسه وبعد صلاة الفجر قال لي: تفطر معنا إن شاء الله فقلت: حسنًا طبعا فرصة تختلي بشيخ عالم جليل كالشيخ محمد بن عثيمين وأنت في بدايات طريقك وبدايات مسلكك العلمي فقلت له الساعة كم؟ قال: تأتي لما البيت الساعة السابعة فجئت وجلست أنا وإياه منفردين، فكان –رحمه الله-في غاية التواضع وهذا الموقف لا أنساه لأنه كان مميزًا له انعكاسات نفسية كبيرة وهذا العالم الجليل الذي تشد إليه الرحال هو الذي يأتي بصحن الطعام ويجعله بين يديك وأنت في عداد أبناء أبنائه أو أولاد أولاده في السن ويقدم لك الطعام وتأكل أنت وإياه ويقبل منك الأسئلة بصدر رحب على كثرة انشغاله واهتمامه –رحمه الله-ثم بعد ذلك انصرفت لكني قبل أن انصرف ذهب إلى مكتبته وأتاني بكتاب كان حديث الإصدار أهداني إياه –رحمه الله-وما زلت أحتفظ بهذا الكتاب وهو كتاب القواعد المثلى في أسماء الله وصفاته العلى.

المقدم: وفي سياق تطور علاقته بشيخه تقدم المصلح بشكل عفوي ومن دون تخطيط أو ترتيب بطلب يد ابنة الشيخ بن عثيمين ودافعه حبه الكبير لشيخه ليتقرب منه أكثر ويزداد من علمه.

الشيخ: تقدمت إليه ونحن في الطريق إلى بيته فقلت: يا شيخ إني أريدك في موضوع قال: خير إن شاء الله قلت: ودي إني يعني أختلي بك ويكون هذا في مجلس خاص فقال لي –رحمه الله-: ما الأمر؟ قلت: الأمر يا شيخ ما يصلح في الطريق يعني لعله ما يكون مناسب هو طبعا ما يدري ما عندي فلما رأيت الشيخ يعني ملح على إني أتم الأمر بيسر في الشارع وفي طريقنا قلت: يا شيخ عندك من تصلح فتفاجئ الشيخ طبعا يعني لما قلت له هكذا وهذه العبارة عندك من تصلح مفهوم يعني إني أريد أن أتقدم لخطبتها فابتسم الشيخ وأنا ابتسمت لأن الموضوع كان مفاجأة لأن الشيخ فيما ظهر من حاله يتفاجأ يعني يا أخي الموضوع يصلح الآن ولا ما يصلح؟ فقال: لا لا يصلح إن شاء الله، فأتمننا المسير قال لي يعني بعض الكلام والسؤال يعني هل أخبرتها؟ وماذا وصلت في الدراسة؟ وأين ستسكن؟ وما إلى ذلك من الأسئلة التي يسأل عنها عادة يعني الموضوع كله استغرق تقريبًا خمس دقائق إلى عشر دقائق حيث وصلنا إلى بيت الشيخ طبعا أنا لما أنست من الشيخ موافقة وقبول للعرض يعني طمعت نفسي بجواب مستعجل، فالشيخ قال لي: يصير خير إن شاء الله نشاورهم ونخبرك قلت: يا شيخ متى يعني؟ متى تخبرنا يعني شيء قريب ولا تبي فترة لأن أنا أمشي سأذهب عندي دراسة في الجامعة قال: ما يسير إلا خير ولما ألححت عليه قال لي كلمة لا أنساها وهي بمثابة التطمين أنه الموضوع سيتم قال لي: وهذه شهادة أعتز بها وأسال الله أن تكون في محلها قال: ما ألقى مثلك اصبر ما ألقى مثلك يعني انتظر لن أجد مثلك يتقدم لي هكذا ظنه وحسن ظنه بي رحمه الله.

المهم أننا انصرفت والتقيت به في صلاة العصر وسلمت عليه وكنت مزمعًا للمسير فقلت ما صار يا شيخ يعني في رد؟ قال: يا وليدي اصبر لا تستعجل يبي سهل الله الأمر المهم أنا انصرفت ما أعطيت الشيخ لا رقم ولا أي نوع من أنواع التواصل وطبعا ذهبت ومكثت أسبوع أسبوعين ما في أي خبر وأنا ما اتصلت بالشيخ حقيقة بعد أسبوعين من هذا الموقف اتصل بي الشيخ –رحمه الله-في جامعة البترول وكنت في السكن والسكن في جامعة البترول أشبه ما يكون برك ساتر الأيونات يسمونها هناك وهي بيوت لأراض قديمة صارت لطلبة جامعة البترول، فاتصل وجدت مرة مكتوب على الغرفة اتصل بك ابن عثيمين طالب من الطلاب يبدو أن الشيخ اتصل ولم أكن موجودًا فكتب لي هذه الرسالة طبعا ما في سبيل اتصل به صعب الاتصال ما في جوالات في هذه الأيام في الثابت والثابت تليفون الشيخ مش مشهور على طول الخط بالتالي انتظرت لما عاود الشيخ الاتصال وجاءني من يطرق الباب قال: التليفون يبيك فأذهب فإذا به الشيخ محمد بن عثيمين السلام عليكم السلام من؟ خالد قال: الشيخ معك محمد بن عثيمين الكتب اللي طلبتها أنت رهن ترى نفس الناحية هكذا ابتدأ الحديث، قلت جزاك الله خير وبارك فيك طبعا ما سألته عن الموضوع، والموضوع اللي تكلمت فيه ترى هم وافقوا فأنا فوجئت لما قال لي وافقوا ما كنت أتوقع أنها تكون بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب وافقوا طيب يا شيخ ماذا أسوي؟ الله يغفر له ويرحمه.

المهم أنه أخبرت الوالد وأخبرت الوالدة وقلت أنه ترى الموضوع كما كنت أعطيتهم خبر قبل ذلك وقالوا طيب خلاص نذهب للقصيم ذهبت على الشيخ ثاني يوم قلت إن الوالد والوالدة يأتون ويتقدمون تقدم رسمي قال: طيب وأنت ما أنت جاي؟ قلت: لا والله يا شيخ أنا ما جاي لأن كان عندي ارتباط باختبارات والوالد والوالدة يكفون قال: خير إن شاء الله.

فتمت الخطبة بهذه الطريقة الميسرة السهلة وبعد رمضان تم عقد القرآن وبعد ذلك تزوجت ابنة الشيخ الكبرى.

المقدم: عام 2001 أحس الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-بتعثر صحي وبعد الفحوصات اتضح أنه مصاب بورم سرطاني سافر وقتها إلى الولايات المتحدة للعلاج ورافقه في رحلته صهره ضيفنا المصلح الذي يقول: إن شيخه لم يوقف نشاطه التعليمي والدعوي، بل استمر يقيم الدروس والمحاضرات لمسلمي أمريكا حتى سمح له الأطباء بالعودة إلى السعودية على أن يكمل علاجه هناك.

الشيخ: دخل الشيخ المستشفى وكان من همه في أثناء دخوله المستشفى أن يرتب موضوع الدروس وأن يرتب حلق العلم التي كانت في مسجده ولهذا كان من أهم ما كتبه بل أنا أقول الآن إنه الشيخ لما دخل المستشفى ووضع ظهره على السرير كنت بجواره وأقف بجواره كما لو كان الشيء أمام عيني الآن وقال لي وهو على سريره ترانا رتبنا الدروس ونظمنا انتبه واضبط الطلبة هكذا قال لي –رحمه الله-في أول يوم دخل المستشفى أول لحظة وضع ظهره فيها على سرير المستشفى ما أنسى هذا الموقف الذي يبين حجم اهتمامه بالتعليم حجم اهتمامه بمواصلة المسيرة وأنه لا ينقطع المسير بتوقفه –رحمه الله-وانقضاء يعني عطائه بسبب دخوله المستشفى.

بقي الشيخ في المستشفى إلى أن رغب في الانتقال دخل رمضان وهو بالمستشفى ورغب في الانتقال إلى مكة لمواصلة مكان يعطيه من دروس وتعليم في الحرم المكي، فانتقل –رحمه الله-وهيأت له غرفة ووصل فيها ميكروفونات لتعليم الناس واستمر على هذا إلى آخر ليلة من ليالي رمضان كان الشيخ –رحمه الله-يلقي دروسه على النحو المعتاد لم ينقطع عن هذا إلا ليالي معدودة والباقي كله كان قائمًا بالتدريس إلى ليلة الثلاثين من شهر رمضان عام 1421 بعدها بقي وصلى العيد في الحرم ثم في نهاية يوم العيد أصابه شيء أو في وسط يوم العيد أصابه شيء من التعب استدعى إلى أن ينقل إلى المستشفى فنقل إلى مستشفى التخصصي في جدة في العناية المركزة وبقي فيها –رحمه الله-فترة من الزمن ثم أخرج إلى غرفته إلى أن وافاه الأجل في يوم الخامس عشر من شهر شوال عام 1421 قبل غروب الشمس أسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر له وأن يرحمه وأن يجعل ما قدمه من أعمال صالحة أنيسه في قبره ورفعة له يوم العرض على الله جل وعلا.

المقدم: هناك تنازع بين الإسلاميين والعلماء حول مذهب التيسير في الفتوى والتشديد والأخذ بمبدأ الأحوط كيف يرى الدكتور خالد طبيعة هذا الخلاف؟

الشيخ: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إن الدين يسر»  (3)   لكن ينبغي أن يعلم أن هذا اليسر لا ينافي أصل التكليف؛ لأنه التكليف لابد منه ولولا المشقة ساد الناس كلهم وجادوا يفقروا والإقدام قتال فلابد من وجود التكليف، لكن فرق بين أن أعمد إلى أن اختار أشد الأقوال وبين من يعمد إلى اختيار أيسر الأقوال وبين من لا هم له في الشدة ولا في الترخيص همه أن يصيب مراد الله ومراد رسوله –صلى الله عليه وسلم-شتان بين هذه المناهج.

قضية الأخذ بالأحوط هي قضية في الحقيقة يعني مذلة قدم في مقام الإفتاء وفي مقام إجابة الساعي له لأن من الناس من لا يفرق بين الأحوط الذي تختار لنفسك والأحوط الذي تفتي به غيرك، من الناس من إذا أغلقت عليه المسألة ولم يحير فيها جوابًا قال: لحظة الترك أنا هنا أقول أنت مخطئ في هذه النتيجة لأنه ينبغي أولًا أن تحرر القول فإذا لم تستطع أن تحرر القول فقل لا أعلم.

المقدم: لكن هذا التنازع سبب انشقاق في الوسط الإسلامي في السعودية وتراجعت هيبة العلماء والمفتيين في المجتمع فهل كان السبب في زلات العلماء أو في تراجع مكانة المفتي بين الناس؟

الشيخ: الذي أراه في معالجة هذه الإشكالية أن يجتهد أهل العلم في إشاعة ثقافة الخلاف وأدب الاختلاف وهذا يتطلب جهودًا حثيثة لان الناس في كثير من الأحيان يتحمسون لأقوال ألفوها وآراء نشأوا عليها وبالتالي إذا سمعوا قولًا يخالفها كان هذا خروجا عن الدين أو كان هذا دينا جديدًا.

المقدم: ونحن نتمنه أيضًا أن تشع ثقافة الخلاف وتقبل آراء بعيدًا عن المشاحنات والمصادمات التي تحرفنا عن المسار الصحيح إلى هنا نصل إلى نهاية حلقتنا من برنامج وجوه إسلامية مع الشيخ الدكتور خالد المصلح.