خطبة الجمعة : أسباب النجاة يوم المعاد

رابط المقال

إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾   (1)  .﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (2)  , أما بعد:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ, فَإِنَّ أَصْدَقَ الحدِيثِ كِتابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مَحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالٌ وَكُلَّ ضَلالَةٍ في النَّارِ.

عِبادَ اللهِ, عَجْباً للإِنْسانِ؛ كَيْفَ لا نَعْتَبِرُ بِما نُشاهِدُهُ مِنْ آياتِ اللهِ في خَلْقِهِ!

﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾   (3)  .

عَجَبًا لِلإْنْسانِ؛ فَإِنَّ في أَطْوارِ خَلْقِهِ ما يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ فَضْلِ رَبِّهِ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ مُقْتَدِرٌ، وَأَنَّهُ إِلَيْهِ راجِعٌ، وَأَنَّهُ لا مَحيصَ لَهُ وَلا مَناصَ عَنِ الوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ يُحاسِبُهُ عَلَى القَلِيلِ وَالجَلِيلِ, فَفِي أَطْوارِ خَلْقِكُمْ وَمَنازِلِكُمْ وَأَطْباقِ حَياتِكُمْ مَايَمْلَأُ قُلُوبَكُمْ إِيمانًا بِاللهِ تَعالضى وَتَصْدِيقًا بِهِ﴿قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾   (4)  . هَذِهِ هيَ حالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا هَذِهِ أَخْبارُهُ وَأَطْباقُهُ وَأَحْوالُهُ، ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾   (5)  .

أَيُّها المؤْمِنُونَ عِبادَ اللهِ, سَلُوا أَنْفُسَكُمْ أَيْنَ الخَلائِقُ الَّذينَ كانُوا مِنْ قَبْلِكُمْ، أَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قَوْمٌ جَمَعُوا وَثَمِلُوا مِنَ الشَّهواتِ , وَشَبِعُوا, أَلَمْ يَكُنْ فِيِهِمْ قَوْمٌ أَمَّلُوا البَقاءَ فَما نالُوا فِيها ما بَرِحُوا، أَلَمْ يَكُنْ فِيها أَقْوامٌ فَنِيَتْ أَعْمارُهُمْ بِما غُرُّوا وَخُدِعُوا جاءَهُمْ مَلَكُ الموْتِ عَلَى حِينَ غَفْلَةٍ وَنُدْرَةٍ فَذَلُّوا وَخَضَعُوا، وَأُخِذُوا مِنْ دِيارِها فَلا وَاللهِ ما رَجَعُوا؛ انْظرُوهُمْ شاهِدُوهُ اعْتَبِرُوا بِأَحْوالِهمْ، هُمْ في القُبُورِ مُتَفَرِّقُونَ فَإِذا نُفِخَ في الصُّورِ اجْتَمَعُوا لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العالمينَ.

﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾   (6)  .

وَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ العِلْمِ أَعْيُنُهُمْ أَوْ اسْتَلَذُّوا لِتِلْكَ العَرُوشِ أَوْ هَجَعُوا؛ وَالموْتُ يُنْذِرُهُمْ جَهْرًا عَلانِيَةً لَوْ كانَ لِلقَوْمِ أَسْماعٌ لَقَدْ سَمِعُوا.

ذَكْرَ اللهِ في كِتابِهِ مِنْ أَلْوانِ الوَعِيدِ ما قالَهُ -جَلَّ وَعَلا-: ﴿وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ﴾   (7)    نوَّع الله الوَعِيدَ في كِتابِهِ؛ ليُوُقِظَ القُلُوبَ، وَلِيُنَبِّهَها. وَمِنْ صُوَرِ الوَعِيدِ الَّذي كانَ في الكِتابِ ما جاءَ مِنْ بَيانِ أَهْوالِ يَوْمِ الميعادِ؛ فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ في كِتابِهِ مِنْ أَهْوالِ ذَلِكَ اليَوْمِ وَأَحْوالِهِ ما يَكْشِفُ عَظيمَ قَدْرِ ذَلِكَ اليَوْمِ وَكَثِيرِ خَطْبِهِ يَقُولُ اللهُ تَعالَى في مُحْكَمِ كِتابِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾   (8)    مَهْما طالَتْ وَزالَتْ وَجمُِّلَتْ. ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾   (9)    الشيَّطانُ الَّذي يُزَيِّنُ لَكُمُ الدُّنْيا، وَيُطِيلُ فِيها آمالَكُمْ، وَيُؤَمُّلُكُمْ فِيها خُلُودًا ودَوامًا وَعَدَمَ تَحَوُّلٍ.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾   (10)    هَذا خَبَرٌ عَظِيمٌ؛ فَإِذا قالَ اللهُ العَظيمُ عَنْ شَيْءٍ أَنَّهُ عَظِيمٌ فاعْلَمْ أَنَّ عَظَمَتَهُ تَفُوقُ الخَيالُ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾   (11)    ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ هَوْلِ هَذا اليَوْمِ ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾   (12)    السكارى لا عقول لهم، لا يصوبون هدفًا ولا يدركون مخرجًا بل هم في أمرٍ مَرِيج ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾   (13)  . هَذا الَّذِي غَطَّى عُقُولَهُمْ، وَغَيَّبَ أَذْهانَهُمْ، وَأَعْمَى أَفْكَارَهُمْ؛ فَلا مَخْرَجَ وَلا نَجاةَ لَهُمْ إِلَّا بِرَحْمَةِ الرَّحِيمِ الرَّحْمنِ في ذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ، في يَوْمِ القِيامَةِ أَهْوالٌ عَظِيمَةٌ، وَأُمُورٌ جَلَيلَةٌ لَيْسَتْ حَكَاوَي، وَلا أَساطيرٌ، وَلا قَصَصٌ إِنَّها حقائِقُ سَنَراها, مَنْ أَيْقَنَ بِها عَمِلَ مِنْ أَجْلِها، وَمَنْ تَعامَلَ مَعها عَلَى أَنَّهُ أَفْكارٌ يُؤْمِنُ بِها إِجْمالًا لا أَثَرَ لَها في حَياتِهِ فَإِنَّهُ لَنْ يَنْتَفِعَ بِتِلْكَ الأَخْبارِ، إِنَّ يَوْمَ القِيامَةِ فِيهِ مِنَ الأَهْوالِ ما لا تَقُومُ لَهُ السَّماءُ، وَلا تَثْبُتُ لَهُ راسياتُ الجِبالِ وَشا هِقَاتُها. يَقُولُ رَبُّكُمْ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾   (14)    المنْفُوشِ ﴿وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾   (15)    كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا لَهُ شَيْءٍ يُغْنِيهِ في ذَلِكَ اليَوْمِ، «يَجْمَعُ يَوْمَ القِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمُ البَصَرُ »  (16)  لا حَوْلَ لَهُمْ وَلا قُوَّةَ.

﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ (17)  هَذِهِ الأَرْضُ تَتَحَوَّلُ وَتَتَغَيَّرُ ﴿لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾   (18)    تَتَحَوَّلُ عَنْ حالِها الَّذِي تُشاهِدُوهُ فَتَكُونُ عَلَى حالٍ مِنَ البَسْطِ وَالاسْتِواءِ، وَالمدَّ ما لا يَكُونُ فِيهِ مَلْجَأُ لأَحَدٍ، وَلا يَكُونُ فِيهِ مَعاذٌ لمسْتَعيذٍ ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾   (19)    فَنَسْأَلُ اللهُ العَوْنَ عَلَى أَهْوالِ ذَلِكَ اليَوْمِ, وَمِنْ أَهْوالِهِ وَعَظِيمِ أَحْوالِهِ أَنَّ الشَّمْسَ تَدْنُوا, تَدْنُوا الشَّمْسُ الَّتي تَجِدُونَ لَهِيبَها في قَلْبِ هَذا المسْجِدِ عَلَى بُعْدِها وَعَظِيمِ المسافَةِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها, تَدْنُوا يومَ القِيامَةِ بِأَمْرِ اللهِ الَّذِي لَهُ الأَمْرُ كُلُّهُ جَلَّ في عُلاهُ. ما شاءَ كانَ وَما لمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

فلا تَقُلْ كَيْفَ؛ فَذاكَ يَوْمٌ يَخْتَلِفُ حالُهُ عَنْ حالِ هَذا اليَوْمِ جاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  في قَوْلِ اللهِ تَعالَى: ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا﴾   (20)    قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟. فقالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»  (21)  سُبْحانَهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ فَلا تَقُلْ كَيْفَ فَذاكَ أَمْرٌ لا تُدْرِكُهُ عُقولُنا نُؤْمِنُ بِخَبَرٍ صادِقٍ مَصْدُوقٍ نُؤْمِنُ بِما جاءَ بِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَلَى الوَجْهِ الَّذي جاءَ بِهِ دُونَ زِيادَةٍ وَلا نَقْصٍ، «تدْنُوا الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ»  (22)  وَ الميْلُ هُوَ المسافَةُ، وَمِيلُ هُوَ مِيِلُ المكْحُلَةِ الَّتي تُكحَّلُ بِهِ العَيْنُ، هَذا وَذَاكَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَأَمْرُهُ خَطِيرٌ؛ فَإِنَّ الشَّمْسَ اليَوْمَ لَوِ انْتَقَلَتْ عَنْ مَوْقِعِها أَيَّا ما يَكُونُ لاحْتَرَقَتْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيها, فَذاكَ يَوْمٌ تَخْتَلِفُ فِيهِ الأَحْوالُ، وَيَكُونُ فِيهِ النَّاسُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الحالِ ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖوَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار (23)  .  تَدْنُو الشَّمْسُ فَيَكُونُ النَّاسُ في ذَلِكَ الموْقِفِ العَظِيمِ ذَلِكَ الموْقِفُ الشَّدِيدُ، وَلَكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ هَذا الموْقِفَ بِأَيِّ اجْتِماعٍ يَزْدَحِمُ فِيِهِ النَّاسُ، وَيَلْتَحِمُونَ وَيَتدافَعُونَ؛ فَهُوَ يَوْمُ التَّنادِ يَوْمَ التَّزاحُمِ يَوْمَ شِدَّةٍ وَكَرْبٍ نَسْأَلُ اللهَ -تَعالَى- النَّجاةَ، تَدْنُو الشَّمْسُ مِنْ رُؤوسِ الخلائِقِ«فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ» وما يكون من رشْحِهِم، «فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ ـ إلي نِصْفِ جِسْمِهِ ـ،وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا»  (24)  ـ هَذا التَّطابُقُ، وَذَلِكَ الاخْتِلافُ هُوَ اخْتِلافُهُمْ في أَعْمالِهِمْ اخْتِلافُهُمْ في أَحْوالُهُمْ، يَصْدُرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ لِيُرَوْ أَعْمالَهُمْ، وَأَعْمالُهُمْ شَتَّى: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالخَيْراتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ خارِجٌ عَنْ دائِرَةِ أَهْلِ الِإسْلامِ، فَهَؤُلاءِ يَتَفاوَتُونَ في الحالِ كَذا ذَكَرَ سَيِّدُ الأَنامِ- صَلواتُ اللهِ وَسلامُهُ عَلَيْهِ- عَلَى اخْتِلافِ العَرَقِ في إِلجْامِهِمْ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ في ذَلِكَ اليَوْمِ ظِلٌّ يَسْتِظِلُّونَ بِهِ أَوْ يَتَوَقَّوْنَ مِنْ حِرِّ الشَّمْسِ وَلَهِيبِ اقْتِرابِها مِنْهُمْ إِلَّا حَصائِدُ أَعْمالِهِمْ؛ فَأَعْمالُهُمْ تَكُونُ ظِلًّا لَهُمْ وَأَعْظَمُ ظِلٍّ يَنالُهُ الِإنْسانُ في ذَلِكَ اليَوْمِ ظِلُّ التَّقْوَى كَما قالَ- اللهُ تَعالَى﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (25)  إِنَّ الظِّلالَ الَّتي ذَكَرَها -اللهُ عَزَّ وَجَلَّ- لِلمُتَّقِينَ لَيْسَ لمَنْ يَكُونُ في الجَنَّةِ مِنَ النَّعِيمِ فَحَسْبَ، بَلْ قَبْلَ ذَلِكَ ما يَكُونُ في يَوْمِ العَرْضِ مِنْ ظِلٍّ يُظِلُّهُ - اللهُ تَعالَى- بِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، ذَاكَ ظِلُّ التَّقْوَى الَّتي هِيَ صَلاحُ القُلُوبِ وَاسْتِقامَتِها، ذَلِكَ ظِلُّ التَّقْوَى الَّذي يَحْمِلُ عَلَى أَداءِ الوَاجِباتِ وَتَرْكِ المحَرَّماتِ وَالمسابَقَةِ في أَلْوانِ الخَيْراتِ،﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (26)  ، هَنِيئًا لَهُمْ؛ لَهُمُ البُشْرَى في الحياةِ الدُّنْيا، وَلَيْسَ ذَلِكَ فَحَسْبَ بَلْ وَفي الآخِرَةِ ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ (27)  وَعْدَهُ لا يَتَخَلَّفُ ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (28)  . اللَّهُمَّ ارْزُقْنا ذَلِكَ الفَوْزَ يا رَبَّ العالمينَ، أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ- للهِ رَبِّ العالمينَ- أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ, لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ وَظاهِرُهُ وَباطِنُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلَينَ وَالآخِرينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَي يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ اتَّقُوا- اللهَ تَعالَى- وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ؛ فَذاكَ يَوْمٌ عَظيمٌ يَحْتاجُ أَنْ يَكُونَ حاضِرًا في قُلُوبِنا وَعُقُولِنا وَأَعْمالِنا، قالَ: أَبُو عَبْدُ اللهِ أَحْمَدُ ابْنُ حَنْبَلَ لِعَلٍّي ابْنِ المديِنيِّ إِمامٍ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ العِلْمِ في زَمانِهِ أَوْصِنِي فَقالَ: "أَلْزِمِ التَّقْوَى قَلْبَكَ، وَانْصُبِ الْآخِرَةَ أَمَامَكَ"  (29)  ، الْزَمِ التَّقْوَى في كُلِّ ما تَأْتِي وَتَذَرُ، وَما يُعينُكَ عَلَى لُزُومِ التَّقْوَى؛ أَنْ تَجْعَلَ الآخِرَةَ أَمامَكَ، فَسُرْعانَ ما تَتَحَوَّلُ الدُّنْيا سُرْعانَ ما تَنْتَهِي مَهْما طالَتْ أَعْمارُنا فَما هِيَ إِلَّا ساعَةٌ ثٌمَّ تَنْقَضِي، وَيُصْبِحُ كُلُّ واحِدٍ مِنَّا رَهِيَنةُ عَمَلِهِ إِمَّا فَرِحًا بِصالحِ عَمَلِهِ، وَإِمَّا نادِمًا خاسِرًا لِتَفْرِيطِهِ وَتَضْيِيعِهِ، فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها النَّاسُ؛ فَإِنَّ تَقْوَى -اللهِ تَعالَى- تَقِيكُمُ الشُّرُورَ وَالبلِيَّاتِ فَلا نَجاةَ في الآخِرَةِ وَلا نَجاةَ في الدُّنْيا إِلَّا بِتَقْوَى -اللهِ جَلَّ في عُلاهُ- يَقُولُ -اللهُ تَعالَى﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ  (30)  بَلَى وَاللهِ ثَمَّةَ مَثْوَى نَسْأَلُ اللهَ السَّلامَةَ مِنْهُ ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ  ﴾  (31)  وَلا أُولَئِكَ الَّذينَ قامُوا بِأَمْرِ اللهِ وَبادَرُوا إِلَى طاعَتِهِ وَاشْتَغَلُوا بِما يُحِبُّ اللهُ –جَلَّ في عُلاهُ – جَهْدَهُمْ، وَفَزِعُوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفارِ.

عِبادَ اللهِ الدُّنْيا دارُ عَمَلٍ, وَالآخِرَةُ دَارُ جَزاءٍ؛ فَما تَزْرَعُهُ اليَوْمَ تَحْصُدُهُ غَدًا، أَعْمالُكَ خَيْرُها وَشَرُّها، صالحهُا وَفاسِدُها سَتُرافِقَكَ وَتُقابِلُكَ في كُلِّ أَحْوالِكَ في دُنْياكَ وَفي قَبْرِكَ وَفي بَعْثِكَ وَفي عُبُورِكَ عَلَى الصِّراطِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ في مَثْواكَ وَمُنْقَلَبِكَ ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير (32)  . فاخْتَرْ لِنَفْسِكَ في أَيِّ الفَرِيقينِ تَكُونُ: فَرِيقٌ في الجَنَّةِ -نَسْأَلُ اللهَ أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ-، وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ.

أَيُّها المؤْمِنونَ إِنَّ ما يُؤْلِمُكُمْ مِنْ حالِ الدُّنْيا وَيُؤْذِيكُمْ لا يُقارَنُ بِما في الآخِرَةِ مِنْ حَرِّ النَّارِ، قَوْمٌ تَخَلَّفُوا عَلَى طاعَةِ اللهِ مِنْ أَجْلِ حَرارَةِ الجَوِّ فَقالُوا﴿ لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾  قالَ- اللهُ تَعالَى- لِرَسُولِهِ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (33)  ، فَحَرُّ هَذِهِ الدُّنْيا مَهْما بَلَغَ فَإِنَّهُ لا يُقارَنُ بِحَرَّ الآخِرَةِ، فاتَّقُوا حَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ بِتَقْوَى اللهِ -تَعالَى-، قَدْ أَخْبَرَ اللهُ -تَعالَى- وَرَسُولُهُ عَنْ أَعْمالٍ تَكُونُ ظِلالاً لأَصْحابِها, لَوْ تَعَرَّضَ الِإنْسانُ إِلَى الشَّمْسِ في هاجِرَةِ اليَوْمِ وَفي رَابِعَةِ النَّهار وَشِدَّةِ القَيْظِ ما الَّذي يُؤَمِّنُهُ؟ يُؤَمِّنُهُ ظِلٌّ يَقِيهِ حَرَّ النَّارِ وَماءٌ يُبَرِّدُ  كَبِدَهُ بُرودَةٌ لجَوْفِهِ وَبرُودَةٌ لِظاهِرِهِ, وَلَيْسَ إِدْاركُ ذَلِكَ ـ أَيْ في الآخِرَةِ ـ إِلَّا بِطاعَةِ اللهِ، في ذَلِكَ اليَوْمِ أَعْمالُكُمْ هِيَ ظِلالُكُمْ، فَالتَّقْوَى أَعْظَمُ ظِلٍ يَسْتَظِلُّ بِهِ العَبْدُ؛ ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ  (34)  . فَجَديِرٌ  بِمَنْ يَسْتَجِيرُ مِنْ شَمْسش الدُّنْيا اليَوْمَ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِلحَرِّ الأَعْظَمِ يَوْمَ تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الرُّؤوسِ.

وَاعْلَمُوا أَيُّها المؤْمِنُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قَدْ بَيَّنَ في أَحادِيثَ عَدِيدَةٍ تِلْكَ الأَعْمالُ الَّتي تَكُونُ ظِلاًّ لأَصْحابِها يَوْمَ القِيامَةِ، وَجامِعُ تِلْكِ الأَعْمالِ هُوَ مُجاهَدَةُ النَّفْسِ وَمُخالَفَةُ الأَهْواءِ، تَأَمَّلْ كُلَّ الأَحادِيثِ الَّتي أَخْبَرَ فِيها النَّبِيُّ – صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ ظِلِّ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ تَجِدُ أَنَّ المعْنَي المشْتَرَكَ الَّذي ذُكِرَ في كُلِّ الأَحادِيثِ: هُوَ أَنَّ الإِنْسانَ فازَ بِمُجاهَدَةِ نَفْسِهِ وَمُخالَفَةِ هَواهُ؛ في الصَّحيحَيْنِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ تَعالَى- عَنْهُ قالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ»اسْتَمِعْ إِلَي هَؤُلاءِ: «إمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ »  (35)  .فاضَتْ عَيْناهُ  تَشْمَلُ بُكاءَ النَّدَمِ عَنْ الذُّنُوبِ وَبُكاءَ الخَوْفِ وَالخَشْيَةِ وَبُكاءَ المحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ، تِلْكَ الأَعْمالُ الجَلِيلَةُ هِيَ مِمَّا يَسْتَظِلُّ بِهِ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ فاخْتَرْ لِنَفْسِكَ عَمَلاً تَسْتَظِلُّ بِهِ في ذَلِكَ اليَوْمِ وَقَدْ قالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ (لا يَسْتَطِيعُ الوَفاءَ بِدُيونِهِ) مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ  أَظَلَّهُ اللهُ في ظِلِّهِ»  (36)  في ذَلِكَ اليَوْمِ  العظيمِ العَصِيبِ الشَّدِيدِ وَالقُرْآنِ ظِلٌّ لأَصْحابِهِ بَلْ سُورَةُ البقَرَةِ وآلِ عِمْرانَ تُظِلَّانِ صاحِبَهُما يَوْمَ القِيامَةِ يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ»  (37)  أَيْ تُظِلاَّنِ مَنْ قَرَأَهُما وَحَفِظَهُما وَعَقَل مَعْناهُما وَعَمِل بَهما، فَلَكَ مِنْ أَجْرِ الظِّلِّ في البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرانَ بِقَدْرِ ما مَعَكَ مِنْ مُصاحَبَتِهما وَقَدْ قالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- « العَبْدُ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ القِيامَةِ»  (38)  . فَكُلُّ تِلْكَ الأَعْمالِ يَجْمَعُها أَنَّ أَصْحابَها جاهَدُوا أَنْفُسَهُمْ للِقِيامِ بِما أَمَرَهُمُ اللهُ خَالَفُوا أَهْوائَهُمْ فَي سَبِيلِ الفَوْزِ بِرِضا اللهِ.

فَجَدُّوا وَاجْتَهَدُوا، وَلا تَقُولُوا: تَكُونُ تِلْكَ مَنازِلُ لا تَنَاُلهَا؛ فَإِنَّ خَلْوَتَكَ بِنَفْسِكَ مَعَ دَمْعَةٍ صادِقَةٍ تُبلِّغُك َتِلْكَ المنْزِلَةِ, فِلْسٌ وَاحِدٌ تَتَصَدَّقُ بِهِ بِإِخْلاصٍ فَتُخْفِيهِ حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُكَ ما تُنْفِقُ يَمِينُكَ يُبَلِّغُكَ تِلْكَ المنْزِلَةَ، سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.

الَّلهُمَّ اجْعَلْنا مِنْهُمْ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الأَمْنَ يَوْمَ العَرْضِ عَلَيْكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفافَ وَالرَّشادَ وَالغِنَى، أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، وَخُذْ بِنا وَأَوْصِلْنِا إِلَي ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاسْتَعْمِلْنا في مَراضِيكَ، وَاصْرِفْ عَنَّا معاصِيكَ، اصْرِفْ قُلُوبَنا إِلَى طاعَتِكَ، وَاصْرِفْنا عَنْ مَعْصِيَتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهُدَى ظاهِرًا وَباطِنًا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنا الهُدَى في أَنْفُسِنا وَأَهْلِينا وَأَوْلادِنا وَأَزْواجِنا وَآبائِنا، وَجَمِيعِ أَقارِبِنا وَأَحْبابنِا وَسائِرِ المسْلِمينَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ إِناَّ نسَأْلَكُ الهُدَى مِنْ فَضْلِكَ فاهْدِ قُلُوبَنا إِلَي ما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَأَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، وَانْصُرْنا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنا، وَاجْعَلْنا لَكَ شاكرينَ رَاغِبينَ أَوَّابِينَ مُؤْمِنينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ تَوْبَتَنا، وَثَبِّتْ حُجَّتنا، وَسُلَّ السَّخائِمَ مِنْ صُدورِنا, وَاجْعَلْ آخِرَ كلامِنا مِنَ الدُّنْيا لا إِلَهَ إلِا اللُه، وَأَحْسِنْ عَواقِبنا وَخَواتِمَنا، وَأَدْخِلْنا في كُلِّ أَمْرٍ مَدْخَلَ صِدْقٍ، وَأَخْرِجْنا مَخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ سُلْطانًا نَصيرًا يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ التَّوْفِيقِ لِوَلِيِّ أَمْرِنا لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلادَ المسْلِمينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَشَرٍّ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَ بِنا شَرًّا فاجْعَلْ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ وَعَجِّلْ بِالفَرَجِ لِلمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المؤْمِنينَ في كُلِّ مَكانٍ يا رَبَّ العالمينَ، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (39)  ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَعَلى آلِ إِبْراهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مجيدٌ .