الدرس(36) سورة الأنعام من قول الله تعالى:{ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق}

رابط المقال

قوله تعالى:{ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق..} الآية، هذه الآية الكريمة تدل على أن الله مولى الكافرين ونظيرها قوله تعالى: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون}. وقد جاء في آية أخرى ما يدل على خلاف ذلك وهي قوله تعالى: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم}. والجواب عن هذا أن معنى كونه مولى الكافرين أنه مالكهم المتصرف فيهم بما شاء, ومعنى كونه مولى المؤمنين دون الكافرين أي ولاية المحبة والتوفيق والنصر، والعلم عند الله تعالى. وأما على قول من قال: إن الضمير في قوله: {ردوا}, وقوله: {مولاهم} عائد على الملائكة فلا إشكال في الآية أصلا, ولكن الأول أظهر.

قوله تعالى: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون}, هذه الآية الكريمة يفهم منها أنه لا إثم على من جالس الخائضين في آيات الله بالاستهزاء والتكذيب. وقد جاءت آية تدل على أن من جالسهم كان مثلهم في الإثم وهي قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها} إلى قوله: {إنكم إذا مثلهم}.

اعلم أولا أن في معنى قوله: {وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء} وجهين للعلماء:

الأول: أن المعنى: وما على الذين يتقون مجالسة الكفار عند خوضهم في آيات الله من حساب الكفار من شيء, وعلى هذا الوجه فلا إشكال في الآية أصلا.

الوجه الثاني: أن معنى الآية وما على الذين يتقون ما يقع من الكفار في الخوض في آيات الله في مجالستهم لهم من شيء, وعلى هذا القول فهذا الترخيص في مجالسة الكفار للمتقين من المؤمنين كان في أول الإسلام للضرورة ثم نسخ بقوله تعالى: {إنكم إذا مثلهم}, وممن قال بالنسخ فيه مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم كما نقله عنهم ابن كثير. فظهر أن لا إشكال على كلا القولين. ومعنى قوله تعالى: {ولكن ذكرى لعلهم يتقون} على الوجه الأول أنهم إذا اجتنبوا مجالستهم سلموا من الإثم ولكن الأمر باتقاء مجالستهم عند الخوض في الآيات لا يسقط وجوب تذكيرهم ووعظهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لعلهم يتقون الله بسبب ذلك, وعلى الوجه الثاني فالمعنى أن الترخيص في المجالسة لا يسقط التذكير لعلهم يتقون الخوض في آيات الله بالباطل إذا وقعت منكم الذكرى لهم وأما جعل الضمير للمتقين فلا يخفى بعده والعلم عند الله تعالى.

قوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها}، يتوهم منه الجاهل أن إنذاره صلى الله عليه وسلم مخصوص بأم القرى وما يقرب منها دون الأقطار النائية عنها لقوله تعالى: {ومن حولها}, ونظيره قوله تعالى في سورة الشورى: {وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه}. وقد جاءت آيات أخر تصرح بعموم إنذاره صلى الله عليه وسلم لجميع الناس كقوله تعالى: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} ، وقوله تعالى: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} ، وقوله: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} ، وقوله: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} ، والجواب من وجهين:

الأول: أن المراد بقوله: {ومن حولها} شامل لجميع الأرض كما رواه ابن جرير وغيره عن ابن عباس.

الوجه الثاني: أنا لو سلمنا تسليما جدليا أن قوله: {ومن حولها} لا يتناول إلا القريب من مكة المكرمة - حرسها الله - كجزيرة العرب مثلا فإن الآيات الأخر نصت على العموم كقوله: {ليكون للعالمين نذيرا} وذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه عند عامة العلماء ولم يخالف فيه إلا أبو ثور, وقد قدمنا ذلك واضحا بأدلته في سورة المائدة، فالآية على هذا القول كقوله: {وأنذر عشيرتك الأقربين}, فإنه لا يدل على عدم إنذار غيرهم كما هو واضح والعلم عند الله تعالى.