المسألة الثانية: تخريجها الفقهي:
الصيانة الترغيبية يمكن أن تخرّج على أحد التخريجين التاليين:
التخريج الأول: أنها وعد من البائع للمشتري.
ما يترتب على هذا التخريج:
أولًا: جواز هذا النوع من الحوافز المرغِّبة في الشراء؛ لأن الأصل في المعاملات الحل.
ثانيًا: وجوب الوفاء بهذا الوعد ولزومه للبائع. وقد تقدمت أدلة وجوب الوفاء بمثل هذا الوعد .
التخريج الثاني: أنها بيع بشرط نفع البائع في المبيع.
ما يترتب على هذا التخريج:
يترتب على هذا الخلاف في صحة هذا الشرط، فقد اختلف أهل العلم فيه على قولين في الجملة:
القول الأول: أن هذا الشرط صحيح.
وهذا هو مذهب المالكية
(1) والحنابلة
(2) في الجملة، وقد اشترط المالكية
(3) للصحة أن تكون المشترطة يسيرة، أما الحنابلة
(4) فلم يشترطوا للصحة سوى علم المنفعة.
القول الثاني: أن هذا الشرط فاسد.
وهذا مذهب الحنفية
(5) ، والشافعية
(6) .
أدلة القول الأول:
استدل هؤلاء بأدلة كثيرة
(7) أبرزها ما يأتي:
الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا» (8) .
وجه الدلالة:
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- جعل الأصل في الشروط الإباحة إلا شرطًا حرَّم حلالًا، أو أحلّ حرامًا. وهذا شرط لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا.
الثاني: ما روى جابر– رضي الله عنه– أن النبي– صلى الله عليه وسلم– «نَهَى عن الثُّنْيَا إلا أنْ تُعلمَ»
(9) .
وجه الدلالة:
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أباح الاستثناء بالشرط إذا كان ذلك معلومًا
(10) .
أدلة القول الثاني:
استدل هؤلاء بعدة أدلة
(11) أبرزها حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنه -: أن النبي- صلى الله عليه وسلم - «نَهَى عَن بَيعٍ وشرطٍ»
(12) .
وجه الدلالة:
أن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن الجمع بين البيع والشرط، فدلَّ ذلك على عدم جواز الشروط في البيع
(13) .
المناقشة:
نوقش هذا بثلاثة أمور:
1 -
أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة
(14) ، وقد بينت ذلك في تخريجه.
2 -
أنه مخالف للإجماع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشة هذا الحديث: ((وقد أجمع الفقهاء المعروفون من غير خلاف أعلمه أن اشتراط صفة في المبيع ونحوه كاشتراط العبد كاتبًا، أو صانعًا أو اشتراط طول الثوب، أو قدر الأرض، ونحو ذلك شرط صحيح))
(15) .
3 - أنه مخالف للأحاديث الثابتة التي فيها جواز الشروط في البيع؛ كحديث عائشة في قصة عتقها بريرة وغيره.
الترجيح:
الراجح من هذين القولين هو القول الأول؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني، والله تعالى أعلم.
المناقشة لهذا التخريج:
يناقش هذا التخريج بأن الصيانة الترغيبية لم يشترطها المشتري، بل هي ممنوحة من البائع دون اشتراط، فليس فيها معنى الشرط ولا لفظه.
الترجيح بين التخريجات:
الذي يظهر- والله أعلم- أن الأقرب للصواب هو أن تخرّج الصيانة الترغيبية على أنها وعد بمنفعة البائع في المبيع؛ وذلك لأن صيانة المبيع في الصيانة الترغيبية لم يشترطها المشتري، بل يعد بها البائع ابتداء ترغيبًا وتشجيعًا على الشراء منه.