اللقاء رقم(3) حديث (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا)

رابط المقال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبيِّ الكريم, اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.
قال المصنف –رحمه الله- تعالى
عن عبدالله بن عمر: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ يقولُ: (إذا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وإذا رَأَيْتُمُوهُ فأفْطِرُوا، فإنْ غُمَّ علَيْكُم فاقْدُرُوا له).  (1) 
ولمسلمٍ «فإنْ غُمَّ علَيْكُم فاقْدِرُوا ثَلاثِينَ»  (2)  وللبخاري «فأكملوا العدَّةَ ثلاثين»  (3)    وله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه «فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثَلاثِينَ»  (4)  .
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلمُ على المبعوثِ رحمة للعالمين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد..
 هذا الحديث فيه عدةُ مسائل؛
المسألة الأولى:- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- بيَّن أنه لا يُصام رمضانُ إلا بيقين حيث قال –صلى الله عليه وسلم-: «صُوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ فإن غُمَّ علَيكُم» في الرواية الثانية فاقدروا له ثلاثين، وصومُ رمضان لا يكون إلا بتحقُّق خروجِ شعبان وذلك بطريقين بينهما النبي –صلى الله عليه وسلم-.
الطريق الأول:- رؤيةُ الهلال.
والطريق الثاني:- إن لم يتمكَّنِ الناس من رؤية الهلال لوجود مانع إمَّا لوجود غَيم أو قَتَر أو غيرِ ذلك فإنهم يَصِيرون إلى العدِّ المراد بقوله –صلى الله عليه وسلم-: (فاقدروا له )كما جاء بيانُ ذلك في رواية البخاري فأكملوا عدَّةَ شعبان ثلاثين.
أمَّا ما يتعلق باعتماد الحساب، فاعتمادُ الحساب بإلغاء الرؤيةِ ليس مسلكًا رشيدًا ولا صحيحًا؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- بيَّن الطريقَ الذي يثبت به دخول الشهر.
المسألة الثانية:- هي بيانُ أن رمضان لا يُتقدَّم بصوم يوم أو غيره احتياطًا له، كما تقدم في قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا تَقَدَّمُوا رَمَضانَ بصَوْمِ يَومٍ ولا يَومَيْنِ»  (5)  وكما في حديث عمَّار - رضي الله تعالى عنه-  نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الذي فيه أنه قال: «مَن صام اليومَ الَّذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسِمِ»  (6)  .
فهذا الحديث يقول: صوموا لرؤيته، وهذا يرُدُّ على كل من قال بأنه يصام يومُ الشكِّ احتياطًا لرمضان أو وجوبًا كما هو قول بعض أهل العلم، فالصواب أنه لا يصام رمضان إلا بتحقق الرؤية أو بإكمال العدة، وصوم يوم الثلاثين إذا كان في مَنع الرؤية غيمٌ أو قتر خلافُ ما أمر به النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو مما يدخل فيما نهى عنه في قول عمار «مَن صام اليومَ الَّذي يُشَكُّ فيه فقد عصى أبا القاسِمِ».
هاتان مسألتان؛
المسألة الثالثة:- من رأى الهلالَ وحده هل يصوم أو لا؟
من رأي الهلال وحدَه وجب عليه أن يخبِر برؤيةِ الهلال كما سيأتي، فإن لم يقبلوا خبرَه ففي هذه الحال هل يلزمه أن يصومَ ويُفطِر فيما إذا كان رمضان قد انقضى؟ يعني هل يصوم إذا رأى هلال رمضان ويفطر إذا رأى هلال شوال؟ لقوله: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ» للعلماء في هذا قولان:
منهم من قال: يلزمه الفطرُ ويلزمه الصيام لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ» وقد رأى الهلال بنفسه هذا بَينَه وبين ربِّه، قُبلت شهادتُه أو لم تقبل أو كان هو في صحراء منقطعٍ عن الناس فرأى الهلالَ يلزمه أن يصوم للرؤية ويفطر للرؤية وهذا مذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام أبي حنيفة.
من أهل العلم من قال: يلزمه في الصيام الإمساكُ ولكن في الفطر لا يفطر إلا مع الناس وهذا مذهب الإمام أحمد ومنهم من قال: لا يلزمه لا في الصيام بل لا يجوز له لا في الصيام ولا في الفطر أن ينفرد عن الناس لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: الصوم يوم يصوم الناس والفطر يوم يفطر الناس.
والذي يظهر والله تعالى أعلم إن كان متحققًا من الرؤية، فإنه يعمل بما رأى، لكن لا يظهر مخالفة للناس بفطر ولا بصيام لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «الصوم يوم يصوم الناس والفطرُ يومَ يفطرُ الناسُ»  (7)  .
فالجمع بين هذه الأحاديث أنه لا يُخالف الناسَ بإظهار خلاف ما عملوا به، ولكن فيما بينه وبين ربه يعمل بما أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ».
المسألة الرابعة:- مسألة الحساب وهذه مسألة تتكرر كلَّ سنة وفي الأشهر، هل يُعتمد الحساب في إثبات الأشهر؟
الجواب:- الحديث واضح أنه لا يُعتمد الحسابُ في إثبات الأشهر، لكن فيما إذا قال الحاسبون: أنه لا يمكن أن يُرى الهلالُ، فإن في هذه الحال لا يقبل شهادةُ من شهد برؤيته؛ لأنه وَهِم إذ إن الحساب دقيق في الإثبات، لكن الحساب دقيق أيضًا في الإهلال، لكن العبرة ليست بولادة الهلال إنما برؤيته لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ» ولذلك يعتبر الحساب في النفي، أي في نفي الرؤية لا في إثباتها؛ لأنه قد يهل أي قد يولد الهلال، لكن لا يرى فلا يعتبر هذا دخولًا للشهر؛ لأن الشهر معتبر برؤية الهلال لقوله –صلى الله عليه وسلم-: «صوموا لرؤيتِهِ وأفطِروا لرؤيتِهِ».
وفيما يتعلَّق بالأشهر التي لا يُرى فيها الهلال بمعنى الناس يطرئون الهلال، فهنا يعمل الناسُ بالتقاويم؛ لأن هذا ظنٌّ غالبٌ وهو أفضل من غيره، وإن كان الأصل إتمام الشهر، فمن عمل بالأصل وهو إتمام الشهر فله وجهٌ، ومن عمل بالحساب لأنه نوع من الظنِّ فله وجه. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.