كيف يستثمر الحاج يوم النحر

رابط المقال

المقدم:أهلا بكم من جديد مشاهدينا في هذه التغطية التلفزيونية المباشرة لكافة قنوات هيئة الإذاعة والتلفزيون ونحن معكم من مهنا من مشعر مني وبهذه الإطلالات وطبعا هذه الكاميرات التي تنقل لكم تحركات ضيوف الرحمن هنا في مشعر مني ما بين هذا المشروع الجبار مشروع جسر الجمرات وكذلك أمامي هناك مباشرة استخدام حجاج بيت الله الحرام لمشروع القطار وهم يتنقلون من مشعر إلى آخر ومن مكان إلى مخرج إلى آخر ما بين العديد من المحطات التي يتضمنها هذا المشروع كذلك أيضًا هناك الممرات الخاصة بالمشاة تنوعت الوسائل والهدف واحد ألا وهو التسهيل على حجاج بيت الله الحرام لكي يقوموا بتأدية مناسكهم بكل يسر وسهولة.

يسرني أن أرحب الآن بضيفي هنا في الاستديو فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم أهلا بك دكتور خالد معنا.

الشيخ:حياك الله ومرحبا بك وأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات المشاهدين والمشاهدات وأسال الله التوفيق والسداد والقبول وأن يجعله موسمًا برًا وخير وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

المقدم:آمين يا رب العالمين طبعا شيخ خالد اليوم بعد أن غربت شمس يوم النحر وحجاج بيت الله الحرام وأنت تراهم هنا في جسر الجمرات هم يتنقلون بكل يسر وسهولة من مكان إلى آخر لتأدية نسكهم ما هي الكلمة بداية بحيث يستثمر الحاج تواجده خصوصًا هذا اليوم وما تبقى منه هنا في مشعل مني؟

الشيخ:الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذه الأيام أيام مباركة ويوم النحر يوم الحج الأكبر يقضي فيه الحجاج مناسكهم وجل أعمال الحج بين رمي الجمار في أول النهار، ثم بعد ذلك نحر الهدي، ثم بعد ذلك الحلاقة والتقصير، ثم بعد ذلك الإفاضة بالطواف بالبيت العتيق والسعي لمن لم يكن قد سعى أو من كان متمتعًا، وبهذا تنتهي أعمال هذا اليوم المبارك ويرجع الحجاج إلى مني كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ حيث قضى هذه الأعمال، ثم صلى الظهر بمني بأصحابه صلى الله عليه وسلم.

بقي كل الأيام بقية يوم النحر وليالي أيام التشريق التي نحن في أول لياليها الليلة هي ليلة الحادي عشر وهي أول ليالي التشريق التي يشرع فيها للحجاج المبيت بمني على وجه واجب للمستطيع ومن لم يستطع فالشريعة فيها من اليسر والسماحة ما بينه قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1)  هذا اليوم العظيم يوم بهجة وسرور لأهل الإسلام في الدنيا كلها، وذلك أنه يوم سرور وعيد وفرحة وتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بالذبح والأكل مما يسر من الأطعمة المباركة والتكبير وإظهار البهجة والسرور، وأهل هذا الموسم لهم من هذا الخير النصيب الأوفر فهم في ركن من أركان الإسلام وعمل مبارك فيه تجتمع قلوبهم وتجتمع ألسنتهم بالتكبير وتجتمع أيضًا حركاتهم ونقلاتهم فأعمالهم متفقة فيما يشرع لهم وبه يتضح ما لهذا الدين من سمو يسهر فيه الناس في وحدة فريدة من نوعها كانت وحدة في المظهر لباسهم، وحدة في المقصد فيأتون لهذا البيت معظمين لله يرجون ما عنده لا يرجون سواه ولا يطلبون غيره ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (2)  ، وحدة في اللسان فهم يلهجون بالتلبية لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، وحدة في الذكر فهم يشتغلون بذكر الله –عز وجل-كما أمرهم بذلك في قوله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ (3)  تنبيه لما كان في الزمن السابق من الاشتغال بذكر الأمجاد والإنجازات والمفاخر التي يتفاخر بها الناس ليعلو بعضهم على بعض اسخط الله ذلك كله، فلا علو إلا بالطاعة، ولا علو إلا بذكر الله، ولذلك قال: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (4)  .

المقدم:شيخ خالد ما هي نسك الحاج كما تحدثت أنه أيام التشريق ما هو نسك الحاج الذي يجب أن يلتزم به انطلاقًا أيضًا من مبدأ التيسير كذلك على ضيوف الرحمن؟

الشيخ:هو الحمد لله هذا الدين يسر وهو ظاهر في هذا النسك من أصله الله ما فرض الحج إلا على المستطيع فقال: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (5)  ، أصل الفرض لا يكون إلا على المستطيع وهذا من التيسير والسماحة التي اتسم بها هذا الشرع المبارك، ثم ما يتعلق بأعمال الحاج فيما بقي من هذه الليالي ليالي التشريق هي ثلاثة ليالي للمتأخر وليلتان للمتعجل ليلة وليلة غدًا المشروع فيها البقاء في مني؛ ولكن هذا في حق المستطيع، ومن هو المستطيع؟ هو من له مكان يأوي إليه في مخيمات المعدة للحجيج في مني وليس من المشروع أن يأتي من ليس له مكان، فيفترش الأراضي أو الطرقات أو يضايق أصحاب المخيمات بالجلوس في الأبواب أو بالدخول إلى أماكن ليست مخصصة له مخصصة لغيره هذه كلها من صور الاعتداء والخطأ هؤلاء لا يلزمهم من ليس له مكان لا يلزمه المجيء إلى مني لقول الله ـ تعالى ـ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (6)  وهذا لا يستطيع، ولذلك الذين يكلفون أنفسهم بالمجيء لتحقيق المبيت في مني وهم ليس لهم مكان هؤلاء يشقون على أنفسهم ويقعون في إشكالية أنهم قد يكون في مجيئهم أذية لعموم الناس كالذين يفترشون في الطرقات أو لخصوص الناس بالدخول في المخيمات أو البقاء عند أبوابها ومضايقات أصحابها، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويديه»  (7)  ولذلك من يسر الشريعة أن من ليس له مكان فلا يأتيه ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (8)  والنبي قد رخص لأصحاب حاجات ـ مع إمكانه أن يلزمهم المجيء ـ في ألا يبيتوا في مني فرخص للعباس لأجل سقاية الحجيج خدمة الحجيج بالسقاية، فكذلك الذين ليس لهم أماكن من يسر الشريعة أنهم يبقون في أماكنهم خارج مني سواء في مزدلفة إذا كان له مخيمات أو في أي جهة من جهات الحرام المبارك ولا حرج عليهم ولا يلزمهم شيء.

المشروع أيضًا رمي الجمار في هذه الأيام، فهي من ذكر الله ـ تعالى ـ الذي أمر بها في قوله: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ (9)  ورمي الجمار المشروع أن يكون بعد الزوال من يوم غدًا وبعد غد والذي يليه بسبع حصيات للجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى ويكون ذلك على وجه من الرفق والسماحة، وأنا أوصي حجاج بيت الله وعامة القاصدين لهذا المشعر المبارك أن يلتزموا بالتوجيهات التي تصدرها الجهات ذات الاختصاص في حملاتهم فيما يتعلق بالتفويج لأجل ألا يوقعوا أنفسهم في حرج هذا واحدة، وثانيًا لئلا يوقعوا غيرهم في ضيق وحرج، لأنك لما ما تلتزم بالنظام تؤثر على نفسك تعرض نفسك لنوع من الأذى أو نوع من المخالفة هذه قد تقول: أنا أضمن أني لا أؤذي نفسي، لكن ستؤذي غيرك لأنك ستضيق على غيرك، ولذلك أنا أوصي إخواني بالالتزام لما يكون من توجيهات من أصحاب الحملات فيما يتعلق بالتفويج لرمي الجمار لتؤدوا النسك بطمأنينة وسلامة وأمان وتحقيق لطاعة الله وأيضًا ليسلم غيرهم مما يمكن أن يكون من أذى بسبب مخالفتكم للنظام والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويديه.

المقدم:نعلم أن من يتابعنا الآن هناك تساؤلات دائمًا ما ترد ودائمًا ما يسأل عنها حقيقة خصوصًا في مثل هذه الأيام إن تحدثنا بما يتعلق بمن طاف الإفاضة هل يلزمه الوداع؟

الشيخ:طواف الإفاضة هو من أركان الحج، وقد ذكره الله ـ تعالى ـ في قوله: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (10)  فالطواف بالبيت هو من أركان الحج ومقاصده الأساس؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال: : ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (11)  قصد البيت فهو من أعظم أركان الحج، ولهذا ينبغي أن يعتني به الإنسان السنة فيه أن يكون في ضحى يوم النحر هكذا فعله النبي –صلى الله عليه وسلم-حيث رمى جمرة العقبة ثم نحر هديه –صلى الله عليه وسلم-ثم حلق رأسه ثم تهيأ بالتطيب وذهب –صلى الله عليه وسلم-ضحى يوم النحر فطاف بالبيت سبعة أشواط صلى ركعتين بعدها ثم رجع –صلى الله عليه وسلم-إلى مني هذا السنة في الطواف طواف الإفاضة هل يصلح أن يؤخره الإنسان إلى ما بعد يوم النحر؟

الصحيح في قول جماهير العلماء أنه يصح تأخيره وأنه لا حد لنهايته، وبناء على هذا يأتي السؤال الذي تفضلت به، وهو ما يتعلق بطواف الوادع هل يصلح أن يكون طواف الإفاضة في نهاية أعمال المناسك عندما يريد الإنسان المغادرة فيطوف للإفاضة ويكفيه هذا عن الوداع؟

الجواب: نعم في قول جمهور العلماء فيكفيه أن يطوف سبعة أشواط بنية طواف الحج، طواف الركن ويكفيه عن طواف الوداع؛ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت»  (12)  وهذا حقق المأمور به وهو أنه آخر عهده بالبيت الطواف بالبيت، وهو طواف الركن، طواف الحج وهو بذلك مجزئ.

بعض الحجاج يكون ذهنه حاضر فيما يتعلق بالوداع، فتجده ينوي الوداع ويغفل عن طواف الحج، وهنا يقع في إشكالية أنه جماعة من أهل العلم جمهور العلماء أنه لا يجزئ هذا الطواف، لأنه لم يأت بطواف الركن، فلذلك لابد أن يستحضر نية أنه طواف الحج، طواف الإفاضة، طواف الركن الذي جعله الله تعالى ركن من أركان الحج، ويكفيه هذا حتى لو ما استحضر أنه طاف وداع يكفيه عن أن ينوي طواف الركن.

المقدمتساؤل أخير شيخ خالد رأينا تلك الصور المشرفة للأمانة هنا تتجلى معاني الإسلام هنا أيضًا تتجلى كذلك المعاني السامية للإسلام ورسالته السلام رأينا وحدة الشكل بأنه لا فرق ما بين جنس أو عرق، الكل هنا لهدف واحد ألا وهو طلب المغفرة من الله –عز وجل- ولكن أيام وليالي ويغادر الكل إلى المكان الذي أتى منه، كيف من الممكن ـ شيخ خالد ـ أن نحول تلك الصور المشرقة التي رأيناها هنا وهذه المعاني التي تجلت في الوحدة بمختلف مجالاتها إلى واقع معاش معاصر نعيشه في حياتنا؟ لكي نساهم معًا في إيصال رسالة الإسلام للعالم أجمع.

الشيخأخي الكريم هذا المنسك المبارك الذي يجمع هذه القلوب على تفرقها لونًا ولسانًا وعرقًا ولغة وعادات وجهات وأماكن الحقيقة أنه تدريب عملي وإيضاح صورة معاشه للوحدة التي ذكرها الله ـ تعالى ـ في قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (13)  فهذا التجانس هذا التآلف هذا التراحم هذا التجمع من كل أقطار الدنيا على ألسن مختلفة لا يحسن بعضهم فهم لسان الآخر، لكن مع ذلك ثمة اتفاق في العمل، واتفاق في المقصد، واتفاق في الحركات والسكنات لا شك أنه يطبع في النفوس معني عظيم وهو ما اتسم به هذا الإسلام من قوله ـ تعالى ـ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (14)  ثم ميزان التفاضل، التفاضل ليس بشيء يقاس به الناس ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (15)  وهذا أمر عند الله لا يمكن أن يقاس بمظهر أو بشكل أو حتى بصورة؛ لأن التقوى في القلب تترجمها الأعمال.

ولذلك نلحظ هذا التجانس وهذا التآلف، وأنا أقول: إن من المهم أن نستصحب هذا المعنى وأن ننقله للعالم، الإسلام دين يجمع البشرية لا ثمة ما يجمع الناس في الدنيا كلها على كل ما يمكن أن يكون من أسباب الجمع إلا ما يجمعهم من هذا الرباط الإيمان بالله الذي خلقهم، الله الذي يعبدون، الله الذي له يتوجهون، الله الذي يطيعون أمره، الله الذي شرع لهم من الشرائع ما تصلح به دنياهم وتصلح به آخرتهم تزول تلك الفوارق، وتزول تلك المعاني المفرقة، ويجتمع الناس على معنى عظيم وهو ما يكون بينهم من رباط الإخوة الإيمانية.

من المهم أن نظهر هذا للعالم كله حتى يعرف الناس ما في الإسلام من عظمة، وما في الإسلام من رحمة، وما في الإسلام من سلام، وما في الإسلام من وئام، وما في الإسلام من معاني سامية ما يمكن أن توجد في أي شرعة أو أي اجتماع يجتمع به الناس في الدنيا، لأنه اجتماعات الناس على اختلافها كلها تجعل نوع من التفرق لا يمكن أن ينضم الناس تحت مظلة سوى عبادة الله ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (16)  نسأل الله يجعلنا من المتقين.

المقدم:شكرا لحضور الأستاذ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم، يعطيك العافية يا شيخ خالد على حضورك، وعلى هذه المعلومات التي تفضلت بها، وحضورك لاستديو البث المباشر لهيئة الإذاعة والتليفزيون شكرًا لك.

الشيخ:نشكركم والحقيقة أختم بالثناء على ما نلمسه من جهود مباركة لجميع الأجهزة التي تشارك في الحج والشكر لله أولًا على ما يسر وما أتم من النعمة وما منّ به على قيادة هذه البلاد المباركة، ومثّلَ بولاة أمرنا من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسائر رجال الدولة بكل مستوياتهم من الوزراء فما دونهم في كل المجالات ما من به علينا من هذا الشرف العظيم وهو خدمة حجاج بيت الله.

وقد قدموا صورة مشرقة للتفاني في الخدمة، فأسال الله العظيم أن يجزيهم خيرًا، وأن يبارك فيهم، وأن يثيبهم، وأن يدفع عن هذه البلاد كل سوء وشر، وأن يرينا في أنفسنا والمسلمين ما يسرنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المقدم: شكرًا لك شيخنا.