×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

رمضانيات / برامج رمضانية / ينابيع الفتوى / الحلقة (9) منزلة شهر الصوم والحكمة من الصيام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2349

المقَدِّمُ: بسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ مُسْتمعِينا الكرامُ السَّلامُ عليكُمْ وَرحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ أَهْلًا وَمَرْحبًا بِكُمْ مَعَنا إِلَى هذِهِ الحلْقَةُ المتَجَدِّدَةُ وَإِيَّاكُمْ في يَنابِيعِ الفَتْوَى، نَسْأَلُ اللهَ –سُبْحانَهُ وَتعالَى- أَنْ يُتِمَّ عَلَى الجَمِيعِ شَهْرَ رَمَضانَ بِالخَيْرِ وَالعافِيَةِ وَالقُبُولِ وَالرِّضْوانِ.
يَسُرُّنا أَيُّها الأَحِبَّةُ في الدَّقائِقِ التَّالِيَةِ أَنْ يَكُونَ مَعَنا ضَيْفٌ كَرِيمٌ هُوَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ الدُّكتورُ خالدُ المصلحُ الأُستاذُ بِكليَّةِ الشَّرِيعةِ بِجامِعَةِ القَصِيمِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا شيخُ خالد وحيَّاكُمُ اللهُ.
الشَّيْخُ:- وَعَلَيْكُمْ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ حَيَّاكُمُ اللهُ وَمَرْحَبا بِكُمْ
المقدِّمُ:- أَهْلًا وَسَهْلًا بِكُمْ وَنُرَحِّبُ بِكُمْ أَنا مُحَمَّدُ الجَرِيني وَأَخِي ياسِر عَبْدُ اللهِ زيدان مِنَ الإِخْراجِ كَذَلِكَ أَيُّها الأَحِبَّةُ سَوْفَ تَسْتَمِعُونَ إِنْ شاءَ اللهُ إِلَى أَرْقامِ الاتِّصالِ في ثَنايا هَذِهِ الحَلْقَةِ لأَخْذِ مُشارَكَتِكُمْ أَوْ اسْتِفْتاءاتِكُمْ فِيما يَتَّصِلُ بِهذا الشَّهْرِ الكَرِيمِ.
لَعَلَّكُمْ يا شِيخنا في هَذا الدَّرْسِ يَحْفَظُكُمُ اللهُ أَنْ تَأْتُوا إِلَى ما يَتَّصِلُ بِشَهْرِ رَمَضانَ حَوْلَ مَنْزِلَةِ شَهْرِ الصَّوْمِ وَالحِكْمَةِ أَيْضًا مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ صِيامِهِ فَضِيلَة الشَّيْخِ أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكُمْ.
الشَّيْخُ:- السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ تَحِيَّةٌ طَيِّبَةٌ لَكَ أَخِي مُحَمَّدٌ وَالإِخْوَةُ وَالأَخَواتُ المسْتَمِعِينَ وَالمسْتَمِعاتِ.
اللهُ جَلَّ في عُلاهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالهُدَى وَدِينِ الحقِّ بَعَثَهُ رَحْمَةً لِلعالمينَ، بَعَثَهُ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فَدَعاهُمْ إِلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَمَضَىَ زَمَنٌ غَيْرُ قَصِيرٍ في دَعْوَتِهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو النَّاسَ إِلَى عِبادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى بَيانٍ وَيُبَيِّنُ لَهُمْ ما هُوَ حَقُّ اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ- وَيُعَرِّفُهُمْ بِهِ جَلَّ في عُلاهُ.
ثُمَّ شَرَعَ اللهُ تَعالَى الشَّرائِعَ الَّتي بِها يُكْمِلُ الدِّينَ وَيَتَحَقَّقُ لِلعَبْدِ تَمامُ العُبُودِيَّةِ لِرَبِّ العالمينَ عَلَى نَحْوٍ مِنَ التَّدَرُّجِ فَكانَ أَوَّلُ ما طَلَبَهُ اللهُ تَعالَى مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ الصَّلاةُ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾المزمل: 1- 4  ثُمَّ أَنَّهُ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ فَرَضَ اللهُ تَعالَى عَلَيْهِ مِنْ مَكارِمِ الأَخْلاقِ وَطِيبِ الشَّمائِلِ وَالخِصالِ ما يَتَحَقَّقُ بِهِ العَدْلُ وَيَنْدَفِعُ بِهِ الظُّلْمُ، فَلَمَّا هَاجَرَ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ المدينَةَ، فَتابَعْتُ فَرائِضَ الإِسْلامِ وَشَرائِعِهِ فَفَرَضَ اللهُ تَعالَى عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ الزَّكاةَ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّوْمَ، فَالصَّوْمُ وَهُوَ صَوْمُ رَمَضانَ كانَ قَدْ فرَضَهُ اللهُ تَعالَى عَلَى أُمَّةِ
وَقَدْ أَجْمعَ العُلماءُ عَلَى أَنَّ النّبيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صامَ تِسْعَ رَمضاناتٍ، وَهَذا لا خِلافَ فِيهِ بينَ أَهْلِ العِلْمِ أنَّ النبيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صامَ تِسْعَ رَمضاناتٍ بَعْدَ هِجْرَتِهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِي خَصَّ هَذا الزَّمانَ بِهذا الفَضْلَ هُوَ نُزُولُ القُرْآنِ كَما قالَ تَعالَى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة: 185  وَكانَ فَرْضُ الصَّوْمِ أَوَّلَ ما شَرَعَهُ اللهُ –عَزَّ وَجَلَّ- لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَىَ نَحْوِ ما ذَكَرَ اللهُ في كِتابِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ يعني يقدرون على الصيام هذا في أول شرع الصوم ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ أَي إِذا تَركُوا الصَّوْمَ خَيَّرَهُمْ اللهُ تَعالَى في أَوَّلِ الأمر بين الصوم وبين أن يفتدوا عن الصوم بإطعام ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾البقرة: 183- 184  ثم بعد ذلك بين لهم بعد التخيير الأفضل من الخيارين قال: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فجعل الله تعالى الصوم خير من الفطر مع الفدية في أول الأمر، بعد ذلك جاء الفرض والإلزام بالصوم لكل قادر فقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾البقرة: 185  فَجَعَلَ اللهُ تَعالَى صَوْمَهُ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ إِذا كانَ خالِيًا مِنَ الأَعْذارِ المبيحَةِ لِلفِطْرِ ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184  وَقَدْ أَكَّدَ اللهُ تَعالَى أَنَّ هَذا ِالفَرْضَ لَيْسَ لأَجْلِ إِشْفاقٍ عَلَى النَّاسِ وَلا لأَجْلِ إِلْحاقِهِمْ ما يَشَقُّ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَنِّتُهُمْ، بَلِ اللهُ رَءُوفٌ رَحِيمٌ جَلَّ في عُلاهُ مِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحانَهُ أَنَّهُ لا يُكَلِّفُ العِبادَ ما لا يُطِيقُونَ، وَلا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا ما أَتاها وَلا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها، فَمِنْ رَحْمَتِهِ أَنْ طالَبَ بِالصَّوْمِ لما فِيهِ مِنَ المصالِحِ وَهُوَ مِنَ اليُسْرِ، وَقَدْ فَرَضَ اللهُ تَعالَى فِيهِ مِنَ التَّيْسِيرِ عِنْدَما تَقْتَضِي الحاجَةُ عَلَى نَحْوِ ما قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾البقرة: 185 .
هَذِهِ هِيَ حِكْمَةُ الصَّوْمِ وَما شَرَعَهُ اللهُ تَعالَى فِيهِ.
إِذًا تَبَيَّن لَنا مِنْ هَذا أَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صامَ تِسْعَ رَمضاناتٍ، وَأَنَّ الصَّوْمَ أَوَّلُ ما فُرِضَ، فُرِضَ عَلَى التَّخْييرِ بَيْنَ الصِّيامِ وَالإِطْعامِ، وَأَنَّ اللهَ تَعالَى نَدَبهُمْ حَتَّى في ذَلِكَ الفَرْضِ إِلَى الصَّوْمِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الإِطْعامِ ثُمَّ جاءَ الإِنْسانُ بِالصَّوْمِ.
وَلِسائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ما الحِكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ؟
الحِكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ ذَكَرَها اللهُ –عَزَّ وَجَلَّ- في الآيَةِ الأُولَى الَّتي ذَكَرَ اللهُ تَعالَى فِيها فَضْلُ الصِّيامِ حَيْثُ قالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾البَقَرَةُ: 183  هَذا المعْنَى العَظِيمُ الجَلِيلُ الَّذي ذَكَرَهُ اللهُ تَعالَى عِلَّةً سَبَبًا لِفَرْضِ الصَّوْمِ عَلَى الأُمَّةِ كَما أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ.
##
فالصَّوْمُ لَيْسَ لِلتَّجْوِيعِ وَلا لمنْعِ الإِنْسانِ مِنْ مُشْتَهاهُ مِمَّا يَلْتَذُّ مِنْ شَرابٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المفْطِراتِ، إِنَّما لأَجْلِ أَنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ سَيِّئَةٍ وَأَنْ يُحَلِّيها بِكُلِّ فَضِيلَةٍ، فَهُوَ تَخَلِّيهِ وَتَحَلِّيهِ، تَحَلِّيهِ بِالفَضائِلِ وَبِالخَيْراتِ الصَّالحاتِ وَالحَسناتِ، تَحَلِّيهِ بِالحَسناتِ وَالفَضائِلِ وَالطَّيِّباتِ، وَتَخَلِّيهِ مِنْ ضِدِّ ذَلِكَ مِنَ السَّيِّئاتِ وَالنَّقائِصِ وَالرَّذائِلِ وَالعُيوبِ وَالمعاصِي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْمِيَنا وَإِيَّاكُمْ.
هَذا هُوَ مَعْنَى التَّقْوَى، التَّقْوَى الَّتِي جَعَلَها اللهُ تَعالَى سَبَبًا هُوَ هَذا، هُوَ أَنْ يَتَحَلَّى مِنْ ذَنْبٍ كُلِّ فَضِيلَةٍ وَيَتَخَلَّى مِنْ ذَنْبٍ كُلِّ رَذِيلَةٍ، وَلِذَلِكَ جاءَ فِيما رَواهُ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «مَنْ لمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، والعَمَلَ بِهِ»، يَعْنِي العَمَلَ بِالباطِلِ وَقَوْلَ الزُّورِ هُوَ القَوْلُ الباطِلُ يَشْمَلُ كُلَّ ما يَكُونُ مِنْ باطِلٍ القَوْلُ سَواءٌ كانَ هَذا كَذِبٌ، أَوْ غِيبَةٌ، أَوْ نَمِيمَةٌ، أَوْ افْتِراءٌ، أَوْ اسْتِهْزاءٌ كُلُّ ما يَتَعَلَّقُ بِسَيِّئِ القَوْلِ بِأَيِّ صُورَةٍ كانَ.
وكَذَلِكَ والعَمَلُ بِهِ يَعْنِي وَالعَمَلُ بِالباطِلِ وَالسُّوءِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ في حَقِّ اللهِ تَقْصِيرٌ في الواجِباتِ أَوْ في حَقِّ الخَلْقِ بِتَقْصِيرٍ ما فَرَضَهُ اللهُ تَعالَى لَهُمْ بِالحُقُوقِ، أَوْ بِأَذِيَّتِهِمْ وَهُوَ الاعْتِداءُ وَالتَّجاوُزِ في إِصابَتِهِمْ بِما لا يَسْتَحِقُّونَ هَذا كُلُّهُ مِنْ عَمَلٍ الزُّورِ الَّذِي يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتْرُكُهُ «مَنْ لمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالعَمَلَ بِه، فلَيْسَ للَّهِ حاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وَشرَابَهُ»صَحِيحُ البُخارِيِّ (1903) .
وَلهذا يَنْبَغِي لِلمُؤْمِنِ أَنْ يَعِيَ هَذا المعْنَى وَأَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ عَلَى نَحْوٍ مِنَ الصَّلاحِ وَالاسْتِقامَةِ وَالقِيامِ بِما أَمَرَ اللهُ تَعالَى بِهِ مِنَ الفَرائِضِ وَالواجِباتِ يَكُونُ لِذَلِكَ عَلَى غايَةٍ مِنَ الاجْتِهادِ في تَحْقِيقِ مَقْصُودِ الصَّوْمِ الَّذِي شَرَعَ اللهُ تَعالَى الصَّوْمَ مِنْ أَجْلِهِ وَهُوَ قَوْلِهِ تَعالَى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾البقرة: 183 .
المقَدِّمُ:- مِنَ الأَسْئِلَةِ الوارِدةِ شَيْخَنا لهذا البَرْنامِجِ مِنَ الأَخْ أَحْمَدُ الزَّاهِرني يَقُولُ: هَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الأَمْرِ في البَيْتِ أَنْ يُكَلِّفَ ابْنَهُ بِالصَّلاةِ إِمامًا لِلفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَهُوَ لمْ يَبْلُغِ الحِلْمَ؟
الشَّيْخُ:- فِيما يَتَعَلَّقُ بِإِمامَةِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ الَّذِي لمْ يَبْلُغِ الحُلَمَ، القاعِدَةُ فِيمَنْ تَصِحُّ إِمامَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّتْ صَلاتُهُ صَحَّتْ إِمامَتُهُ إِلَّا في حَقِّ المرْأَةِ فَإِنَّها لا تَؤُمُّ الرَّجُلَ في قَوْلِهِ: عامَّةُ العُلَماءِ فَمَنْ صَحَّتْ صَلاتُهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِمامًا، فَالصَّبِيُّ الَّذِي لمْ يَبْلُغِ الحُلُمَ إِذا كانَ يُحْسِنُ القِراءةَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ هَذا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ قَوْلِيِ العُلَماءِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لا يَصَحُّ أَنْ يَؤُمَّ الصَّبِيِّ في الفَرِيضَةِ فَلابُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالِغًا.
إِلَّا أَنَّ الصَّوابَ ما ذَهَبَ إِلَيْهِ الإِمامُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلٌ في مَذْهِبِ الإِمامِ أَحْمَد مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ إِذا كانَ يُحْسِنُ الصَّلاةَ وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «يؤُمُّ القومَ أقرَؤُهمْ لِكتابِ اللهِ فإنْ كانُوا في القِراءَةِ سَواءً، فأعْلَمُهُمْ بالسُّنَّةِ، فإنْ كانُوا في السُّنَّةِ سَواءً، فأقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فإنْ كانُوا في الهِجْرَةِ سَواءً، فأقْدَمُهُمْ سِلْمًا»صَحِيحُ مُسْلِمٍ (673)  وَقَدْ جاءَ في حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ كانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سَنِينِ وَهَذا بِإِقْرارِ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالسَّبَبُ في تَقْدِيمِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ عَلَى كِبارِ قَوْمِهِ أَنَّهُ كانَ أَحْفَظَهُمْ لِكتِابِ اللهِ وَهَذا جاءَ عَلَيْهِ الحَدِيثُ صَرِيحًا فِي البُخارِيِّ وَكَذَلِكَ في غَيْرِهِ قالَ عَمْرُو: قَدِمَ أَبِي مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرُو ما ذَهَبَ لَكِنْ أَبُو سَلَمَةَ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعَ مِنْهُ قَوْلُهُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَإِذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أحَدُكُمْ، ولْيَؤُمَّكُمْ أكْثَرُكُمْ قُرْآنًا»صَحِيحُ البُخارِيِّ (628)، وَمُسْلِمٌ (674)  فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنا مِنْ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ، فَتَقَدَّمَ وَكانَ ابْنَ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سنِينَ حَتَّى أَنَّهُ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ لِباسٌ يَكْفِيهِ فَأَعْطَي لِباسًا لأَجْلِ أَلَّا تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ إِذا أَمَّ قَوْمَهُ.
فالمقَصْودُ أَنَّ الصَّغِيرَ يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ إِذا كانَ قَاِرئِا سَواءٌ بِتَكْلِيفِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَسْبابِ مادامَ أَنَّهُ يُصْلِحُ أَنْ يَؤُمَّ.
إِذًا هَذا ما يَتَعَلَّقُ إِذا كانَ قَدْ أَكْثَرَ قُرْآنا هَذا ما يَتَعَلَّقُ بِإمامَةِ الصَّبِيِّ.
المقَدِّمُ:- المتَّصِلَةُ حِصَّة حَيَّاكِ اللهُ يا حِصَّة تَفَضَّلِي ارْفَعِي صَوْتَكِ اللهُ يَحْفَظكِ
المتَّصِلَةُ:- أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَلا أَشْهَدُ أَنَّ مَحَّمدًا رَسُولُ اللهِ؟
المقَدَّمُ:- طَيِّب خِير إِنْ شاءَ اللهُ تَسْتَمِعِينَ حِصَّة لِلإجابَةِ نَعَمْ شَيخ خالد.
الشَّيْخُ:- التَّشَهُّدُ في التَّحِيَّاتِ هُوَ أَنْ يَقُولَ: التَّحِيِّاتُ للهِ وَالصَّلَواتُ والطَّيِّباتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبرَكاتُهُ السَّلامُ عَلَيْنا وَعَلَى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ هَذا الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحابُهُ مِنَ التَّحِيَّاتِ وَفِيهِ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ هَذا أَكْمَلُ ما يَكُونُ مِنْ صِيَغِ التَّشَهُّدِ في الصَّلاةِ الَّتِي عَلَّمَها النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحابَهُ وَقَدْ جاءَتْ صِيَغٌ أُخْرَى في التَّشَهُّدِ إِلَّا أَنَّ بِخُصُوصِ سُؤالِها وَهِيَ هَلْ تَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ أَوْ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
فَجَمِيعُ الأَلْفاظِ الَّتي جاءَتْ في التَّشَهُّداتِ المتَنَوِّعَةِ تَشَهَّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَتَشَهُّدُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّشَهُّداتِ كانَتْ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
المقدِّمُ:- باركَ اللهُ فِيكُمْ يا شَيْخنا الأُخْتُ نُوف حَيَّاكِ اللهُ يا نُوفِ
المتَّصِلَةُ:- أَلُو السَّلامُ عَلَيْكُمْ.
المقَدِّمُ:- عَلَيْكُمْ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ.
المتَّصِلَةُ:- أَوَّلُ شَيْءٍ أَبْغَى الشَّيْخُ يَدَّعِي لِي أنَّ اللهَ يُفَرِّجُ هَمِّي وَيُيَسِّرُ لي دُنْيا وآخِرَةً، الشَّيْءُ الثَّانِي سُؤالِي ياشَيْخُ أَنَّهُ قَبْلَ الدَّوْرَة تَنْزِل عَلَيَّ بِيَوْمٍ يَوْمَيْنِ أَعَزَّكُمُ اللهُ يجيني كِدَهْ إِفرازات بُنِّي وَبَعْدَها بِيَوْمَيْنِ تَنْزِلُ هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ هَلْ أَصُومُ أُصَلِّي ما تَنْزِلُ إِلَّا بَعْدَ يَوْمَيْنِ؟
الشَّيْخُ:- اللهُ تَعالَى يَقُولُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾البقرة: 222  فبينَ اللهُ تعالَى المحيضَ الَّذِي هُوَ الأَذَى الَّذِي يترتَّبُ علَيْهِ ما يَتَرتَّبُ مِنْ أَحْكامٍ والأَذَى هُوَ الدَّمُ والأَصْلُ في كُلِّ دَمٍ يكونُ مَعَ المرأَةِ أنَّهُ حَيْضٌ هَذا الأَصْلُ، أَلّا أنْ يخرجَ عنْ ذَلِكَ بِسببِ وَبالتَّالي ما تراهُ المرأَةُ مِنْ صُفْرةٍ وكُدْرَةٍ وما أَشْبهَ ذلكَ مِنْ إِفرازاتٍ غيرِ الدمِ الصَّريحِ ليْسَ بحيضٍ هَذا الراجحُ مِنْ قَوْلَيِ العُلماءِ ودليلُ ذلكَ حَديثُ أُمِّ عَطِيَّةَ في صَحيحِ الإمامِ البُخاريِّ إِنَّها قالتْ: «كُنّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ والكُدْرَةَ»صَحِيحُ البُخارِيِّ (326)  أَخْبَرَتْ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْها بِما كانَ عَلَيْهِ عَمَلُ الصَّحابِيَّاتُ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُنَّ زَمَنَ النَّبِيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ قالَتْ: «كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ والكُدْرَةَ» وَمَعْنَى هَذا أَنَّهُ لمْ يَكُونُوا يَعْتَبِرُونَ الكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا بِالمطْلَقِ عَلَى هَذا الحدِيثِ، حَيْثُ قالَتْ: دُونَ تَفْصِيلِ «كُنّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ والكُدْرَةَ شيئًا» لكنْ جاءَتْ رِوايَةٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ جاءَ فِيها أَنْ أُمَّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْها قالَتْ: «كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ والكُدْرَةَ بعدَ الطُّهرِ شَيْئًا»سُنَنُ أَبِي داوُدَ (307)  وَهَذِهِ الزِّيادَةُ مَحَلُّ نَقْضٍ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ حَيْثُ قالُوا: أَنَّها لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ في البُخارِيِّ لَيْسَ فِيهِ تَقْييدٌ ذَلِكَ بِما بَعْدَ الطُّهْرِ، بَلْ أَطْلَقَتْ فَقالَتْ: «كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ والكُدْرَةَ شَيْئًا» وَعَلَيْهِ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ وَالكُدْرَةَ لَيْسَتْ حَيْضًا لأَنَّها لَيْسَتْ مِنَ الأَذَى الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ تَعالَى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾البَقَرَةُ: 222  إِذ الأَذَىَ هُوَ الدَّمُ وَهَذا لَيْسَ دَمًا وَبِالتَّالي لا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَإِذا رَأَتِ المرْأَةُ صُفْرَةً وَكُدْرَةً قَبْلَ نُزُولِ الدَّمِ الصَّرِيحِ فَإِنَّ ذَلِكَ لا يَمْنَعُها مِنَ الصَّوْمِ وَلا تَتْرُكْ لأَجْلِهِ الصَّلاةَ بَلْ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَلا قَضاءَ عَلَيْها لأَنَّ بَعْضَ النِّساءِ تَصُومُ ثُمَّ تَقْضِي، وَالصَّوابُ أَنَّهُ لا قَضاءَ وَالواجِبُ عَلَيْها الصَّومُ وَالصَّلاةُ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ الدَّمُ الصَّرِيحُ الَّذِي هُوَ الحَيْضُ.

وَكَذَلِكَ فِيما يَكُونُ بَعْدَ الحَيْضِ فَإِنَّهُ تَبْقَى عَلَى حَيْضِهِ حَتَّى إِذا انْقَطَعَ الدَّمُ الصَّرِيحُ عِنْدَ ذَلِكَ تَكُونُ قَدْ طَهُرَتْ فَتُصَلِّي وَتَصُومُ هَذا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ قَوْلِ العُلَماءِ وَالعُلَماءِ في الصُّفْرَةِ وَالكُدْرَةِ لَهمْ أَقْوالٌ عَدِيدَةٌ لَكِنْ ذَكَرَتْ ما أَراهُ صَوابًا وَراجِحًا مِنْ أَقْوالِ أَهْلِ العِلْمِ وَاللهُ أَعْلَمُ.
المقَدِّمُ:- جَزاكُمُ اللهُ خَيْرا شِيخ خالد وَنَفَعَ بِكُمْ أَيْضًا فِيما يَتَّصِلُ بِالأَعْذارِ في شَهْرِ الصَّوْمِ مِنْ هُمْ أَهْلُ الأَعْذارِ في صِيامِ شَهْرِ رَمَضانَ وَهَلْ أَوْلَى الأَخْذُ بِالرُّخْصَةِ أَمِ القِيامُ بِالفَرائِضِ؟
الشَّيخُ:- اللهُ –عَزَّ وَجَلَّ- ذَكَرَ أَهْلَ الأَعْذارِ في قَوْلِهِ –جَلَّ وَعَلا: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184  أية فرض الصوم والإلزام به ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184  وَهَذا يُبَيِّنُ أَنَّهُ مَرِيضٌ وَهُوَ كُلُّ مِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِالمَرَضِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الفِطْرُ وَكَذَلِكَ المسافِرُ الَّذِي سافَرَ في رَمَضانَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَاخْتَلَفَ العُلَماءُ رَحِمَهُمُ اللهُ فِيما يَتَعَلَّقُ بِالمسافِرِ هَلِ الأَفْضَلُ لَهُ الفِطْرُ أَوْ لا؟
أَمَّا المرِيضُ فالمرِيضُ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ يَنْبَغِي لَهُ أَلَّا يَدَعَ الرُّخْصَةَ، لأَنَّ اللهَ تَعالَى يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَما يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعاصِيهِ وَيَنْبَغِي لِلإِنْسانِ أَلَّا يُكَلِّفَ نَفْسَهُ وَسَنَأْتِي إِنْ شاءَ اللهُ تَعالَى في حَلْقَةٍ مِمَّا نَسْتَقْبِلَ عَلَى تَفْصِيلِ ما يَتَعَلَّقُ بِصِيامِ أَهْلِ الأَعْذارِ، لَكِنْ عُمُومًا أَهْلُ الأَعْذارِ أَشارَتْ إِلَيْهِمُ الآيَةُ في الجُمْلَةِ في قَوْلِهِ تَعالَى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾البقرة: 184 .

المقَدِّمُ:- أَيْضًا مِنَ السَّائِلِينَ الَّذِينَ يَثِقُونَ في رُؤْيَةِ هِلالِ شَهْرِ رَمَضانَ في الممْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ وَيَرْغَبُونَ بِاتِّباعِ عُلَماءِ الممْلَكَةِ وَما يُقَرِّرُوهُ أَهُلُ الرَّأْيِ في الممْلَكَةِ في صِيامِ شَهْرِ رَمَضانَ أَوْ الإِفْطارِ أَيْضًا يَقُولُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَنْضَمُّوا مَعَ الممْلَكَةِ في هَذا الشَّأْنِ وَلِثِقَتِهِمْ في هَذا الأَمْرِ فَهَلْ هَذا يَصِحُّ أَمْ أَنَّهُمْ يَبْقُونَ فَقَطْ فَي بُلْدانِهِمْ طَبْعا هُمْ في بُلْدانٍ غَيْرِ الممْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ.
الشَّيْخُ:- الحَمْدُ للهِ الممْلَكَةُ العَرَبِيَّةُ السُّعُودِيَّةُ هِيَ قِبْلَةُ المسْلِمينَ في المسْجِدِ الحرامِ، في الكَعْبَةِ المشَرَّفَةِ، وَفي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ مَبْعَثُ الهدَى لِلعالَمِ كُلِّهِ مِنْها انْبَثَقَتِ الرِّسالَةُ وَمازالَ وَللهِ الحَمْدُ عَلَى تَعاقُبِ الدُّور هَذا البَلَدِ عَلَى قِيامٍ بِالشَّرِيعَةِ وَعَمَلٍ بِالكِتابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى نَحْوٍ أَكْسَبَ هَذا البَلَدَ وَعُلَمائَهُ الثِّقَةَ في العالمِ الإِسلامِيِّ وللهِ الحَمْدُ، فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَى ذَلِكَ وَنَسْأَلُ اللهَ تَعالَى المزِيدَ مِنْ فَضْلِه.
فيما يَتَعَلَّقُ بِالصَّوْمِ الَّذِي يَجْرِي بِهِ العَمَلُ وَلا يَسَعُ النَّاسَ إِلَّا الأَخْذُ بِهِ هُوَ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ بَلَدٍ يَعْمَلُونَ بِما صَدَرَ عَنِ الجِهاتِ المخْتَصَّةِ في بِلادِهِمْ وَهَذا لا يَعْنِي عَدَم ثِقَةٍ بِعُلَماءِ البُلْدانِ الأُخْرَى، لَكِنْ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الفُقَهاءِ مُنْذُ سالِفِ الزَّمَنِ وَهِيَ ما يَتَعَلَّقُ بِاخْتِلافِ المطالِعِ.
ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ جاءَهُ جاءٍ مِنَ الشَّامِ زَمَنَ مُعاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ تَعالَى عَنْهُ فَسَأَلَهُ الجائِي ابْنُ عباسٍ سَأَلَهُ مَتَى رأَيْتُمُ الهِلالَ؟ فَقالَ: رَأَيْناهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ وَكانَ أَهْلُ المدِينةِ لم يَرَوْهُ إِلَّا لَيْلَةَ السَّبْتِ فَقالَ: لا نَزالُ نَصُومُ حَتَى نَراهُ أَوْ نُكْمِلَ الَّليْلَةَصَحِيحُ مُسْلِمٍ (1087)  فَدَلَّ هَذا مِنْ ذَلِكَ الزَّمانِ يَعْنِي ابْنَ عبَّاسٍ عَمِلَ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ المِدينَةِ واعْتَبَرَها مُلْزِمَةً لهُ لاخْتِلافِ المطالِعِ مطالِعِ الشَّامِ عَنْ مَطلعِ هِلالِ أَهْلِ المدِينَةِ، وَبِالتَّالِي فِيما يَتَعَلَّقُ بِالبُلْدانِ لا عَلاقَةَ لَهُ بِالثِّقَةِ في عالمٍ أَوْ بِبَلَدٍ يَعْمَلُ كُلُّ أَهْلِ بَلَدٍ بِما يَصْدُرُ عَنِ الجِهَةِ الَّتِي تَتَوَلَّى الإِعْلانَ عَنِ الرُّؤْيَةِ في تِلْكَ البِلادِ هَذا الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَلا يَسَعُهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللهُ الموَفِّقُ مِنَ الصَّوابِ.
المقدمُ:- جزاكمُ اللهُ كُلَّ خَيْرٍ يا شَيْخِنا أيْضًا سائِلٌ يَسْأَلُ يَقُولُ: ما هُوَ الدُّعاءُ المفضَّلُ عِنْدَ الفُطُورِ وَهَلْ يُوجدُ دُعاءٌ عِنْدَ الإِمْساكِ بَعْدَ السُّحُورِ؟
الشيخُ:- جاءَ عنِ النبيِّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- جملةٌ منَ الأدعيةِ فيما يقولُهُ الصائِمُ عندَ فطرهِ وأصحُّ ما جاءَ في ذلكَ ما جاءَ في السُّننِ منْ حديثِ عبدِ اللهِ بْنِ عُمَر أنَّ النبيَّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- كانَ يقولُ عندَ فطرهِ «ذَهبَ الظَّمأُ، وابتلَّتِ العروقُ، وثبتَ الأجرُ إن شاءَ اللَّهُ»سنن أبي داودَ (2357)، وحسنَ الألبانيُّ إسنادَهُ  وهَذا الحديثُ فيهِ الإِخبارُ بالواقعِ المتضمنِ شُكْرَ اللهِ –عزَّ وجلَّ- وسُؤالَ الفَضلِ منهُ جلَّ في علاهُ.
فذهبَ الظمأَ وابتلَّتِ العروقُ هذا خَبرٌ عَمَّا امتنَّ اللهُ تعالَى بهِ علَى الصَّائمِ مِنْ تيسيرِ الطَّعامِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ ذَهابُ الظَّمَأِ وابتلالِ العروقِ ثمَّ بعدَ أَنْ ذكرَ هذينِ الإنعاميْنِ من َاللهِ الكريمِ المنَّانِ عطفَ علىَ ذلكَ الأملَ في أنْ يُتمَّ اللهُ الفَضْلَ وَهُوَ أنْ يَثبُتَ الأجرُ، ولكنْ علَّقِ ذلكَ بمشيئةِ اللهِ طمعًا في صدرهِ ورجاءً في إِدراكِ عطائهِ –سبحانَهُ وبحمدِهِ- وَلاحظَ أَنَّهُ لمْ يُعَلِّقِ المشيئَةَ في ذَهَبَ الظمأُ وابتلَّتْ العُروقُ بلْ قالَ ذلكَ جازِمًا ذهبَ الظَّمأُ وابتلَّتِ العروقُ، وأَمَّا قالَ: وثبتَ الأَجرُ قالَ: إِنْ شاءَ اللهُ أَيْ في ثبوتِ الأجرِ وذلِكَ أَنَّ الإِنْسانَ لا يُعلِّقُ ما مَضَى مِنْ الأَحداثِ بالمشيئةِ فَلا يَقولُ نمتُ البارحَ إنْ شاءَ اللهُ لأنهُ شاءهُ اللهُ وقدْ انْقَضَى فالمشيئةُ لا تَتَعَلَّقُ بِالماضِي، إِنَّما تتعلَّقُ بالمسْتقبلِ ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾الكهف: 23- 24 ، «ذَهبَ الظَّمأُ، وابتلَّتِ العروقُ، وثبتَ الأجرُ إن شاءَ اللَّهُ» هذا أصحُّ ما وردَ عنِ النبيِّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فيما يتعلقُ بالذكرِ الَّذي يَقُولهُ الصائمُ وقدْ جاءَ حديثٌ آخرُ عندَ أَبي داودُ مِنْ حديثِ مُعاذِ بنِ زهرةَ أنَّ النبيَّ –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كانَ يقولُ عندَ فطرهِ: «اللهمَّ لكَ صُمْتُ وعلى رزقِكَ أفطرتُ»سننُ أبي داودَ (2358)، وضعَّفَهُ الألبانِيُّ  إِلَّا أنَّ هذا الحديثَ غالبُ أهلِ التَّحقيقِ منَ العُلماءِ يُضَعِّفُونَهُ ولوْ قالهُ الإنسانُ الأَمرُ في هَذا واسِعٌ ولا بأْسَ بهِ، لكنِ الثابتُ المحفوظُ عنُه –صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- قولهُ: «ذَهبَ الظَّمأُ، وابتلَّتِ العروقُ، وثبتَ الأجرُ إن شاءَ اللَّهُ» هَذا يلزمُ أنْ يَكونَ الإنسانُ ظامئًا حتَّى يقولَ هذا الذِّكرَ الذي يظهرُ أنهُ يقولُهُ سواءٌ كانَ ظامئاً أو غيرَ ظامئٍ لأنهُ كانَ يقولُهُ إِذا أفطرَ، ويكونُ قولهُ ذهبَ الظَّمأُ أيْ زمانهُ ووقتهُ وهوَ الإمساكُ والإنسانُ وأَمَّا ابتلالُ العروقِ فهذا يكونُ منَ الظامئِ ومنْ غيرهِ.
وسؤالُ إثباتِ الأجرِ مَطلوبٌ ومرغوبٌ منْ كلِّ صائمٍ بأنَّنا إنَّما نعملُ رجاءَ يقبلُ اللهُ تعالَى مِنَّا وَأَنْ يُثْبِتَ لَنا الأَجْرَ وَثَبَت الأجرُ إنْ شاء اللهُ.
إذًا الأذكارُ الَّتي تُقالُ في الصِّيامِ مُتَنوعةٌ ليستْ علَى نَحْوٍ وَاحدٍ، لكنْ أَصْحُّها ذهبَ الظَّمأُ وابتلَّتِ العُروقُ وثبتَ الأجرُ إِنْ شاءَ اللهُ ولوْ دَعا بغيرِ ذلكَ الأمْرِ في ذلكَ واسعٌ وَهَذا الَّذِي ثبتَ عَنْهُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
المقدمُ:- فِيما يتعلَّقُ بِالإفْطارِ عِنْدَ المغربِ في شهْرِ رَمَضانَ، لكنْ سُؤالٌ أيْضًا في تَتِمَّتهِ هَلْ يُوجدُ دُعاءٌ عِنْدَ الإِمْساكِ بَعْدَ السُّحُورِ؟
الشيخُ:- لمْ يُنقلْ عنِ النَّبيِّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أنهُ كانَ يَقُولُ دُعاءً أوْ ذكرًا بعدَ السُّحُورِ، بلْ هذهِ السَّاعةُ ساعةُ اسْتِغْفارٍ ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾الذارياتُ: 18  وَهِيَ ساعةٌ مُباركَةٌ فَيَعْمُرُ وَقْتُهُ فِيها بِالاسْتِغْفارِ والذكْرِ عَلَى وَجْهِ العُمُومِ، لَكِنْ هَذا لا عَلاقَةَ لَهُ بِالسُّحُورِ إِنَّما هَذا يُصادِفُ ذِكْرًا يَكُونُ في كُلِّ الأَحْوالِ ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾الذاريات: 18  وأَمَّا السُّحُورُ فَهُوَ في ذاتِهِ بَرَكَةٌ كَما قالَ النبيُّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ-: «تسَحَّرُوا فإنَّ في السَّحورِ بركةٌ»صحيحُ البُخارِيِّ (1923)، ومُسْلِمٌ (1095)  وَمِنْ بَرَكَتِهِ أَنَّهُ يَجْعَلُ الإِنْسانَ يَشْهُدُ هَذا الوقْتَ المباركَ الَّذِي فيهِ مِنَ العَطاءِ والهباتِ وَإِجابَةِ الدَّعَواتِ وَتَنَزُّلِ ربِّ العالمينَ إِلَى السَّمواتِ والإعانَةِ عَلَى الصَّوْمِ وبَرَكَةِ اتِّباعِ النبيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بركاتٍ كثيرَةٍ لكنْ لم يُثْبِتْ لَهُ ذِكْرا بعينهِ عِنْدَ السُّحُورِ.
المقدمُ:- أَيْضًا باركَ اللهُ فِيكمْ ما يفعلُهُ بَعْضُ الصَّائِمِينَ مِنْ تَصَرُّفاتٍ فِيها مِنْ سُوءِ الخُلُقِ بيْنَ النَّاسِ هَلْ يذهَبُ هَذا بِأَجْرِ الصِّيامِ وَهَلْ يَكُونُ أَيْضًا في قَوْلِ النبيِّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فلَيْسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ»سبَقَ تَخْرِيجُهُ .
الشيَّخُ:- لاشكَّ أَنْ الصَّوْمَ يزُكِّي الإنسانَ وَيُهَذِّبُهُ وَيُخَلِّيهِ مِنْ رَذائِلِ الأَخْلاقِ وَالأَلْفاظِ وَالأَعْمالِ، وَلَذِلكَ قالَ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيما جاءَ في الصَّحِيحينِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «الصِّيامُ جُنَّةٌ» جُنَّةٌ يَعْني وِقايَةٌ تَقِي الرَّذائِلَ وَالقَبائحَ في الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ، وَلَهذا بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ وَهُوَ أَيْضًا يَقِي الإِنْسانَ العَذابَ أَجارَنا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عَذابِ الدُّنْيا وَخِزْيِ الآخِرَةِ، يَقُولُ النبيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الصِّيامُ جُنَّةٌ» ثُمَّ فَصَلَ ذَلِكَ فَقالَ: «فلا يَرْفُثْ ولا يَجْهلْ» لا يَرْفُثْ أَيْ لا يَتَكَلَّمُ بِفاحِشَةٍ مِنَ القَوْلِ، وَلا يَجْهَلُ أَيْ لا يَتَفَرَّق وَيَتعامَلُ مَعَ النَّاسِ بِما فِيهِ جَهَلٌ وَإِساءَةٌ وَمَعْصِيَةٌ، ثُمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ يُقابِلُ الإِنْسانُ الصَّائِمُ إِساءَةَ غَيْرِهِ إِذا أَساءَ إِلَيْهِ حالُ الصِّيامِ قالَ: «وَإِنِ امْرُؤٌ قاتَلَهُ أوْ شاتَمَهُ» أَيْ إِنْ حَصَلَ مِنْ أَحَدٍ اعْتداءٌ لَفْظِيٌّ أَوِ اعْتِداءٌ يَدَوِيٌّ فِعْلِيٌّ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يُقابِلَ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ بَلْ «فَلْيَقُلْ: إِنِّي صائِمٌ مَرَّتَيْنِ»صَحِيحُ البُخارِيُّ (1894)، وَمُسْلِمٌ (1151)  أَي إِنَّنِي أَمْتَنِعُ مِنَ المقابَلَةِ لِفِعْلِكَ السَّيْئِ بِمْثِلِهِ إِنَّني صائِمٌ.
وَلهذا يَنْبَغِي الإِنْسان أنْ يَصُومَ صَوْمَهُ وَأَنْ يُبْعِدَ عَنْ كُلِّ ما يَجْرَحَهُ في قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَقَدْ جاءَ في الحدِيثِ «لَيْسَ الصِّيامُ مِنَ الأَكْلِ والشُّربِ إنَّما الصِّيامُ مِنَ اللّغوِ وَالرَّفثِ فإِنْ سابَّكَ أحَدٌ أَوْ جَهِلَ عَلَيْكَ فَقُلْ إِنِّي صائِمٌ إنِّي صائمٌ»صَحِيحُ ابْنِ خُزيمةَ (1996)، وحسَّنَهُ الأَلْبانِي  وَهَذا بيانٌ وَإِيضاحٌ لما تضمَّنَهُ الحديثُ السابقُ في الصَّحيحينِ، وأَمَّا حديثُ «منْ لمْ يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ به، والجهلَ في الصُّومِ، فلَيْسَ للهِ حاجةٌ في ترْكِ طعامِه وشرابِه» فقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِنْسانَ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْ كُلِّ ما يَتَنافَى مَعَ الصِّيامِ مِنَ الأَقْوالِ وَالأَعْمالِ الظَّاهِرَةِ وَالباطِنَةِ فَإِنَّ الصَّوْمَ إِنَّما شَرَعَ لِغايَةٍ وَهِيَ التَّقْوَىَ، فَإِذا تَوَرَّطَ في قَوْلِ الزُّورِ وَفي العَمْلِ بِهِ وَفي الجَهْلِ وَسَيِّءِ العَمَلِ، فَإِنَّهُ لمْ يُحَقِّقِ الغايَةَ.
وَلِذَلِكَ لمْ يُحَقِّقِ المقْصُودَ مِنَ الصِّيامِ، هَذا مَعْنَى قَوْلِهِ: «فَلَيْسَ للهِ حاجةٌ في ترْكِ طعامِه وشرابِه» لم يُحَقِّقْ غايَةَ الصِّيامِ وَمَقْصُودَهُ هَلْ يَعْنِي هَذا فسادَ صَيامِهِ؟
الجوابُ الصَّوْمُ لا يَفْسُدُ بسيءِ القوْلِ وَالعمَلِ، أَلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ المفطِّراتِ بِهذا قالَ عامَّةُ أَهْلُ العِلْمِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ –رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- «مَنْ لمْ يدَعْ قولَ الزُّورِ والعملَ به، والجهلَ في الصُّومِ، فَلَيْسَ للهِ حاجةٌ في ترْكِ طَعامِهِ وَشرابِهِ» أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَسادِ الصَّوْمِ، فَيَكُونُ الكَذِبُ وَالغِيبَةُ والمسابَّةُ وَالمشاتَمَةُ وَالسَّرِقَةُ وَسائِرُ المحرَّماتِ مُعاملَةُ الخلْقِ وَفي مُعامَلَةِ الخالقِ، فالمحرماتُ مِنَ المفْطِراتِ فَلا يُقصِرُ المفطراتِ عَلَى الطَّعامِ وَالشَّرابِ وَالجِماعِ وَما أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ المفْطِراتِ، وَإِنَّما هُوَ في كُلِّ ما يَكُونُ مِنْ مُحَرَّمِ هَذا القَوْلِ هُوَ قَوْلُ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ خِلافُ ما عَلَيْهِ الجُمْهُورُ.
وَالصَّوابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الأَدِلَّةُ أَنَّ الصَّوْمَ صَحِيحٌ، مِمَّنْ وَقَعَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ المحرَّماتِ لا يَفْسُدُ صَوْمَهُ لَكِنَّهُ يَنْقُصُ أَجْرُ صَوْمِهِ بِقَدْرَ ما يَكُونُ فِيهِ مِنْ نَقْصٍ بِمَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ أَوْ فِعْلِيَّةٍ.
المقدِّمُ:- جَزاكُمُ اللهُ كُلَّ خَيْرٍ يا شِيخنا وَيَحْفَظْكُمُ اللهُ عَلَى تَفَضُّلِكْمْ بِالإِجابَةِ آخرَ الأَسْئَلَةِ يَحْفَظْكُم سائِلَ يَقُولُ: أَقْرا القُرآن الكريمُ في شَهْرِ رَمَضانَ فَإِذا شَرَعْتُ في أَوَّلِ القِراءةِ يَأْتِيني تَثاوبَ لا أَسْتطيعُ ردهُّ ويتكررُ علَيَّ أَثْناءَ القِراءةِ فَإِذا أغلقتُ المصحفَ ورفعتُهُ يَزُولُ عَني هَذا التثاؤُبُ فما توجهيكُمْ يحفظكمُ اللهُ؟
الشَّيْخُ:- هَذا مِنَ الشَّيْطانِ التثاؤُبُ عنِ الصَّلاةِ أَوْ عندَ قراءةِ القرآنِ، هُوَ مِمَّا يدخلُهُ الشيطانُ عَلَى الإِنْسانِ لِيَصرفَهُ عَنِ الطاعَةِ وَالإحْسانِ وَالعِبادَةِ، وَلهذا ينبغِي الإِنْسان أَنْ لا يستسْلِمَ وَأَنْ يُقاوِمَ ذلكَ بِما يُمْكِنُهُ مِنَ الأَسْبابِ أَسْبابِ النَّشاطِ وَأَسْبابِ البُعْدِ عَنِ الكَسَلِ، فَلا يَسْتَسْلمُ لِلتثاؤبِ، بَلْ يُقسِمُ كَما أَمَر النبيُّ –صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ النبيُّ –صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ-: «التَّثاؤُبُ مِنَ الشَّيْطانِ، فإذا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ» أي يكْظِمُ أَوْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فيهِ وَلا يسترسلُ مَعَ دَواعِي الكسلِ، «فَإِنَّ أحَدَكُمْ إِذا قالَ: ها، ضَحِكَ الشَّيْطانُ»صَحيحُ البخارِيِّ (3289)، وَمُسْلِمٌ (2994)  فَقَدْ جاءَ في الحدِيثِ عَنْهُ –صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- وَبالتالي ينبَغِي الإنسانُ أَنْ يُدافِعَ هَذا وأنْ يُغَيِّرَ مَكانَهُ وأَنْ يتَوَضَّأَ وأَنْ يَتنشفُ ولكنْ لا يترُكُ القِراءَةَ لأَجْلِ هَذا إِذا كانَ هَذا مُلازِمًا لهُ في كُلِّ قِراءةٍ، فإِنَّ هَذا إِذا كانَ مُلازمٌ لهُ في كُلِّ قِراءةٍ فَإِنَّهُ في الغالِبِ يَكُونُ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطانِ لِصَدِّهِ وَصَرْفِهِ عَنْ تِلاوَةِ القُرآنِ وَالإِقْبالِ علَى اللهِ –عزَّ وجَلَّ- بالتعبُّدِ بِتِلاوةِ خيرِ كَلامٍ وأَصْدَقِ حَدِيثٍ وَقَوْلٍ.
أسال الله أن يصرف عنا كيد الشيطان، أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
المقدم:- جزاكم الله كل خير فضيلة الشيخ خالد على ما تفضلتم بالإجابة على أسئلة المتابعين كذلك ما صدرتم هذا الدرس لأهمية شهر الصوم والحرص على صيام رمضان والاغتنام قدر المستطاع من أيامه ولياليه الكلمة الأخيرة لكم يحفظكم الله.
الشيخ:- أوصي إخواني ونفسي بتقوى الله –عز وجل- والاجتهاد في العمل الصالح في هذه الأيام، هذه الأيام سريعة التقضي وسريعة الزوال والرابح هو من جد فيها بصالح العمل وقد تهيأت في هذا الظرف الاستثنائي في هذه الجائحة للناس من التفرغ ما قد يكون لم يتيسر له في سنوات ماضية على وجه العموم.
فينبغي أن نعمر أوقاتنا بطاعة الله وذكره والاغتنام للحظات هذا الشهر، بكل خير من الإحسان والدعاء والذكر وتلاوة القرآن والقيام وسائر صالح العمل كما أوصي بتعاهد الأبناء والبنات والأهل بكل خير فإننا بالتعاون على البر والتقوى نحقق الخير لأنفسنا ولمن حولنا وقد قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾التوبة: 71  فنسألُ اللهَ أَنْ يجعلَنا وإياكُمْ مِنْ أَهْلِ رَحْمَتِهِ وَأَنْ يَكْتُبَ لَنا وَلَكُمُ الأجْرَ وأَنْ يَحْفَظَ هذهِ البِلادِ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وشَرٍّ، وأنْ يُوَفِّقَ وُلاةَ أَمْرِنا الملكَ سَلمانَ ووليَّ عهْدِهِ إِلَى كُلِّ بِرٍّ وَأَنْ يَدْفَعَ عَنَّا وعنْ عِبادِهِ الوَباءَ وأنْ يُعِيدنا إلَى أحسَنِ ما كُنَّا نشاط واجتماع وألفة –وصَلَّى اللهُ وسلمَ علَى نبيِّنا محمدٍ والسلامِ عليكمْ ورحْمَةُ اللهِ.
المقدمُ:- وعليكمُ السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ شكر اللهُ لكمْ فضيلَةَ الشيخِ الدكتور خالد المصلح الأستاذَ بكليةِ الشريعةِ بجامعةِ القصيمِ علَى ما أفضتُمْ وَأَفدْتُمْ في ثنايا هَذا الدرسِ فِيما يتصلُ بشهرِ رمضانَ أيضًا أنتمْ مُستَمِعينا الكرامَ الشكرُ موصولٌ لكمْ علَى طيبِ المتابعةِ والإنصاتِ في بدءِ الأُسبوعِ القادمِ إنْ شاءَ اللهُ لَنا لقاءً يتجدَّدُ وإِيَّاكمْ علَى العلمِ والمعرفةِ فِيما يتصلُ بِما يهمُّ المستمعُ في شهرِ صومِهِ من الفرائضِ والنوافلِ والاستكثارِ مِنَ الطاعات.ِ
في الختامِ هذهِ أطيبُ تحيةٍ مِني أَنا محمدٌ الجريني وأخي ياسر عبد اللهِ زيدان مِن الإخراجِ والسلامُ عليكمْ وَرحمةُ اللهِ وبركاتهُ.

المادة السابقة
المادة التالية

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94740 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات90415 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف