×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (210) قول النبي صلى الله عليه وسلم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1503

المقدم:مستمعينا الكرام في بداية هذه الحلقة دعونا نرحب وإياكم بضيف البرنامج الدائم فضيلة الأستاذ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم.

 دكتور خالد!السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بك عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة مرة أخرى.

الشيخ:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله أخي صالح، وأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم: يا أهلا وسهلا بك، مستمعينا في هذه الحلقة من برنامجكم "الدين والحياة" نتناول وإياكم مفهوم هو يتداخل بشيء أصيل وأساسي في حياة الناس بشكل شبه يومي، دعونا نقول: ألا وهو مفهوم الغش، ونسأل الله –سبحانه وتعالى-أن يبعدنا وإياكم عن هذا المفهوم، ونحاول أن نتقي هذا المفهوم قدر -إن شاء الله- استطاعتنا.

في هذه الحلقة -إن شاء الله- مستمعينا نتناول هذا المفهوم من كل الجوانب، لكن ابتداء شيخ خالد نريد أن نوضح للمستمع الكريم مفهوم الغش قبل أن ندخل في التحذير منه أو طرق أو الوسائل التي يقع فيها الإنسان بالغش، نريد أن نوضح للمستمع الكريم ما هو مفهوم الغش؟ وكيف أتى لغة واصطلاحًا؟

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على النذير والسراج المنير نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك الأستاذ صالح وللإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من مفاتح الخير مغاليق الشر.

ما يتعلق بموضوع الغش، مفهوم الغش من أوضح ما يكون للناس؛ فهو من المصطلحات الجلية الواضحة التي تظهر للمستمع منذ سماعه، ولأول وهلة يتبادر لذهنه أن الغش هو نوع من الخيانة، الغش هو نوع من الخداع، الغش هو نوع من إظهار الشيء على خلاف حقيقته، الغش هو نوع من الفساد في السلوك والأخلاق والتعامل والمعاملة.

عندما نفهم هذا المعنى الذي يظهر جليًّا للمستمع من ظاهر هذا المصطلح يتضح لنا مفهوم الغش، وأنه ضد النصيحة فثمة أمران: نصح، وغش.

وهما معنيان متقبَّلان، فإن الغش يقابل النصيحة من كل وجه، النصيحة هي بذل الإحسان، وبذل وسائل معروفة، وتنقية الشيء وتخليصه على وجه يكون ظاهرًا لا لبس فيه ولا غبش.

أما الغش فهو إخفاء وخديعة، وتدليس، وإظهار الأمر على خلاف حقيقته، ولهذا الغش(الغين والشين) -بما أنك ذكرت المعنى اللغوي- أصول في الأصل تدل على ضعف الشيء، ومن ذلك يقولون: الغش ألا تَمحَضَ النصيحة هذا في معجم مقاييس اللغة[معجم مقاييس اللغة:4/383]، وهو من المعاجم التي تعتني ببيان أصول الكلمات، ويغوص في عمق مدلولاتها.

فالغش هو ألا تبذل النصيحة.

إذًا الغش هو مقابل النصيحة، فالغش: إظهار الشيء على خلاف حقيقته بخداع وتدليس وتعمية على من توجِّه إليه الغش.

 أما ما يتعلق بمعناه الذي يتصل بكل أوجهه الغش: هو نوع من الأخلاق الرذيلة التي لا يخلو منها خلق أو تصرف من التصرفات إذا لم يوفق الإنسان إلى ما يقابله وهو النصح، وبالتالي يفهم من هذا أن الغش لا ينحصر في مجال أو في صورة أو في معاملة، بل كما ذكرت وتفضلت لا يخلو منه الإنسان في يوم من الأيام إذا لم يحذر ويسلم من التورط في معاملة أو تصرف.

المقدم:طيب دكتور يعني بما أننا ذكرنا المفهوم والغش نحن نعلم جميعا حديث المصطفي -عليه الصلاة والسلام- حينما تبرأ من الغشَّاشِين، السؤال هنا لماذا تبرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- من الذي يفعل هذا الفعل وقال: «من غشَّنا فليسَ منَّا».[صحيح مسلم:ح101/164]

الشيخ:النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق ليتمم صالح الأخلاق، ويكمل الفضائل في كل مجال تستقيم به أحوال البشرية، قال –صلى الله عليه وسلم-كما في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة «إنما بُعثتُ لأتمم صالحَ الأخلاقِ».[مسند أحمد:ح8952، وصححه الألباني في الصحيحة:ح45]

فالنبي –صلى الله عليه وسلم-بعثه الله لتكميل أخلاق الناس الصالحة بالتهذيب والتنقية وتنحية كل الرذائل والخصال الرديئة التي يتورط فيها الإنسان، وتكون سببًا لشقائه وتعاسته عاجلًا وآجلًا، وبالتالي عندما نفهم هذا الأصل الأصيل في هذه الديانة، وأن الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية قائمة على تكميل الفضائل، وعلى محاسن الأخلاق، فإن كل رذيلة وكل سيئة من الأخلاق تتنافى مع هذا الأصل الكريم وهذا الدين القويم الذي جاء به سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه.

لذلك كان النبي –صلى الله عليه وسلم-آمرًا بكل معروف، وناهيًا عن كل منكر، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، يحلُّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ومن جملة ما نهى عنه –صلى الله عليه وسلم-وحذر منه الغش، وتحذيره جاء على صور متعددة، لم يكن على صورة واحدة، أصرح ما في ذلك قوله –صلى الله عليه وسلم-:«مَن غشَّ فلَيسَ منَّا»[صحيح مسلم:ح102].

 هذا القول النبوي ورد على سبب، وهو ما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أنه –صلى الله عليه وسلم-مر بصاحب طعام يبيع في السوق، مرَّ بصُبْرة طعام، كومة من البُرِّ أو من القمح، فأدخل –صلى الله عليه وسلم-يده في هذه الكومة التي تُعرض للبيع، فوجد فيها بللًا، نالت أصابعه بللًا في هذه الصبرة، فقال –صلى الله عليه وسلم-لصاحب الطعام الذي عرضه للبيع: «ما هذا يا صاحب الطعام؟»يعني ما هذا البلل الذي وجدته؟

فقال الرجل للنبي –صلى الله عليه وسلم-: "أصابته السماء يا رسول الله" يعني أصابه مطر، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-:«أفلا جعلته فوق الطعام لكي يراه الناس»أي هذا البلل، وهذا العيب الذي خفي في داخل الكومة، لا يعرف ولا يوصل إليه إلا بالاستكشاف والتنقيب والبحث، فلماذا لم تجعله فوق الطعام كي يراه الناس فيكون الأمر على وضوح وعلى بينة وعلى بصيرة، فيقدم الإنسان على شرائه أو تركه وهو عالم بحقيقته؟ قال –صلى الله عليه وسلم-لما وجَّه الرجل إلى هذا التوجيه قال: «مَن غشَّ فلَيسَ منَّا»[سبق] حذر النبي –صلى الله عليه وسلم-هذا التحذير الشديد، وهو تبَرُّئه –صلى الله عليه وسلم-ممن غش، وهذا المقال وارد في صورة من صور الغش، وفي معاملة من المعاملات التي يدخلها الغش.

 وقد يقول كثير من الناس: ما في كبير خطر في هذا الموضوع، ولا في كبير ضرر في هذه الصورة التي ورد فيها هذا القول الغريب، وبعض الناس قد يظن أن قول: «مَن غشَّ فلَيسَ منَّا» أنه يعني كلمة عادية وماذا يترتب على هذا؟

يترتب على هذا أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قد تبرأ من فاعل هذا العمل، تبرأ ممن تورط في شيء من الغش، وبراءة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ممن فعل أمرًا من الأمور ليست أمرًا يسيرًا، إنما أمر خطير؛ لأن لها دلالات كبرى، فمن دلالاتها أن هذا العمل خارج عن هديه، وما جاء به من هدى ودين الحق أن صاحب هذا العمل قد خرج عن اتباع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- والعمل فيما جاء به أن من تورط بشيء من الأعمال التي تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من أصحابها فإنه لا ينال ما يناله أهل الاتباع الذين يحبهم الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ[آل عمران: 31]، فمن دلائل ذلك أيضًا أن من تورط فيما تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من صاحبه فإنه ليس ممن يصاحبه ويرافقه في الآخرة، أو يَرِد عليه الحوض، أو يكون ممن يحشر في زمرته –صلى الله عليه وسلم-.

ولهذا قال العلماء: إن هذا التعبير النبوي، وهو براءته –صلى الله عليه وسلم-ممن فعل شيئًا من الأعمال هو إخبار بأن ذلك العمل من كبائر الذنوب، ولهذا من دلائل كون العمل من الكبائر أن يتبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من صاحبه، فمن تركه النبي –صلى الله عليه وسلم-وتبرأ منه كان ذلك دليلًا على أن ذلك العمل من كبائر الذنوب وعظائم الأثام التي تُخشى عواقبها، ويخشى شؤم مآلها في الدنيا والآخرة.

لماذا تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من فعل هذا؟ عفوا! قبل أن نجيب عن هذا السؤال أيضًا ورد نص آخر وهو عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في صحيح الإمام مسلم أن النبي –صلى الله عليه وسلم-قال: «ليس مِنَّا مَنْ حمَلَ عَلَيْنَا السلاحَ» ثم قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في نفس السياق قال: «مَن غشَّ فلَيسَ منَّا»[سبق] فالنبي –صلى الله عليه وسلم-ذكر في هذا السياق أمرين تبرأ ممن تورط فيهما وهما:

 - من حمل على أمته السلاح أو على أهل ملته السلاح وهذا جرم عظيم وخطر كبير.

- وكذلك قال –صلى الله عليه وسلم-في رجس هذا التحذير من الجناية على الناس في دمائهم، قال: «مَن غشَّ فلَيسَ منَّا»، فالنبي –صلى الله عليه وسلم-أكد هذا المعنى بهذا القول لبيان خطورة الغش، ولم يرد هذا على سبب، يعني الحديث الأول «من غش فليس مني» كان واردًا على سبب، لكن هذا لم يرد على سبب، إنما جاء مطلقًا من غير أن يقيَّد بسبب، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «ليس مِنَّا مَنْ حمَلَ عَلَيْنَا السلاحَ ، ومَن غشَّ فلَيسَ منَّا»[سبق] يبين خطورة الغش بالنظر إلى براءة النبي –صلى الله عليه وسلم-من فاعله، وبالنظر أيضًا إلى كون النبي –صلى الله عليه وسلم-قرنه بحمل السلاح، ومعلوم ما الذي يترتب على حمل السلاح من الأخطار والأضرار التي جاءت النصوص ببيان عظيم عقوبتها وكبير النصوص الزاجرة عنها.

فينبغي أن يعرف أن هذه العبارة ليست عبارة يسيرة وسهلة ولا تبيِّن ولا تكشف خطورة الغش، بل هي في غاية التحذير من هذا العمل وبيان شؤمه على فاعله في الحاضر والأجل.

أما ما يتعلق لماذا تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من فاعله؟

تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من هذه السيئة، وهذا الذنب، وهذا الخلق الرديء وهو الغش لكون الغش يتنافى مع الديانة فإن الديانة والدين الإسلامي قائم على النصيحة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ. قالوا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: للهِ، وكتابِه، ورسولِه، وأئمةِ المؤمنين، وعامَّتِهم».[أخرجه مسلم في صحيحه:ح55/95، وأبو داود في سننه:ح4944، واللفظ له]

فالغش تبوَّأ هذه المنزلة الخطيرة في التحذير والتنفير منه، وبيان براءة النبي –صلى الله عليه وسلم-من فاعله وأنه من كبائر الذنوب؛ لكونه يتناقض مع النصيحة التي هي الدين، فإن الإنسان معه من الدين وتحقيق خصاله والقيام بما شرع الله تعالى وفرض على العبد بقدر ما معه من النصيحة.

والنصيحة تتعلق بأمرين:

 أمر باطن في القلب، وأمر ظاهر في القول والعمل، أما ما يتعلق بالقلب فهو أن يخلو القلب من محبة السوء للناس، بل أن يكون القلب عامرًا بمحبة الخير للناس، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه».[صحيح البخاري:ح13]

وأنا أسأل يا أخي صالح وأيها الإخوة والأخوات هل يمكن أن يقع غش من شخص عمَّر قلبه بمحبة الخير للناس، ويحب لهم ما يحب لنفسه؟

بالتأكيد لا، لماذا؟ لأن من كان قلبه عامرًا بهذا المعنى العظيم الجليل الكبير وهو أن يحب لغيره ما يحب لنفسه لا يمكن أن يغش، بل هو دائمًا ساعٍ في النصح، ساع في تقديم الخير، ساع في الدلالة عليه، ساع في تجنيب غيره كلَّ إساءة وشر.

إذًا هذا ما يتعلق بالنصح في الباطن، وأما في القول والعمل فإن النصح فيه أن يكون دالَّا على كل خير؛ ولذلك من حق المسلم على المسلم«وإذا استنصحك فانصح له»[صحيح مسلم:ح2162/5] يعني إذا طلب منك نصيحة، طلب منك إرشاد، طلب منك توجيهًا تنصح له، وقد بايع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- جماعة من أصحابه على أمور، ومنها: النصح لكل مسلم، فبايع النبي –صلى الله عليه وسلم-جماعة من أصحابه على النصح لكل مسلم في كل أوجه النصح، الظاهر والباطن، القولي والعملي، وبالتالي كان الغش بهذه المنزلة من الخطورة وهي أن من تورط فيه فقد ثَلَم ديانتَه، ولم يكن على ما يجب عليه أن يكون من إقامة الدين؛ لأنه ناقض النصيحة، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-«إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ».[سبق]

أيضًا الغش تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من صاحبه؛ لأن الغش يفسد العلاقات التي تقوم بين الناس، فإن الغاش حقيقته أنه يُضْعِف ويَفْصِم عُرى الوصل المبارك الحسن بين الناس، وبهذا يتنافى هذا السلوك مع سلوك المؤمن؛ فإن المؤمن لا يكون إلا خيرًا للناس، ولا يكون إلا متعاونًا مع غيره على البر والتقوى كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-«المؤمن للمؤمن للبنيان يشد بعضه بعضًا»[صحيح البخاري:ح481] ولا يمكن أن تتحقق هذه التقوية بالغش الذي هو ضد النصح، بالغش الذي هو مراوغة وتدليس وخداع وخيانة وظلمات بعضها فوق بعض، فإن الغش ليس فيه تقوية بل هو إضعاف للعلاقات وتوهيه فيتناقض مع قول النبي –صلى الله عليه وسلم- «المؤمن للمؤمن للبنيان يشد بعضه بعضًا».[سبق]

لماذا كان الغش بهذه المنزلة وبهذه المرتبة من الخطورة وأنه كبيرة من كبائر الذنوب؟ لأنه يكشف ويفضح سريرة خربة وطوية فاسدة إذ إن الغش لا يكون في قلب سليم ولا يمكن أن يكون إلا في قلب خرب في قلب دب إليه الفساد والشر الذي يتنافى مع قوله –صلى الله عليه وسلم-«لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه».[صحيح البخاري:ح13]

وهذه المعاني التي ذكرناها في التسبيب وتفسير كون الغش كبيرة من كبائر الذنوب، وكون النبي –صلى الله عليه وسلم-تبرأ من فاعله هي بعض الأوجه، وإلا بالتأمل يمكن أن يستكشف الإنسان أسباب عديدة، فالغش يتضمن عدم أداء الحقوق، الغش يتضمن أكل المال بالباطل، الغش يتضمن الجناية على الأعراض، الغش يتضمن الجناية حتى على الأنفس والدماء، وبالتالي الأمر في غاية الخطورة، لا يمكن أن ينجح مجتمع، ولا يمكن أن تنجح أمة يسود فيها الغش.

ولذلك الأمة التي تسود فيها الغش، والمجتمع الذي يتفشى فيه هذا الداء أمة فاشلة، أمة غير محققة، لا لنجاح ديني ولا لنجاح دنيوي.

ولهذا كان التحذير من الغش بهذه المنزلة التي جعله النبي –صلى الله عليه وسلم-في سياق أو مقترنًا في القول بمن يحمل على الأمة السلاح، «ليس مِنَّا مَنْ حمَلَ عَلَيْنَا السلاحَ، مَن غشَّ فلَيسَ منَّا»[سبق]، هذه جملة من المعاني التي يظهر بها السبب الذي بوأ هذه الخصلة الرديئة -وهي الغش- هذه المنزلة في التحذير منها حيث تبرأ النبي –صلى الله عليه وسلم-من فاعلها.

ولهذا ينبغي أن يحذر الإنسان غاية الحذر من أن يتورط في شيء من خصال الغش في كل أحواله سواء كان ذلك في قول أو في عمل، في ظاهر أو في باطن، في سر أو في علن، فينبغي أن يحرص على تحقيق النصيحة التي بها قوام الديانة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، أبدًا اجعل عينك على

أمرين:

 قوله –صلى الله عليه وسلم--«إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ».[سبق]

وقوله –صلى الله عليه وسلم-«مَن غشَّ فلَيسَ منَّا».[سبق]

 إذا نظرت بهذين المنطلقين لتصرفاتك ومعاملاتك وأحوالك فإنك ستسلم من آفة الغش، وستوفق إلى إقامة الديانة وصلاح الدنيا الذي لا يمكن أن تصلح إلا بصلاح الدين.

المقدم: جميل دكتور نستأذنك في الذهاب لفاصل قصير، ثم نعود لاستكمال هذا الحوار الشيق عن موضوع الغش في القرآن، مستمعينا الكرام فاصل قصير، ومن ثم عودة إليكم في "الدين والحياة".

أهلا وسهلا بكم مرة أخرى مستمعينا الكرام في "الدين والحياة" دكتور خالد تحدثنا عن المفهوم، مفهوم الغش والتعليل، لماذا تبرأ المصطفي -عليه الصلاة والسلام- ممن يرتكب مثل هذا الفعل، وأيضًا تحدثنا عن شؤم الغش، ولكن على عجالة نريد أن نوضح للمستمع الكريم عاقبة الغش في الدنيا وفي الآخرة، ما هي الأشياء التي تترتب على الغش؟ أو الإنسان الذي يغش إخوانه المسلمين، دعنا نقول: في الدنيا ابتداء شيخنا؛ لأن موضوع الآخرة استعرضت -إن شاء الله- ما يكفي.

الشيخ: أما ما يتعلق بالدنيا فالغش في كل صوره لا يخرج عن أنه خيانة، أنه كذب، أنه خديعة، أنه غدر، وكل سيئة من هذه السيئات جاء في بيان شؤمها وسوء عاقبتها ما ينفر منها، فالغش في المكاسب بكل صورها، سواء تجارات أو وظائف أو أعمال كما سيأتي بعد قليل في المجالات.

كل أوجه الغش في المكاسب تعود على صاحبها بالخسارة، فمن غش ليزيد في كسبه، فإنه لا ينال إلا خسارة ونقصًا، وقد قال الله –جل وعلا- ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ[البقرة: 276]، فكل غش سبب لمحق البركة وزوال المباركة التي بها ينتفع الإنسان من المال، المال من حيث العدد قد يكون كثيرًا، وقد يكون وفيرًا بالنظر إلى قدره وكميته، لكنه قد لا يأتي بمقصوده ولا يدرك الإنسان من هذا المال غايته بسبب نزع البركة منه، وقد قال الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ[البقرة: 276] قد يقول قائل: ما دخل الربا بالغش؟

الربا في الآية الكريمة فسره جماعة من أهل العلم منهم عائشة -رضي الله تعالى عنها- بالكسب الحرام، ومنه المكاسب التي تدخل على الإنسان بالغش، فإنها ممحوقة البركة.

 الغش كذب، و«الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار»[صحيح البخاري:ح6094] كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-.

الغش خديعة، والخديعة طوية فاسدة تنفر الناس من صاحبها، وتحملهم على تفاديه، وتجنب التعامل معه.

الغش يفضي إلى تقويض النظام الحياتي، فلا تصلح علاقات الناس مع فشوِّ الغش بينهم، عندما أقول: "علاقات الناس" لا أقصد العلاقات الاقتصادية فقط، بل كل العلاقات بلا استثناء تخرب وتفسد بفشو الغش؛ فعلاقة الرجل بأهله، علاقته بزوجه يعني، علاقة المرأة بزوجها، علاقة الوالد بولده، علاقة الجار بجاره، علاقة الموظف بمن يتعامل معه وبجهات عمله، كل حياة الناس تفسد إذا دخلها الغش، ودليل ذلك يعني حتى تعرف عظيم ما يترتب على الغش من فساد، لو أنك اشتريت فاكهة مغشوشة ما الذي ستجني منها؟ غشك أحد في فاكهة: صندوق تفاح، صندوق خضرة وتبيَّن الغش، ما مآل هذا الصندوق؟ سيتخلص منه في الغالب لعدم الانتفاع منه، هذا نموذج مصغَّر لأثر الغش على حياة الناس، سواء كان ذلك في هذه الصورة المصغرة، أو في سائر الصور يفسد كل ما يكون فيه.

فالغش كلما دخل في شيء أفسده، وعطل المنافع المرتبة على ذلك الشيء، لا في العلاقات الاجتماعية، ولا في الحياة العامة، ولا في التجارات والاقتصاد، ولا في شيء من شئون الإنسان إذا دخله الغش إلا وأفسده وخرَّبه، وبالتالي السلامة من الغش هو عنوان النجاح والفلاح، السلامة من الغش هو مفتاح تحقيق التنمية، تحقيق العلاقة الاجتماعية الحسنة، تحقيق الاطمئنان والثقة التي بها دوام معاملاته.

أما عاقبته في الآخرة فتقدم براءة النبي –صلى الله عليه وسلم-من صاحبه تدل على بُعدِه وعدم نيله ما يفوز به مَن كان في سُنَّته، واجتمع به –صلى الله عليه وسلم-.

المقدم:وما أعظمها من مصيبة والله يا دكتور! أن يبتعد الإنسان عن معية المصطفي -عليه الصلاة والسلام- ونحن أشد ما نكون بحاجة إلى ذلك.

 دكتور تحدثنا عن الغش وسوء العاقبة نريد الآن نوضح للمستمع الكريم حينما نريد أن نسقط هذا المفهوم على الواقع ما هي المجالات التي يمكن أن يقع فيها الإنسان في الغش؟ يعني مثلا عند كثير من الناس الغش مرتبط فقط بالاختبارات والمدرسة، ونحن الآن في أجواء الاختبارات، ونسأل الله –سبحانه وتعالى- توفيق أبنائنا وبناتنا وإخواننا حولنا في موسم الاختبارات، ولكن دائمًا ما يكون الغش مرتبطًا فقط بالاختبارات، نريد أن نوضح للمستمع الكريم في مجالات الغش أوسع من ذلك.

الشيخ: الغش في الحقيقة يعني هو عمل وخلق لا يقتصر على صورة من صور حياة الناس أو جانب من جوانبه.

الغش يكون في كل شئون الإنسان، ولك أن تتصور أن الغش يدخل في علاقة الإنسان بربه، الغش يدخل في علاقة الإنسان بنفسه، الغش يدخل في علاقة الإنسان بولاة أمره، الغش يدخل في علاقة الإنسان بأهله، الغش يدخل في علاقة الإنسان بعموم الناس، ويمكن أن نجمل فنقول: الغش يدخل في معاملة الإنسان مع الله –عز وجل-، ويدخل في معاملة الإنسان مع نفسه، ويدخل في معاملة الإنسان مع غيره.

وكل هذه المجالات هي من مجالات الغش؛ لأن النصيحة مطلوبة وضدها الغش، النصيحة المطلوبة في كل هذه المجالات وضدها الغش، ولذلك لما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-«إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ. قالوا: لمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: للهِ، وكتابِه، ورسولِه، وأئمةِ المؤمنين، وعامَّتِهم، وأئمةِ المسلمينَ وعامَّتِهم».[سبق]

فبين النبيُّ –صلى الله عليه وسلم-أن النصح يكون في هذه العلاقات، علاقة الإنسان بالله –عز وجل-، علاقة الإنسان بكتاب الله –عز وجل-، علاقة الإنسان بالنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، علاقة الإنسان بأئمة المسلمين وهم ولاة الأمر من الأمراء والرؤساء والملوك، وكذلك العلماء، وأيضًا علاقة الإنسان بعموم الناس على اختلاف مراتب علاقته بهم، وتفاوت درجات هذه العلاقة.

بالتالي نفهم أن الغش لا يخلو منه حال من أحوال الإنسان، فقد يكون الإنسان في حالة ناصحًا، وقد يكون غاشًّا، أضرب لذلك مثلا النفاق وهو في معاملة الله –عز وجل-بأن يظهر خلاف ما يبطن من الصلاح والإقامة، هذا نوع من الخداع، والله تعالى قال: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ[النساء: 142]، وفي آية: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[البقرة: 9]، فهذا نوع من الخديعة في المعاملة، في معاملة الله –عز وجل-وهو نوع من الغش، وذلك بإظهار خلاف ما في القلب من حقيقة، وذلك لتحصيل مصلحة أو لدرء مفسدة.

يكون في معاملة الإنسان نفسه أن كلَّ غش يتوجه إلى غيرك في معاملة الله وفي معاملة الخلق، فإنما كان في نفسك لأن شؤم الغش يعود على صاحبه حتى لو حقق ما يحقق من المكاسب.

 على سبيل المثال، أضرب لذلك مثلًا بما أنك ذكرت الاختبار وأجواء الاختبارات، إنما يغش الطالب في الاختبار، ويأخذ درجة لا يستحقها، ويتخرج من الذي تضرر بهذا؟

الذي تضرر في الحقيقة بالدرجة الأولى هو هذا الغاشُّ؛ اكتسب إثمًا حتى لو لم يتوظف، وحتى لو لم يترتب على هذا الغش مفسدة متعلقة متعدية إلى الغير، مثلا لو كان تخرج من الطب بالغش، أو تخرج من الهندسة بالغش، ولا اشتغل بالطب ولا اشتغل بالهندسة ما ترتب على ذلك هلاك أنفس، ولا ضرر في العمران والبنيان، ولا في مجالات الهندسة التي تخرج منها هو إثم ،فهو المتضرر بذلك.

فإذا ترتب على هذا أمور أخرى، توظَّف فقد أخذ ما لا يستحق بهذه الشهادة، أخذ مكانًا لا يستحقه، وأخذ راتبًا لا يستحقه، وبالتالي جنى على نفسه، وأيضًا جنى على غيره بأن تقدم عليه وهو لا يستحق هذا المكان، فإذا عمل بهذه الشهادة المغشوشة في مجالات العمل التي لم يتقن ولم يحقق المطلوب في الاجتياز للتأهل لها، فإنه في الحقيقة يجني على من تعامل معه، سواء كان ذلك في معاملات تتعلق بالطب، أو بالهندسة، أو حتى في مجالات الخدمات العامة، وسائر أوجه العمل التي يتأهل لها الناس من خلال هذه الشهادات.

إذًا في الحقيقة الغش يعود شؤمه بالدرجة الأولى على فاعله، وعلى صاحبه؛ ولذلك كل من غش فإنما يغش نفسه قبل غيره، وهو قد يتطور الأمر فينال شؤمُ هذا الغشِّ غيرَه فتعظم مصيبته، وتكثر ذنوبه وخطاياه، وأيضًا مما يكون فيه الغش، يكون الغش في معاملة الخلق ابتداء فيما يتعلق بولاة الأمر؛ فإن الغش في حقهم عدم السمع والطاعة لهم، بعدم النصح لهم، بعدم القيام بما يجب لهم من الحقوق، هذا من الغش الذي ينال به الإنسان شؤمًا في الدنيا، وعاقبة سيئة في الآخرة، فإن الله تعالى أمر ولاة الأمر بالنصح، ومن النصح لهم محبتهم، من النصح لهم السمع والطاعة، من النصح لهم الذبُّ عنهم، من النصح لهم دلالاتهم على الخير بالأمر بما فيه خير، والنهي عما فيه شرٌّ، كل هذا مما يدخل فيما يجب لولاة الأمر وخلافهم الغش، فعندما لا نسمع ولا نطيع، عندما يأتي أحد ويسعى بالفرقة أو التشويش أو التشويه أو الفوضى، فإنه في الحقيقة غاش لهذه الأمور.

لذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلممَن أتاكُمْ وأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ علَى رَجُلٍ واحِدٍ، يُرِيدُ أنْ يَشُقَّ عَصاكُمْ، أوْ يُفَرِّقَ جَماعَتَكُمْ، فاقْتُلُوهُ»[صحيح مسلم:ح1852/60]؛ لأنه غاش للأمة، غاش لولاة الأمر؛ حيث سعى في الأمة بالتفريق والفساد.

أيضًا من أوجه الغش، الغش لعموم الناس ابتداء بمن لك معهم علاقة وثيقة من والدين وأولاد وزوجات؛ فإن الغش في حقهم يوجب العقوبة العظيمة، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في بيان شؤم غش من تحت يدك من رعيتك، من أولادك، زوجتك، قال –صلى الله عليه وسلم-«ما مِن عبدٍ يسترعيه اللهُ رعيَّةً يموتُ يومَ يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّتِه إلَّا حرَّم اللهُ عليه الجنَّةَ»[صحيح البخاري:ح7150، ومسلم:ح142/227، واللفظ له] هكذا يبين النبي –صلى الله عليه وسلم-خطورة الغش فقال: -«ما مِن عبدٍ يسترعيه اللهُ رعيَّةً يموتُ يومَ يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّتِه إلَّا حرَّم اللهُ عليه الجنَّةَ».

وهذا يبين خطورة الغش، وأنه في غاية الذروة من الخطورة؛ حيث يكون سببًا لحرمان الإنسان من الجنة أعاذنا الله تعالى وإياكم من هذا المسلك!

فغش الإنسان في معاملته، هنا سؤال كيف يكون غش الإنسان في معاملته لزوجته، ومعاملته لأولاده؟ بألا يقوم بحقهم، فيخلص في الشروط التي اشتُرِطَت عليه في العقد؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم- «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا به ما اسْتَحْلَلْتُمْ به الفُرُوجَ»[صحيح البخاري:ح2721]

تجد الآن عند الرغبة في الزواج تأتي المرأة وتشترط على الرجل شروطًا، ثم إذا أخذها وعقد عليها لم يأت بهذه الشروط، هذا غش، وهو داخل فيما ذكره النبي –صلى الله عليه وسلم-من الغش الذي قال فيه: -«مَن غشَّ فلَيسَ منَّا»[سبق]

 الغش لأولاده، كذلك غشُّ الزوجة لزوجها بعدم حفظه، بعدم القيام بحقوقه، بخيانته، كل هذا من الغش الذي تتعاقب عليه المرأة كما يعاقب الرجل في غشه في حق زوجته.

كذلك الوالد مع ولده، فإن من حق الولد على والده أن يحسن تربيته، وأن يحسن تعليمه له، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[التحريم: 6]، وجاءت النصوص الكثيرة في بيان حقوق الأبناء على والديهم «مروا أولادَكم بالصلاةِ لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ».[سنن الترمذي:ح407، وحسنه]

فترك ذلك كله من الغش الذي يدخل في قوله النبي –صلى الله عليه وسلم--«ما مِن عبدٍ يسترعيه اللهُ رعيَّةً يموتُ يومَ يموتُ وهو غاشٌّ لرعيَّتِه إلَّا حرَّم اللهُ عليه الجنَّةَ».[سبق]

فالغش أمره خطير، ويدخل في هذه المعاملات، غش الولد لوالده بألا يقوم بما يجب عليه من حق الرعاية، من حق البرِّ الذي أكده الله –عز وجل- ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا[الإسراء: 23- 24].

الغش يدخل في علاقة الإنسان بجاره، فعندما لا تكرم جارك ولا تحفظ حق جارك، فأنت غاش له؛ ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وسلم-في بيان خطورة الغش في علاقة الإنسان بجاره قال: «والله لا يؤمن»يكرر هذا مرارًا وتكرارًا قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: «ليسَ المؤمنُ الذي لا يأمنُ جارُهُ بوائقَهُ» يعني ما يأمن جاره شرَّه، هذا معنى قوله –صلى الله عليه وسلم-«ليسَ المؤمنُ الذي لا يأمنُ جارُهُ بوائقَهُ»[صحيح البخاري:ح6016، والمعجم الأوسط للطبراني:ح7979، واللفظ له]، وقال –صلى الله عليه وسلم- «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ»[صحيح مسلم:ح46/73]،وهلم جرًّا في كل أوجه العلاقات الأخرى، فإنه ينبغي للإنسان أن يكون في علاقته مع الناس عمومًا على النصح والصفا والصدق «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه»[سبق]هذا سلامة الباطن.

سلامة الظاهر:«وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه»[صحيح مسلم:ح1844/46]، عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، فإن هذا هو الضمانة التي من خلالها تسلم من أن تتورط في شيء من الغش في معاملة الناس، القريب منهم والبعيد.

أيضًا من أوجه الغش التي تكون في معاملة الناس ما يتعلق بدلالتهم على الشرِّ، وحثهم عليه، أو تزينه لهم، فإن هذا من غشهم؛ لأنك تدلهم على ما فيه هلاكهم، ولا تدلهم على ما فيه الخير.

 وأيضًا من أوجه الغش في معاملة الناس: ألا يفي الإنسان بالعقود؛ يتعاقد في البيع، يتعاقد في الإيجارات، في الشركات، في أوجه سائر المعاملات، ولا ينصح بل يخلف ويخون ويغدر، ويستكثر من التكسب من الناس على وجه محرم.

 ومن العجب الذي يتبين به النصح للناس ما ذكر عن بعض السلف أنه سام سلعة بمبلغ فقال له صاحبه: أبيعك إياها بمائتي درهم فقال: إنها تستحق أكثر من ذلك، فرفع، رفع حتى بلغ السعر الذي يرى هذا المشتري، هو الذي يرفع يقول: تستحق أكثر من ذلك، يرفع مائة، ثمانمائة، إلى أن بلغ به المبلغ الذي يرى أن السلعة تستحقه، وأخذها منه بذلك الثمن، هذا من النصح فكيف بمن يرفع أسعار الأشياء على الناس لكونهم لا يعرفون الأسعار، أو لكونهم لا يحسنون البيع والشراء، بالتالي يقع في الغش وهو قد يظن أنه رابح، وفي الحقيقة هو خاسر.

 هذه بعض نماذج وصور الغش وإجمالا الغش يدخل في معاملة الإنسان مع ربه بعدم إقامة دينه، وعدم التوحيد له؛ فإن التوحيد هو أصل النصيحة في معاملة الله –عز وجل-، وكذلك السلامة من النفاق، وكذلك في معاملة النفس بالخروج عن كل معصية أو سيئة، وكذلك في معاملة الخلق ببذل المحبة القلبية لهم بأن تحب لهم كل خير تحبه لنفسك، وتكره لهم كل شيء تكرهه لنفسك، وكذلك في المعاملة أن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به.

المقدم: جميل دكتور تقريبًا وصلنا إلى ختام الحلقة، ولكن هناك سؤال مهم عفوا سؤالين:

السؤال الأول: الذي وقع في الغش ممكن يكون يسمعنا الآن، مثلا رجل موظف الآن في مكان ولكنه مثلا أيام الجامعة وأيام الثانوية بقلة وعي، أو بمثلا بصحبة سيئة، أو بغفلة عن الله –سبحانه وتعالى-، قد وقع في مثل هذا المحظور، أو وقع في الغش، أو في مثل هذا القبيل، أو في الاختبارات أو في الاجتياز كيف ممكن أن يطهر حاله؟

والسؤال الثاني: كيف ننجو من الغش بشكل عام دكتور؟

الشيخ:فيما يتعلق بعموم ما يتعلق بالغش أو الاختبارات أو في غيرها السلامة منها أن يتجنبها الإنسان ابتداء، وأن يعرف أنه قد -كما تفضلت- يتورط بالغش بالغفلة الآن، لكن عندما يحيي قلبه ويتنبه لنفسه قد لا يتمكن من التخلص، ويصعب عليه التخلص، مثال ذلك شخص نال شهادة مزورة وتوظف بهذه الشهادة وأصبح فيها مصدر كسبه، الآن كيف يتخلص؟

يصعب عليه في الغالب، ويشق عليه، ويأتيه بالشيطان بألف مبرر حتى لا يعود عن هذا الذي فعله، وبالتالي كونه يعالج الأمر بابتدائه بتجنب الغش أسلم له من أن يتورط فيه ثم يبحث عن مخرج يخرجه من هذه السيئة.

أما ما يتعلق بالغش في الاختبارات إذا كان الغش في أصل تحصيل الشهادة بمعنى أنه غش ليس جزئيًّا، إنما هو روح هذه الشهادة، فهذا يجب عليه أن يترك ما هو فيه، ويعوضه الله –عز وجل-خيرًا، ومن توبته أن يترك، مثل أصحاب الشهادات المزورة، أو الذين نالوا شهادات لا يستحقونها، ليس كمن غش في اختبار في مرحلة من المراحل التي يترتب عليها اجتياز من مرحلة إلى مرحلة، وهناك ثمة تفاصيل فيما يتعلق بما يترتب على الغش، وفي الجملة تجنبه هو أسلم طريق للنجاة من شؤمه وشره.

أما ما يتعلق بكيف نسلم من الغش على وجه العموم؟ أن يكون الله نُصْبَ أعيننا، أن نراقب الله –عز وجل-فإنه من عمَّر قلبه بمراقبة الله –عز وجل-وخوفه فثق تمامًا أنه لن يقع في الغش، لماذا؟ لأن الغش أصلا تغطية وتدليس وتعمية وإخفاء وتورية لمقاصد ومكروهات في القول أو العمل.

كل هذا إذا علمت أن الله مطلع عليه، وهو أعلم بما تبيِّت وما تأتي وما تزر وما تخفي، وهو الذي سيحاسبك، وما خفي على الناس لا يخفى على ربك، فإن ذلك يحملك على الصدق، ويحملك على النصيحة؛ لأنك تخافه، ولأنك تعلم أنه لا تخفى عليه خافية ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ[غافر: 19] هذا موجِب وسبب عظيم من أسباب ردع النفوس عن الغش.

شؤم الغش براءة النبي –صلى الله عليه وسلم-من صاحبه، وأنه من كبائر الذنوب، أيضًا سوء عاقبته بما يمكن أن يترتب عليه من محق البركة وسوء الشر، كل هذه الأمور مما يحملنا على توقي الغش، والأخلاق تُكتسب وتُنال وتُحصَّل بالتدرب عليها، «إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحلم بالتحلُّم».[علقه البخاري في صحيحه، ترجمة حديث68، وأخرجه الطبراني في الكبير:ح929 من حديث معاوية، وحسنه ابن حجر في الفتح(1/161) ]

فمن عوَّد نفسه النصح فاز به، ومن أهملها وتورط في الغش كبرت مساحة الغش في معاملاته، وأصبح من الغشاشين، أعاذنا الله وإياكم من أن نكون غَشَشَة، فالمؤمنون نَصَحَة وأهل الشر والفساد غَشَشَة، أعاذنا الله وإياكم منهم!

المقدم:اللهم آمين، شاكرين لك دكتور خالد على كل ما قدمت في هذه الحلقة، ونسأل الله –سبحانه وتعالى-أن يجيرنا وإياك والمسلمين جميعًا وكل من نحب -بإذن الله تعالى- من هذه الخصلة السيئة خصلة الغش، والتي لا تجلب للإنسان سوى -كما تفضلت- محق البركة والعداوة ممكن فيما بينه وبين الآخرين.

لك كل الشكر دكتور خالد، نسأل الله –سبحانه وتعالى-أن يجعل ما قدمت في ميزان حسناتك.

الشيخ: آمين! وأشكركم، وأسأل الله تعالى أن يحفظنا وأن يهدينا إلى أحسن الأخلاق، وأن يصرف عنا سيئها، وأن يحفظ ولاة أمرنا ويوفقهم في الأقوال والأعمال، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى ما يحب ويرضى، وأن يعم بلادنا والمسلمين والعالم بكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

المادة السابقة

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات90611 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87039 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف