الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته، واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فاتقوا الله عباد الله، فقد أمركم الله تعالى بتقواه فعمَّ وخصَّ، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾[النساء: 1]، وخص الله تعالى المؤمنين فأمرهم بتقواه في مواضع سبعة بالنص في كتابه.
فاتقوا النار أيها الناس، واتقوا الله –جل وعلا-، واتقوا ما أمركم الله تعالى بتقواه، فإن ذلك مما يحقِّق لكم سعادةَ الدنيا وفوزَ الآخرة، فمن زُحزح عن النار وأُدْخل الجنة فقد فاز، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، وحزبِك المفلحين، وأوليائك الصالحين.
أيها المؤمنون عباد الله! قوا أنفسكم غضب الله وسخطَه، قوا أنفسكم النار التي أُعدت للكافرين، قوا أنفسكم كلَّ ما تَشِين به أحوالُكم في دنياكم وأخراكم، ولا يتحقق ذلك إلا بما أمر الله تعالى به من الأعمال، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[الحديد: 28].
فإن من أعظم ما يحقق التقوى ومن أعظم ما يتحقق به الوقاية من السوء والشر في الدنيا والآخرة أن يكون العبد على أصل الإيمان قائمًا، أن يقرَّ في قلبه الإيمان بالله، فالإيمان بالله سعادة الدنيا وفوز الآخرة، أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فاعلم أن ذلك من أعظم ما يتحقق لك به التقوى.
أيها المؤمنون! إن من أعظم ما يحقق تقوى الله تعالى أن يبذل الإنسان وسعه، وأن يجتهد في تقوى الله تعالى حق تقواه، وأن يبذل وسعه في الثبات على الهدى ودين الحق، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عمران: 102]، وحق التقوى لا يفوز به العبد إلا إذا بذل وسعه وطاقتَه في مرضات ربه، قيامًا بما أمر، وتركًا عما نهى عنه وزجر، فاتقوا الله ما استطعتم، ابذلوا كلَّ جهدكم في مرضات ربكم تكونوا من المتقين ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران: 103- 105].
أيها المؤمنون! إن من أعظم ما يقي النارَ، ومن أعظم ما تتحقق به التقوى للمؤمن أن يجدَّ في العمل الصالح؛ فإن الله تعالى أمركم ببذل الوسع في مرضاته، وأخذ الوسيلة إليه، وطَرْقِ السبل الموصِّلة إليه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾[المائدة: 35]، اطلبوا كل ما يقرِّبكم من ربكم -جل في علاه- في الأقوال والأعمال، في السرِّ والعلن.
وأنتم في زمن اختبار، فالحياة زمن عمل واختبار، يبلوكم الله تعالى فيها ويبتليكم، فجِدُّوا في طلب مرضاته بسلوك الطريق الموصل إليه، من القيام بالواجبات وترك المحرمات بعد الإيمان به جل في علاه.
أيها المؤمنون! إن من أعظم ما يوصل إلى الخير، ومن أعظم ما يحقق به العبد التقوى لرب العالمين أن يكون من الصادقين ومع الصادقين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[التوبة: 119]، كونوا مع الصادقين في قلوبكم في الإيمان والتقوى، كونوا مع الصادقين في أقوالكم بتجنُّب الباطل والزور والكذب، كونوا مع الصادقين في أعمالكم بألا تُظهِروا خلافَ ما في قلوبكم، كونوا مع الصادقين مع الله تكونوا من المفلحين؛ فإن ذلك مما يتحقق به تقوى الله تعالى، الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقًا.
أيها المؤمنون! اتقوا الله تعالى وقولوا قولًا سديدًا، فإن من أعظم ما يحقق تقوى الله تعالى أن يشتغل الإنسان بالقول الصالح، أن يشتغل بالقول السديد، ولا يتحقق قولٌ سديد إلا باجتناب الزور والباطل، والاشتغال بالخير باللسان، ذكرًا لله وتلاوة لكتابه، وتعليمًا للعلم وتعلمه، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المنكر، ودلالة على الخير، وبذلًا للنصح لكل أحد، واجتنابًا للزور في كل ما يقوله ويصدر عنه.
وإذا عمل بقوله –صلى الله عليه وسلم-: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»[صحيح البخاري:ح6135]، فإنه من الصادقين، فإنه قد قال قولًا سديدًا، اللهم اجعلنا ممن يوفَّق للقول السديد ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: 70- 71].
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله تعالى سرًّا وإعلانًا، ليلًا ونهارًا، بينكم وبينه، وبينكم وبين الخلق؛ فإن المتقين مفلحون، والمتقون فائزون، والمتقون رابحون، اللهم اجعلنا من المتقين يا رب العالمين.
أيها المؤمنون! إنه لا يتحقق لعبد تقوى الله –عز وجل-إلا بأن يجتنب الكسب الحرام في مأكله ومشربه وملبسه، فإن أعظم ما يُخِلُّ بالتقوى أن يأكل الإنسان الحرام، وأن يتساهل في مكسبه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[البقرة: 278]، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[آل عمران: 130]، والربا في الآيات يشمل كلَّ كسب محرَّم، سواء كان بالربا المعروف، أو كان بالتدليس والكذب والغش وغير ذلك من أوجه الكسب الحرام، فطيِّبوا مكاسبكم تفوزوا بتقوى ربكم جل في علاه.
أيها المؤمنون! إن مما يحقِّق به العبد تقوى الله –عز وجل-أن تكون الآخرة بين يديه، ما أسرع الرحيل أيها الناس! الدنيا مهما طالت فلابد أن تزول، ومهما طابت فلابد أن ترتحل عنها، فاستعد للقاء ربك بصالح العمل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[الحشر: 18- 19] فاستعدوا للقاء ربكم؛ فما أسرع أن تذهبوا عن هذه الدنيا! فكم من ميت تعرفونه ترك كلَّ ما فيها في هذه الدنيا، وارتهن بعمله ﴿كُلُّ نَفۡسِۢ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ﴾[المدَّثر:38]، فاستعدوا لذلك اليوم فما أسرع وصوله! وما أعظم لقاء ربنا جل في علاه!.
فاجتهدوا في كل ما يقرِّبكم إليه جل في علاه، طهِّروا مكاسبكم، طهِّروا قلوبكم، طهروا ألسنتكم، جِدُّوا في العمل الصالح، تهيَّئوا لكل ما يسركم في لقاء ربكم، وتزوَّدوا فإن خير الزاد التقوى.
اللهم اجعلنا من المتقين، خذ بنواصينا إلى ما تحب وترضى من الأعمال يا رب العالمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين، ووليَّ عهده إلى ما تحب وترضى، أسبغ عليه العفو والعافية والصحة والسلامة والتسديد في القول والعمل يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات يا ذا الجلال والإكرام، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.