×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / الوصية الكبرى / الدرس (4) من شرح رسالة الوصية الكبرى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1248

الدرس (4) من شرح رسالة الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

فرغ المؤلف -رحمه الله- من المقدمة المباركة التي ذكر فيها -رحمه الله- ما لأهل الإسلام وأهل السنة من الكمال في عقدهم وعملهم، انتقل في هذا الفصل إلى مخاطبة ونصيحة الذين كتب لهم هذا الكتاب، وهم المنتسبون للشيخ عدي بن مسافر رحمه الله.

 والشيخ -رحمه الله- سلك في خطابه لهم وبيانه لهم مسلكاً حسناً جميلاً مستقياً، حيث إنه -رحمه الله- ذكر في هذا الفصل شيئاً من نعمة الله تعالى عليهم، وعظَّم مشايخ هذه الطريقة ، وبيَّن ما لهم من المنزلة، وما لهم من الصيت المشهور ولسان الصدق المذكور، وكل هذا لبيان ما كانوا عليه من خير، ونقلهم إلى ما يريد أن ينقلهم إليه من خير.

فلم يأت -رحمه الله- بالنصح المباشر، إنما قدَّم بمقدمة تدعو إلى قبول هذا النصح.

أول ما ذكر ، ذكَّرهم بنعمة الله عليهم أن هداهم للإسلام، وهذه نعمة ومنحة عظيمة من رب إذا وفق إليها العبد .

يقول المؤلف -رحمه الله- في بيان النعم وتواليها على هؤلاء حتى يشكروها ويتمموها ويكملوها يقول:"وَأَنْتُمْ أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ دِينُ اللَّهِ، وَعَافَاكُمْ اللَّهُ مِمَّا ابْتَلَى بِهِ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْإِسْلَامُ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَأَجَلُّهَاولا يدرك هذا إلا من ذاق طعم الجاهلية، إلا من عرف ما عليه أهل الكفر من الضلال والظلام العظيم الكبير، يكفي في بيان ذلك قول الله تعالى: ]اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ[.[سورة البقرة :257]

إنها ظلمات متوالية تغشى القلوب حتى يموت ويهلك، تصور شخص جثة هامدة بين يديك لا نفع، بل هو عبئ على من حضره، لذلك يسرعون في تجهيزه حتى يتقون شره، وما يكون منه من أذى فيسرعون بتجهيزه وغسله وتكفينه والصلاة عليه إذا كان مسلماً، وإذا كان غير مسلم واروه حتى يكفوا شره.

هذه الجنازة التي تراها بين يديك ما حالها لو وصلها الله بروح تحيا بها البدن، ثم يقوم وينفع ويثمر، لا شك أنه فارق كبير]أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا[.[سورة الأنعام :123.]

شتان بين هذين المثلين، مثل الميت الذي ليس له نفع ، وليس حيًّا كسائر الأحياء في الظلمات، ولذلك ذكر الله تعالى بعد أن ذكر الحياة، ذكر نوعين من الحياة، حياة فيها نور وفيها بصيرة وفيها هدى، وهي حياة من أنعم الله عليه بهذا الدين والتزام السنة، وحياة من هو في ظلمات وشقاء، فشتان بين هذا وذاك، لا يمكن أن يستويا]أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا[، يعني لا سبيل له أن يخرج من هذه الظلمات فلا يستويان، وشتان ما بين الفريقين.

الله -جل وعلا- يقول: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [.[سورة آل عمران :85.]

فأعظم منَّة يمن الله بها على العبد أن يوفقه للإسلام ، وهذه أكبر المنن التي منَّ الله تعالى بها على المسلمين، ويجب أن يستشعروها ويشكروه عليها.

ثم بعد ذلك هناك منَّة أخرى وهي التوفيق إلى السنة؛ لأن المسلمين كثر، وقد ذكر النبيrطوائفهم وفرقهم، وهذه الفرق والطوائف كلها تتدين وتذوق من حلاوة الإسلام، وتذوق من نفعه بقدر ما معها منه.

ثم إذا وفِّق العبد إلى التزام السنة كان ذلك منَّة أخرى من الله تعالى عليه.

يقول :"وَعَافَاكُمْ اللَّهُ بِانْتِسَابِكُمْ إلَى السُّنَّةِ مِنْ أَكْثَرِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ؛ مِثْلَ كَثِيرٍ مِنْ بِدَعِ الرَّوَافِضِ وَالْجَهْمِيَّة وَالْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ " الذين وصف حالهم، وبيَّن شيئا من مقالهم فيما تقدم من الكتاب.

يقول -رحمه الله-:"بِحَيْثُ جَعَلَ عِنْدَكُمْ مِنْ الْبُغْضِ لِمَنْ يُكَذِّبُ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، أَوْ يَسُبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ rمَا هُوَ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ".

إذاً طريقة أهل السنة والجماعة بغض هؤلاء الذين يفعلون ما ذكر -رحمه الله- من تكذيب أسماء الله تعالى وصفاته، وعدم التسليم لقضاء الله تعالى وقدره، والقدح في صحابة النبيrوالنيل منهم.

يقول:"وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ "؛ لأنه يتم له النور ويكمل له الهدى، ويدخل في قول الله تعالى في منته:]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[.[سورة المائدة: 3.]

يبين هذا فيقول :"فَإِنَّ هَذَا مِنْ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَكَمَالِ الدِّينِ وَلِهَذَا كَثُرَ فِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ " إلى آخر ما ذكر.

بعد أن بيَّن عظيم الهداية للسنة، بيَّن السنة إذا اهتدى إليها العبد أخذ بأطراف الخير كلها، فلا تجد نوعاً من البر ولا طريقاً من طرق الخير إلا ولأهل السنة فيه نصيب، بخلاف الفرق الأخرى، ففرق تجدها تختص بجانب من التعبد، أو بجانب من العمل، أو بجانب من الطاعة لكنها تُغفل جوانب أخرى كثيرة.

أما أهل السنة والجماعة لمَّا أخذوا الدين كله وعملوا بالسنة جميعها كانوا على كمال في أعمالهم، فتجد منهم العلماء، فتجد منهم العباد، فتجد منهم المجاهدين، فتجد منهم أهل الإنفاق، فتجد منهم أهل الصلاة، فتجد منهم الأمراء ، تجد منهم سائر طبقات وشرائح الأمة، تجد من أهل السنة من منَّ الله تعالى عليه بسلوك طريق من طرق البر، وسبيل من سبل العمل التي يخدم بها.

ولذلك يقول الشيخ -رحمه الله- لما كمل فيهم ما كان نقصاً في غيرهم من اتباع السنة والأخذ بالقرآن قال :"وَلِهَذَا كَثُرَ فِيكُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ وَأَهْلِ الْقِتَالِ الْمُجَاهِدِينَ مَا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي طَوَائِفِ الْمُبْتَدِعِينَ " .

وهذا ملاحظ على مرّ العصور وكر الدهور أن أهل البدعة ليسوا من أهل الجهاد الذين يقاتلون لإعلاء كلمة الله تعالى، ويذبون عن حياض المسلمين، ويردون عن ديارهم.

فهذا من أعلام السنة ومن سمات أهلها.

 

قال:"وَمَا زَالَ فِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمَنْصُورَةِ وَجُنُودِ اللَّهِ الْمُؤَيَّدَةِ مِنْكُمْ مَنْ يُؤَيِّدُ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ وَيُعِزُّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ".

ويشير بهذا إلى ما كان من صلاح الدين الأيوبي ومن معه، فإنهم من أهل هذه الجهة، عدي بن مسافر من الأكراد، كما تقدم عاش في الموصل، يشير بهذا إلى ما كان منهم من نصرة للإسلام وأهله.

يقول -رحمه الله- :"وَفِي أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ مِنْكُمْ مَنْ لَهُ الأَحْوَالُ الزَّكِيَّةُ وَالطَّرِيقَةُ الْمَرْضِيَّةُ وَلَهُ الْمُكَاشَفَاتُ وَالتَّصَرُّفَاتُ" .

"من أهل الزهادة" يعني من هؤلاء أهل العبادة والطاعة" مَنْ لَهُ الأَحْوَالُ الزَّكِيَّةُ " أي: المقامات الطيبة،" وَالطَّرِيقَةُ الْمَرْضِيَّةُ" أي: في العبادات والطاعة، " وَلَهُ الْمُكَاشَفَاتُ " والمقصود بالمكاشفات هنا ما يُكشف له ويكون له من الكرامات، فإن هذا مما يمنّ الله تعالى به على من التزم السنة وعظمها، فإنه يكون له من "الْمُكَاشَفَاتُ وَالتَّصَرُّفَاتُ" وهذا يشير به إلى نوعي الكرامات، فالكرامة إما أن تكون علمية ، وإما أن تكون عملية.

كرامة علمية: بأن يكشف له من العلم ما لا يكشف لغيره، سواء كان ذلك من العلم الذي يتعلق بواقع الناس وحياتهم، أو العلم الشرعي بأن يهدى إلى فهم ويتوصل إلى حكم شرعي يخفى على غيره. هذا نوع من أنواع الكرامة، وهو أشرفها وأعلاها.

النوع الثاني من الكرامات: ما يكون في التصرفات كالسير على الماء والصبر على المشاق، وكما ذكر شيخ الإسلام في كتاب" الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" من هذا جملة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

ويشير -رحمه الله- في قوله: " وَلَهُ الْمُكَاشَفَاتُ وَالتَّصَرُّفَاتُ " أي: له الكرامات بنوعيها.

ومن أولئك الشيخ عدي بن مسافر رحمه الله ، فكان له من الكرامات، وله من المكاشفات ما ليس لغيره.

يقول :"وَفِيكُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ مَنْ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْعَالَمِينَ "، أي: له قبول وثناء عام في العالمين،"فَإِنَّ قُدَمَاءَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ مِثْلَ الْمُلَقَّبِ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ " أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَد بْنِ يُوسُفَ الْقُرَشِيِّ الهكَّاري" وَبَعْدَهُ الشَّيْخُ الْعَارِفُ الْقُدْوَةُ عَدِيُّ بْنُ مُسَافِرٍ الْأُمَوِيُّ " وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمَا فِيهِمْ مِنْ الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالِاتِّبَاعِ لِلسُّنَّةِ مَا عَظَّمَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ وَرَفَعَ بِهِ مَنَارَهُمْ، " فالشيخ -رحمه الله- أثنى عليهم، وبيَّن سبب هذاالثناء، بيَّن مراتبهم، وبين كيف بلغوا تلك المرتبة، لم يبلغوها ببدعة ولم يبلغوها بضلالة، ولم يبلغوها بسوء طوية، إنما بلغوا ذلك باتباع السنة والتزام الشريعة.

قال :"وَالشَّيْخُ عَدِيٌّ " - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَكَابِرِ الْمَشَايِخِ الْمُتَّبَعِينَ، وَلَهُ مِنْ الْأَحْوَالِ الزَّكِيَّةِ وَالْمَنَاقِبِ الْعَلِيَّةِ ".

هذا مواصلة في ما ذكره -رحمه الله- من شيخ الطريقة التي ينصح أتباعها، وبيَّن -رحمه الله- شيئا من فضائله، وهذا أدعى لقبول ما يريد أن يوجهه إليهم من النصح، ولذلك تغاضى الشيخ -رحمه الله- على شيء من القصور والنقص والخطأ عند الشيخ، وعند من ينتسب إليه، نظراً إلى المصلحة المقصودة، وهي تأليف هؤلاء وتقريبهم ودعوتهم إلى السنة.

يقول -رحمه الله- :"وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ لَمْ يَخْرُجُوا فِي الْأُصُولِ الْكِبَارِ عَنْ أُصُولِ " أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ"، وهذا يبين لنا أن الأصول تنقسم إلى قسمين:

- أصول تعتبر سمات في طريق أهل السنة والجماعة، وهذه الأصول التزامها يكون من دلائل النسبة لأهل السنة والجماعة.

- وهناك أصول دون ذلك في المنزلة، قد يجري فيها خلاف إما عن جهل أو عدم تحرير وتمحيص، أو لوجود شبهة، لكن هذه المخالفات لا يخرج بها صاحبها عن مظلة أهل السنة والجماعة، مظلة الفِرقة الناجية.

ولذلك يقول -رحمه الله-:"وَهَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ لَمْ يَخْرُجُوا فِي الْأُصُولِ الْكِبَارِ عَنْ أُصُولِ " أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ " بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالدُّعَاءِ إلَيْهَا وَالْحِرْصِ عَلَى نَشْرِهَا وَمُنَابَذَةِ مَنْ خَالَفَهَا مَعَ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ مَا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْدَارَهُمْ وَأَعْلَى مَنَارَهُمْ ، وَغَالِبُ مَا يَقُولُونَهُ فِي أُصُولِهَا الْكِبَارِ جَيِّدٌ ".

 وهذا من العدل والإنصاف الذي عزَّ نظيره، وقلَّ مثيله في كلام كثير من الذين يشتغلون بالنقد في كثير من العصور، وفي هذا العصر الذي كثر فيه النقد والقدح في أهل الخير والنيل ممن ينتسب إلى الإسلام.

قال -رحمه الله-:"وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ rلَا سِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُحَكِّمُوا مَعْرِفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ فِيهِمَا وَيُمَيِّزُوا بَيْنَ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ وَسَقِيمِهَا، وَنَاتِجِ الْمَقَايِيسِ وَعَقِيمِهَا، مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ غَلَبَةِ الْأَهْوَاءِ، وَكَثْرَةِ الْآرَاءِ، وتغلظ الِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ وَحُصُولِ الْعَدَاوَةِ وَالشِّقَاقِ".

" وَذَلِكَ " أي: وجود الخطأ، هل هو  غريب؟ هل هو شاذ؟ قال: لابد أن يوجد في هؤلاء وأمثالهم ممن يتبعون ويكون لهم رأي وأتباع، لابد أن يوجد فيهم أخطاء؛ وذلك لأنه ليس هناك أحد لا يقول خطأ ولا يجانب صواباً، بل كل أحد يكون في قوله ورأيه وعمله من الخطأ ما هو لازم لكل بني آدم، كما قال النبيr:((كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)).[رواه الترمذي في صفة القيامة (2499)، وابن ماجة في الزهد (4251)، وقال الترمذي غريب.]

فيقول:"وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ r، لَا سِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأُمَّةِوهذا يتكلم في القرن الثامن الهجري، فكيف بالقرن الخامس عشر، ففي القرن الخامس عشر من البعد ما هو ضِعف الزمن الذي يتكلم فيه شيخ الإسلام رحمه الله، ويعتذر بالتأخر عما جرى من المخالفة، فكيف في مثل هذا الزمان الذي ضعف فيه الأفهام، وقلَّ فيه العلم ، وكثر فيه الجهل، وتنوعت فيه الشبه؟ لا شك أن أسباب البُعد عن الحق كثيرة.

لذلك يقول:"لَا سِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُحَكِّمُوا مَعْرِفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ فِيهِمَا، وَيُمَيِّزُوا بَيْنَ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ وَسَقِيمِهَا وَنَاتِجِ الْمَقَايِيسِ" أي: صحيح المقاييس"وَعَقِيمِهَا " أي: الذي لا ينتج حكماً ولا يتوصل به إلى حق "مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ غَلَبَةِ الْأَهْوَاءِ، وَكَثْرَةِ الْآرَاءِ، وتغلظ الِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ، وَحُصُولِ الْعَدَاوَةِ وَالشِّقَاقِفذكر المؤلف -رحمه الله- من أسباب الخطأ في أقوال الناس وآرائهم عدة أمور:

 أولها: البعد عن زمن الرسالة، وهذا الذي أشار إليه في قوله:"لَا سِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ فالبعد عن زمن الرسالة سبب للخطأ، وذلك أن القرب من زمن الرسالة من أسباب الاهتداء؛ حيث إن نور الوحي باقٍ، وله من القوة والتأثير ما لا يُنكر.

وذكر -رحمه الله- في البعد عدة أسباب:

منها عدم إحكام معرفة الكتاب والسنة، وعدم الفقه فيهما، وعدم تمييز الأحاديث صحيحها من سقيمها وناتج المقاييس وعقيمها، ومجمل هذا يرجع إلى أمرين:

أولاً: عدم الإدراك للنصوص بالأدلة، هذا واحد .

الثاني : عدم الفهم لها الفهم الكامل التام، فهناك قصور في معرفة النصوص، وهناك قصور في فهمها وكلاهما ينتج عنه الخطأ.

ثم ينضاف إلى هذين الأمرين أمور، منها:" غَلَبَةِ الْأَهْوَاءِ وَكَثْرَةِ الْآرَاءِ وتغلظ الِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ " أي، تجزُّره، وحددته وقوته مما يمنع الإنسان من الأخذ بالحق لوجود الفُرقة والاختلاف.

قال :"وَحُصُولِ الْعَدَاوَةِ وَالشِّقَاقِ".

قال -رحمه الله-:"فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ وَنَحْوَهَا مِمَّا يُوجِبُ " قُوَّةَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ " اللَّذَيْنِ نَعَتَ اللَّهُ بِهِمَا الْإِنْسَانَ فِي قَوْلِهِ:]وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[[ الأحزاب:72]فَإِذَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ أَنْقَذَهُ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : ]وَالْعَصْرِ * إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [[سورة العصر.] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:]وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ[[السجدة:24.].وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ " السُّنَّةَ " الَّتِي يَجِبُ اتِّبَاعُهَا وَيُحْمَدُ أَهْلُهَا وَيُذَمُّ مَنْ خَالَفَهَا : هِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ r: فِي أُمُورِ الِاعْتِقَادَاتِ وَأُمُورِ الْعِبَادَاتِ وَسَائِرِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ rالثَّابِتَةِ عَنْهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَا تَرَكَهُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، ثُمَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ، وَذَلِكَ " فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفَةِ " ، مِثْلَ "صَحِيحَيْ" الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَكُتُبِ السُّنَنِ، مِثْلَ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِي وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَمُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَمِثْلَ الْمَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ؛ كَمِثْلِ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَيُوجَدُ فِي كُتُبِ " التَّفَاسِيرِ " وَ " الْمَغَازِي " وَسَائِرِ " كُتُبِ الْحَدِيثِ " جُمَلِهَا وَأَجْزَائِهَا مِنْ الْآثَارِ مَا يُسْتَدَلُّ بِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مَنْ اعْتَنَى بِهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ الدِّينَ عَلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ جَمَعَ طَوَائِفُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي أَبْوَابِ "عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ " مِثْلَ : حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدارمي؛ وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدارمي وَغَيْرِهِمْ فِي طَبَقَتِهِمْ، وَمِثْلُهَا مَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِي وَابْنُ مَاجَة وَغَيْرُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ، وَمِثْلُ مُصَنَّفَاتِ أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِي وَأَبِي الشَّيْخِ الأصبهاني، وَأَبِي بَكْرٍ الآجري، وَأَبِي الْحَسَنِ الدارقطني، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ منده، وَأَبِي الْقَاسِمِ اللالكائي، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ؛ وَأَبِي عَمْرٍو الطلمنكي، وَأَبِي نُعَيْمٍ الأصبهاني، وَأَبِي بَكْرٍ البيهقي وَأَبِي ذَرٍّ الهروي، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمُصَنَّفَاتِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ.

المؤلف -رحمه الله- لما ذكر حال الشيخ عدي بن مسافر ومشايخ هذه الجماعة التي كتب إليها هذه النصيحة، وذكر أنه حصل منهم من الموافقة في الأصول الكبار ما ينظمهم في جملة أهل السنة، وأن ما يقع من المخالفة هو أمر طبيعي، وأمر له أسبابه، وقد أجمل الأسباب في مقطع في غاية الاختصار، مع غاية الدقة في تحقيق وتحليل وبيان أسباب الخروج على السنة، والخروج عن الحق في الاعتقادات والأعمال.

يقول -رحمه الله- :"وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ r، لا سِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَمْ يُحَكِّمُوا مَعْرِفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ فِيهِمَا"، مخالفة قول النبيrمع معرفة الكتاب والسنة والفقه فيهما.

فالقسم الأول يتعلق بالوقوف على النصوص وفهمها، معرفة الكتاب والسنة من حيث الوقوف على النصوص، والقسم الثاني منها ما يتعلق بالفقه، وهو النظر والتأمل والفهم لها .

ثم قال:"وَيُمَيِّزُوا بَيْنَ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ وَسَقِيمِهَا "، وهذا يتعلق بإثبات الأدلة بالنظر إلى طريق ثبوتها.

المتأخرون عندهم من الضعف في معرفة الصحيح والسقيم ما يجعل كثيراً منهم يعتمد في رأيه وفي قوله على حديث ضعيف، وقد يترك حديثاً صحيحاً لاعتقاده ضعفه.

قال :"وَنَاتِجِ الْمَقَايِيسِ وَعَقِيمِهَا "، هذا أيضاً يتعلق بالفهم، ليس عندهم دقة في معرفة المعاني، والعلل والغايات والحِكَم في الشرائع حتى يميزوا بين صحيح القياس وضعيفه، بين القياس الصحيح والقياس الفاسد.

لأن القياس ينقسم إلى قسمين:

- القياس الصحيح : هو ما أُلحق به الفرع بالأصل لعلة جامعة، لاتفاق في العلة.

- وهناك خطأ في القياس ينتج إما عن عدم معرفة العلة، وإما عن عدم إدراك وجه المشابهة، بين الفرع والأصل، فلذلكقال:" وَيُمَيِّزُوا بَيْنَ صَحِيحِ الْأَحَادِيثِ وَسَقِيمِهَا وَنَاتِجِ الْمَقَايِيسِ وَعَقِيمِهَا ".

ثم ذكر أسبابًا خارجة عن النصوص، فكل المتقدم هو خطأ في النظر العلمي المجرد؛ إما لضعف في معرفة النصوص، ضعف في فهمها، ضعف في تمييز صحيحها وسقيمها، ضعف في معرفة العلل والمقاييس، كل هذه ترجع إلى ضعف النظر في النصوص .

 هناك أمور ترجع إلى الناظر، وهي منفكَّة عن النصوص، خارجة عما يتعلق بالنص وهي ما ذكره هنا.

قال:" مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ " أي: إلى ما تقدم، "مِنْ غَلَبَةِ الْأَهْوَاءِ "، التي تجعل الإنسان يرجح قولاً على قول، ويميل إلى قول دون قول ، وكذلك"وَكَثْرَةِ الْآرَاءِ " أي تشعبها، فإن الإنسان إذا كثرت عليه الآراء انعمى، فلا يدرك الصواب فيها بسهولة ويسر؛ لكثرة الأقوال في المسألة، فمثلاً إذا نظرت إلى مسألة الأقوال فيها قولان، احتمالية إصابة الصواب فيها أقرب من أن تنظر إلى مسألة الأقوال فيها سبعة، أليس كذلك؟

إذا كان عندك في المسألة قولان فأنت إذا أخطأت هذا أصبت هذا، فنسبة الخطأ قليلة.

لكن إذا كان عندك سبعة أقوال أو ثمانية أقوال، فنسبة الخطأ كبيرة.

ولذلك كلما كثرت الآراء كثرت نسبة الخطأ في إصابة الصواب.

ولذلك يقول -رحمه الله-:" مَعَ مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ غَلَبَةِ الْأَهْوَاءِ وَكَثْرَةِ الْآرَاءِ وتغلظ الِاخْتِلَافِ وَالِافْتِرَاقِ " أي: تجزره وتأصله في مؤلفات العلماء، وفي طرائق التدريب، هذا فيما يتعلق بالعلم، فكيف بما إذا كان التعصب ناتج للشيخ، أو التعصب للطريقة، أو التعصب إلى السبيل الذي سلكه من تُجلِّه، وتحترمه؟

 لا شك أن هناك من أسباب الفرقة وعدم إصابة الحق ما يجعلك تترك هذا القول، لا لأنه غير راجح، أو أنك بحثت فتوصلت إلى أنه ضعيف، إلا أن القائل به من لا تحب، القائل به أصحاب الطريقة الفلانية التي لا ترتضيها، لا شك أن هذا من أسباب الخلاف.

قال رحمه الله– من أسباب عدم إصابة الحق -:"فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ وَنَحْوَهَا مِمَّا يُوجِبُ قُوَّةَ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ"

وهما أصل في كل فساد وشر، الجهل والظلم أصل كل فساد وشر في الدنيا، ولذلك لما ذكر الله تعالى عرض الأمانة، على السموات والأرض وذكر تحمل الإنسان الأمانة ذكر وصفين في الإنسان هما سبب عدم القيام في الأمانة التي تحملها الإنسان يقول الله تعالى:]وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[.[سورة الأحزاب:72]

حمل الأمانة التي هي التكاليف الشرعية، والقيام بما أمر الله به من تحقيق العبودية الاختيارية التي بها يميز الله تعالى بين الصادق والكاذب، هذه الأمانة أكبر ما يعثر به الإنسان في سبيل تحقيقها، أكبر ما يعيق عن تحصيلها والقيام بها، هو ما ذكره الله من الوصف:]وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[، هل هذا ذم للإنسان، لأنه تحمل الأمانة؟ لا، ليس ذمًّا، إنما هذا بيان للعائق الذي يحول بين الإنسان وبين الأمانة التي حملها الله إياه.

إنه الظلم والجهل، الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه، والجهل هو عدم إدراك الحق أو عدم العمل به.

فالجهل يطلق على أمرين؛ يطلق على عدم العمل بالعلم، ويطلق على عدم العلم، فكلاهما جهل.

الشيخ -رحمه الله- يقول:"فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ وَنَحْوَهَا مِمَّا يُوجِبُ قُوَّةَ " أي: تجزر وصلابة"الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ " اللَّذَيْنِ نَعَتَ اللَّهُ بِهِمَا الْإِنْسَانَ فِي قَوْلِهِ:]وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[[الأحزاب:72]فَإِذَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ" العلم الذي تنكشف به الضلالات، والعدل الذي يحصل به القيام بالقسط وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه، أنقذه من الضلال، وأنت تنظر إلى الناس من تعرف ومن تسمع عنه، ومن قرأت ترجمته من المتقدمين، كلما كنت ممتازاً لهذين الأمرين ،كلما كنت أقرب إلى الرضا وطاعة الله تعالى.

فبقدر ما مع الإنسان من العلم بقدر ما يكون قريباً من الله تعالى، وقائماً بما يجب عليه.

بقدر ما يكون معه من العدل، بقدر ما يكون قائماً بالحق الذي حمَّله الله للإنسان، والأمانة التي تحملها الإنسان، وإخلاله لهذين الأمرين أو أحدهما سبب لفساده ، سبب لضياع الأمانة، سبب لوقوع الشر بين الناس.

لذلك إذا أردت أن تعرف ما معك من الخير ومن القيام بالحق الذي حملك الله إياه انظر لما معك من العلم وما معك من العدل.

والعلم طريق تحصيل العدل؛ لأنه لا يمكن أن يعدل إنسان إلا بالعلم، لكن العلم قد يوجد مع وجود الظلم، وذلك لغلبة النفس والشهوة، وأسباب أخرى، لكن من أسباب حصول العدل العلم.

يقول :"فَإِذَا مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ أَنْقَذَهُ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ : ]وَالْعَصْرِ * إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [".[سورة العصر.]

ذكر أربعة أوصاف، كل صفة منها سبب للنجاة من الخسارة؛ الإيمان، ولا يكون إلا بالعلم.

العمل الصالح، الذي هو ثمرة العلم.

التواصي بالحق الذي هو نشر العلم، ونشر العمل الصالح بين الناس.

والتواصي بالصبر الذي فيه حمل النفس على طاعة الله تعالى، وحمل النفس على الصبر على أقدار الله تعالى، وحمل النفس على ترك ما نهى الله تعالى عنه.

قال:"وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:]وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ["[السجدة:24.]، فحققوا وصفين بهما نالوا الإمامة في الدين:

الأول: الصبر،  والثاني : العلم الذي لا يختلط معه الشك والريب، إنما العلم الذي يبلغ درجة اليقين، وهو العلم الثابت الراسخ الذي لا يتطرق إليه شك ولا ريب، وهذا لا يكون إلا بالإقبال على الكتاب والسنة.

بعد هذا يقول -رحمه الله- في بيان السنة التي يمدح صاحبها ويندب إلى أخذها ، وجاءت النصوص في الثناء عليها وعلى أهلها .

قال:"وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ - أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ - أَنَّ " السُّنَّةَ " الَّتِي يَجِبُ اتِّبَاعُهَا وَيُحْمَدُ أَهْلُهَا وَيُذَمُّ مَنْ خَالَفَهَا : هِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ r: فِي أُمُورِ الِاعْتِقَادَاتِ وَأُمُورِ الْعِبَادَاتِ وَسَائِرِ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ"

وهذا فيه إغلاق الباب على كل من تعصب لأحد من الناس، فظن أن السنة هي عمل ذلك الشيخ، عمل ذلك الإمام، عمل ذلك المقلَّد، الذي يُتَّبَع ويُؤخَذُ قوله.

السنة التي جاء مدحها والثناء عليها والأمر بها وميَّز الله أهلها هي سنة خير الأنام محمد بن عبد الله r.

فمن أخذ بها فقد أخذ بسبب المدح والمجد، ومن تركها فقد ترك سبب الفضل والسبق، ولذلك يكون مع الإنسان من السبق في الدنيا والآخرة بقدر ما معه من الاستمساك بهدي النبيr: ]إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[.[سورة الإسراء: 9.]

هذا فيما جاء به النبيrمن الوحي، وقد قال rكما كان يقول في خطبه كما جاء في "صحيح الإمام مسلم" من حديث جابر :«أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍr».[ رواه مسلم في الجمعة (867).]

يقول:"وَذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ "، فإذا عرف أن السنة المحمودة باتباعها والاستمساك بها هي سنة النبيr، فما هو الطريق في معرفة هذه السنة سواء في أمور الاعتقادات، أو في أمور الأعمال، أو في سائر أمور الديانات والشؤون مما يتعلق بالدين، إن ذلك من طريق المحفوظ من خبر المعصوم r.

يقول :"وَذَلِكَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِمَعْرِفَةِ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ rالثَّابِتَةِ عَنْهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَا تَرَكَهُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ"إذاً السنة الفعلية والسنة الترَّكية"ثُمَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِلأن فهمهم أعظم مطابقة للحق من فهم من جاء بعدهم، فلا يستقل الإنسان بإصابة السنة والأخذ بها بمجرد الاستقصاء من النصوص دون النظر إلى فهم السلف الصالح، فإن فهم السلف الصالح هو الذي يقود الإنسان إلى الصواب، ومعنى هذا أن ينظر الإنسان في النصوص، ثم إذا كان ما توصل إليه موافقاً لما قاله السلف ليس خارجاً عن هديهم ولا طريقهم، فقد أصاب الحق وهدي إلى سواء السبيل.

وإن كان قد خالف ما توصل إليه، ما عرفه عن السلف وما أدركه من طريقتهم، فإنه بذلك يكون قد ضل عن الهدى، وعن الطريق المستقيم.

ذكر المؤلف -رحمه الله- جملة من المراجع التي بها يعرف الحق ويدرك.

فقال:" وَذَلِكَ " فِي دَوَاوِينِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفَةِ " : مِثْلَ "صَحِيحَيْ" الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ "، وذكر قائمة من الكتب التي يعرف بها سنة النبيrفي العمل والعبادة، ويعرف بها هدي النبيrفي الاعتقاد، والإيمان ، وسائر أمور الديانات.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89968 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف