×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / الوصية الكبرى / الدرس (11) من شرح رسالة الوصية الكبرى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2642

الدرس (11) من شرح رسالة الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

يقول :"فَالرَّافِضَةُلَمَّا كَانَتْ تَسُبُّ " الصَّحَابَةَ " صَارَ الْعُلَمَاءُ يَأْمُرُونَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، ثُمَّ كَفَّرَتْ الصَّحَابَةَ وَقَالَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءَ قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ يَتَكَلَّمُ فِي " يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ " وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ، ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءُ فَصَارَ قَوْمٌ يُظْهِرُونَ لَعْنَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَرُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُمْ بِذَلِكَ التَّطَرُّقَ إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ فَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَعْنَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِمَّنْ كَانَ يَتَسَنَّنُ؛ فَاعْتَقَدَ أَنَّ يَزِيدَ كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى، وَصَارَ الْغُلَاةُ فِيهِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضِ، هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ:" إنَّهُ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ، وَإِنَّهُ قَتَلَ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ rوَقَتَلَ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَهُمْ بِالْحَرَّةِ، لِيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا كُفَّارًا، مِثْلُ جَدِّهِ لِأُمِّهِ عتبة بْنِ رَبِيعَةَ وَخَالِهِ الْوَلِيدِ ؛ وَغَيْرِهِمَا"، وَيَذْكُرُونَ عَنْهُ مِنْ الِاشْتِهَارِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ أَشْيَاءَ؛ وَأَقْوَامٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ إمَامًا عَادِلًا هَادِيًا مَهْدِيًّا، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَرُبَّمَا اعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَيَقُولُون :" مَنْ وَقَفَ فِي يَزِيدَ وَقَّفَهُ اللَّهُ عَلَى نَارِ جَهَنَّمَ"، وَيَرْوُونَ عَنْ الشَّيْخِ " حَسَنِ بْنِ عَدِيٍّ " أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلِيًّا؛ وَمَنْ وَقَفُوا فِيهِ وَقَفُوا عَلَى النَّارِ : لِقَوْلِهِمْ فِي يَزِيدَ، وَفِي زَمَنِ الشَّيْخِ حَسَنٍ زَادُوا أَشْيَاءَ بَاطِلَةً نَظْمًا وَنَثْرًا، وَغَلَوْا فِي الشَّيْخِ عَدِيٍّ " وَفِي يَزِيدَ " بِأَشْيَاءَ مُخَالِفَةٍ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَدِيٌّ الْكَبِيرُ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -، فَإِنَّ طَرِيقَتَهُ كَانَتْ سَلِيمَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ، وَابْتُلُوا بِرَوَافِضَ عَادَوهُمْ، وَقَتَلُوا الشَّيْخَ حَسَنًا وَجَرَتْ فِتَنٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ .

يقول -رحمه الله- :"فَالرَّافِضَةُ لَمَّا كَانَتْ تَسُبُّ " الصَّحَابَةَ" على وجه العموم،"صَارَ الْعُلَمَاءُ يَأْمُرُونَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ "، وذلك ردعاً لهذه البدعة ومنعاً لها، "ثُمَّ كَفَّرَتْ الصَّحَابَةَ" أي: الرافضة كفَّرت الصحابة، "وَقَالَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءَ قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ"، وأوسع محل لهذا هو ما ذكره رحمه الله في كتابه الماتع النافع "منهاج السنة النبوية".

"وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ يَتَكَلَّمُ فِي "يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَيعني ما كان الكلام في يزيد ظاهراً، "وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ"، أي: لا يتقرب أحد بالكلام فيه،"ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءُ فَصَارَ قَوْمٌ يُظْهِرُونَ لَعْنَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ"، الأشياء التي يشير إليها -رحمه الله- هي ما كان من قتل الحسين بن عليt، وما كان من رمي الكعبة بالمنجنيق في زمنه، وما كان من استباحة المدينة في زمنه، فهذه حوادث كبيرة وعظيمة جرت في زمنه، وسيشير الشيخ رحمه الله إليها.

لما حصلت هذه الأشياء، يقول:"فَصَارَ قَوْمٌ يُظْهِرُونَ لَعْنَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَوَرُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُمْ بِذَلِكَ التَّطَرُّقَ إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ"، ليس المقصود هو، إنما يلعنونه، ثم يلعنون أباه، ثم يلعنون جماعة من الصحابة ثم يتوصلون بذلك إلى لعن عثمان، ثم إلى لعن أبي بكر وعمر.

فقوله :"التَّطَرُّقَ" أي: التوصل "إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ فَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَعْنَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ"، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم، كراهية لعن المعيَّن.

وهذه المسألة للعلماء فيها قولان: منهم من يرى جواز لعنة المعين، إذا قام فيه سبب اللعن، ومنهم من يرى المنع وهو قول الجمهور، وهو أحوط وأقرب إلى الصواب، وهذان القولان روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله.

قال :"فسمع بِذَلِكَ قَوْمٌ مِمَّنْ كَانَ يَتَسَنَّنُ" أي ينتسب إلى السنة، سمعوا النهي عن لعنة يزيد أو لعنة أحد بعينه،"فَاعْتَقَدَ أَنَّ يَزِيدَ كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى، وَصَارَ الْغُلَاةُ فِيهِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضِ"، والواقع أنهم لم يمنعوا لعناً معيناً لأجل كونه من أئمة الهدى، إنما منعوا ذلك لأن اللعن ليس من سمات أهل الإيمان.

قال النبيrفيما رواه الإمام مسلم:«إِنَّ اللَّعَّانِينَ لاَ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلاَ شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».[رواه مسلم في البر والصلة (2598).]

والأدلة في منع لعنالمعين كثيرة، والمقصود أنهم لما سمعوا النهي عن اللعن اعتقدوا ولاية يزيد، وأنه من أولياء الله وعباده الصالحين، وليس الأمر على ما ظنوا، فهو ليس من الأئمة، ولا من كبار الصالحين، بل هو ملك من ملوك المسلمين، كما سيأتي من كلام الشيخ رحمه الله، له أخطاء وعليه مؤاخذات.

يقول -رحمه الله-:"وَصَارَ الْغُلَاةُ فِيهِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضِ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ:" إنَّهُ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ وَإِنَّهُ قَتَلَ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ r، وَقَتَلَ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَهُمْ بِالْحَرَّةِ لِيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا كُفَّارًا" إلى آخر ما ذكر من مسوغات ذمه وتكفيره.

"وَأَقْوَامٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ إمَامًا عَادِلًا هَادِيًا مَهْدِيًّا" إلى آخر ما ذكر ، وكل هذا خروج عن الصراط المستقيم، كما سيأتي من كلام الشيخ -رحمه الله- في بيان ما يجب في يزيد.

والشيخ -رحمه الله- وجه هذه الوصية لأتباع الشيخ عدي بن مسافر، وهم ممن يتحزب ليزيد، ويرى فيه فضلاً وإمامة، ولذلك قال :"وَيَرْوُونَ عَنْ الشَّيْخِ "حَسَنِ بْنِ عَدِيٍّ" أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلِيًّا؛ وَمَنْ وَقَفُوا فِيهِ وَقَفُوا عَلَى النَّارِ: لِقَوْلِهِمْ فِي يَزِيدَ، وَفِي زَمَنِ الشَّيْخِ حَسَنٍ زَادُوا أَشْيَاءَ بَاطِلَةً نَظْمًا وَنَثْرًا، وَغَلَوْا فِي الشَّيْخِ عَدِيٍّ" وتطرق الغلو في يزيد إلى الغلو في الشيخ، ووقعت منكرات أشار إليها الشيخ رحمه الله.

قال :"وَابْتُلُوا بِرَوَافِضَ عَادُوهُمْ، وَقَتَلُوا الشَّيْخَ حَسَنًا، وَجَرَتْ فِتَنٌ"، قال الشيخ -رحمه الله- معلقاً على هذا التنازع، وهذا الافتراق في يزيد.

يقول -رحمه الله-:"وَهَذَا الْغُلُوُّ فِي يَزِيدَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ خِلَافٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عفان t، وَلَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ r، وَلَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ وَلَا كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَكَانَ مِنْ شُبَّانِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَا كَانَ كَافِرًا وَلَا زِنْدِيقًا؛ وَتَوَلَّى بَعْدَ أَبِيهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَرِضًا مِنْ بَعْضِهِمْ، وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَكَرَمٌ، وَلَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِلْفَوَاحِشِ كَمَا يَحْكِي عَنْهُ خُصُومُهُ، وَجَرَتْ فِي إمَارَتِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ : - أَحَدُهَا مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ tوَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَلَا أَظْهَرَ الْفَرَحَ بِقَتْلِهِ ؛ وَلَا نَكَّتَ بِالْقَضِيبِ عَلَى ثَنَايَاهُ t، وَلَا حَمَلَ رَأْسَ الْحُسَيْنِ tإلَى الشَّامِ، لَكِنْ أَمَرَ بِمَنْعِ الْحُسَيْنِ tوَبِدَفْعِهِ عَنْ الْأَمْرِ، وَلَوْ كَانَ بِقِتَالِهِ فَزَادَ النُّوَّابُ عَلَى أَمْرِهِ ؛ وَحَضَّ الشمر بن ذي الْجَوشَن عَلَى قَتْلِهِ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ؛ فَاعْتَدَى عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فَطَلَبَ مِنْهُمْ الْحُسَيْنُ tأَنْ يَجِيءَ إلَى يَزِيدَ ؛ أَوْ يَذْهَبَ إلَى الثَّغْرِ مُرَابِطًا ؛ أَوْ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ . فَمَنَعُوهُ tإلَّا أَنْ يَسْتَأْسِرَ لَهُمْ، وَأَمَرَ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ بِقِتَالِهِ - فَقَتَلُوهُ مَظْلُومًا - لَهُ وَلِطَائِفَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ y، وَكَانَ قَتْلُهُ tمِنْ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ، فَإِنَّ قَتْلَ الْحُسَيْنِ، وَقَتْلَ عُثْمَانَ قَبْلَهُ: كَانَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْفِتَنِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَتَلَتُهُمَا مِنْ شِرَارِ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَمَّا قَدِمَ أَهْلُهُمْ tعَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَكْرَمَهُمْ وَسَيَّرَهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ ابْنَ زِيَادٍ عَلَى قَتْلِهِ، وَقَالَ: كُنْت أَرْضَى مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ، لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ إنْكَارُ قَتْلِهِ، وَالِانْتِصَارُ لَهُ، وَالْأَخْذُ بِثَأْرِهِ كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، فَصَارَ أَهْلُ الْحَقِّ يَلُومُونَهُ عَلَى تَرْكِهِ لِلْوَاجِبِ مُضَافًا إلَى أُمُورٍ أُخْرَى. وَأَمَّا خُصُومُهُ فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْفِرْيَةِ أَشْيَاءَ".

هذا ما ذكره المؤلف -رحمه الله- فيما يجب اعتقاده في يزيد، وهو وسط بين ضلالتين، بين من يغلو فيه ويجعله من الأولياء والصالحين، وبين من يجفوا عنه ويجعله من الكافرين والزنادقة.

 وما ذكره -رحمه الله- عدل، حيث بيَّن ما عليه من المسالب، وأعظمها قتل الحسينtوإن كان لم يأمر بها، ولكنه لم يقم بما يجب من النصرة وأخذ الثأر للحسين t، ممن قتله.

هذا هو الأمر الأول، لأن المؤلف -رحمه الله- ذكر أنه حصلت أمور عظيمة.

قال :"وَجَرَتْ فِي إمَارَتِهِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ :- أَحَدُهَا مَقْتَلُ الْحُسَيْنِ t"، وذكر فيه الكلام الماضي.

وأما الأمر الثاني الذي حصل في زمن يزيد:"وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي : فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ نَقَضُوا بَيْعَتَهُ، وَأَخْرَجُوا نُوَّابَهُ وَأَهْلَهُ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ جَيْشًا؛ وَأَمَرَهُ إذَا لَمْ يُطِيعُوهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ أَنْ يَدْخُلَهَا بِالسَّيْفِ، وَيُبِيحَهَا ثَلَاثًا فَصَارَ عَسْكَرُهُ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ ثَلَاثًا يَقْتُلُونَ وَيَنْهَبُونَ وَيَفْتَضُّونَ الْفُرُوجَ الْمُحَرَّمَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَ جَيْشًا إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ، فَحَاصَرُوا مَكَّةَ وَتُوُفِّيَ يَزِيدُ وَهُمْ مُحَاصِرُونَ مَكَّةَ، وَهَذَا مِنْ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ الَّذِي فُعِلَ بِأَمْرِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسَبُّ وَلَا يُحَبُّ، قَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ " قُلْت لِأَبِي: إنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ : إنَّهُمْ يُحِبُّونَ يَزِيدَ، قَالَ: يَا بُنَيَّ وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ فَقُلْت: يَا أَبَتِ فَلِمَاذَا لَا تلعنه ؟ قَالَ : يَا بُنَيَّ وَمَتَى رَأَيْت أَبَاك يَلْعَنُ أَحَدًا ؟ وَرُوِيَ عَنْهُ قِيلَ لَهُ : أَتَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ؟ فَقَالَ : لَا ، وَلَا كَرَامَةَ؛ أَوَلَيْسَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ؟ فَيَزِيدُ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ، لَا يُحِبُّونَهُ مَحَبَّةَ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ وَلَا يَسُبُّونَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ لَعْنَةَ الْمُسْلِمِ الْمُعينِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ tأَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَكَانَ كُلَّمَا أُتِيَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ rضَرَبَهُ، فَقَالَرَجُلٌ : لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ rفَقَالَ النَّبِيُّ r:« لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»، وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يُجِيزُونَ لَعْنَهُ – يعني يزيد -  لِأنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فَعَلَ مِنْ الظُّلْمِ مَا يَجُوزُ لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى مَحَبَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَوَلَّى عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ؛ وَبَايَعَهُ الصَّحَابَةُ، وَيَقُولُونَ : لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَهُ، وَالصَّوَابُ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ: مِنْ أَنَّهُ لَا يُخَصُّ بِمَحَبَّةِ وَلَا يُلْعَنُ، وَمَعَ هَذَا فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لِلْفَاسِقِ وَالظَّالِمِ لَاسِيَّمَا إذَا أَتَى بِحَسَنَاتِ عَظِيمَةٍ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ : « أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِية مَغْفُورٌ لَهُ»[رواه البخاري في الجهاد والسير (2924).] ، وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مَعَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ tوَقَدْ يُشْتَبَهُ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بِعَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ خَيْرُ آلِ حَرْبٍ، وَكَانَ أَحَدَ أُمَرَاءِ الشَّامِ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أَبُو بَكْرٍ tفِي فُتُوحِ الشَّامِ، وَمَشَى أَبُو بَكْرٍ فِي رِكَابِهِ يُوصِيهِ مُشَيِّعًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ : لَسْتُ بِرَاكِبِ وَلَسْتَ بِنَازِلِ إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِفِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ بَعْدَ فُتُوحِ الشَّامِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَلَّى عُمَرُ tمَكَانَهُ أَخَاهُ مُعَاوِيَةَ وَوُلِدَ لَهُ يَزِيدُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عفان، وَأَقَامَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ إلَى أَنْ وَقَعَ مَا وَقَعَ، فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَامْتِحَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ .

بعدما تقدم من بيان الأمر الأول، قال المؤلف -رحمه الله- :"وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي : فَإِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ نَقَضُوا" هذا ثاني ما وقع في زمنه من المصائب العظيمة التي حصل بسببها شر عظيم، ولا ريب أن ما جرى من يزيد اعتداء وظلم، وأن ما جرى منه فساد وفسق، ولذلك ذكر المؤلف -رحمه الله- هذا صريحاً، فقال:"وَهَذَا مِنْ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ الَّذِي فُعِلَ بِأَمْرِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسَبُّ وَلَا يُحَبُّ"، لا يسب؛ لأن المسلم ليس بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش البذئ، بل أظلم منه كالحجاج وأشباههم لا يلعنون على القول الراجح من أهل العلم، بل من أراد أن يذكرهم بسوء فليذكر على وصف العموم كقوله تعالى: ]أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ[[سورة هود:18.]، أو ما أشبه ذلك مما لا يتعين فيه توجه اللعن إلى معين.

وأما قوله :"وَلَا يُحَبُّ" نفي المحبة هنا لأنه ليس عنده ما يوجب المحبة، بل إن عنده ما يوجب البغض، لكن هذا البغض لا يحمل على السب والطعن.

ولعل الشيخ -رحمه الله- لم يصرح ببغضه، مع أن كلام الإمام أحمد -رحمه الله- يشعر بكراهيته وبغضه لأنه تنازع فيه ما عنده من سيئات وما جاء في فضل أول جيش يغزو مدينة قيصر "القسطنطينية"، فإن النبيrذكر فيما رواه الإمام البخاري من حديث أم حرام «أن أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ...».[تقدم تخريجه.]

وقد كان معهم يزيد بن معاوية في ذلك الجيش، واستدل به طائفة من أهل العلم على أنه مغفور له.

وذكر بعض أهل العلم كلاماً قيد به هذا الإطلاق فقال :"ما لم يكن سببًا لإخراج بردة أو كفر"، وهذا الوصف لم يقم بيزيد فإنه لم يكن عنده كفر ولا ردة، ولكن عنده ظلم وعدوان بما جرى من انتهاك حرمة المدينة واستباحة الأموال والأعراض، لا شك أن هذا من الظلم المبين العظيم الذي لا يغفره الله -جل وعلا- فيما يظهر والعلم عند الله لما فيه من الانتهاك لحرمات المهاجرين والأنصار وأبنائهم.

ولذلك قال الإمام أحمد -رحمه الله- لما سئل عن محبة يزيد فقال :"يَا بُنَيَّ وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟" لما فعله من العظائم، والمحبة تقتضي الموالاة، وهو فعل ما يوجب المنافرة والبغض.

ثم قال:"فَيَزِيدُ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ، لَا يُحِبُّونَهُ مَحَبَّةَ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ وَلَا يَسُبُّونَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ لَعْنَةَ الْمُسْلِمِ الْمُعينِ"، يعني هذا على وجه العموم ليس خاصًّا بيزيد لا يلعنون المسلم المعين، وذكر في ذلك قول النبيrفَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»[رواه البخاري في الحدود(6780).]، وحب الله ورسوله وصف يقوم في قلب كل مؤمن، فكل مسلم في قلبه من محبة الله ورسوله نصيب، وهذا يتفاوت من شخص إلى آخر.

ومع هذا فطائفة من أهل السنة تجوِّز لعنته، أي ليس مسألة إجماعية بل طائفة من أهل السنة يجوِّزون لعنه ويستدلون بالعمومات الواردة في اللعن، وهؤلاء الذين يلعنونه يرون جواز لعن المعين إذا قام فيه سبب اللعن، ويستدلون بقول الله تعالى:]فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ[.[سورة محمد: 22- 23.]

وقالوا:"إن يزيد قد تحقق فيه هذا العمل، حيث إنه استباح حرمات المؤمنين وقطع الصلات والأرحام التي بينه وبين أهل المدينة من أهل مكة من القرشيين".

وعلى كل حال، المنهج القويم والطريق المستقيم في هذا أنه لا يلعن معين، لا يزيد ولا غيره، حتى الكافر المعيَّن لا يلعن على الراجح من قول أهل العلم أنه لا يلعن.

قال بعد ذلك -رحمه الله- :"وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى مَحَبَّتَهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَوَلَّى عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ؛ وَبَايَعَهُ الصَّحَابَةُ، وَيَقُولُونَ : لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَكَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَهُ" ثم أشاح عن هذا الخلاف فقال:"وَالصَّوَابُ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ: مِنْ أَنَّهُ لَا يُخَصُّ بِمَحَبَّةِ وَلَا يُلْعَنُ، وَمَعَ هَذَا فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لِلْفَاسِقِ وَالظَّالِمِ لَاسِيَّمَا إذَا أَتَى بِحَسَنَاتِ عَظِيمَةٍ"، لم يقل الشيخ: إنه يبغض، إنما ينفي محبته ولا يثبت بغضه، والمغفرة أمر لا يوجب المحبة من عموم الناس؛ فإن الله تعالى قال ]إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[.[سورة النساء:48.]

وهذه المغفرة لا توجب محبة أهل المعصية، مع أنهم تحت مشيئة المغفرة.

فذكر بعد ذلك ما رواه عمير بن الأسود، عن أم حرام بنت ملحان أن النبيrقال:«أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِية مَغْفُورٌ لَهُ»[تقدم تخريجه.]، وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَعَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ t.

ثم ذكر اشتباه المواضع بين يزيد بن معاوية ويزيد بن أبي سفيان، والفارق بينهما وهذا على وجه الاستطراد والتبيين.

ثم قال:"فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يَزِيدَ ابْنِ مُعَاوِيَةَ وَامْتِحَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ"، وهذا ينبهنا إلى أنه لا يجوز لمؤمن أن يمتحن الناس بالأشخاص، فإن امتحان الإنسان بالأشخاص من منهج المبتدعة، وليس من منهج أهل السنة والجماعة، فيزيد على عظيم ما وقع منه على أهل الإسلام، فالشيخ -رحمه الله- يقول:"فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَامْتِحَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ"، فهذا أمر ملتبس مشتبه.

فالذين يمتحنون الناس بأشخاص ماذا يقول فلان في فلان من الأموات، سواء كان له مؤلفات أو لا، هو نظير ما يشير إليه الشيخ رحمه الله، وهو من أسباب الفتن، ما تقول في فلان؟ ويعادون ويوالون على ذمِّه أو مدحه، فمن مدحه فهو القريب ومن ذمه فهو البعيد، والعكس.

وهذا من جملة ما تقع به الفتنة بين المسلمين.

ولذلك يقول:"فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ"، والعجيب أن بعض من يدَّعي السنية أو السلفية، أو أنه مستمسك يلج هذه المسالك، فيمتحن الناس بشيء من الامتحان بالأشخاص، وهذا لا شك أنه من الخطأ المبين، والخارج عن طريق أهل السنة والجماعة.

إنما يمتحن الناس بما يجب اعتقاده في كلام الله وكلام رسوله، لاسيما الأشخاص الذين لهم حسنات، وعندهم أخطاء، لهم أعمال قد توجب محبتهم أو توجب قبول الخير الذي عندهم، وعندهم أخطاء توجب رد الخطأ.

هذا في المسائل الواضحة فكيف إذا كانت المسائل مشتبهة.

فيزيد الأخطاء التي وقع فيها كانت واضحة، استباحته للمدينة ظلم وعدوان بيِّن ، فكيف بالأمور الملتبسة التي من جملة الآراء والاختيارات الفقهية؟ فالذي يوالي مثلاً الشافعي ويعادي الحنفية، أو من يوالي الحنفية ويعادي الشافعية كما هو واقع، فقد نقول إن هذا غير موجود في محيطنا، لكن هذا واقع، ومرَّ على الأمة بلاء كبير من جهة المذاهب الفقهية.

جاءت المذاهب الفقهية، ولو اطلعت على بعض ما كتب في فقه المذاهب لوجدتم أن هناك خلافاً، هل يجوز أن يتزوج الشافعي حنفية؟ والحنفية شافعي؟ وهل تصح صلاة الحنفي خلف الشافعي، والشافعي خلف الحنفي؟

هذا من البدع المحدثة في دين الله تعالى، وهو نوع من الذي يذكره الشيخ رحمه الله.

ومثل الامتحان بالشخصيات الحديثة التي جرى منها خير وجرى منها خطأ ، قد يكون الخطأ بيِّن وواضح، وقد يعذر أصحابه بهذا الخطأ أو لا يعذر، المقصود أن امتحان الناس بالأشخاص هو الذي يشير إليه الشيخ -رحمه الله- في هذا المقطع.

"وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَامْتِحَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ ".

ليس من الصحابة، ولا من أئمة العدل، بل هو من الظلمة، ولذلك قال الإمام أحمد -رحمه الله- لما سئل عن محبة يزيد؟ قال:"وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"، لكن هذا لا يحمل على اللعن، فلذلك لما قيل له:" يَا أَبَتِ فَلِمَاذَا لَا تلعنه؟ قَالَ : يَا بُنَيَّ وَمَتَى رَأَيْت أَبَاك يَلْعَنُ أَحَدًا"، يعني لا يلعن يزيدًا ولا غير يزيد.

 

ثم بعد هذا يأتي المؤلف -رحمه الله- بفصل مهم من فصول هذه الوصية المباركة، ونحن بأمس الحاجة إلى الوقوف عند كلمات هذا الفصل لتشابه ما يقع في كثير من أعمال الناس اليوم بما ينبِّه عليه الشيخ -رحمه الله- في هذا الفصل.

فَصْلٌ:وَكَذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَامْتِحَانِهَا بِمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ : مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: أَنْتَ شكيلي، أَوْ قرفندي، فَإِنَّ هَذِهِ أَسْمَاءٌ بَاطِلَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ rوَلَا فِي الْآثَارِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ لَا شكيلي وَلَا قرفندي، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَنَا شكيلي وَلَا قرفندي ؛ بَلْ أَنَا مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.

هذا فيه الاكتفاء بالاسم والوصف الذي ارتضاه الله تعالى لهذه الأمة، فإن الله تعالى قال:]هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ[[ سورة الحج: 78.]فالوصف الذي ارتضاه الله تعالى للأمة أو ارتضاه الخليل uللأمة، وأقره الله تعالى عليه هو الإسلام، فمن رضي بغير هذا الاسم من الأسماء الضيقة التي تُشعر بالموالاة والمعاداة عليه ،فإنه خارج عن الصراط المستقيم.

بل الواجب على المؤمن أن ينتسب إلى ما أمر الله تعالى به، وجعله عنوان السعادة والفلاح ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ[[سورة آل عمران :85.] ، وقال تعالى:]إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ[.[ سورة آل عمران : 18.]

هذا هو الذي تصح النسبة إليه، ويجب الاستمساك به، وعلى هذا فهذه الحزبيات التي بلي بها الناس، والأوصاف التي تطلق عليهم هي من قبيل الشكيلي والقرفندي وما أشبه ذلك.

فالمسميات التي يتمسك الناس بها ويتحزبون لها هي من جملة هذا، فينبغي الحذر وعدم التعصب لغير الكتاب والسنة.

فلا يتعصب المؤمن لشخص، ولا لمؤلف، ولا لجهة، ولا لجماعة، بل انتماؤه للكتاب والسنة.

وغضبه وموالاته ومعاداته إنما تكون على كتاب الله تعالى وسنة رسوله.

يقول:"وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ : أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ أَوْ مِلَّةِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: لَسْتُ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ وَلَا عَلَى مِلَّةِ عُثْمَانَ بَلْ أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ r، وَكَذَلِكَ كَانَ كُلٌّ مِنْ السَّلَفِ يَقُولُونَ: كُلُّ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ فِي النَّارِ: وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: مَا أُبَالِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ؟ عَلَى أَنْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ أَوْ أَنْ جَنَّبَنِي هَذِهِ الْأَهْوَاءَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّانَا فِي الْقُرْآنِ: الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ، فَلَا نَعْدِلُ عَنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّانَا اللَّهُ بِهَا إلَى أَسْمَاءٍ أَحْدَثَهَا قَوْمٌ - وَسَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ - مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ.

الآن بعد أن قرر المؤلف -رحمه الله- وجوب الانتساب للكتاب والسنة، وأنه لا يجوز لمؤمن أن يتعصب لغير هذا الاسم، - اسم الإسلام- ذكر هذه الأسماء ، أسماء انتشرت وشاعت وقبلت بين أهل العلم، وهو ما يوصف به أتباع المذاهب" الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي"، هذه أسماء خاصة، فما حكم هذه النسب؟.

يقول -رحمه الله-:"بَلْ الْأَسْمَاءُ الَّتِي قَدْ يَسُوغُ التَّسَمِّي بِهَا مِثْلُ انْتِسَابِ النَّاسِ إلَى إمَامٍ كَالْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ، أَوْ إلَى شَيْخٍ كَالْقَادِرِيِّ والعدوي وَنَحْوِهِمْ أَوْ مِثْلُ الِانْتِسَابِ إلَى الْقَبَائِلِ: كَالْقَيْسِيِّ وَالْيَمَانِيِّ وَإِلَى الْأَمْصَارِ كَالشَّامِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْمِصْرِيِّ.

لاحظ في هذه النسب، المؤلف -رحمه الله- ذكر ثلاثة أنواع من الانتساب، "انتساب فقهي"، و"انتساب مسلكي عملي"، و"انتساب نسبي".

الانتساب الأول : المالكي والحنفي والشافعي والحنفي"، قال -رحمه الله-:"بَلْ الْأَسْمَاءُ الَّتِي قَدْ يَسُوغُ التَّسَمِّي بِهَا مِثْلُ انْتِسَابِ النَّاسِ إلَى إمَامٍ كَالْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ أَوْ إلَى شَيْخٍ كَالْقَادِرِيِّ والعدوي وَنَحْوِهِمْ، أَوْ مِثْلُ الِانْتِسَابِ إلَى الْقَبَائِلِ: كَالْقَيْسِيِّ وَالْيَمَانِيِّ وَإِلَى الْأَمْصَارِ كَالشَّامِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ" هذه النسب لا تتضمن تزكية في ذاتها، ولا تذم غيرها، بخلاف النسب التي تقتضي الثناء والمدح للنفس والذم للغير، فإن هذه نسب تحمل على اتهام الغير وتزكية النفس، والله تعالى قد قال:]فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى[.[سورة النجم:32.]

وفي الانتساب إلى الحنفية أو المالكية أو القبلية ليس في ذلك تزكية، إنما هو خبر عن طريق إما فقهي أو عملي أو نسبة قبلية، مع خلو هذه النسب من المعاني التي توجب القدح أو الذم، وتوجب التزكية أو القدح، يقول -رحمه الله- :"فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّاسَ بِهَا " لأن من الناس من ينقل هذه الأوصاف العادية إلى كونها تستوجب مدحاً أو ذمًّا.

النبيrوصف من اعتزَّ بوصف المهاجرين أو بوصف الأنصار في مقام العصبية بأنها دعوى جاهلية مع أن الهجرة والنصرة أوصاف ممدوحة في الشرع، ورتب الله عليها أجور وفضائل، ومع ذلك لما كانت في مساق التعصب وصفها النبيrأنها جاهلية.

وذلك لما قال الأَنْصَارِيُّ يَا لَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللهِrفَقَالَ مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ» قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ».[رواه البخاري في التفسير (4905)، ومسلم في البر والصلة(2584).]

مع أنها أوصاف محمودة في الشرع، لكنها جيء بها للانتصار لغير الشرع، ولغير الأوصاف التي يحبها الله ورسوله.

يقول المؤلف -رحمه الله- :"فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّاسَ بِهَا " أي: بهذه الأوصاف، "وَلَا يُوَالِيَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَا يُعَادِيَ عَلَيْهَا" لا يحبه لأنه حنفي، أو لأنه قيسي، أو أنه قادري، ويعادي لأجل ذلك، بل المحبة والولاء والبراء مدارهما على دين الله وشرعه.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93689 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89564 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف