بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبه ثقتي
الحمدُ لله الذي شَرَح صَدرَ مَنْ أراد هِدايَته للإسلامِ، وفقَّه في الدِّينِ مَنْ أرادَ به خيراً، وفهمَّه فيما أحْكَمه مِن الأحْكامِ، أحْمَدُه أن جعلَنا مِن خَيرِ أمَّةٍ أُخْرِجت للناسِ، وخَلَع علينا خِلْعةَ الإسلامِ خيرَ لباسٍ، وشرَع لنا مِن الدِّينِ ما وصَّى به نوحاً وإبراهيمَ وموسى وعيسى، وأوحاه إلى محمدٍ عليه وعليهم الصلاةُ والسلامُ، وأشْكُرُه وشُكْر المنعِمِ واجبٌ على الأَنامِ.
وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له ذو الجلالِ والإكرامِ، وأشهدُ أنَّ سيَّدَنا محمداً عبدُه ورسولُه، وحبيبُه وخليلُه، المبعوثُ لبيانِ الحَلالِ والحَرامِ، صَلَّى اللهُ وسلم عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصحبِه وتابعيهم الكرامِ.
أما بعدُ:
فهذا شرحٌ لطيفٌ على مختصرِ المقنِع للشيخِ الإمامِ العلَّامةِ، والعُمْدةِ القُدوةِ الفهَّامةِ، هو: شرفُ الدِّينِ أبو النِّجا موسى بنُ أحمدَ بنِ موسى بنِ سالمِ بنِ عيسى بنِ سالمِ المقدسيِّ الحَجَّاويِّ ثم الصالحيِّ الدِّمشقيِّ -تغمَّدَه اللهُ برحمتِه، وأباحَه بحبوحةَ جنَّتِه-، يُبَيِّنُ حقائقَه، ويوضِّحُ معانيَه ودقائقَه، مع ضمِّ قيودٍ يتعيَّنُ التنبيه عليها، وفوائدَ يُحتاجُ إليها، مع العَجزِ وعدمِ الأهليَّةِ لسُلُوكِ تلكَ المسالِكِ، لكن ضرورةَ كونِه لم يُشرَحْ اقْتَضت ذلك.
واللهُ المسئولُ بفضلِه أنْ يَنفعَ به كما نفَع بأصلِه، وأنْ يجعلَه خالصاً لوجهِه الكريمِ، وزُلْفى لدَيْه في جنَّاتِ النَّعيمِ المقيمِ.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، أي: بكلِّ اسمٍ للذَّاتِ الأقْدَسِ، المسمَّى بهذا الاسمِ الأَنفسِ، الموصوفِ بكمالِ الإنعامِ وما دونَه، أو بإرادةِ ذلك، أؤلِّفُ مُستعيناً أو مُلابِساً على وجهِ التَّبركِ.
وفي إيثارِ هذين الوصفين المفيدَين للمبالَغةِ في الرَّحمةِ إشارةٌ لسبقِها وغلبتِها على أضدادِها وعدمِ انقطاعِها.
وقدَّم (الرَّحْمَنِ)؛ لأنه عَلَمٌ في قولٍ، أو كالعَلَمِ مِن حيثُ إنَّه لا يوصَفُ به غيرُه تعالى؛ لأن معناه المُنعِمُ الحقيقي، البالغُ في الرحمةِ غايتَها، وذلك لا يَصْدُق على غيرِه.