×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / دروس المصلح / العقيدة / لمعة الاعتقاد(الشرح الثاني) / الدرس (19) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:1439

الدرس (19) من شرح رسالة لمعة الاعتقاد للشيخ أد خالد المصلح

قال الإمام موفق الدِّين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيرحمه الله تعالىٰ:

(ومِنَ السُّنّةِ تَوَلِّي أصحاب رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومحبَّتُهُم، وذِكْرُ محاسنِهم، والتَّرَحُّمُ عليهم، والاستغفارُ لهم، والكَفُّ عن ذِكْرِ مسَاوئِهِم، ومَا شَجَرَ بَيْنَهُم، واعتِقادُ فَضْلِهِم، ومعرِفةُ سابِقَتِهم. قال الله تعالىٰ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾،[سورة : الحشر (10).]وقال تعالىٰ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.[سورة : الفتح (29).]

وقال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسبّوا أصحابي، فإنّ أحدَكم لو أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهَباً ما بَلغَ مُدّ أحدِهم ولا نَصيفَه)))[البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لو كنت متخذاً خليلاً))، حديث رقم (3673).مسلم: فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة، حديث رقم (2541).].

                                        بسم الله الرحمـٰن الرحيم

 الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين.

أما بعد:

فيقول المؤلف رحمه الله في بيان ما يجب عقْده فيما يتعلق بصحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ومِنَ السُّنّةِ تَوَلِّي أصحاب رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، (ومِنَ السُّنّةِ) أي التي يجب اعتقادها والعمل بها، وليس المقصود بالسنة هنا السنة الاصطلاحية التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها؛ بل السنة هنا الطريقة التي يسلكها أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

(تَوَلِّي أصحاب رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) والتولي مـأخوذ من ولي الشيء إذا والاه؛ أي قرب منه، والمقصود بالتولي هنا القرب من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك بمحبتهم وإجلالهم وتقديرهم ومعرفة سابقتهم، وما ذكره المؤلف رحمه الله مما يجب لهم.

فقوله: (ومِنَ السُّنّةِ تَوَلِّي أصحاب رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هـٰذا بيان مجمل لما يجب للصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

ثم جاء تفصيل ذلك في قوله: (ومحبَّتُهُم، وذِكْرُ محاسنِهم، والتَّرَحُّمُ عليهم، والاستغفارُ لهم، والكَفُّ عن ذِكْرِ مسَاوئِهِم، ومَا شَجَرَ بَيْنَهُم، واعتِقادُ فَضْلِهِم، ومعرِفةُ سابِقَتِهم).كل هـٰذا إنما هو من معاني التولي، فإن من لوازم التولي ما ذكره رحمه الله من هـٰذه الواجبات التي تجب لصحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قول المؤلف رحمه الله: (تَوَلِّي أصحاب رسولِ اللهِ)، (أصحاب) جمع صاحب والصاحب هو من لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمناً به ومات على ذلك ولو كان ذلك ساعة من نهار، فالصحبة اسم جنس يصدق على كل من لقي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤمناً به ومات على ذلك ولو كان ذلك ساعة من نهار؛ لكن لا شك أن الأصحاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُم يتفاوتون في الحقوق بقدر تحقق الصحبة لهم، فالذين صحبوه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطول وكانت صحبتهم أحسن وأكمل لهم من الحق والفضيلة والمزية ومن هـٰذه الأمور المذكورة أكثر ممن قصُر نصيبه من ذلك.

فالصحبة وصف كلما ازداد في الشخص تحققه علا حقه، وارتفعت قدمه فيما ذكره المؤلف من المحبة وذكر المحاسن.

أعلى الصحابة صحبة هو أبو بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فله من المحبة والفضل والسبق والتولي ما ليس لغيره من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

على سبيل المثال من أسلم بعد الفتح ليس كمن أسلم قبل الفتح، كما ميّز الله جل وعلا ذلك فقال: ﴿لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[سورة : الحديد (10).]. فهـٰذه الآية ميّزت بين طبقات جماعات من الصحابة؛ من أسلم بعد الفتح -وهو صلح الحديبية- دون من     أسلم قبل الفتح، فحق الذين أسلموا قبل الفتح من المحبة وذكر المحاسن والترحم والاستغفار والولاية أعظم من حق من جاء بعد ذلك. لماذا؟ لأن من قبل الفتح تحقق الصحبة فيهم أعظم من تحقق الصحبة فيمن جاء بعد الفتح.

هـٰذا معنى قولنا: الصحبة وصف يزداد الحق بازدياد هـٰذا الوصف، فكلما ازداد نصيب الإنسان من صحبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ازداد حقه من هـٰذه الخصال التي ذكرها المؤلف رحمه الله.

يقول رحمه الله: (ومِنَ السُّنّةِ تَوَلِّي أصحابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومحبَّتُهُم) محبة قلبية؛ وذلك لما كانوا عليه من عظيم الإيمان وصدق اليقين ورسوخ القدم في سبيل المتقين، وما كانوا عليه من الذب عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا عليه من الدعوة إلىٰ الله عز وجل والنصح للخلق، فهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم لهم القدم المعلّى الذي لا يمكن أن يلحق في هذه الأمور كلها رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

ويكفيهم فضلاً أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال فيهم: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم))[البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم (3651). عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة رَضِيَ اللهُ تعالىٰ عَنْهُم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، حديث رقم (2533). عن عمران بن حصين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.]. فهم خير الناس، وقد قال الله جل وعلا، هم أحق من يدخل في قوله تعالىٰ:﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ،[سورة : آل عمران (110).]وهم أحق من يدخل في قول الله تعالىٰ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا؛[سورة : البقرة (143).]بل هم المعنيون بقوله تعالىٰ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[سورة : التوبة (100).].فالمهاجرون والأنصار السابقون منهم هم الذين رَضِيَ اللهُ عَنْهُم رضاً مطلقاً، فلم يقيد ذلك باتباع بإحسان أو بإحسان فيما كان منهم، بل قال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ﴾ فاشترط الإحسان في التابعين لا فيهم هم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم ﴿رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾فهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم لهم من الفضائل ما ليس لغيرهم، ولهم من المنزلة والمكانة ما ليس لغيرهم، فحقُّهم أن يحبوا؛ لأن محبة الصالحين من عبادة الله عز وجل ومن طاعته التي يؤجر عليها الإنسان ويثاب عليها.

فينبغي للمؤمن أن يستشعر هـٰذا المعنى وأن يلاحظه، فليست المحبة لكوننا مأمورين بمحبتهم؛ بل نحن نحبهم محبة قلبية؛ لما كانوا عليه من الفضل، ولما كانوا عليه من الخير، ولما وصلنا عن طريقهم من الشريعة، فهم حفظة الشريعة وحملتها رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

يقول: (وذِكْرُ محاسنِهم) فالواجب ذكر محاسنهم؛ لأن ذكر المحاسن مما يزداد به حبهم ويزداد به توليهم.

(والتَّرَحُّمُ عليهم) أي والواجب أيضاً أن نترحم عليهم، أي أن ندعو لهم بالرحمة والمغفرة وأن ندعو لهم بالرضا وبكل خير.

(والاستغفارُ لهم) أي طلب المغفرة لهم؛ لأنه ما من إنسان إلا ويخطئ، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون))[سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب (49)، حديث رقم (2499).سنن ابن ماجه: كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، حديث رقم (4251).]. فنحن لا نقول إنهم معصومون؛ لكننا نقول: هم من السبق والفضل والمكانة والخير والتقوى بما يستوجب أن يحبُّوا وأن يذكروا بإحسان وأن يترحم عليهم وأن يستغفر لهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

يقول رحمه الله: (والكَفُّ عن ذِكْرِ مسَاوئِهِم) الكف الامتناع، (عن ذِكْرِ مسَاوئِهِم) أي عن ذكر ما ينسب إليهم من المساوئ، ولا يلزم أن تكون هـٰذه المساوئ صحيحة النسبة لهم؛ بل سواء كانت صحيحة النسبة أو لم تصح الواجب الكف عن مساوئهم؛ لأنهم رضي الله عنهم قد رضي الله عنهم، ومن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فلا يسوغ لمؤمن أن يبحث عن عيوبه أو أن يتلقط زلاته، أو أن يبحث عن عثراته، فإن هـٰذا مما يضعف مكانتهم وينزل منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل إياها.

ثم اعلم أن كثيراً مما يذكر من المساوئ المنسوبة إلىٰ الصحابة:

  • إما أنها آثار لا تصح.
  • وإما أنها صحيحة لكنْ فيها زيادة ونقص.
  • وإما أنها غُيِّرت عن الوجه الذي جاءت به، فبدل أن تكون إحساناً حُولت إلىٰ أن تكون سيئة ومثلبة.

هـٰذا فيما نقل.

كذلك إذا ثبت هـٰذا الذي ينسب إليهم، فالواجب أن نعتقد أنهم مجتهدون رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، لا يخلو حالهم من إصابة فيكون لهم أجران، أو أن يكونوا قد أخطؤوا فيكون لهم أجر رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

وهـٰذا لا يعني أننا نقول: إنهم معصومون كما تقدم قبل قليل؛ لكننا نعتقد فيهم كل خير،ونعتقد فيهم كل بر، ونسأل الله لهم العفو والعافية والمغفرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأرضاهم.

قال: (ومَا شَجَرَ بَيْنَهُم، واعتِقادُ فَضْلِهِم) يعني الكف عن ذكر مساوئهم، وذكر ما شجر بينهم. (ما شجر) أي اشتبك واشتبه ووقع بينهم من خلاف.

الواجب الكف عما شجر بينهم، فلا يجوز لمؤمن يرغب النجاة ويحب السلامة أن يقع في ذكر ما وقع بين الصحابة من خلاف؛ بل الواجب الإعراض عن تلك الفتنة، وعدم الوقيعة فيها أو التكلم فيها أو ذكرها، فإن الواجب الإعراض عن ذلك.

قال رحمه الله: (واعتِقادُ فَضْلِهِم، ومعرِفةُ سابِقَتِهم).فالواجب أن نعتقد فضلهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وأن نعرف ما لهم من السابقة والمكانة، ولذلك قال: (واعتِقادُ فَضْلِهِم، ومعرِفةُ سابِقَتِهم) .وأنهم سبقوا إلى الخير، وسبقوا إلىٰ الفضل وسبقوا إلىٰ نصرة الشريعة ونصرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.

استدل المؤلف رحمه الله لما تقدم من واجبات في حق صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: (قال الله تعالىٰ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (10)﴾[سورة : الحشر (10).]). هـٰذه الآية جاء في سياق بيان الذين يستحقون الأخذ من الفيء، والفيء هو ما يوقف عليه من أموال الكفار بلا قتال، فجعل الله عز وجل الحق فيها ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾،[سورة : الحشر (8).]ثم ذكر الله عز وجل ممن يستحق الفيء بعد ذكر المهاجرين والأنصار ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾أي من بعد المهاجرين والأنصار، لكن ليس كل من جاء بعدهم إنما من كان على هـٰذه الصفة: ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (10)﴾. فهـٰذا فيه الدعوة لهم بالرحمة والدعوة لهم بالمغفرة.

(وقال تعالىٰ: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ[سورة : الفتح (29).]).وهـٰذا من أبرز ما تميز به الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم: أنهم أشداء على أعداء الله الذين يحادّون الله ويكذبون رسله، وهم فيما بينهم أهل رحمة وتواضع وخفض جناح وذلة وتقارب، حتى إنه وصفهم الله عز وجل بهذا الوصف في قوله تعالىٰ: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾الرحماء جمع رحيم، والرحيم هو الذي يسعى في إيصال الخير وقطع الشر عن المرحوم، فهم -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- كانوا يسعون في إيصال كل خير لكل من يعرفونه من أهل الإسلام، ويسعون في قطع كل شر عمن يعرفونه من أهل الإسلام رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وأرضاهم.

وكفى بتزكية الله -عز وجل- لهم تزكية في هـٰذه الآية وفي غيرها من الآيات.

(وقال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسبّوا أصحابي، فلو أنّ أحدَكم أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهَباً ما بَلغَ مُدّ أحدِهم ولا نَصيفَه))[تم تخريجه في الصفحة: (2).]).هـٰذا الحديث رواه الإمام البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقد ذكر مسلم له قصة وهي أن شيئاً وقع بين خالد بن الوليد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وبين عبد الرحمـٰن بن عوف، فتكلم خالد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في عبد الرحمـٰن، سبَّه، فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَسبّوا أصحابي)) يقول هـٰذا لمن؟ النهي موجه لمن؟ لخالد بن الوليد، خالد صحابي أو ليس بصحابي؟ خالد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صحابي؛ لكنه من الذين أسلموا بعد الفتح، أي بعد صلح الحديبية، فهو ممن تأخر إسلامه، فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الذين تأخر إسلامهم أن يسبوا وأن يتكلموا فيمن تقدم إسلامهم، كعبد الرحمـٰن بن عوف وغيره من الصحابة الذين أسلموا قبل الفتح؛ لما لهم من المكانة والمنزلة، فكيف بمن جاء من غير الصحابة من بعدهم؟

حق الصحابة فيما بينهم إذا كان يتفاضلون هـٰذا التفاضل، ففضل الصحابة على وجه الإجمال على من بعدهم كفضل الأولين منهم على المتأخرين.

معنى هـٰذا أن هـٰذا النهي نهي لكل مسلم أن يسب أحداً من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سواء كان ممن تقدم إسلامه أو ممن تأخر إسلامه؛ لأن نسبة من بعد الصحابة للصحابة كنسبة المتأخرين منهم إلىٰ المتقدمين.

وهـٰذا دليل لما ذكرنا قبل قليل من أنه كلما ازداد وصف الصحبة في شخص فإنه يستحق من الفضل والمكانة والمحبة وسائر ما يلزم من التولي أكثر من غيره، فإن عبد الرحمـٰن بن عوف يستحق من المحبة والتولي والاستغفار والترحم وما ذكر المؤلف رحمه الله أكثر ممن جاء بعده كخالد بن الوليد، وإن كان الجميع يشتركون في أصل الحق وهو التولي والمحبة والاستغفار والكف عن مساوئهم، والكف عن ما شجر بينهم والاستغفار لهم، وما إلىٰ ذلك مما تقدم ذكره في كلام المؤلف.

فنهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الإسلام أن يسبوا أصحابه، فكل من كان صاحباً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه لا يجوز سبه.

لكن أسأل أيهما أعظم وأشد في السب: أن يسب الإنسان أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أو أن يسب وحشيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؟ أن يسب أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أيهما أعظم: أن يسب عمر أو يسب من تأخر إسلامه أو من تأخر إيمانه من الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم؟ لا شك أن سب عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أعظم.

ولذلك يجب أن يكف المؤمن عن سب كل صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لكن يشتد الأمر في المؤاخذة والذم بقدر ما يكون من الوقيعة فيهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

فمثلاً سب معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وهو ممن أسلم بعد فتح مكة وعمرو بن العاص رَضِيَ اللهُ عَنْهُ محرم، لكن سب أبي موسىٰ، وأبي هريرة أعظم من سب معاوية.

وكذلك سب طلحة والزبير وسعد وسعيد أعظم من سب أبي موسىٰ وأبي هريرة.

كذلك سب أبي بكر وعمر أعظم من سب من دونهم من الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

فقوله: ((لا تَسبّوا أصحابي)) نهي عن سب الجميع، ويتأكد هـٰذا النهي في حق من عظمت منزلته في الصحبة، وطالت صحبته لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ((فإنّ أحدَكم لو أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهَباً)) أي مثل جبل أحد، وهو جبل معروف في المدينة في جهة الشمال منها، لو أنفق غير الصحابي مثل أحد ذهباً ((ما بَلغَ مُدّ أحدِهم) ) أي ما بلغ في الأجر والمثوبة قدر ما ينفق أحد المتقدمين من الصحابة ملء يديه، فالمد هو ملء اليدين، ونصيفه أي نصف المد.

وهـٰذا يبين أن الفضل فيما يقوم في القلب، وأن السابقة لها فضل عند الله عز وجل، كما قال الله جل وعلا: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [سورة : الواقعة (10).].فكل من سبق إلىٰ الفضل فله من المنزلة والمكانة ما ليس لغيره ممن تأخر عن هـٰذا الفضل وعن هـٰذا الخير.

واضح معنى الحديث: ((فإنّ أحدَكم لو أنفقَ مثلَ أُحُدٍ ذهَباً ما بَلغَ مُدّ أحدِهم)) ما معنى ((مُدّ أحدِهم))؟ يعني قدر ما تملأ اليدين نفقة في سبيل الله، فإن نفقة الواحد منهم المد ونفقة الواحد منهم نصف المد خير من أن ينفق غيرهم مثل جبل أحد ذهباً.

 يقول:

(ومِنَ السُّنّةِ التَّرَضِّي عَنْ أَزْواجِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمَّهاتِ المؤمنينَ،المُطهَّراتِ، المُبَرَّآتِ مِنْ كلِّ سوءٍ، أفضلُهنّ خديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ وعائشةُ الصّديقةُ بنتُ الصّديقِ التي بَرّأَهَا اللهُ فِي كتابِهِ، زوْجُ النبيِّصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَفي الدنيا والآخرةِ، فمَنْ قَذَفَهَا بما بَرَّأَها اللهُ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ باللهِ العظيم.

ومعاويةُ خالُ المؤمنينَ، وكاتِبُ وحْيِ اللهِ، وأحدُ خلفاءِ المسلمينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم).

قول المؤلف رحمه الله: (ومِنَ السُّنّةِ التَّرَضِّي عَنْ أَزْواجِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قبل أن نتكلم عن هـٰذا المقطع: ما حكم سب أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

سب أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يخلو من أحوال:

الحال الأولى: أن يسبهم بالكفر؛ بمعنى أن يكفر من علم إسلامه منهم، ويقول مثلاً: الصحابة كفروا إلا نفراً قليلاً، أو أنهم فسقوا جميعاً إلا نفراً قليلاً. فهـٰذا لا شك في كفره.

الحال الثانية من أحوال السب: أن يسبهم ويلعنهم ولا يتهمهم بالكفر، فهـٰذا لا شك أنه ذنب عظيم كبير يوجب المؤاخذة والعقوبة، وهـٰذا باتفاق أئمة الدين، لا خلاف بينهم فيه.

الثالثة: أن يصفهم بما لا يقدح في دينهم من بخل أو ما أشبه ذلك، فهـٰذا أيضاً من المحرمات.

والفارق بين هـٰذا والذي قبله: أن الذي قبله قيل بكفر صاحبه، اختلف العلماء فيه على قولين:

فقيل: إنه يكفر.

وقيل إنه لا يكفر.

أما هـٰذا الذي هو سب بما يقدح فيهم وينقص منزلتهم لكن بما لا يلحقهم به نقص في دينهم فإنه يكون من الكبائر والآثام.

هـٰذه منازل ومراتب سب الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

وأشهر من عرف بسب الصحابة الباطنية الرافضة عليهم من الله ما يستحقون، فإنهم يتقربون إلىٰ الله بسب الصحابة، وهم لا يزدادون بهـٰذا من الله إلا بعداً، ويسوغون هـٰذا ويبررونه بحب آل البيت، وأهل السنة والجماعة أعظم منهم حبًّا لآل البيت وأعظم منهم نصرة لله ورسوله، وجمعوا بين الفضيلتين، فلم يجعلوا بين حب آل البيت وحب الصحابة تعارضاً، بينما عندهم هم أنه لا ولاء إلا ببراء، لا ولاء لأهل البيت إلا بالبراءة من أبي بكر وعمر والسابقين الأولين من الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.

ونحن نقول: لا ولاء إلا بولاء، لا ولاء لأهل البيت إلا بمحبة وولاء صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آله وَسَلَّمَ.

من جملة حقوق الصحابة ما بيّنه المؤلف -رحمه الله- في هـٰذا المقطع حيث قال: (ومِنَ السُّنّةِ التَّرَضِّي عَنْ أَزْواجِ رسولِ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمَّهاتِ المؤمنينَ،المُطهَّراتِ، المُبَرَّآتِ مِنْ كلِّ سوءٍ). أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي من نكحهن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهن رَضِيَ اللهُ عَنْهُن أثنى الله عليهن وبيَّن منزلتهن في قوله تعالىٰ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُأي أزواج النبي ﴿أُمَّهَاتُهُمْ.[سورة : الأحزاب (6).]وهـٰذا الخبر من الله عز وجل فيه بيان ما لهن رَضِيَ اللهُ عَنْهُن من المنزلة، فهن أمهات المؤمنين.

ومعنى الأمومة هنا أي في الحرمة والاحترام والتوقير والإعظام والإكرام، وليست أمومة نسب بلا شك، وليست أمومة خلوة يعني أمومة تبيح الخلوة وتبيح ما يستبيحه الإنسان من النظر لأمه وما أشبه ذلك، إنما هي أمومة احترام وإجلال وتقدير؛ لما لهن رَضِيَ اللهُ عَنْهُن من المنزلة، فهن أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدنيا وأزواجه في الآخرة.

المؤلف -رحمه الله- أثبت هـٰذا لجميع أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو كذلك، فهن رَضِيَ اللهُ عَنْهُن في أصل هـٰذه المنزلة سواء؛ لاستحقاقهن ذلك.

يقول : (المُطهَّراتِ، المُبَرَّآتِ مِنْ كلِّ سوءٍ) المطهرات اللواتي طهرهن الله جل وعلا، وذلك في قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [سورة : الأحزاب (33).]. فلا شك أن المراد بأهل البيت في هـٰذه الآية زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهن من أهل البيت بنص القرآن؛ لأن الكلام السّابق واللاحق كله كان في شأن نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقوله: (المُبَرَّآتِ مِنْ كلِّ سوءٍ) أي: إنهن سليمات بريئات من كل سوء يُلحقه أحد بهن.

 وزوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهن من توفي في حياته وهن: خديجة بت خويلد أول زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزينب بنت خزيمة الهلالية رَضِيَ اللهُ عَنْها، وهي المشهورة بأم المساكين، هاتان الزوجتان توفيتا في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

بقي من أزواجه: عائشة بنت أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْها، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة [رملة] بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث الهلالية، وميمونة بنت الحارث المخزومية، وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، وسودة بنت زَمعة. تسع هن اللواتي توفي عنهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أضف إليهن الثنتين فيكون المجموع إحدى عشرة امرأة تزوجها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هٰؤلاء هن زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولهن من الحق والمكانة ما ذكر رحمه الله.

ثم ذكر التفضيل بين زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أفضلُهنّ خديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ) وهي أولى زوجاته، (وعائشةُ الصّديقةُ بنتُ الصّديقِ التي بَرّأَهَا اللهُ فِي كتابِهِ)، ذكر المؤلف رحمه الله في الفضل عائشة وخديجة، وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في التفضيل بين هاتين الزوجتين من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما من بقي من الزوجات، فإنهن لم يذكرن، أي لم يذكر العلماء رحمهم الله التفضيل بينهن.

فالخلاف في التفضيل بين زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خديجة وعائشة، فعلم بذلك أن أفضل زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هما خديجة بنت خويلد وعائشة بنت أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.

أما أقوال العلماء:

فمنهم من قال: خديجة أفضل.

ومنهم من قال: عائشة أفضل.

ومنهم من توقف وقال: لا نفضل.

ومنهم من قال: إن خديجة أفضل من وجه، وعائشة أفضل من وجه: خديجة أفضل في صدر الإسلام؛ لما كان لها من المكانة في نصرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتثبيته على الرسالة وإعانته. وعائشة أفضل في آخر حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لما كان لها من حفظ الشريعة وحسن التبعل للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إنه لما سأله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل: من أحب الناس إليك؟ قال: ((عائشة))، ثم قال: فمن الرجال؟ قال: ((أبوها))[البخاري: باب فضائل الصحابة، باب قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لو كنت متخذاً خليلاً))، حديث رقم (3662). مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، حديث رقم (2384).]. فلها من المنزلة رَضِيَ اللهُ عَنْها ما لم يوافقها ويشاركها فيه أحد، فيكون الفضل مقسوماً بين خديجة رَضِيَ اللهُ عَنْها وبين عائشة، كل لها فضل.

يقول رحمه الله في حق عائشة: (التي بَرّأَهَا اللهُ فِي كتابِهِ) برأها مم؟ من الإفك الذي اتهمت به رَضِيَ اللهُ عَنْها (زوْجُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدنيا والآخرةِ). وهـٰذا لا تختص به عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها؛ بل يشركها فيه جميع زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (فمَنْ قَذَفَهَا) أي قذف عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها، (بما بَرَّأَها اللهُ مِنْهُ) أي بما طهرها الله منه من الإثم ومن الزنى والفاحشة (فَقَدْ كَفَرَ باللهِ العظيم) لماذا؟ لأنه كذب القرآن الذي تضمن البراءة واضحة جلية في قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ[سورة : النور (11).]. فسماه الله عز وجل إفكاً؛ لكذبه، وبيان فداحة ما وقعوا فيه من وصف عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها بما وصفوها به من الزنى الذي برأها الله منه رَضِيَ اللهُ عَنْها.

يقول رحمه الله: (ومعاويةُ خالُ المؤمنينَ، وكاتِبُ وحْيِ اللهِ، وأحدُ خلفاءِ المسلمينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم).جاء ذكر معاوية على وجه الخصوص للرد على الذين سبوه وكفروه ووقعوا فيه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فمعاوية بن أبي سفيان وقع فيه الرافضة والخوارج، فكفره الخوارج وكفره الرافضة وسبوه وشتموه، وهو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، له من الحق مثل ما لغيره، فهو داخل في ما للصحابة من الفضائل وما لهم من الحقوق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ووصفه المؤلف رحمه الله بقوله: (خالُ المؤمنينَ) لأنه أخو أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رَضِيَ اللهُ عَنْها زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهـٰذا الوصف اختلف العلماء رحمهم الله فيه على قولين: هل يوصف إخوان زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنهم أخوال المؤمنين، وأخواتهن بأنهن خالات المؤمنين، فتكون مثلاً أسماء بنت أبي بكر خالة المؤمنين، ويكون عبد الله بن عمر مثلاً خال المؤمنين، وكذلك اختلفوا في بناتهن هل يوصفن بأنهن أخوات المؤمنين، واختلفوا أيضاً في آبائهن -آباء أمهات المؤمنين- هل يوصفون بأنهم أجداد المؤمنين وجدات المؤمنين؟

الذي عليه جمهور العلماء أنهم لا يوصفون بذلك؛ لأن هـٰذه الفضيلة خاصة بزوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون غيرهن، وهي أمومة حرمة واحترام وتقدير وفضل وإجلال، وليست أمومة نسب حتى تنتشر وتتسع، فوصفه بخال المؤمنين من هـٰذا الوجه، وقد ذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يوصف بهذا الوصف.

يقول: (وكاتِبُ وحْيِ اللهِ) أي إنه كتب الوحي للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو من كتبة الوحي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

(وأحدُ خلفاءِ المسلمينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم) إذ اجتمع عليه المسلمون بعد تنازل الحسن بن علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن الخلافة، فاجتمع في سنة إحدى وأربعين المسلمون على معاوية رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأصبح بذلك الخليفة للمسلمين الذي ولي من قبله من الخلفاء.

نقف على هـٰذا ونكمل إن شاء الله تعالىٰ في الدرس القادم.

 

 والله تعالىٰ أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93554 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89258 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف