(بابُ زكاةِ الحُبوبِ والثِّمَارِ)
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} [ البَقَرَة: 267] والزَّكاةُ تُسمَّى: نَفَقَةً.
(تجبُ) الزكاةُ (في الحُبوبِ كُلِّها) كالحِنطَةِ، والشَّعيرِ، والأُرْزِ، والدُّخْنِ، والبَاقِلاءِ، والعَدَسِ، والحِمِّص، وسَائرِ الحبوبِ (ولو لم تَكُنْ قُوتًا) كحَبِّ الرَّشَادِ والفُجْلِ والقِرطِمِ، والأَبازِيرِ ، كالكُسْفُرَةِ، والكمُّونِ، وبَزْرِ الكَتَّانِ والقِثَّاءِ والخِيارِ؛ لعُمومِ قولِه عليه السلام: «فيما سَقَت السَّمَاءُ والعُيونُ العُشْرُ». رواه البخاري .
(وفي كلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ ويُدَّخَرُ) لقوله عليه السلام: «ليسَ فيمَا دُونَ خَمسَةِ أَوسُقٍ صدَقَةٌ». فدلَّ على اعتِبارِ التَّوسيقِ. وما لا يُدَّخَرُ لا تَكمُلُ فيه النِّعمَةُ؛ لعدَمِ النَّفعِ به مآلًا (كتَمرٍ وزَبيبٍ) ولَوزٍ، وفُستُقٍ، وبُندُقٍ.
ولا تجِبُ في سائرِ الثِّمَارِ، ولا في الخُضْرِ والبُقُولِ والزُّهُورِ ونحوِها، غَيرَ صَعْتَرٍ، وأُشنَانٍ، وسُمَّاقٍ، وورَقِ شَجَرٍ يُقصَدُ، كسِدرٍ، وخِطميٍّ، وآسٍ. فتَجِبُ فيها؛ لأَنها مَكيلَةٌ مُدَّخَرَةٌ.
(ويُعتَبرُ) لوجوبِ الزكاةِ في جميعِ ذلك: (بلوغُ نِصابٍ قَدرُهُ) بعدَ تَصفيَةِ حبٍّ مِن قِشرِه، وجَفَافِ غَيرِه: خمسَةُ أوسُقٍ؛ لحديثِ أبي سعيدٍ الخدري يرفَعُه: «ليس فيما دُونَ خمسَةِ أوسُقٍ صَدَقَةٌ». رواه الجماعة .
والوَسْقُ: سِتُونَ صَاعًا . وتَقدَّمَ: أنه خمسَةُ أرطَالٍ وثُلُثُ عِراقِيٍّ، فهيَ (ألفٌ وسِتمَائةِ رِطلٍ عراقيٍّ) وألفٌ وأربَعُمائةٍ وثمانيةٌ وعشرونَ رِطلًا وأربَعَةُ أسباعِ رِطلٍ مِصريٍّ، وثَلاثُمِائةٍ واثنانِ وأربعونَ رِطلًا وسِتَّةُ أسباعِ رِطلٍ دِمشقيٍّ، ومائتانِ وسَبعَةٌ وخمسونَ رِطلًا وسُبُعِ رطِلٍ قُدسيٍّ.
والوَسْقُ، والصَّاعُ، والمُدُّ: مَكايـيلُ، نُقِلَت إلى الوَزنِ؛ لتُحفَظَ وتُنقَلَ. وتُعتَبَرُ بالبُرِّ الرَّزينِ. فمَن اتَّخَذَ مَكيلًا يَسعُ صاعًا مِنه، عَرَفَ به ما بَلَغَ حدَّ الوجُوبِ مِن غَيرِه.
(وتُضَمُّ) أنواعُ الجِنسِ مِن (ثمَرَةِ العَامِ الواحِدِ) وزرعِه (بعضُها إلى بعضٍ) ولو مما يَحمِلُ في السَّنَةِ حَملَين (في تَكميلِ النِّصَابِ) لعمومِ الخبَرِ، وكمَا لو بَدَا صلاحُ إحدَاها قبلَ الأُخرَى، سواءٌ اتَّفَقَ وقتُ إطلاعِها وإدرَاكِها أَو اختَلَفَ ، تعدَّدَ البلدُ أو لا .
(لا جِنسٌ إلى آخَرَ) فلا يُضمُّ بُرٌّ لشَعيرٍ، ولا تمرٌ لزَبيبٍ، في تكميلِ نِصابٍ، كالمواشي.
(ويُعتَبَرُ) أيضًا لوجُوبِ الزكاةِ فيمَا تقدَّمَ: (أن يكونَ النِّصَابُ مملُوكًا لهُ وقتَ وجُوبِ الزكاةِ) وهو بُدوُّ الصَّلاحِ .
(فلا تجِبُ فيما يَكتَسِبُه اللَّقَّاطُ، أو يأْخُذُهُ بحصَادِه) وكذا: ما مَلَكَه بعدَ بُدوِّ الصَّلاحِ بشراءٍ، أو إرثٍ، أو غيرِه.
(ولا فيما يجتَنيه مِن المباحِ، كالبُطْمِ، والزَّعْبَلِ) بوَزنِ جَعفَر، وهو شعيرُ الجبَلِ (وبَزْرِ قَطُونَا) وحَبِّ نمَّامٍ (ولو نَبَتَ في أرضِه) لأنَّه لا يَملِكُه بمِلكِ الأرضِ. فإن نَبَتَ بنَفسِه ما يَزرَعُه الآدميُّ، كمَن سَقَطَ له حبُّ حِنطَةٍ في أرضِه، أو أرضٍ مُباحَةٍ، ففيه الزَّكاةُ، لأنَّه يملِكُه وقتَ الوجوبِ.