﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾[الأنعام:1]، أحمدهُ حقَّ حمدهِ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدهُ لا شَرِيكَ لهُ وأشْهَدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، خيرتَهُ مِنْ خلقهِ، بعثهُ اللهُ بين يدَيِ السَّاعَةِ بِالحقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً، وَداعِياً إِليْهِ بإذْنِهِ وَسِراجاً مُنيرا، بلغَ الرِّسالَةَ، أَدَّى الأَمانةَ، نصحَ الأُمَّةَ، لمْ يتركْ خَيْراً إِلَّا دلَّنا علَيْهِ، وَلا شَرَّا ًإِلَّا حذَّرَنا مِنْهُ، حَتَّى تركَنا علَى بَيْضاءَ نَقِيَّةٍ لا يَزِيغُ عَنْها إِلَّا هالِكٌ.
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى محمَّدٍ وَعلَى آلِ محمدٍ كَما صليتَ علَى إبراهيمَ وعلَى آلَ إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيدٌ.
أما بعدُ:
فحياكمُ اللهُ أيها الإخوةُ والأَخواتُ وأهْلاً وسهْلاً بكُمْ في هذهِ الحلْقةِ الجديدةِ مِنْ برنامجكُمْ فَإني قريبٌ، هذهِ الحلقةُ إِنْ شاءَ اللهُ تعالَى سنتناولُ فِيها التوسُّل الممْنُوعِ، إنَّ اللهَ تَعالَى أمَرَ بِدُعائِهِ جَلَّ في عُلاهُ فقالَ تَعالَى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر:60]، والنبيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسلَّمَ بينَ مَكانةِ الدُّعاءِ مِنَ العِبادَةِ فَقالَ كَما في جامِعِ الترمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمانِ بْنِ بَشيرٍ رضِيَ اللهُ عنهُ قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: « الدعاءُ هُوَ العِبادةُ »، فالدُّعاءُ منزلتهُ عظيمةٌ، إِنَّهُ عبادةٌ، ومقتضَى أنهُ عِبادةٌ يستلزمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى نحوِ ما شرَعَ اللهُ تعالَى فإنهُ لا يقبلُ اللهُ تَعالَى مِنَ العملِ إِلَّا ما كانَ وفْقَ ما شرَعَ، قالَ جلَّ وعَلا: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾[الشورى:21].
وفي الصحيحينِ مِنْ حَدِيثِ عائشَةَ رَضِيَ اللهُ عنْها قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ: « مِنْ أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا ما ليسَ مِنهُ فهُوَ رَدٌّ »، لِذلكَ كانَ مِنَ الواجبِ علَى كُلِّ مؤْمِنٍ ومؤمنةٍ في كُلِّ عبادةٍ وعملٍ أن يجتهدَ في أنْ يكُونَ للهِ خالِصا، وعَلَى نحوِ عملِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهَدْيِهِ وسنتهِ فإِنَّ اللهَ تَعالَى قدْ سَدَّ الطُرَقَ الموصلَةَ إِلَيْهِ إِلا الطريقَ الَّذِي سلكهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وشرعهُ.
أيها الأخوة والأخوات! إن من أعظم ما أوقع كثيراً من الناس في الشرك ظنهم أنه لا يوصل إلى الله تعالى إلا من طريق الوسائل والوسائط، ذلك الوهم الذي احتج به المشركون عن النبي عندما أمرهم بعبادة الله وحده وأخبرهم أن الدين لله خالص، قال الله جل وعلا: ﴿ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ﴾[الزمر:3]، أي: معبودات يعبدونهم من دون الله، ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾[الزمر:3]، زعموا وكذبوا فقالوا: إنما جعلنا أولئك واسطة بيننا وبين الله تعالى، فنحن لا نعبدهم لذواتهم، إنما نبعدهم لنصل بهم إلى الله تعالى، والله جل وعلا لم يجعل بينه وبين خلقه واسطة من هذا النوع، بل قال جل في علاه: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾[الجن:18]، وقال جل في علاه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾[البقرة:186].
وإن من الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس: أن يتوسل إلى الله تعالى بما لا يوصلهم إليه، إن الوسائل التي توصل إلى الله هي ما بينه جل في علاه، وما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا المقصود بقوله جل في علاه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾[المائدة:35]، إن الوسيلة إنما هي ما بينه الله تعالى في كتابه، أو بنيه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
ما عدى ذلك من الوسائل لا يوصل إلى الله تعالى بل هو قطع للطريق الموصل إلى الله جل في علاه، فمن أراد أن يتوسل إليه في دعائه فليدعوا الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وبأفعاله الجميلة، وبما له من الكمالات سبحانه وبحمده، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾[الأعراف:180].
فينبغي للمؤمن إذا أراد أن يتوسل إلى الله تعالى في سؤاله وطلبه أن يتوسل إليه بعظيم ماله من الصفات، وماله من الكمالات، وماله من الأسماء الحسنى سبحانه وبحمده.
كما أنه مما يتوسل به إلى الله تعالى في الدعاء: الدعاء بالعمل الصالح، فيسأل الله تعالى بأعماله الصالحة كما أخبر الله تعالى عن دعاء أولي الألباب حيث قال: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ﴾[آل عمران:193].
ومنَ التوسُّلِ المشرُوعِ في الدُّعاءِ: أَنْ يتوَسَّلَ إِلَى اللهِ تعالَى بوصفِ حالِهِ، وفقْرِهِ، وتوحيدِهِ لهُ سُبحانَهُ وبحمدهِ، فإنَّ هَذا مِنَ الأَعْمالِ الصالحةِ الَّتي يتوسَّلَ بِها إليهِ جلَّ وعَلا في جلبِ المحبوباتِ وَالمطْلُوباتِ، وَفي دفْعِ المكرُوهاتِ وَالمخوخاتِ، فيقولُ في دُعائِهِ عَلَى سبيلِ المثالِ: لا إلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِني كُنْتَ مِنَ الظالمينَ، يتوسَّلُ إليهِ بعظيمِ مالهِ مِنَ التَّوحيدِ، وَمُقِراً بما لهُ مِنَ القُصُورِ والظُّلْمِ والاعْتداءِ والتجاوُزِ كَما قالَ أَبُونا آدمُ علَيْهِ السَّلامُ: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾[الأعراف:23].
وَلا بأْسَ أَيْضاً أنْ يتوسَّلَ بِدُعاءِ إِخْوانِهِ الصَّالحينَ مِنَ المؤْمِنينَ الأَحْياءِ، كَما فَعَلَ الصحابةُ مَعَ النبيِّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلمَ، وكَما فعلَ الصحابةُ رَضيَ اللهُ عنهُمْ، وكما فعلَ الصالحونُ بعدهُمْ.
أما التوسُّلُ إِلَيْهِ جَلَّ وَعلا بِدُعاءِ غيرهِ والتوجهِ إِلَى سواهُ كَمنْ يَدْعُوا الملائكةَ مثلاً، أَوْ يَدْعُوا الأنبياءَ، أَوْ يدْعُوا المرسلِينَ، أوْ يَدْعُوا الصالحينَ الأَمْواتِ، أَوْ يدْعُوا الشهَداءَ، أوْ يدْعُوا غيرَ ذلِكَ مِنْ خلْقِ اللهِ عزَّ وجَلَّ فإنهُ قَدْ وقَعَ فِيما وَقَعَ فيهِ أهلُ الجاهليةِ الأُولَى الَّذينَ قَصَّ خبرهُمْ جلَّ في عُلاهُ في قولهِ: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾[الزمر:3]، وقالَ عنهمْ جلَّ في عُلاهُ: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾[يونس:18].
إنَّ اللهَ تعالَى أبطلَ هَذا الطريقَ وبينَ أنهُ لا يُوصِلُ إِلَّا إِلَى هَلاكٍ، وَلا يُوصِلُ إِلَّا إلَى إِشْراكٍ باللهِ عزَّ وجلَّ، إنهُ يُناقِضُ التَّوحيدَ، هَذا الدُّعاءُ شِركٌ وليسَ عِبادةً، لا يتحققُ فيهِ قولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: « الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ »، لأَنَّ الدُّعاءَ الَّذي هُوَ عِبادةُ ما كانَ للهِ خالِصا ليسَ فيهِ شِرْكٌ بِاللهِ تَعالَى لا باطِناً ولا ظاهِرًا.
أَيُّها الإخْوةُ والأَخواتُ إنَّ مِنَ التوسُّلِ المذْمُومِ أَثنْ يتوسَّلَ العبدُ إِلَى اللهِ تَعالَى بذاتِ المخلُوقِ كأَنْ يَقُولَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بنبيكَ أَنْ تُعطيني كَذا وكَذا، أَوْ أصلِحْ بِالصالحِ الفُلانيِّ فإنَّ ذلكَ مِنَ التوسُّلِ الممْنُوعِ لأَنَّهُ لم يَرِدْ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسلَّمَ، وَلم يفعلْهُ الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عنْهمْ، بلْ إِنَّ الصَّحابةَ لما أَرادُوا أَنْ يتوسَّلُوا إِلَى اللهِ تَعالَى في الاسَّتسقاءِ أَمَرَ عمرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ العَبَّاسَ عَمَّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أَنْ يقُومَ فيدْعُوا قائِلاً: اللهُمَّ إِنَّا كُنَّا نتوسَّلُ إليْكَ بِنَبيِّنا، أَيْ: نتوسَّلُ إليكَ بِدُعائِهِ وسُؤالهِ وَتوجه، أَما اليومَ وقَدْ غابَ وماتَ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّم فإِنَّنا نتوسَّلُ إِلَيكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا، قُمْ يا عَبَّاسُ فادْعُوا اللهَ أَنْ يَسقِينا، ولوْ كانَ التوسلُ بِذاتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بعدَ موتِهِ مَشْرُوعاً لما عدلَ عنهُ الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهُمْ، فهَذا النوعُ منَ التوسُّلِ هُوَ مِنَ التَّوسُّلِ البِدْعِيِّ وَهُوَ مِنَ التوسُّلِ الَّذِي يُوصِلُ إِلَى الشَّركِ لأنَّهُ اليومُ يُتوسَّلُ بِالنبيِّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ وَبغيرهِ مِنَ الصَّالحينَ، وَغَداً يتوجَّهُوا إليهِمْ مِنْ دُونِ اللهِ عزَّ وجَلَّ فَيسألُوهِمْ قَضاءَ الحاجاتِ، ويسأَلُوهُمْ تَفْريجَ الكُرُباتِ، وَيسأَلُوهُمْ بُلُوغَ المطْلُوباتِ، وَالمشركُونَ الأَوائِلُ إنَّما وقَعُوا في الشِّرْكِ تَدْريجاً فابْتَدءُوا بِاتِّخاذِ مَعْبُوداتِهِمْ مِنْ دُونِ اللهِ تَعالَى وَسائِطَ ووسائِلَ حَتَّى انْتَهَى بهِمُ الأَمْرَ إِلَى عِبادتهِمْ مِنْ دُونِ اللهِ، يَقُولُ اللهُ تَعالَى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾[يونس:18].
فالواجبُ عَلَى كُلِّ مَؤْمِنٍ في كُلِّ عَبادةٍ أنْ يحرِصَ أَنْ تَكُونَ للهُ خالِصَةً، وَعَلَى طريقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ سائرة ليسلَمَ بِذلِكَ وليحقِّقَ ما جعلَهُ اللهُ تَعالَى شرْطاً لِقَبُولِ العملِ كَما قالَ تَعالَى: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾[الكهف:110].
إِنَّ مِنَ التوَسُّلِ المبْتَدعِ في الدُّعاءِ: أنْ يتوسَّلَ الدَّاعِي في دُعائِهِ بِعَمَلِ غيرهِ فَيقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ بِجاهِ فُلانٍ أوْ بِصَلاحِ فُلانٍ، أَوْ مَنْزلَةِ فُلانٍ عندكَ، أَوْ ما أَشْبَهَ ذلِكَ مِما يجري عَلَى ألْسِنَةِ بَعْضِ الناسِ، فإنَّ جاهَ فُلانٍ وعملِهِ وَمنزلَتِهِ عنْدَ اللهِ تعالَى لهُ ليستْ لغيرهِ، وَاللهُ تَعالَى قَدْ قالَ: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ * ﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾[النجم:39-40]، فَلا يجوزُ لأَحَدٍ أنْ يسأَلَ اللهَ تعالَى بِعَملِ غيرِهِ، بَلْ سلْهُ بِعملِكَ، هَذا الَّذي جاءتْ بِهِ السنَّةُ أَنْ تتوسَّلَ إِليْهِ جلَّ وَعَلا بِصلاحِكَ، بإيمانِكَ، بِاستقامَتِكَ، بعمَلٍ صالحٍ تقربتَ بِهِ إِلَى اللهِ تَعالَى مخْلِصاً، هَذا هُوَ المشْرُوعُ منَ التوسُّلِ إِلَى اللهِ تَعالَى بِالعمَلِ الصَّالحِ.
أَمَّا أنْ تتوسَّلَ إِليْهِ بِعملِ غيركَ فإنَّ هَذا لا دلِيلَ عليهِ في القُرْآن وَلا في السُّنَّةِ، وَلا في عملِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ، فيجِبُ عَلَى المؤمنِ أَنْ يتَّقِيَ اللهَ تَعالَى وأَنْ يحرِصَ أَنْ يكُونَ في توسُّلِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يحفظُ بِهِ توحيدَهُ، ويحقِّقُ بِهِ ما وصفَ بهِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الدُّعاءَ مِنْ أنَّهُ عِبادَةٌ.
أَيُّها الإخْوةُ والأَخواتُ إِنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يحتجُّ عَلَى صِحَّةِ التوسُّلِ غيرِ المشْرُوعِ كالتَّوسُّلِ بِذواتِ الصَّالحينَ، أَوْ بجاهِهمْ، بأَنَّ أَحَداً مِنَ النَّاسِ تَوَسَّلَ بِنَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِياءِ أَوْ بجاهِ نبيٍّ مِنَ الأَنْبياءِ أَوْ بجاهِ صالحٍ مِنَ الصَّالحينَ وأُجيبُ في دُعائِهِ، وهَذا التوسُّلُ غَلطٌ لأَنَّ حُصُولَ المطْلُوبِ لا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الطريقَةِ، فكَمْ مِنْ إِنْسانٍ يحصُلُ لَهُ مَطْلُوبُهُ لَكِنْ طَريقتُهُ في حُصُولِ ذَلِكَ المطْلُوبِ ليستْ بصحيحةٍ، وأَضْرِبُ لَكُمْ مَثَلاً: رأيتمْ رَجُلاً مُحتاجاً إِلَى المالِ وهُوَ في غايَةِ الحاجَةِ إليهِ وقَدْ طَلَبَهُ مِنْ كُلِّ سبيلٍ ثُمَّ إِنَّهُ لم يجدْ سَبِيلاً لحصُولِ المالِ إِلَّا أَنْ يَسْطُوا عَلَى أمْوالِ الناسِ فَحصَلَ لهُ المالُ أيَدُلُّ حصُولُهُ عَلَى المالِ أَنْ الطَّرِيقَ الَّذي سلكُهُ لِتحصيلِهِ طريق صَحيح؟ بالتأكيدِ الجوابُ: لا، فإنَّ حُصولَ المطلُوبِ ليسَ دَلِيلا علَى صِحَّةِ المقدمَةِ وَالطريقِ الَّتي حصَلَ بِها.
اللهُمَّ إِنَّا نعُوذُ بِكَ أَنْ نُشركَ بِكَ شَيْئاً ونحنُ نعلمُ، وَنستغفرُكَ لما لا نعلَمَ.
اللهُمَّ ألهمْنا رُشْدَنا، وقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، أَرِنا الحقَّ حَقَّاً وارزُقْنا اتَّباعَهُ، وَالباطِلَ باطِلاً وارزقْنا اجتنابَهُ،
إلَى أَنْ نلْقاكُمْ في حلْقَةً قادِمَةٍ مِنْ برنامجكُمْ فإني قريبٌ، أَسْتَوْدِعُكُمُ اللهَ الَّذي لا تضيعُ ودائعهُ، وَالسَّلامُ عليكُمْ وَرحْمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ.






