الحمدُ للهِ حمْداً كثيراً طيِّباً مُباركاً فيهِ كَما يحبُّ رَبُّنا ويرضَى، أحمدهُ حقَّ حمدهِ، هُوَ أجلُّ منْ ذُكِر وأَعْظمُ مَنْ حُمِدَ، لا أُحْصِي ثَناءً عليهِ هُوَ كَما أَثْنَى علَى نفْسِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لَهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخرينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرحمنُ الرَّحِيمُ، وأشهدُ أَنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولهُ صَفيُّهُ وَخليلُهُ خيرتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، بعثهُ اللهُ علَى حينِ فترةٍ منَ الرسُلِ وانْقِطاعٍ مِنَ السُّبلِ، وانْطماسٍ مِنَ الهداياتِ، بلغَ اللهُ بهِ الرِّسالَةَ، وأَدَّى الأَمانةَ، ونصحَ الأُمَّةَ، وَجاهَدَ في اللهِ حقَّ الجهادِ، حتَّى تركَنا عَلَى محجَةٍ بيْضاءَ طريقٍ واضحٍ لا لبْسَ فيهِ وَلا شُبهةَ، لا يَزيغُ عنْهُ إِلَّا هالكٌ، فصَلَّى اللهُ علَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصحْبِهِ ومَنِ اتَّبَعَ سُنَّتهُ بإحسانٍ إِلَى يوْمِ الدينِ. أَمَّا بعْدُ: فَالسلامُ عَليكُمْ ورحْمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ، وأَهْلاً وَسَهْلاً بكُمْ أَيُّها الإِخْوةُ والأَخواتِ في هذهِ الحلقةِ الجديدةِ مِنْ برنامجكُمْ فَإِنِّي قريبٌ، هذهِ الحلقةُ نتناولُ فِيها سببينِ مِنْ أَسبابِ إِجابَةِ الدُّعاءِ: وَهُما التوسلُ إِلَى اللهِ تَعالَى بِحالِ السائلِ، وَالتوسُّلُ إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلا بِدُعاءِ الصَّالحينَ. أَمَّا السببُ الأَوَّلِ: وَهُوَ التوسَّلُ إِليْهِ جَلَّ وَعَلا بذكرِ حالِ السائلِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي في سُؤالهِ وَطلَبِهِ وفي مُناجاتِهِ لِرَبِّهِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْألكَ بِأَنِّي كَذا فيذكرُ مِنْ فقرهِ، وَمِنْ حاجَتِهِ، وَمِنْ ضَعْفِهِ، وَمَنْ فاقتْهُ، ومِنْ ظُلْمِهِ، وَمِنْ تَقْصِيرهِ، وَمِنَ افْتقارِهِ إِلَى اللهِ تَعالَى ما يُوجِبُ إِجابةَ الدُّعاءِ فإنَّ ذلِكَ منْ أَعْظَمِ ما يَصِلُ بِهِ الإِنْسانُ إِلَى بِرِّ اللهِ عزَّ وجلَّ وَإحسانهِ، ذاكَ أَن العبادة قوامها عَلَى الذلِّ، فكُلَّما تحقَّقَ الذُّلُّ للهِ عزَّ وجَلَّ كُلَّما بلَغَ العبدُ في الذُّلِّ قلباً وقالباً، قولاً وحالاً، كانَ ذلكَ مِنْ مُوجباتِ إِجابَةِ اللهِ تَعالَى لِدُعائِهِ، وَذَلِكَ لِتحقيقهِ كَمالَ العُبوديَّةِ للهِ جلَّ في عُلاهُ، فقل في دعائكَ: اللهُمَّ إني أسألكَ بأَني إِليكَ فقيرٌ، أَنا الأَسيرُ بينَ يديكَ، أَنا الراجِي لعفوكَ، أَنا الطامعُ في إِحْسانكَ، أَنا الفقيرُ إِلَى كُلِّ جُودِكَ، أَنا الظلُوم الجهُولُ، أنا وأَنا مِنْ أَوصافِكَ المطابقَةِ لحالك الَّتي تستجلِبُ بِها رحمةَ اللهِ تَعالَى وبرهُ وإحسانهُ، وقدْ علَّمَ اللهُ تَعالَى أَبانا آدمَ لما عصاهُ فأكلَ مِنَ الشجرةِ الَّتي منعُهُ منْها، علمهُ كَلماتٍ بها تابَ عليْهِ كَما قالَ تعالَى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾[البقرة:37]، قالَ ابْنُ عباسٍ: تلكَ الكلماتِ قولُهُ جلَّ وعَلا: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾[الأعراف:23]. إن آدمَ عليهِ السلامُ توسلَ إِلَى اللهِ تَعالَى بإضافةِ الظلمِ إِلَى نفسهِ والإقرارِ بذنبهِ فإنَّ ذلكَ ذل بينَ يديْ ربهِ جلَّ في عُلاهُ يوجبُ عطائهُ وهو سببٌ لإحسانِهِ وفضلهِ، ﴿ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾[الأعراف:23]، وَهَكَذا دَعْوةٌ ذا النُّونِ عليهِ السلامُ فإنَّهُ دَعا وهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالمينَ، إِنَّهُ تَوَسَّلْ إِلَى اللهِ تَعالَى بِعَظيمِ صِفاتِهِ وَإِلهيتهِ سُبحانَهُ وَتوْحِيدِهِ لَهُ، ثمَّ إنهُ عطفَ عَلَى ذلكَ ظلمَهُ لنفسهِ، وقدْ قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فِيما رواهُ الترمِذِيُّ وغيرهُ منْ حَديثِ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقَّاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: « دعوةُ ذا النونِ إِذا دَعا وهُوَ في بطْنِ الحوتِ لا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كنتُ مِنَ الظالمينَ فإنهُ لم يَدْعُ بها رجلُ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قطُّ إِلَّا اسْتجابَ اللهُ لهُ »، إنَّهُ إِقْرارٌ بالذنبِ وَالخطأِ وَالقُصُورِ وَالتقصيرِ استوجبَ فضلَ اللهِ، استمطَرَ إِحْسانَهُ، جلَبَ كُلَّ فضْلِهِ سُبحانَهُ وَبحمدِهِ، فينبغِي لِلمؤْمِنِ أَنْ يحرِصَ عَلَى ذِكْرِ حالِهِ وَصْفاً بينَ يَدَيْ دُعائِهِ عَلَى وَجْهِ الافْتِقارِ إِلَى اللهِ تَعالَى وَالانْكسارِ بينَ يدَيْهِ وَالذُّلِّ لَهُ جَلَّ في عُلاهُ، واستمعْ إِلَى ما قصَّهُ اللهُ تَعالَى مِنْ دُعاءِ زكريا فقَدْ بلغَ مِنْ العُمُرِ عِتِيًّا لم يرزقْهُ اللهُ تَعالَى بِوَلَدِ لَكِنَّهُ طَمع في فضلِ اللهِ وإحسانَهِ فَقالَ في مُناجاتِهِ لِربِّهِ: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ * ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾[مريم:4-5]،كلُّ هَذا شرحٌ وتوصيفٌ لِعَظِيمِ الافْتِقارِ وشِدَّةِ الحاجَةِ وَعَظِيمِ الرغْبَةِ في تحقيقِ المطلوبِ، فَقالَ بعْدَ ذَلِكَ في سُؤالِهِ وَطلبهِ: ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴾[مريم:5]، إنهُ مِنْ دَواعِي إِجابَةِ اللهِ تَعالَى سُؤالَ السائلينَ أن يُظْهِرُوا افتقارَهُمْ إلَى اللهِ تَعالَى، إنهُ الغَنِيُّ الكريمُ الَّذي يستمطِرُ فَضْلَهُ بالثناءِ عليهِ وتمجيدهِ وَبِوصفِ حالِ السائلِ وبيانِ فقرهِ، فَذاكَ فضلهِ جلَّ في عُلاهُ أَنَّه يُعْطِي عِبادَهُ ولوْ لمْ يَسْأَلُوهُ، ابْتدأْنا بالإِحْسانِ فكَيْفَ إِذا عَرضْنا علَيْهِ حاجاتَنا؟ كيفَ إِذا عَرَضْنا علَيْهِ فَقْرَنا؟ كيفَ إِذا عرَضْنا علَيْهِ فاقَتَنا واسْتِكانَتَنا وأَنَّنا لا شيءَ بِدُونِهِ سُبْحانَهُ وبحمْدِهِ، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾[فاطر:15]، وقدْ قالَ مُوسَى عليهِ السلامُ في سؤالهِ لربهِ في أشدِّ حالاتهِ خَوْفاً وفرقاً وضيقاً قالَ علَيْهِ السلامُ فِيما قَصَّ اللهُ تَعالَى: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾[القصص:24]، إِنَّهُ لم يطل السؤالُ، ولم يَطُلْ في بيانِ المطلُوبِ، لكنهُ عرضَ فَقرَهُ عَلَى ربهِ فجاءتْهُ العطايا والهباتُ، جاءهُ الفَضْلُ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، فجاءتْهُ الهباتُ مِنَ اللهِ عزَّ وَجَلَّ بعْدَ أَنْ عرَضَ علَيْهِ فَقْرَهُ، قالَ جلَّ وعَلا: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾[القصص:25]، إنَّها البَشارةُ بِالأَمْنِ الَّذي كانَ قدْ فقَدَهُ بما أَصابَهُ منْ تخويفِ فَرْعونَ وقومهِ، ثُمَّ جاءتْهُ الوَظِيفةُ ويسرَ اللهُ لَهُ الزوجةَ، إِنَّ تِلْكَ الهباتِ مِفتاحُها إِظْهارُ الفَقْرِ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلا، ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾[القصص:24]. أَيُّها الإِخْوةُ وَالأَخَواتُ! علَّمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحابهُ أنْ يَعْرِضُوا فاقتهُمْ وأَنْ يُقِرُّوا بِذُنوُبهِمْ بينَ يَدَيْ سُؤالهمْ لِربهمْ، فَهَذا صَدِيقُ الأُمَّةِ كَما في الصحيحينِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ أَبُو بكْرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: يا رَسُولَ اللهِ عَلَّمْني دُعاءً أَدْعُوا بِهِ في صَلاتي، قالَ لهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: « قُلِ: اللَّهُمَّ إِني ظلمْتُ نفْسِي ظُلْماً كثيراً »، وَفي رِوايَةِ: « كَبيرًا وَلا يغْفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا أَنْتَ فأَغْفِرُ لي مَغْفرةً مِنْ عِنْدَكَ إِنَّكَ أنْتَ الغفُورُ الرحيمُ »، وَهَكذا علَّمَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ في أَعْظَمِ دُعاءٍ يستغفرُ بهِ المؤْمُنونُ، إِنهُ سيدُ الاستغفارِ قالَ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسلَّم كَما في البُخاريِّ منْ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: « سيدُ الاسْتغفارِ أَنْ تَقولَ: اللهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ خلقْتَني وأَنا عبدُكَ »، كُلُّ هَذا إِقْرارٌ بِالحالِ، كُلُّ هَذا تَوَسُّلٌ إِلَى اللهِ تَعالَى بِعظَمَتِهِ، وَصِفاتِهِ، وَمالِهِ مِنَ الكَمالاتِ جَلَّ في عُلاهُ، « وأَنا عَلَى عهدكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ »، وَهَذا توسُّلٌ إِلَى اللهِ تَعالَى بِالتزامِ أَمْرهِ وَترْكِ ما نَهَى عنهُ جلَّ في عُلاهُ، « أَعُوذُ بِكَ مِنْ شرِّ ما صنعْتُ »، ثمَّ قالَ: « أَبوءُ لكَ بنعمتكَ عَلَيِّ وأَبوءُ بِذنْبي »، إنهُ إِقْرارُ بِعَظِيمِ إنعامِ اللهِ، وَبِعظيمِ تقصيرِ العبدِ حيثُ أَقرَّ بذنبهِ، وَهَذا يشملُ الإقرارَ بِكُلِّ تقصيرٍ وقعَ منَ العبدِ في ظاهرهِ أَوْ باطنهِ، في سرهِ أَوْ إِعْلانِهِ، فِيما يتعلَّقُ بِالأَوامرِ تَرْكاً، وَفِيما يتعلَّقُ بِالنَّواهِي انتِهاكاً، إِنَّهُ إِقْرارُ بأَنَّهُ مُذنبٌ، جَعَلَ هَذا الإِقْرارَ بينَ يدَيْ « اغفِرْ لي فإنهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إِلَّا أَنْتَ »، قالَها النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُعَلِّماً، ثمَّ بيَّنَ فضْلَها فقالَ: « من قالها من النهار موقناً بها فَماتَ مِنْ يومِهِ قبْلَ أَنْ يمسِي فهُوَ مِنْ أَهْلِ الجنةِ، ومَنْ قالَها مِنَ الليلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِها فماتَ قبلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ منْ أَهْلِ الجنةِ »، نسأَلُ اللهَ مِنْ فَضلهِ. أَيُّها الإِخْوَةُ وَالأَخَواتُ احْرِصُوا غايةَ الحرصِ أَنْ تُقِرُّوا بِذُنُوبِكُمْ بَيَنَ يَدَيْ رَبكمُ، فإذا خلوتُمْ بِاللهِ عزَّ وجلَّ في مُناجاتكُمْ وسؤُالكُمْ اعْرِضُوا علَيْهِ حالَكُمْ واسأَلُوهُ جلَّ وَعَلا أَنْ يرأَفَ بِكُمْ وأَنْ يَرحمَ وأَنْ يغفرَ وأَنْ يُعْطِي فإنهُ لا مانعَ لما أَعْطَى وَلا مُعْطِيَ لما مَنَعَ، وَلا ينفعُ ذا الجدِّ مِنْهُ الجدُّ، سُبحانَهُ وبحمدِهِ. أَيُّها الإِخْوةُ والأَخواتُ أَمَّا السببُ الثاني مِنْ أَسْبابِ إجابةِ الدُّعاءِ: التوسلُ إِلَى اللهِ تَعالَى بِدُعاءِ الصَّالحينَ ذَلِكَ أَنَّ عِبادَ اللهِ تَعالَى يتفاوتُونَ في الصَّلاحِ وَفي قُرْبِهمْ مِنَ اللهِ تَعالَى، وَفي عَظِيمِ مَنزلَتِهِمْ عندَهُ جلَّ في عُلاهُ، ولذلِكَ سأَلَ الصَّحابَةُ رَضِيَ اللهُ عنهُمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ أَنْ يَدْعُوا لهمْ، وقدْ أخبرَ اللهُ تَعالَى في كِتابِهِ الحكيمِ عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ عِنْدما قالُوا: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾[يوسف:97]، فَقالَ يَعْقُوبُ علَيْهِ السلامُ: ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾[يوسف:98]، وقدْ قصَّ اللهُ تَعالَى ما قالهُ إِخْوَةُ يُوسفَ لأَبيهمْ، قالُوا: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يوسف:97-98]، وقدْ سألَ الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُوا لهمْ كَما جاءَ في الصَّحِيحينِ مِنْ حديثِ أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنهُ أَنَّ أَعْرابِياً دَخَلَ عَلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّم وهُوَ يخطُبُ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ هَلكَتِ الأموالُ وانقطَعَتِ السُّبُلُ فادْعُوا اللهَ أَنْ يُغِيثَنا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قالَ: « اللهُمَّ أَغِثْنا، اللهُمَّ أَغِثْنا، اللهُمَّ أَغِثْنا »، ومنْ ذَلِكَ سُؤالُ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَنْ يَدْعُوا لهمْ، مِنْ ذَلِكَ ما جاءَ في الصحيحينِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ أن رَجُلاً دخلَ المسجِدَ يَوْمَ الجمعَةِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائِمٌ يخطُبُ فاستقبلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قائِما ثُمَّ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ هلكَتِ الأَمْوالُ وانقطَعَتِ السبلُ فادْعُوا اللهَ يُغِثْنا فرفعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يديهِ ثُمَّ قالَ: « اللهُمَّ أَغِثْنا، اللهُمَّ أَغِثْنا، اللهُمَّ أَغِثْنا »، قالَ أَنَس: وَلا وَاللهِ ما نرىَ في السَّماءِ مِنْ سَحابٍ ولا قُزْعَةُ وَما بَيْننا وبينَ سِلَعَ منْ بيتٍ ولا دارٍ، وسلِعُ جبلٌ في المدينةِ قالَ: فَطلَعَتْ مِنْ وَرائِهِ سَحابَةٌ مِثْلَ التُّرْسِ فَلَما تَوَسَّطَتِ السماءَ انتشرَتْ ثُمَّ أمْطَرَتْ فَلا واللهِ ما رأَيْنا الشمسَ سبتا، ثمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِن ذلِكَ البابِ في الجمعَةِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قائِمٌ يخطبُ فاستقْبَلَهُ قائِماً فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ هَلَكَتِ الأَمْوالُ وانقطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُوا اللهَ يُمْسكِهُا عنَّا، فرفعَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يديْهِ ثُمَّ قالَ: « اللهُمَّ حَوالِينا وَلا علَيْنا، اللهُمَّ عَلَى الآكامِ والضِّرابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنابِت الشَّجَرِ »، قالَ: فأقلعتْ وخرجْنا نمشِي في الشمْسِ. ومِنْ ذلِكَ أَيْضاً ما في الصَّحَيحَيْنِ مِنْ حديثِ أَبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أَنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّم قالَ: « يدخلُ الجنةَ مِنْ أُمَّتي زُمْرةٌ هِيَ سَبْعُونَ أَلْفاً تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضاءةَ القَمَرِ »، فَقامَ عكاشةُ بْنُ محصنٍ رضيَ اللهُ عنهُ فَقالَ: يا رسولَ اللهِ ادْعُوا اللهَ لي أَنْ يَجْعَلُني منهُمْ، قالَ: « اللهُمَّ اجعلْهُ منهُمْ ». وقَدْ جاءَ عَنِ الصحابَةِ رَضِيَ اللهُ عنهُمُ التوسَّلُ بِدُعاءِ الصَّالحينَ، كَما جاءَ في البُخارِيِّ عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أَنَّهُ قالَ في الاسْتسْقاءِ: « اللهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذا أَجْدبْنا توسَّلْنا بنبيِّكَ محمدٍ صَلَّى اللُه عليهِ وَسَلَّم »، يَعْنِي: بِدُعائه وسؤالهِ كَما مَضَى في حديثِ أَنَسٍ، « وَإِنَّا نتوسَّلُ إِليْكَ بِعَمِّ نبيِّنا محمدٍ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّم »، ثُمَّ أَمَرَ العباسُ بِأَنْ يَقُوم ويدعُوا اللهَ عزَّ وجلَّ، وَهَذ منَ التوسُّلِ بِدُعاءِ الصَّالحينَ، وقَدْ جاءَ في صَحِيحِ الإمامِ مُسلمٍ عنْ صَفْوانِ بْنِ عبدِ اللهِ وهُوَ مِنَ التابعينَ قالَ: قدَّمْتُ الشامَ فأَتيتُ أَبِي الدَّرْداءِ في منزلهِ فلمْ أجدْهُ وَوجدَتْ أمَّ الدَّرْداءِ فقالَتْ: أتريدُ الحجَّ العامَ؟ فقُلْتَ: نعمْ، فقالتْ: فادعُ اللهَ لَنا بخيرٍ، فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ كانَ يَقُولُ: « دَعْوةُ المسْلِمِ لأَخِيهِ بظهْرِ الغَيْبِ مستجابةٌ عندَ رأْسِهِ مَلكٌ موكلٌ كلَّما دَعا لأَخِيهِ بخيرٍ قالَ الملِكُ الموكَّلُ بِهِ: آمين ولكَ بمثلهِ »، فَدعاءُ الصالحينَ مما تُرجَى مَعهُ الإِجابَةُ، إِلَّا أنهُ ينبغِي لِلمؤمِنِ أَنْ يحرصَ عَلَى أَنْ يَدْعُوا اللهَ تَعالَى بنفسهِ، فَالدُّعاءُ هُوَ العِبادةُ، فإنَّ مِنَ الناسِ مَنْ يكتفِي بِسؤالِ الصَّالحينَ الدُّعاءَ دُونَ أَنْ يُباشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ قالَ القائِلُ: ما حكَّ جلدَكَ مِثْلُ ظفركَ، تولَّ أَنتَ جَميعَ أَمْرِكَ، إِنَّ أعظَمَ ما تسأَلُ بِهِ اللهَ عزَّ وجلَّ لِسانَكَ إِذا كانَ صادِقاً. اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الهدَى والتُّقَى وَالعَفافَ وَالرَّشادَ والغِناءَ، اللهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرشكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ، وَاجعلْنا مِنْ أَوْليائكَ وحزبكَ. إِلَى نلقاكُمْ في حلقةٍ قادمَةٍ منْ بَرْنامجكُمْ فَإِني قريبٌ، أَسْتودعُكُمَ اللهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدائِعُهُ، وَالسَّلامُ عليكُمْ وَرحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.






