×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها-1 / الحلقة (18)الرحمن الرحيم (الجزء الرابع)

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده حق حمده، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: فادعوه بها.

في هذه الحلقة سنتحدث إن شاء الله تعالى عن كيف ندعو الله تعالى باسمه الرحمن الرحيم، وقد أشرت إلى ذلك في حلقة مضت وقلت: إن دعاء الله تعالى بأسمائه يكون بطريقين في كل اسم من الأسماء:

الطريق الأول: السؤال بالاسم والطلب بالاسم، فتقول: يا رحمن يا رحيم ارحمني، يا رحمن يا رحيم تولني، وما أشبه ذلك من المسائل المناسبة لهذا الاسم، فكل ما يتعلق بإيصال الإحسان والبر، فإنه يصلح أن يتوسل إلى الله تعالى في ذلك باسمه الرحمن الرحيم، هذا دعاء المسألة والطلب.

النوع الثاني من الدعاء لتحقيق قول الله تعالى : ﴿فادعوه بها﴾+++[الأعراف:180]---، باسمه الرحمن الرحيم: هو الثناء على الله تعالى كما قال جل وعلا : ﴿هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم﴾+++[الحشر:22]---، فهذا ثناء وتمجيد وتقديس لله عز وجل بهذين الاسمين، ليس هناك سؤال ولا طلب.

أيضا من دعاء الله تعالى باسمه الرحمن الرحيم: التعبد لله عز وجل بطلب الرحمة والأخذ بأسبابها، فالله تعالى قد جعل للرحمة أسبابا، قال جل وعلا : ﴿ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون﴾+++[الأعراف:156]---، فذكر الله تعالى للرحمة الخاصة ثلاثة أسباب في هذه الآية، فالله تعالى أخبر بأن رحمته وسعت كل شيء، فما من شيء إلا ورحمته بادية فيه وظاهرة من سماء أو أرض، أو بر أو بحر، أو بر أو فاجر، مؤمن أو كافر، فكل هؤلاء متعرضون لرحمة الله، لا تخلوا أحوالهم من رحمة الله جل في علاه لكن هناك رحمة خاصة وهي التي جعلها الله تعالى لأوليائه وعباده الصالحين، هذه الرحمة لابد فيها من عمل، ولذلك قال: ﴿فسأكتبها﴾، أثبتها، ﴿للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون﴾+++[الأعراف:156]---.

ورحمة الله لها أسباب، لذلك قال الله جل وعلا : ﴿إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله﴾+++[البقرة:218]---، الله أكبر! طوى الله بساط رجاء رحمته إلا عمن آمن به الذين يؤمنون والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله، فمن لم يتحقق هذه الصفات كيف يكون راجيا لرحمة الله، إنه لم يأخذ بالأسباب التي توصله إلى الرحمة، وقد قال القائل:

ترجوا النجاة ولا تسلك مسالكها

 

إن السفينة لا تجري على اليبس

ما رأينا سفينة تمشي على البر وتمخر عباب الرمل، لا، إنما هي في البحر، فلما كانت الأمور بأسبابها لابد من أخذ الأسباب التي يدرك بها الإنسان مطلوبه، ومن أعظم ذلك فيما يتعلق بالرحمة: أن يقبل على الله جل وعلا بالطاعة، فإن الله تعالى ذكر في أول الأسباب التي تكتب لأصحابها الرحمة: ﴿فسأكتبها للذين يتقون﴾.

فشمر ما استطعت الساق واجهد

 

لعلك أن تفوز بذي العطايا

الله أكبر! لا ينال ذلك الفضل وتلك الرحمة الواسعة إلا بطاعة الله تعالى فكلما كان العبد أكثر طاعة لله تبارك وتعالى كان أكثر استحقاقا لرحمته، يقول الله تعالى : ﴿وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون﴾+++[آل عمران:132]---، إذا: طاعة الله من أسباب الفوز برحمته، يقول الله جل وعلا : ﴿والمؤمنون والمؤمنات﴾+++[التوبة:71]---، نسأل الله أن نكون منهم. ﴿بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله﴾+++[التوبة:71]--- ، بعد أن ذكر هذه الأعمال الجليلة التي كلها تتحقق بامتثال أمر الله تعالى وترك ما نهى عنه وزجر قال: ﴿أولئك﴾ هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات من الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة وطاعة الله ورسوله وإيتاء الزكاة؛ ﴿سيرحمهم الله﴾+++[التوبة:71]---، نسأل الله أن نكون منهم، ﴿إن الله عزيز حكيم﴾+++[التوبة:71]---.

ويقول جل وعلا : ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون﴾+++[النور:56]---، هذه كلها من أسباب رحمة الله، ومن أعظم أسباب رحمة الله تعالى : الاتباع والتقوى، ولذلك قال: ﴿وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه﴾+++[الأنعام:155]---، أي: اتبعوا الكتاب، ﴿واتقوا﴾ أي: اتقوا كل ما يجب تقواه، ﴿لعلكم ترحمون﴾+++[الأنعام:155]---، وهذه الرحمة تصل ليس فقط في الآخرة، بل تكون في الدنيا وفي الآخرة، وفضل الله واسع، وتوصل إليك أنواع من السعة والانشراح في الدنيا، أما فوز الآخرة فتلك التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، رحمة الله الجنة، نسأل الله أن نكون من أهلها، ﴿ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون﴾+++[الأعراف:156]---، هؤلاء هم أهل الرحمة، ﴿والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة﴾+++[الأعراف:156-157]---.

هذا هو من أسباب رحمة الله التي ينال بها المؤمنون فضل الله وعطاءه، ولذلك قال بعض أهل العلم: المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم المتبعون له هم أهل الرحمة المطلقة التامة الكاملة. نسأل الله تعالى أن نكون من أهلها.

من أسباب الرحمة ومن طرق تحصيل رحمة الله: الإحسان إلى الخلق، فإن الإحسان جزاؤه من الله تعالى عظيم، وهو من أسباب رحمة الكريم الرحمن جل في علاه وقد قال سبحانه وتعالى : ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾+++[الرحمن:60]---، وقال سبحانه وبحمده : ﴿إن رحمة الله قريب من المحسنين﴾+++[الأعراف:56]---، فهل أنت وهل أنت من المحسنين؟ إذا كنتم كذلك فأبشروا، فإن رحمة الله قريبة منكم، كما قال الله تعالى : ﴿إن رحمة الله قريب من المحسنين﴾+++[الأعراف:56]---، فكلما كان الإنسان أكثر إحسانا كان أقرب إلى رحمة الله تعالى وكان ربه قريبا منه برحمته وبإحسانه، وهذا يتضمن أن نقبل على الله تعالى بكل أوجه الإحسان، فإن الإحسان يكون في الصلة بالله عز وجل ويكون في الصلة بالخلق، يكون في الصلة بالله تعالى بإقامة شرعه وحفظ حدوده، ويكون في الخلق بالإحسان إليهم وإيصال أوجه البر إليهم.

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

 

لا يذهب العرف بين الله والناس

إن الإحسان ليس له صورة واحدة، فقد كتب الله تعالى الإحسان على كل شيء، وهذا يدل على سعة الإحسان، وأنه لا يقتصر على صورة واحدة، بل حتى في القتل يكون الإحسان، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : {إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة}+++صحيح مسلم (1955)---.

إن من أسباب الفوز برحمة الله تعالى استماع القرآن، القرآن هو من أسباب الرحمة، لذلك يقول: ﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون﴾+++[الأعراف:204]---، وكلما أقبلت على القرآن فزت بعظيم المن وواسع الرحمة والإحسان من الله جل وعلا فاغتنم لحظاتك بالإكثار من سماع كلام ربك وتلاوته وتدبر، فإن ذلك من أسباب الفوز، يقول ابن القيم رحمه الله : لو علم الناس ما في قراءة القرآن بتدبر لاشتغلوا به عن كل ما سواه.+++مفتاح دار السعادة(1/187)--- كلمة عظيمة، يعني: التدبر مفتاح خيرات كبير، لو علم الناس ما في قراءة القرآن بتدبر وتفكر وتأمل لاشتغلوا عن ما سواه، فقراءة القرآن بالتفكر هو أصل صلاح القلب، وإذا صلح القلب صلح العمل.

إن من أسباب الفوز بالرحمة إكثار العبد من التوبة والاستغفار، فالله تعالى يقول: ﴿واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود﴾+++[هود:90]---، ويقول جل وعلا : ﴿قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون﴾+++[النمل:46]---، فالاستغفار من أسباب الفوز برحمة الله عز وجل فلنجد ولنحرص على كثرة الاستغفار لحط الخطايا والسيئات والقرب من الله جل وعلا لنفوز بعطائه ونواله ورحمته.

ولو أنني أستغفر الله كلما

 

ذكرتك لم تكتب علي ذنوب

فاحرص على كثرة الاستغفار فإنه سبب للفوز برحمة العزيز الغفار جل وعلا.

إن من أسباب حصول الرحمة: أن يمتلئ قلبك رحمة للخلق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {الراحمون يرحمهم الله، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء}+++صحيح البخاري (1284)، وصحيح مسلم (923)---، فإذا امتلأ قلب العبد برحمة الله عز وجل وبالرحمة لخلقه كان ذلك من موجبات رحمة الله عز وجل لعبده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {لا يرحم الله من لا يرحم الناس}+++صحيح البخاري (7376)---، سل نفسك أنت وأنت يا أختي، سلوا أنفسكم: ما نصيبكم من رحمة الناس؟ هل أنتم حريصون على رحمة الناس، تسعون إليهم بكل فضل وبكل إحسان؟ إذا كنتم كذلك فابشروا واستكثروا فإن ذلك من أسباب رحمة الله لكم، وأما إذا كان الإنسان قاسي القلب بعيد عن الرحمة، لا يرحم الناس؛ فهذا موعود بأن لا يرحمه الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم :{لا يرحم الله من لا يرحم الناس}.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يملأ قلوبنا بالرحمة، وأن يجعلنا من أوفر الناس نصيبا برحمته، وأن يجعلنا من المرحومين في المحيا والممات، وأن ييسر لنا العلم النافع والعمل الصالح.

وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:2989

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده حق حمده، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا أحصي ثناءً عليه كما أثنى على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: فادعوه بها.

في هذه الحلقة سنتحدث إن شاء الله تعالى عن كيف ندعو الله ـ تعالى ـ باسمه الرحمن الرحيم، وقد أشرت إلى ذلك في حلقة مضت وقلت: إن دعاء الله ـ تعالى ـ بأسمائه يكون بطريقين في كل اسم من الأسماء:

الطريق الأول: السؤال بالاسم والطلب بالاسم، فتقول: يا رحمن يا رحيم ارحمني، يا رحمن يا رحيم تولني، وما أشبه ذلك من المسائل المناسبة لهذا الاسم، فكل ما يتعلق بإيصال الإحسان والبر، فإنه يصلح أن يتوسل إلى الله ـ تعالى ـ في ذلك باسمه الرحمن الرحيم، هذا دعاء المسألة والطلب.

النوع الثاني من الدعاء لتحقيق قول الله ـ تعالى ـ: ﴿فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف:180]، باسمه الرحمن الرحيم: هو الثناء على الله ـ تعالى ـ كما قال ـ جل وعلا ـ: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ[الحشر:22]، فهذا ثناء وتمجيد وتقديس لله ـ عز وجل ـ بهذين الاسمين، ليس هناك سؤال ولا طلب.

أيضاً من دعاء الله ـ تعالى ـ باسمه الرحمن الرحيم: التعبد لله ـ عز وجل ـ بطلب الرحمة والأخذ بأسبابها، فالله ـ تعالى ـ قد جعل للرحمة أسباباً، قال ـ جل وعلا ـ: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ[الأعراف:156]، فذكر الله ـ تعالى ـ للرحمة الخاصة ثلاثة أسباب في هذه الآية، فالله ـ تعالى ـ أخبر بأن رحمته وسعت كل شيء، فما من شيء إلا ورحمته بادية فيه وظاهرة من سماء أو أرض، أو بر أو بحر، أو بر أو فاجر، مؤمن أو كافر، فكل هؤلاء متعرضون لرحمة الله، لا تخلوا أحوالهم من رحمة الله ـ جل في علاه ـ لكن هناك رحمة خاصة وهي التي جعلها الله ـ تعالى ـ لأوليائه وعباده الصالحين، هذه الرحمة لابد فيها من عمل، ولذلك قال: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾، أثبتها، ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ[الأعراف:156].

ورحمة الله لها أسباب، لذلك قال الله ـ جل وعلا ـ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ[البقرة:218]، الله أكبر! طوى الله بساط رجاء رحمته إلا عمن آمن به الذين يؤمنون والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله، فمن لم يتحقق هذه الصفات كيف يكون راجياً لرحمة الله، إنه لم يأخذ بالأسباب التي توصله إلى الرحمة، وقد قال القائل:

ترجوا النجاة ولا تسلك مسالكها

 

إن السفينة لا تجري على اليبس

ما رأينا سفينة تمشي على البر وتمخر عباب الرمل، لا، إنما هي في البحر، فلما كانت الأمور بأسبابها لابد من أخذ الأسباب التي يدرك بها الإنسان مطلوبه، ومن أعظم ذلك فيما يتعلق بالرحمة: أن يقبل على الله ـ جل وعلا ـ بالطاعة، فإن الله ـ تعالى ـ ذكر في أول الأسباب التي تكتب لأصحابها الرحمة: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾.

فشمر ما استطعت الساق واجهد

 

لعلك أن تفوز بذي العطايا

الله أكبر! لا يُنال ذلك الفضل وتلك الرحمة الواسعة إلا بطاعة الله ـ تعالى ـ فكلما كان العبد أكثر طاعة لله ـ تبارك وتعالى ـ كان أكثر استحقاقاً لرحمته، يقول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[آل عمران:132]، إذاً: طاعة الله من أسباب الفوز برحمته، يقول الله ـ جل وعلا ـ: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ[التوبة:71]، نسأل الله أن نكون منهم. ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ[التوبة:71] ، بعد أن ذكر هذه الأعمال الجليلة التي كلها تتحقق بامتثال أمر الله ـ تعالى ـ وترك ما نهى عنه وزجر قال: ﴿أُوْلَئِكَ﴾ هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات من الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة وطاعة الله ورسوله وإيتاء الزكاة؛ ﴿سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ[التوبة:71]، نسأل الله أن نكون منهم، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[التوبة:71].

ويقول ـ جل وعلا ـ: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[النور:56]، هذه كلها من أسباب رحمة الله، ومن أعظم أسباب رحمة الله ـ تعالى ـ: الاتباع والتقوى، ولذلك قال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ[الأنعام:155]، أي: اتبعوا الكتاب، ﴿وَاتَّقُوا﴾ أي: اتقوا كل ما يجب تقواه، ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الأنعام:155]، وهذه الرحمة تصل ليس فقط في الآخرة، بل تكون في الدنيا وفي الآخرة، وفضل الله واسع، وتوصل إليك أنواع من السعة والانشراح في الدنيا، أما فوز الآخرة فتلك التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، رحمة الله الجنة، نسأل الله أن نكون من أهلها، ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ[الأعراف:156]، هؤلاء هم أهل الرحمة، ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ[الأعراف:156-157].

هذا هو من أسباب رحمة الله التي ينال بها المؤمنون فضل الله وعطاءه، ولذلك قال بعض أهل العلم: المؤمنون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتبعون له هم أهل الرحمة المطلقة التامة الكاملة. نسأل الله ـ تعالى ـ أن نكون من أهلها.

من أسباب الرحمة ومن طرق تحصيل رحمة الله: الإحسان إلى الخلق، فإن الإحسان جزاؤه من الله ـ تعالى ـ عظيم، وهو من أسباب رحمة الكريم الرحمن ـ جل في علاه ـ وقد قال ـ سبحانه وتعالى ـ: ﴿هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ[الرحمن:60]، وقال ـ سبحانه وبحمده ـ: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[الأعراف:56]، فهل أنت وهل أنتِ من المحسنين؟ إذا كنتم كذلك فأبشروا، فإن رحمة الله قريبة منكم، كما قال الله ـ تعالى ـ: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ[الأعراف:56]، فكلما كان الإنسان أكثر إحساناً كان أقرب إلى رحمة الله ـ تعالى ـ وكان ربه قريباً منه برحمته وبإحسانه، وهذا يتضمن أن نقبل على الله ـ تعالى ـ بكل أوجه الإحسان، فإن الإحسان يكون في الصلة بالله ـ عز وجل ـ ويكون في الصلة بالخلق، يكون في الصلة بالله ـ تعالى ـ بإقامة شرعه وحفظ حدوده، ويكون في الخلق بالإحسان إليهم وإيصال أوجه البر إليهم.

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه

 

لا يذهب العرف بين الله والناس

إن الإحسان ليس له صورة واحدة، فقد كتب الله ـ تعالى ـ الإحسان على كل شيء، وهذا يدل على سعة الإحسان، وأنه لا يقتصر على صورة واحدة، بل حتى في القتل يكون الإحسان، ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: {إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة}صحيح مسلم (1955).

إن من أسباب الفوز برحمة الله ـ تعالى ـ استماع القرآن، القرآن هو من أسباب الرحمة، لذلك يقول: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[الأعراف:204]، وكلما أقبلت على القرآن فزت بعظيم المن وواسع الرحمة والإحسان من الله ـ جل وعلا ـ فاغتنم لحظاتك بالإكثار من سماع كلام ربك وتلاوته وتدبر، فإن ذلك من أسباب الفوز، يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: لو علم الناس ما في قراءة القرآن بتدبر لاشتغلوا به عن كل ما سواه.مفتاح دار السعادة(1/187) كلمة عظيمة، يعني: التدبر مفتاح خيرات كبير، لو علم الناس ما في قراءة القرآن بتدبر وتفكر وتأمل لاشتغلوا عن ما سواه، فقراءة القرآن بالتفكر هو أصل صلاح القلب، وإذا صلح القلب صلح العمل.

إن من أسباب الفوز بالرحمة إكثار العبد من التوبة والاستغفار، فالله ـ تعالى ـ يقول: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ[هود:90]، ويقول ـ جل وعلا ـ: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[النمل:46]، فالاستغفار من أسباب الفوز برحمة الله ـ عز وجل ـ فلنجد ولنحرص على كثرة الاستغفار لحط الخطايا والسيئات والقرب من الله ـ جل وعلا ـ لنفوز بعطائه ونواله ورحمته.

ولو أنني أستغفر الله كلما

 

ذكرتك لم تكتب علي ذنوب

فاحرص على كثرة الاستغفار فإنه سبب للفوز برحمة العزيز الغفار جل وعلا.

إن من أسباب حصول الرحمة: أن يمتلئ قلبك رحمة للخلق، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: {الراحمون يرحمهم الله، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء}صحيح البخاري (1284)، وصحيح مسلم (923)، فإذا امتلأ قلب العبد برحمة الله ـ عز وجل ـ وبالرحمة لخلقه كان ذلك من موجبات رحمة الله عز وجل لعبده، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: {لا يرحم الله من لا يرحم الناس}صحيح البخاري (7376)، سل نفسك أنت وأنتِ يا أختي، سلوا أنفسكم: ما نصيبكم من رحمة الناس؟ هل أنتم حريصون على رحمة الناس، تسعون إليهم بكل فضل وبكل إحسان؟ إذا كنتم كذلك فابشروا واستكثروا فإن ذلك من أسباب رحمة الله لكم، وأما إذا كان الإنسان قاسي القلب بعيد عن الرحمة، لا يرحم الناس؛ فهذا موعود بأن لا يرحمه الله، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:{لا يرحم الله من لا يرحم الناس}.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يملأ قلوبنا بالرحمة، وأن يجعلنا من أوفر الناس نصيباً برحمته، وأن يجعلنا من المرحومين في المحيا والممات، وأن ييسر لنا العلم النافع والعمل الصالح.

وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89958 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف