×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها-1 / الحلقة (5)فادعوه بها.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجو بها الفوز بالجنان، قولوها واسألوا الله من فضله، قولوا لا إله إلا الله، فإنها مفتاح الجنة، وقولوها وأنتم ترجون عطاء من الكريم المنان، الذي يعطي على القليل الكثير.

وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، خير خلقه وأشرف رسله، سيد ولد آدم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله القرآن العظيم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فهو أكمل طريق يوصل إلى الله، طريقه أكمل الطرق الموصلة إلى الله علما وعملا.

في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: فادعوه بها، نتناول شيئا من دلالات قول الله تعالى : ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾+++[الأعراف:180]---.

الله جل وعلا أخبر بأن له الأسماء الحسنى، والأسماء الحسنى: هي ما جاء في القرآن الكريم من ذكر أسمائه: الله، الرحمن، الرحيم، رب العالمين، الملك، القدوس، السلام، المؤمن.. إلى غير ذلك من الآيات التي تضمنت ذكر أسمائه، وإلى غير ذلك مما جاء في السنة من ذكر أسمائه سبحانه وبحمده وجل في علاه.

فأسماء الله تعالى حسنى، سؤال: لماذا كانت أسماؤه حسنى؟ كانت أسماؤه حسنى؛ لأنها بلغت الغاية والنهاية في الكمال لفظا ومعنى، فأسماؤه حسنى في ألفاظها: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، العزيز، السميع، البصير، كلها تتوق الآذان لسماعها وتطرب الأفئدة لطرقها الآذان، وتتشوف لمزيد علم به سبحانه وبحمده فهي حسنى في ألفاظها، هي حسنى أيضا في معانيها، فالقلوب تتنعم بما دلت عليه هذه الأسماء من بديع أوصاف الله جل وعلا ﴿ولله المثل الأعلى﴾+++[النحل:60]---  الصفة العليا سبحانه وبحمده فله المحامد كلها من كل وجه، وكل أسمائه تدل على عظيم حمده سبحانه وبحمده.

هي حسنى؛ لأنها تعرف به جل في علاه فكما أنها حسنى في ذاتها، فهي حسنى؛ لأنها تدل العباد على الله عز وجل وأكرم شيء وأجل أمر هو ما عرفك بالله، فأنت إذا قرأت (الله) عرفت أنه الإله الذي يستحق العبادة، وإذا قرأت (الرحمن) عرفت أنه الموصوف بالرحمة التي لا نهاية لها، وإذا قرأت (العزيز) امتلأ قلبك تعظيما لله عز وجل وأنه غالب، وأنه لا يرام جنابه سبحانه وبحمده إذا قرأت (الجبار) علمت أنه هو الذي يجبر كسرك ويداوي ضعفك، كما أنه هو الذي ينتقم لك ممن ظلمك. كل هذه المعاني تدل عليها أسماؤه جل في علاه ولهذا كانت أسماؤه أعلى ما جاء في القرآن من الأخبار، هو ما كان يتعلق بالخبر عن الله في أسمائه وصفاته.

أسماؤه حسنى جل وعلا لأنها تبين شيئا من حق الله في حمده، فالله تعالى يحب المدح لا تزينا، فهو الغني عنا، ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾+++[فاطر:15]---، لكن مدحه والثناء عليه يعرف به جل في علاه فمن رحمته أنه يحب الحمد والمدح جل وعلا ولذلك افتتح كتابه بالحمد لله رب العالمين.

الله جل وعلا مهما مدحه المادحون، فإنهم لا يبلغون شيئا مما يستحقونه، كما قال الشاعر:

وما بلغ المهدون نحوك مدحة

 

وإن أطنبوا إن الذي فيك أعظم

لك الحمد كل الحمد لا مبدأ له و

 

لا منتهى والله بالحمد أعلم

 

فهو العالم بما يستحقه من الحمد، فله الحمد الذي يرضيه، وله الحمد الذي يستحقه، وله الحمد لا نحصي ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه جل في علاه لذلك كانت أسماؤه حسنى.

إن أسماء الله حسنى؛ لعظيم ما فيها من البركة، وأذكر في ذلك نماذج لبركة أسماء الله:

أولا: يقول الله   تعالى : ﴿تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام﴾+++[الرحمن:78]---، فأسماؤه كلها مباركة، كل اسم من أسماء الله ذكره في كتابه أو ذكره الرسول الكريم في سنته صلى الله عليه وسلم فهو من الأسماء الحسنى المباركة التي ينبغي للناس أن يطلبوا بركتها، وأن يبحثوا عما فيها من الخيرات، فأسماؤه جل في علاه مباركة.

﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه﴾+++[الأنعام:121]---، فاسم الله تعالى هو من موجبات إباحة وحل الذبائح، فأنت تذكر اسم الله تعالى على طعامك، فتنال من بركة الطعام ما لا تدركه بغير التسمية، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام: «يا غلام، سم الله وكل بيمينك»+++صحيح البخاري (5376)وصحيح مسلم (2022)---، وذلك لما في اسم الله عز وجل من البركة، ولذلك نبتدئ كل أمورنا بذكره جل وعلا وباسمه، بل الرسالة افتتحت آمرة بذكر اسمه لما في أسمائه من البركة: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾+++[العلق:1]---، هذه أول آية افتتحت بها هذه الرسالة التي أشرقت بها الأرض بعد ظلماتها، وأنار الله به القلوب، وهدى به من العمى، وبصر به من الضلالة، كل ذلك بهذه الرسالة التي افتتحها الله تعالى آمرا بالقراءة باسمه جل في علاه.

إن الله جل في علاه له الأسماء الحسنى، ومن أوجه كون أسمائه حسنى أنها سبب لدخول الجنة، فالجنة إنما تنال وتدرك وتحصل بالإحاطة بما ذكره من الأسماء والصفات، ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة»+++صحيح البخاري (2736), وصحيح مسلم (2677)---، هذه الأسماء الكريمة هي من أسباب دخول الجنة.

وقوله صلى الله عليه وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسما» لا يعني أن الأسماء لا تزيد على هذا، بل ثبت في السنة وفي القرآن ما يزيد على هذا العدد، والله تعالى قد أخبرنا بأن له الأسماء الحسنى، ولم يقصرها على عدد محدد، إنما هذه الفضيلة في هذه الأسماء التي ذكرها النص على هذا العدد لا يعني أنه ليس هناك أسماء لا يعرفها الناس، بل في السنة وفي القرآن ما يزيد على هذا العدد من أسماء الله عز وجل.

أسماء الله تعالى حسنى؛ لأنها يدخل بها الإنسان الجنة إذا أحصاها، وإحصاؤها هو العلم بها، ومعرفتها، والتعبد لله عز وجل بمعانيها ومدلولاتها، وبذلك يتم الإحصاء، فالإحصاء ليس العد فقط أن تعدها، أو أن تقول: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام،...، وأنت لا تعرف معانيها، إنما كمال الإحصاء الذي رتب عليه النبي صلى الله عليه وسلم دخول الجنة في قوله: «إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» هو في معرفتها أولا، وفي معرفة معانيها ثانيا، وفي العمل بمقتضاها والتعبد لله عز وجل بها، ولذلك قال: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾+++[الأعراف:180]---، فدعاء الله تعالى بها هو بحث عن ثمرة تلك الأسماء علما ومعرفة، فإن العلم بتلك الأسماء يثمر ثمرا، فإذا أثمرت تلك الثمار صلحت الأعمال وزكت القلوب.

إن من أعظم ثمار معرفة الله تعالى بأسمائه: هو المحبة له جل في علاه ولذلك فالعباد كلما ازدادوا معرفة بأوصافه وأسمائه جل في علاه تاقت قلوبهم إليه وتطايرت إلى حبه جل في علاه كما قال ابن القيم:

عرفوه بالأوصاف فامتلأت      قلوبهم له بالحب والإيمان

فتطايرت تلك القلوب إليه      بالأشواق إذ ملئت من العرفان

لما امتلأت من العرفان به جل في علاه ومن العلم به سبحانه وبحمده طارت إليه القلوب شوقا ومحبة وإقبالا   فقدمت كل ما تستطيع في رضا ربها جل في علاه.

إذا: أسماؤه حسنى، وأمرنا الله تعالى بأن ندعوه بها، والدعاء بها  ثمرة أنها أسماء حسنى، فكيف ندعوه بها؟ كيف ندعو الله تعالى بأسمائه؟ هل نقول يا الله؟ نعم، هذه صورة من صور دعاء الله تعالى بأسمائه أن تقول: يا الله، يا عظيم، يا كريم، وتطلب ما يناسب تلك الأسماء.

إذا: الدعاء بأسماء الله عز وجل هو أن تذكرها في الدعاء متوسلا له بها، وهذا صورة من صور دعاء الله عز وجل بأسمائه أن تذكر ما يناسب طلبك من أسماء الله عز وجل فلما تسأل الله عز وجل أن يرحمك تقول: يا رحمن ارحمني، لما تسأل الله أن يجبرك تقول: يا جبار اجبرني، أو يا رحمن اجبرني، كلاهما يؤدي إلى المعنى، فتسأل الله تعالى بالأسماء المناسبة فتقول: يا قوي يا عزيز انصرني. هذا هو المناسب، ولذلك من يقول: اللهم انصرنا يا رءوف يا رحيم، قد يكون هناك ما يناسب، لكن أنسب من هذين الاسمين أن تقول: يا قوي يا عزيز، فسؤال الله تعالى بأسمائه هو أن تنتقي من أسماء الله عز وجل ما يناسب طلبك، وهذا لا يكون إلا بالعلم بمعاني تلك الأسماء، فإذا عرفت معانيها انتقيت منها ما يحقق طلبك، وبذلك تحقق قول الله تعالى : ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾+++[الأعراف:180]---.

كذلك من أوجه دعاء الله عز وجل بها هو استشعار معاني تلك الأسماء، يعني: دعاء العبادة؛ لأن الدعاء يطلق على معنيين: دعاء مسألة، وهو الذي ذكرته قبل قليل أن تقول: يا رب ارزقني، فمن مقتضى ربوبيته أن يرزقك الله تعالى يا رحمن ارحمني، هذا دعاء مسألة، لكن هناك دعاء آخر، وهو دعاء العبادة، التعبد لله بهذه الأسماء، بذكرها وتمجيد الله تعالى بها، فلما تقول: ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾+++[الأعلى:1]--- فتقول: سبحان ربي الأعلى أنت تعبدت لله عز وجل بالأسماء، دعوته بها، لكن هذا الدعاء ليس دعاء مسألة، الدعاء ليس فقط محصورا على دعاء المسألة، بل هناك دعاء هو أوسع وأكثر عملا واستيعابا لتصرفات الناس وهو دعاء العبادة، وهو أن تتقرب إلى الله تعالى بأسمائه فذكره لما تقول: سحان الله والحمد لله والله أكبر أنت ما تسأل سؤال، ما تقول: يا رب اغفر لي، ليس فيه طلب معين إنما أنت تدعو الله بهذه الأسماء، تقول: سبحان الله والله أكبر والحمد لله أنت دعوت باسم الله جل في علاه دعوت الله باسمه لكن في مقام الحمد، في مقام التكبير، في مقام التمجيد، في مقام التقديس، وهذا نوع ونمط من دعاء الله تعالى بأسمائه.

إذا: دعاء الله تعالى بأسمائه يكون بدعاء المسائل والمطالب والحاجات، ويكون أيضا بالتقرب إلى الله تعالى بتمجيده وتقديسه وتعظيمه، فهذا نمط من دعاء الله تعالى وهو أعظم من حيث الانتشار والكثرة من دعاء المسألة والطلب؛ لأن دعاء المسألة والطلب محدود، أما دعاء العبادة فهو أوسع وأكثر.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم حسن العلم به وصلاح العمل بما علمنا، وأن يجعلنا ممن عمل وعلم على الوجه الذي يرضى به عنا.

وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

المشاهدات:3127

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجو بها الفوز بالجنان، قولوها واسألوا الله من فضله، قولوا لا إله إلا الله، فإنها مفتاح الجنة، وقولوها وأنتم ترجون عطاءً من الكريم المنان، الذي يعطي على القليل الكثير.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، خير خلقه وأشرف رسله، سيد ولد آدم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله القرآن العظيم، وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو أكمل طريق يوصل إلى الله، طريقه أكمل الطرق الموصلة إلى الله علماً وعملاً.

في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم: فادعوه بها، نتناول شيئاً من دلالات قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف:180].

الله ـ جل وعلا ـ أخبر بأن له الأسماء الحسنى، والأسماء الحسنى: هي ما جاء في القرآن الكريم من ذكر أسمائه: الله، الرحمن، الرحيم، رب العالمين، الملك، القدوس، السلام، المؤمن.. إلى غير ذلك من الآيات التي تضمنت ذِكْر أسمائه، وإلى غير ذلك مما جاء في السنة من ذِكْر أسمائه سبحانه وبحمده وجل في علاه.

فأسماء الله ـ تعالى ـ حسنى، سؤال: لماذا كانت أسماؤه حسنى؟ كانت أسماؤه حسنى؛ لأنها بلغت الغاية والنهاية في الكمال لفظاً ومعنىً، فأسماؤه حسنى في ألفاظها: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، العزيز، السميع، البصير، كلها تتوق الآذان لسماعها وتطرب الأفئدة لطرقها الآذان، وتتشوف لمزيد علم به ـ سبحانه وبحمده ـ فهي حسنى في ألفاظها، هي حسنى أيضاً في معانيها، فالقلوب تتنعم بما دلت عليه هذه الأسماء من بديع أوصاف الله ـ جل وعلا ـ ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى[النحل:60]  الصفة العليا ـ سبحانه وبحمده ـ فله المحامد كلها من كل وجه، وكل أسمائه تدل على عظيم حمده سبحانه وبحمده.

هي حسنى؛ لأنها تعرِّف به ـ جل في علاه ـ فكما أنها حسنى في ذاتها، فهي حسنى؛ لأنها تدل العباد على الله ـ عز وجل ـ وأكرم شيء وأجلّ أمر هو ما عرَّفك بالله، فأنت إذا قرأت (الله) عرفت أنه الإله الذي يستحق العبادة، وإذا قرأت (الرحمن) عرفت أنه الموصوف بالرحمة التي لا نهاية لها، وإذا قرأت (العزيز) امتلأ قلبك تعظيماً لله ـ عز وجل ـ وأنه غالب، وأنه لا يرام جنابه ـ سبحانه وبحمده ـ إذا قرأت (الجبار) علمت أنه هو الذي يجبر كسرك ويداوي ضعفك، كما أنه هو الذي ينتقم لك ممن ظلمك. كل هذه المعاني تدل عليها أسماؤه ـ جل في علاه ـ ولهذا كانت أسماؤه أعلى ما جاء في القرآن من الأخبار، هو ما كان يتعلق بالخبر عن الله في أسمائه وصفاته.

أسماؤه حسنى ـ جل وعلا ـ لأنها تبين شيئاً من حق الله في حمده، فالله ـ تعالى ـ يحب المدح لا تزيناً، فهو الغني عنا، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[فاطر:15]، لكن مدحه والثناء عليه يعرِّف به ـ جل في علاه ـ فمن رحمته أنه يحب الحمد والمدح ـ جل وعلا ـ ولذلك افتتح كتابه بالحمد لله رب العالمين.

الله ـ جل وعلا ـ مهما مدحه المادحون، فإنهم لا يبلغون شيئاً مما يستحقونه، كما قال الشاعر:

وما بلغ المهدون نحوك مدحة

 

وإن أطنبوا إن الذي فيك أعظم

لك الحمد كل الحمد لا مبدأ له و

 

لا منتهى والله بالحمد أعلم

 

فهو العالم بما يستحقه من الحمد، فله الحمد الذي يرضيه، وله الحمد الذي يستحقه، وله الحمد لا نحصي ثناءً عليه كما أثنى هو على نفسه ـ جل في علاه ـ لذلك كانت أسماؤه حسنى.

إن أسماء الله حسنى؛ لعظيم ما فيها من البركة، وأذكر في ذلك نماذج لبركة أسماء الله:

أولاً: يقول الله  ـ تعالى ـ: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ[الرحمن:78]، فأسماؤه كلها مباركة، كل اسم من أسماء الله ذكره في كتابه أو ذكره الرسول الكريم في سنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو من الأسماء الحسنى المباركة التي ينبغي للناس أن يطلبوا بركتها، وأن يبحثوا عما فيها من الخيرات، فأسماؤه ـ جل في علاه ـ مباركة.

﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ[الأنعام:121]، فاسم الله ـ تعالى ـ هو من موجبات إباحة وحل الذبائح، فأنت تذكر اسم الله ـ تعالى ـ على طعامك، فتنال من بركة الطعام ما لا تدركه بغير التسمية، ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للغلام: «يا غلام، سم الله وكل بيمينك»صحيح البخاري (5376)وصحيح مسلم (2022)، وذلك لما في اسم الله ـ عز وجل ـ من البركة، ولذلك نبتدئ كل أمورنا بذكره ـ جل وعلا ـ وباسمه، بل الرسالة افتُتحت آمرة بذكر اسمه لما في أسمائه من البركة: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[العلق:1]، هذه أول آية افتتحت بها هذه الرسالة التي أشرقت بها الأرض بعد ظلماتها، وأنار الله به القلوب، وهدى به من العمى، وبصَّر به من الضلالة، كل ذلك بهذه الرسالة التي افتتحها الله ـ تعالى ـ آمراً بالقراءة باسمه جل في علاه.

إن الله ـ جل في علاه ـ له الأسماء الحسنى، ومن أوجه كون أسمائه حسنى أنها سبب لدخول الجنة، فالجنة إنما تُنال وتُدرك وتُحصَّل بالإحاطة بما ذكره من الأسماء والصفات، ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: «إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة»صحيح البخاري (2736), وصحيح مسلم (2677)، هذه الأسماء الكريمة هي من أسباب دخول الجنة.

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «إن لله تسعة وتسعين اسماً» لا يعني أن الأسماء لا تزيد على هذا، بل ثبت في السنة وفي القرآن ما يزيد على هذا العدد، والله ـ تعالى ـ قد أخبرنا بأن له الأسماء الحسنى، ولم يقصرها على عدد محدد، إنما هذه الفضيلة في هذه الأسماء التي ذكرها النص على هذا العدد لا يعني أنه ليس هناك أسماء لا يعرفها الناس، بل في السنة وفي القرآن ما يزيد على هذا العدد من أسماء الله عز وجل.

أسماء الله ـ تعالى ـ حسنى؛ لأنها يدخل بها الإنسان الجنة إذا أحصاها، وإحصاؤها هو العلم بها، ومعرفتها، والتعبد لله ـ عز وجل ـ بمعانيها ومدلولاتها، وبذلك يتم الإحصاء، فالإحصاء ليس العد فقط أن تعدها، أو أن تقول: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام،...، وأنت لا تعرف معانيها، إنما كمال الإحصاء الذي رتَّب عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخول الجنة في قوله: «إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة» هو في معرفتها أولاً، وفي معرفة معانيها ثانياً، وفي العمل بمقتضاها والتعبد لله ـ عز وجل ـ بها، ولذلك قال: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف:180]، فدعاء الله ـ تعالى ـ بها هو بحث عن ثمرة تلك الأسماء علماً ومعرفة، فإن العلم بتلك الأسماء يثمر ثمراً، فإذا أثمرت تلك الثمار صلحت الأعمال وزكت القلوب.

إن من أعظم ثمار معرفة الله ـ تعالى ـ بأسمائه: هو المحبة له ـ جل في علاه ـ ولذلك فالعباد كلما ازدادوا معرفة بأوصافه وأسمائه ـ جل في علاه ـ تاقت قلوبهم إليه وتطايرت إلى حبه ـ جل في علاه ـ كما قال ابن القيم:

عرفوه بالأوصـــاف فامتلأت      قلوبهم له بالحب والإيمان

فتطايرت تلك القلوب إليه      بالأشواق إذ ملئت من العرفان

لما امتلأت من العرفان به ـ جل في علاه ـ ومن العلم به ـ سبحانه وبحمده ـ طارت إليه القلوب شوقاً ومحبة وإقبالاً   فقدَّمت كل ما تستطيع في رضا ربها جل في علاه.

إذاً: أسماؤه حسنى، وأمرنا الله ـ تعالى ـ بأن ندعوه بها، والدعاء بها  ثمرة أنها أسماء حسنى، فكيف ندعوه بها؟ كيف ندعو الله ـ تعالى ـ بأسمائه؟ هل نقول يا الله؟ نعم، هذه صورة من صور دعاء الله ـ تعالى ـ بأسمائه أن تقول: يا الله، يا عظيم، يا كريم، وتطلب ما يناسب تلك الأسماء.

إذاً: الدعاء بأسماء الله ـ عز وجل ـ هو أن تذكرها في الدعاء متوسلاً له بها، وهذا صورة من صور دعاء الله ـ عز وجل ـ بأسمائه أن تذكر ما يناسب طلبك من أسماء الله ـ عز وجل ـ فلما تسأل الله ـ عز وجل ـ أن يرحمك تقول: يا رحمن ارحمني، لما تسأل الله أن يجبرك تقول: يا جبار اجبرني، أو يا رحمن اجبرني، كلاهما يؤدي إلى المعنى، فتسأل الله ـ تعالى ـ بالأسماء المناسبة فتقول: يا قوي يا عزيز انصرني. هذا هو المناسب، ولذلك من يقول: اللهم انصرنا يا رءوف يا رحيم، قد يكون هناك ما يناسب، لكن أنسب من هذين الاسمين أن تقول: يا قوي يا عزيز، فسؤال الله ـ تعالى ـ بأسمائه هو أن تنتقي من أسماء الله ـ عز وجل ـ ما يناسِب طلبك، وهذا لا يكون إلا بالعلم بمعاني تلك الأسماء، فإذا عرفت معانيها انتقيت منها ما يحقق طلبك، وبذلك تحقق قول الله ـ تعالى ـ: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف:180].

كذلك من أوجه دعاء الله ـ عز وجل ـ بها هو استشعار معاني تلك الأسماء، يعني: دعاء العبادة؛ لأن الدعاء يُطلق على معنيين: دعاء مسألة، وهو الذي ذكرته قبل قليل أن تقول: يا رب ارزقني، فمن مقتضى ربوبيته أن يرزقك الله ـ تعالى ـ يا رحمن ارحمني، هذا دعاء مسألة، لكن هناك دعاء آخر، وهو دعاء العبادة، التعبد لله بهذه الأسماء، بذكرها وتمجيد الله ـ تعالى ـ بها، فلما تقول: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى[الأعلى:1] فتقول: سبحان ربي الأعلى أنت تعبدت لله ـ عز وجل ـ بالأسماء، دعوته بها، لكن هذا الدعاء ليس دعاء مسألة، الدعاء ليس فقط محصوراً على دعاء المسألة، بل هناك دعاء هو أوسع وأكثر عملاً واستيعاباً لتصرفات الناس وهو دعاء العبادة، وهو أن تتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بأسمائه فذِكْره لما تقول: سحان الله والحمد لله والله أكبر أنت ما تسأل سؤال، ما تقول: يا رب اغفر لي، ليس فيه طلب معين إنما أنت تدعو الله بهذه الأسماء، تقول: سبحان الله والله أكبر والحمد لله أنت دعوت باسم الله ـ جل في علاه ـ دعوت الله باسمه لكن في مقام الحمد، في مقام التكبير، في مقام التمجيد، في مقام التقديس، وهذا نوع ونمط من دعاء الله ـ تعالى ـ بأسمائه.

إذاً: دعاء الله ـ تعالى ـ بأسمائه يكون بدعاء المسائل والمطالب والحاجات، ويكون أيضاً بالتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بتمجيده وتقديسه وتعظيمه، فهذا نمط من دعاء الله ـ تعالى ـ وهو أعظم من حيث الانتشار والكثرة من دعاء المسألة والطلب؛ لأن دعاء المسألة والطلب محدود، أما دعاء العبادة فهو أوسع وأكثر.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم حسن العلم به وصلاح العمل بما علمنا، وأن يجعلنا ممن عمل وعلم على الوجه الذي يرضى به عنا.

وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم: فادعوه بها، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93340 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات88986 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف