×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / أحكام 1431 / الحلقة (11) صلة زيارة المسجد النبوي بالحج

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده جل في علاه، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين.

وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

فصلى الله عليه، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد.

فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة المتجددة من حلقات  برنامج "أحكام" ، أسأل الله تعالى أن يجعلها حلقة مباركة وهي ضمن الحلقات التي تنظمها وترعاها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، في المملكة العربية السعودية.

وسنتناول فيها موضوع صلة طيبة الطيبة، المدينة المباركة، المدينة النبوية بموضوع الحج.

* ما صلة زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وزيارة المدينة بالحج.

 هل هناك صلة أو لا؟، وما هي طبيعة هذه الصلة؟، وما هي آداب زيارة مسجد النبي بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم؟ .

لا خلاف بين العلماء أن حج بيت الله الحرام لا صلة له بزيارة المدينة وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو عمل منفصل لا صلة له بأعمال الحج.

بمعنى أن من جاء إلى مكة وطاف وسعى وقضى أعمال حجه، وكذا قضى أعمال عمرته ثم رجع إلى بلده دون أن يزور مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا نقص في حجه، فحجة موفور كامل ليس في ذلك نقص ولا تقصير ولا قصور في هذا العمل المبارك وهو الحج.

الله تعالى إنما فرض حج بيته{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}+++سورة آل عمران: 97.---

أما المجيء إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم المجيء إلى مسجده صلى الله عليه وسلم هذا ليس من أعمال الحج.

هو مما ندب إليه النص الشارع على وجه العموم في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»+++ "صحيح البخاري" (1189)، و"صحيح مسلم" (1397).---

وهذا بيان أنه لا تقصد بقعه على وجه التعبد، هذا معنى قوله «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد».

لا يعني أنه لا يجوز السفر لأي مكان أو إلى أي بقعة إلا لهذه البقعة، لكن الكلام على السفر العبادي.

ليس هناك سفر عبادي لقصد مكان وبقعة من البقاع يتعلق بها فضل إلا هذه البقاع الثلاثة المباركة : المسجد الحرام، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى حرره الله, وأنقذه من رجس الصهاينة المعتدين.

هذا ما يتصل بصلة زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالحج، ليس هناك صلة وينبغي أن يكون هذا واضحا.

وكل ما ورد من أن زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مكملة للحج, فإنه لا يصح في ذلك، بل الأحاديث في ذلك  موضوعة واهية لا يعول عليها.

فهي قول من يقول " من حج ولم يزرني فقد جفاني" هذا إجماع أهل الحديث وعلماء الأسانيد على أنه حديث واه موضوع لا يستند إلى أصل.

والنبي صلى الله عليه وسلم حج معه أمم من جهات عديدة وافوه في مكة, ومع هذا لم يقل لهم :" إن حجكم لن يتم إلا بزيارة مسجدي، أو المجيء إلى المدينة".

بل جاء الناس من كل حدب وصوب.

وعروة بن مضرس رضي الله عنه لما جاءه وقص عليه ما جرى منه, قال  له صلى الله عليه وسلم :« من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه»+++تقدم تخريجه ---

 فهذا يدل أنه لا علاقة للمجيء إلى المدينة بالمجيء إلى الحج ولا صلة له بالكلية، هذا ينبغي أن يكون واضحا.

هناك إشكال قد يطرحه بعض الناس، وهو أنه إذا كان ليس هناك صلة بين زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبين الحج، فلماذا جميع - أو غالب- من يتكلم في المناسك من فقهاء الإسلام في مؤلفاتهم يذكرون زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من ذكر أعمال الحج؟

الجواب على هذا السؤال: أن قصد مكة هو من الفرائض، وقصد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم هو من الأعمال الصالحة، وكلاهما يجتمع في أنه مسجد تشد إليه الرحال.

فلذلك ذكروه على وجه المناسبة, هذا من وجه.

من وجه آخر: ذكروا ذلك؛ لأن الذين يأتون إلى المسجد الحرام من غير الجزيرة يصعب عليهم غالبا أن يقصدوا بسفر آخر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك ذكر العلماء ما يتصل بزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم   والآداب المتعلقة بزيارة هذه البقعة الطاهرة المباركة.

وهذا هو السبب الذي جعل العلماء يذكرون زيارة مسجد رسول الله   صلى الله عليه وسلم ضمن المناسك، ليس على أنه منها، ولا أنه لا تتم المناسك والحج إلا بها.

إنما لأجل أن ذلك مما يشابه قصد مكة من حيث شد الرحال.

 أو أن ذلك مما يأتي تبعا حيث يتيسر للقادمين إلى الجزيرة من خارجها المجيء إلى المدينة دون أن ينشئوا سفرا آخر، لزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .

هذه البقعة المباركة التي اصطفاها الله تعالى وخصها بهجرة خير الأنام بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم لها مزايا وفضائل. 

 

* من أبرز مزاياها: أنها حرم.

 فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها، والمدينة من يعرفها ويقرأ عنها، يعرف أنها منطقة بين حرتين، بين لابتين، وهما حرة المدينة الشرقية، وحرة المدينة الغربية.

فالنبي صلى الله عليه وسلم كما في "الصحيحين" من حديث أنس بن مالك+++حديث أنس أخرجه البخاري (2889)، ومسلم (1361).--- وعلي بن أبي طالب+++حديث علي رضي الله عنه أخرجه البخاري (6755)، ومسلم (1370).--- رضي الله عنهما :"حرم ما بين لابتيها، وما بين عير إلى ثور" وهما جبلان يحيطان بالمدينة من جهة الشمال ومن جهة الجنوب.

فهذه المنطقة المحصورة وقد وضعت علامات وحددت بمعالم واضحة هي حرم .

حرم له أحكام تخصه، لا شك أن حرم المدينة دون حرم مكة في الأحكام، يعني هو ليس مماثلا لحرم مكة من كل وجه، لكن يشاركه في جملة من الأحكام منها ما يتعلق بتحريم الصيد فيه، منها ما يتعلق بأشياء يشابه فيها حرم مكة حرم المدينة في حرمة المكان وتعظيمه واصطفاء الله تعالى له، وقدسيته.

 لكن ليست كحرم مكة من جهة اللقطة، من جهة الاحتشاش, فإنه قد أذن لهم في الاحتشاش؛ لأنهم ليسوا كأهل مكة في قضية سهولة الزراعة.

أيضا ما أشبه ذلك من الأشياء التي جاء النص باستثنائها وبيان خصوصية حرم المدينة عن حرم مكة.

هذا ما يتصل بكون هذه البقعة مقدسة وأنها حرم ، ولكنها حرم دون الحرم الذي حرمه الله جل وعلا يوم خلق السموات والأرض.

هناك مزايا وخصائص لهذه البقعة، سنقف على هذه المزايا وتلك الخصائص والفضائل.

- المسجد النبوي.

المسجد النبوي يقع في المدينة، والمدينة كانت محل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم جاءها  صلى الله عليه وسلم وأقام بها، أول ما أقام بها صلى الله عليه وسلم أن بنى مسجده الذي كان منارة أشاعت الخير للبشرية بعد هجرته صلى الله عليه وسلم .

هذا المسجد له خصائص أبرزها أنه المسجد الذي  صلى فيه خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .

من خصائصه أيضا: أنه صلى فيه صحابته الكرام الذين تعاقبوا من الخلفاء الراشدين رضي الله عنه والعشرة المبشرون بالجنة.

هذا المسجد شهد أمما فاضلة، وأقواما نسأل الله أن يلحقنا بهم وأن يحشرنا في زمرتهم من الصديقين والصالحين والشهداء، وعلى رأسهم خير الأنام صلى الله عليه وسلم .

من فضائله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه - يعني في الأجر والمثوبة - إلا المسجد الحرام»+++أخرجه البخاري (1190)، ومسلم(1394).---

وهذا يبين أنه في فضيلة المضاعفة يلي المسجد الحرام، فإن المسجد الحرام الصلاة فيه خير من مئة ألف صلاة، وأما المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فهو خير من ألف صلاة من حيث المضاعفة ، والمثوبة.

- من فضائله ما جاء في "الصحيحين" من حديث زيد بن عبد الله المازني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بيان فضيلة هذه البقعة «ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة»+++أخرجه البخاري (1195)، ومسلم (1390).---

وهذا بيان فضيلة هذه البقعة، وأنها بقعة شريفة.

وقوله « روضة من رياض الجنة» المقصود أنه محل للتقرب إلى الله تعالى التي يصل بها أصحابها إلى الجنة .

هذا أصح ما قيل في أنها روضة من رياض الجنة، أنها محل للعبادة والطاعة والذكر والدعاء وسائر الأعمال الصالحة التي توصل العبد إلى الجنة كحلق الذكر, فإنها روضة من رياض الجنة، وغير ذلك.

لكن هذه البقعة بينها ونص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

نبينا صلى الله عليه وسلم لما مات بأبي هو أمي دفن صلى الله عليه وسلم في بيته الذي مات فيه، في حجرة عائشة رضي الله عنها وبهذا اتفق الصحابة على دفنه لقوله صلى الله عليه وسلم : «ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض»+++أخرجه أبو يعلى (1/31)، ح(22) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.---

وكان بيته بجوار المسجد، جرت توسيعات على المسجد متعاقبة حتى دخلت بيوت النبي صلى الله عليه وسلم في حدود المسجد وبقيت حجرته مميزة عن المسجد.

وهي الحجرة التي فيها قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه.

ولذلك القبر ينبغي أن يعلم أنه ليس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يدفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد بل دفنوه في بيته.

كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :« لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»+++أخرجه البخاري (435)، ومسلم (529)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وابن عباس رضي الله عنه.---

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل قبره إلى المسجد، ولم يبن على قبره مسجد، بل صانه الله تعالى أن يتخذ وثنا.

فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في "المسند" وغيره «اللهم لا تجعل قبري وثنا»+++"مسند أحمد"(2/246).---

قبره في حجرته، وحجرته أحاط بها المسجد من الجهات الأربع، ولا يزال ذلك المكان مصونا هو ملك للنبي صلى الله عليه وسلم فإن القبور ملك لأهليها، كما أن الدور ملك لسكانها، فالمقابر ملك لأهلها، ولا يمكن أن يتعدى أحد على قبر أحد فيأخذه ويدخله ضمن مصلحة, ولو كان ذلك وقفا فإن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في بيته.

هذا الالتباس أوقع عند بعض الناس أن قبره في مسجده وهذا غلط، قبره ليس في مسجده صلى الله عليه وسلم .

وتتبع الأمر تاريخيا ومعرفة كيف تمت توسيعات المسجد تجلي هذا وتوضحه، كما أن إدراك أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيته في حجرته، يتبين به أنه ليس في مسجده صلى الله عليه وسلم .

* أبرز ما يسن لمن جاء إلى المدينة أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم هكذا قال عامة العلماء، وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم جاءت عن جملة من الصحابة كابن عمر رضي الله عنه وأنس بن مالك رضي الله عنه.

وكانت طريقة الزيارة أنهم إذا قدموا من سفر أتوا إلى القبر فقالوا: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتي، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه+++ أورده ابن حجر في "المطالب العالية" (4/233)، ح(1365).---

ومجيء المسلم إلى موضع قبر النبي صلى الله عليه وسلم والسلام مشروع في قول عامة الفقهاء، فإذا جاء فليسلم عليه بهذه الطريقة وليصل عليه صلى الله عليه وسلم كما جاء عن سلف الأمة.

وينبغي أن يستحضر أن الجهات التي تزار في المدينة إذا جاء إليها "مسجد قباء" فإنه مسجد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصده.

- كذلك يزور أهل بقيع الغرقد فإن النبي صلى الله عليه وسلم   كان يزور المقابر ويدعو لأهلها.

- إذا تيسر له زيارة قبور شهداء أحد ومنهم حمزة رضي الله عنه فهذا حسن وبه تحصل العظة.

وليعلم أن زيارة هذه القبور ليس لأجل التبرك بها، ليس لأجل إنزال الحاجات بها، إنما للاتعاظ والاعتبار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ؛ فإنها تذكر الآخرة »+++أخرجه أحمد (5/355)، والترمذي (1054)، من حديث بريدة رضي الله عنه.---

هذا جانب، وهذه فائدة الزائر.

وأما الفائدة الأخرى فهي الدعاء لهؤلاء رضي الله عنهم قد يقول قائل: هم أغنياء عن دعائنا، الجواب: لا، ليس أحد غنيا عن دعاء الله تعالى ولذلك شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه بعد كل أذان فقال:« من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا»+++ أخرجه مسلم (384).---

هذه جملة من الأمور التي تشرع وتسن في زيارة المدينة النبوية.

 وليعلم أن زيارة جهات لم تثبت بها السنة إذا كان لأجل الاستشراف والمعرفة والتعرف فلا بأس.

أما إذا كانت على وجه التبرك والتعبد ينبغي أن يكون حريصا أن يكون ما يزوره موافقا لما كان عليه خير الأنام صلى الله عليه وسلم .

* دخول المسجد يسن فيه ما يسن في سائر المساجد، من تقديم القدم اليمنى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الدخول، والبسملة، وسؤال الله الرحمة، وعند الخروج الفضل وصلاة ركعتين وسائر ما يكون من الأعمال الصالحة التي تكون في المساجد وفي بيوت الله تعالى.

ينبغي أن تصان هذه البقعة المباركة، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من أحدث فيها أو آوى محدثا+++أخرجه البخاري (1870)، ومسلم (1370)---

وهذا يدل على حرمتها ووجوب الاحتراز من الإحداث فيها، فإن ذلك مما يوقع الإنسان في الإثم.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا صدق محبته ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يسلك بنا سبيل الرشاد، وأن يجعلنا من أتباعه ظاهرا وباطنا، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يوردنا حوضه وأن يجعلنا من أوليائه وأحبابه.

وفي ختام هذه الحلقة أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:2976

الحمد لله حمد الشاكرين، أحمده جل في علاه، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين.

وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

فصلى الله عليه، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أما بعد.

فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة المتجددة من حلقات  برنامج "أحكام" ، أسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعلها حلقة مباركة وهي ضمن الحلقات التي تنظمها وترعاها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، في المملكة العربية السعودية.

وسنتناول فيها موضوع صلة طَيْبَة الطيبة، المدينة المباركة، المدينة النبوية بموضوع الحج.

* ما صلة زيارة مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وزيارة المدينة بالحج.

 هل هناك صلة أو لا؟، وما هي طبيعة هذه الصلة؟، وما هي آداب زيارة مسجد النبي ـ بأبي هو وأمي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ .

لا خلاف بين العلماء أن حج بيت الله الحرام لا صلة له بزيارة المدينة وزيارة مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هو عمل منفصل لا صلة له بأعمال الحج.

بمعنى أن من جاء إلى مكة وطاف وسعى وقضى أعمال حجه، وكذا قضى أعمال عمرته ثم رجع إلى بلده دون أن يزور مسجد رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فإنه لا نقص في حجه، فحجة موفور كامل ليس في ذلك نقص ولا تقصير ولا قصور في هذا العمل المبارك وهو الحج.

الله تعالى إنما فرض حج بيته{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}سورة آل عمران: 97.

أما المجيء إلى مدينة رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ المجيء إلى مسجده ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هذا ليس من أعمال الحج.

هو مما ندب إليه النص الشارع على وجه العموم في قول النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» "صحيح البخاري" (1189)، و"صحيح مسلم" (1397).

وهذا بيان أنه لا تقصد بقعه على وجه التعبد، هذا معنى قوله «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد».

لا يعني أنه لا يجوز السفر لأي مكان أو إلى أي بقعة إلا لهذه البقعة، لكن الكلام على السفر العبادي.

ليس هناك سفر عبادي لقصد مكان وبقعة من البقاع يتعلق بها فضل إلا هذه البقاع الثلاثة المباركة : المسجد الحرام، ومسجد رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ والمسجد الأقصى حرره الله, وأنقذه من رجس الصهاينة المعتدين.

هذا ما يتصل بصلة زيارة مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بالحج، ليس هناك صلة وينبغي أن يكون هذا واضحاً.

وكل ما ورد من أن زيارة مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مكملة للحج, فإنه لا يصح في ذلك، بل الأحاديث في ذلك  موضوعة واهية لا يعوَّل عليها.

فهي قول من يقول " من حج ولم يزرني فقد جفاني" هذا إجماع أهل الحديث وعلماء الأسانيد على أنه حديث واه موضوع لا يستند إلى أصل.

والنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حج معه أمم من جهات عديدة وافوه في مكة, ومع هذا لم يقل لهم :" إن حجكم لن يتم إلا بزيارة مسجدي، أو المجيء إلى المدينة".

بل جاء الناس من كل حدب وصوب.

وعروة بن مضرس ـ رضي الله عنه ـ لما جاءه وقص عليه ما جرى منه, قال  له ـ صلى الله عليه وسلم ـ:« من شهد صلاتنا ووقف معنا حتى ندفع، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة أي ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه»تقدم تخريجه

 فهذا يدل أنه لا علاقة للمجيء إلى المدينة بالمجيء إلى الحج ولا صلة له بالكلية، هذا ينبغي أن يكون واضحاً.

هناك إشكال قد يطرحه بعض الناس، وهو أنه إذا كان ليس هناك صلة بين زيارة مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وبين الحج، فلماذا جميع - أو غالب- من يتكلم في المناسك من فقهاء الإسلام في مؤلفاتهم يذكرون زيارة مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بعد الفراغ من ذكر أعمال الحج؟

الجواب على هذا السؤال: أن قصد مكة هو من الفرائض، وقصد مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هو من الأعمال الصالحة، وكلاهما يجتمع في أنه مسجد تشد إليه الرحال.

فلذلك ذكروه على وجه المناسبة, هذا من وجه.

من وجه آخر: ذكروا ذلك؛ لأن الذين يأتون إلى المسجد الحرام من غير الجزيرة يصعب عليهم غالباً أن يقصدوا بسفر آخر مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولذلك ذكر العلماء ما يتصل بزيارة مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ والآداب المتعلقة بزيارة هذه البقعة الطاهرة المباركة.

وهذا هو السبب الذي جعل العلماء يذكرون زيارة مسجد رسول الله  ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ضمن المناسك، ليس على أنه منها، ولا أنه لا تتم المناسك والحج إلا بها.

إنما لأجل أن ذلك مما يشابه قصد مكة من حيث شد الرحال.

 أو أن ذلك مما يأتي تبعاً حيث يتيسر للقادمين إلى الجزيرة من خارجها المجيء إلى المدينة دون أن ينشئوا سفراً آخر، لزيارة مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

هذه البقعة المباركة التي اصطفاها الله ـ تعالى ـ وخصها بهجرة خير الأنام ـ بأبي هو وأمي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لها مزايا وفضائل. 

 

* من أبرز مزاياها: أنها حرم.

 فإن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حرَّم ما بين لابتيها، والمدينة من يعرفها ويقرأ عنها، يعرف أنها منطقة بين حرتين، بين لابتين، وهما حرة المدينة الشرقية، وحرة المدينة الغربية.

فالنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كما في "الصحيحين" من حديث أنس بن مالكحديث أنس أخرجه البخاري (2889)، ومسلم (1361). وعلي بن أبي طالبحديث علي ـ رضي الله عنه ـ أخرجه البخاري (6755)، ومسلم (1370). رضي الله عنهما ـ:"حرَّم ما بين لابتيها، وما بين عير إلى ثور" وهما جبلان يحيطان بالمدينة من جهة الشمال ومن جهة الجنوب.

فهذه المنطقة المحصورة وقد وضعت علامات وحددت بمعالم واضحة هي حرمٌ .

حرم له أحكام تخصه، لا شك أن حرم المدينة دون حرم مكة في الأحكام، يعني هو ليس مماثلاً لحرم مكة من كل وجه، لكن يشاركه في جملة من الأحكام منها ما يتعلق بتحريم الصيد فيه، منها ما يتعلق بأشياء يشابه فيها حرم مكة حرم المدينة في حرمة المكان وتعظيمه واصطفاء الله ـ تعالى ـ له، وقدسيته.

 لكن ليست كحرم مكة من جهة اللقطة، من جهة الاحتشاش, فإنه قد أذن لهم في الاحتشاش؛ لأنهم ليسوا كأهل مكة في قضية سهولة الزراعة.

أيضاً ما أشبه ذلك من الأشياء التي جاء النص باستثنائها وبيان خصوصية حرم المدينة عن حرم مكة.

هذا ما يتصل بكون هذه البقعة مقدسة وأنها حرم ، ولكنها حرم دون الحرم الذي حرمه الله ـ جل وعلا ـ يوم خلق السموات والأرض.

هناك مزايا وخصائص لهذه البقعة، سنقف على هذه المزايا وتلك الخصائص والفضائل.

- المسجد النبوي.

المسجد النبوي يقع في المدينة، والمدينة كانت محل هجرة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جاءها  ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وأقام بها، أول ما أقام بها ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أن بنى مسجده الذي كان منارة أشاعت الخير للبشرية بعد هجرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

هذا المسجد له خصائص أبرزها أنه المسجد الذي  صَلَّى فيه خير الأنام محمد ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بأبي هو وأمي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

من خصائصه أيضاً: أنه صلى فيه صحابته الكرام الذين تعاقبوا من الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنه ـ والعشرة المبشرون بالجنة.

هذا المسجد شهد أمماً فاضلة، وأقواماً نسأل الله أن يلحقنا بهم وأن يحشرنا في زمرتهم من الصديقين والصالحين والشهداء، وعلى رأسهم خير الأنام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

من فضائله أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال :« صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ - يعني في الأجر والمثوبة - إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»أخرجه البخاري (1190)، ومسلم(1394).

وهذا يبين أنه في فضيلة المضاعفة يلي المسجد الحرام، فإن المسجد الحرام الصلاة فيه خير من مئة ألف صلاة، وأما المسجد النبوي ـ على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ـ فهو خير من ألف صلاة من حيث المضاعفة ، والمثوبة.

- من فضائله ما جاء في "الصحيحين" من حديث زيد بن عبد الله المازني ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ قال في بيان فضيلة هذه البقعة «مَا بَيْنَ مِنْبَرِي وَبَيْتي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ»أخرجه البخاري (1195)، ومسلم (1390).

وهذا بيان فضيلة هذه البقعة، وأنها بقعة شريفة.

وقوله « رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» المقصود أنه محل للتقرب إلى الله ـ تعالى ـ التي يصل بها أصحابها إلى الجنة .

هذا أصح ما قيل في أنها روضة من رياض الجنة، أنها محل للعبادة والطاعة والذكر والدعاء وسائر الأعمال الصالحة التي توصل العبد إلى الجنة كحلق الذكر, فإنها روضة من رياض الجنة، وغير ذلك.

لكن هذه البقعة بيَّنها ونص عليها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

نبينا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما مات ـ بأبي هو أمي ـ دفن ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في بيته الذي مات فيه، في حجرة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وبهذا اتفق الصحابة على دفنه لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: «ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض»أخرجه أبو يعلى (1/31)، ح(22) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وكان بيته بجوار المسجد، جرت توسيعات على المسجد متعاقبة حتى دخلت بيوت النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في حدود المسجد وبقيت حجرته مميزة عن المسجد.

وهي الحجرة التي فيها قبره ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وقبر صاحبيه.

ولذلك القبر ينبغي أن يعلم أنه ليس في مسجد النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ والصحابة لم يدفنوا النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في المسجد بل دفنوه في بيته.

كيف وقد قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:« لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»أخرجه البخاري (435)، ومسلم (529)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وابن عباس رضي الله عنه.

والنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لم يدخل قبره إلى المسجد، ولم يُبْن على قبره مسجد، بل صانه الله ـ تعالى ـ أن يتخذ وثناً.

فقد قال ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كما في "المسند" وغيره «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا»"مسند أحمد"(2/246).

قبره في حجرته، وحجرته أحاط بها المسجد من الجهات الأربع، ولا يزال ذلك المكان مصوناً هو مُلك للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فإن القبور مُلك لأهليها، كما أن الدور مُلك لسكانها، فالمقابر مُلك لأهلها، ولا يمكن أن يتعدى أحد على قبر أحد فيأخذه ويدخله ضمن مصلحة, ولو كان ذلك وقفاً فإن قبر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في بيته.

هذا الالتباس أوقع عند بعض الناس أن قبره في مسجده وهذا غلط، قبره ليس في مسجده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وتتبع الأمر تاريخياً ومعرفة كيف تمت توسيعات المسجد تجلي هذا وتوضحه، كما أن إدراك أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ دفن في بيته في حجرته، يتبين به أنه ليس في مسجده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

* أبرز ما يسن لمن جاء إلى المدينة أن يزور قبر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هكذا قال عامة العلماء، وزيارة قبره ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ جاءت عن جملة من الصحابة كابن عمر ـ رضي الله عنه ـ وأنس بن مالك رضي الله عنه.

وكانت طريقة الزيارة أنهم إذا قدموا من سفر أتوا إلى القبر فقالوا: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتي، كما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أورده ابن حجر في "المطالب العالية" (4/233)، ح(1365).

ومجيء المسلم إلى موضع قبر النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ والسلام مشروع في قول عامة الفقهاء، فإذا جاء فليسلم عليه بهذه الطريقة وليصل عليه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كما جاء عن سلف الأمة.

وينبغي أن يستحضر أن الجهات التي تزار في المدينة إذا جاء إليها "مسجد قُباء" فإنه مسجد كان النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يقصده.

- كذلك يزور أهل بقيع الغرقد فإن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  ـ كان يزور المقابر ويدعو لأهلها.

- إذا تيسر له زيارة قبور شهداء أحد ومنهم حمزة ـ رضي الله عنه ـ فهذا حسن وبه تحصل العظة.

وليعلم أن زيارة هذه القبور ليس لأجل التبرك بها، ليس لأجل إنزال الحاجات بها، إنما للاتعاظ والاعتبار، فإن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال:« إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ »أخرجه أحمد (5/355)، والترمذي (1054)، من حديث بريدة رضي الله عنه.

هذا جانب، وهذه فائدة الزائر.

وأما الفائدة الأخرى فهي الدعاء لهؤلاء ـ رضي الله عنهم ـ قد يقول قائل: هم أغنياء عن دعائنا، الجواب: لا، ليس أحد غنياً عن دعاء الله ـ تعالى ـ ولذلك شرع لنا النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الصلاة عليه بعد كل أذان فقال:« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» أخرجه مسلم (384).

هذه جملة من الأمور التي تشرع وتسن في زيارة المدينة النبوية.

 وليعلم أن زيارة جهات لم تثبت بها السنة إذا كان لأجل الاستشراف والمعرفة والتعرف فلا بأس.

أما إذا كانت على وجه التبرك والتعبد ينبغي أن يكون حريصاً أن يكون ما يزوره موافقاً لما كان عليه خير الأنام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

* دخول المسجد يسن فيه ما يسن في سائر المساجد، من تقديم القدم اليمنى، والصلاة على النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عند الدخول، والبسملة، وسؤال الله الرحمة، وعند الخروج الفضل وصلاة ركعتين وسائر ما يكون من الأعمال الصالحة التي تكون في المساجد وفي بيوت الله تعالى.

ينبغي أن تصان هذه البقعة المباركة، فقد لعن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من أحدث فيها أو آوى محدثاًأخرجه البخاري (1870)، ومسلم (1370)

وهذا يدل على حرمتها ووجوب الاحتراز من الإحداث فيها، فإن ذلك مما يوقع الإنسان في الإثم.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا صدق محبته ومحبة نبيه ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وأن يسلك بنا سبيل الرشاد، وأن يجعلنا من أتباعه ظاهرا وباطناً، وأن يحشرنا في زمرته، وأن يوردنا حوضه وأن يجعلنا من أوليائه وأحبابه.

وفي ختام هذه الحلقة أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89954 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86963 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف