×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / أحكام 1431 / الحلقة (6)حرمة مكة البلد الحرام

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه، أحمد جل في علاه، له الحكمة البالغة والقدرة النافذة لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

فصلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن استن بسنته، واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد .

فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات، هذه حلقة جديدة من حلقات برنامجكم برنامج "أحكام" الذي تنظمه مشكورة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لتبصير حجاج بيت الله تعالى، بيان ما ينفعهم في عباداتهم في معاشهم ومعادهم، فجزاهم الله خيرا.

حلقتنا أيها الإخوة والأخوات هذا اليوم هي عن حرمة هذه البقعة المباركة مكة البلد الحرام ذلك المكان الذي اصطفاه رب العالمين، فخصه بهذه الخصيصة التي ميزه بها عن بها سائر الأماكن.

مكة شرفها الله تعالى وجعلها مهبطا لوحيه في خاتم رسالاته على أشرف رسله  صلى الله عليه وسلم .

لها خصائص عديدة، هذه البقعة هي بقعة لا يوازيها مكان مهما أحاط به من الجمال  واقترن به من جمال الحال، إلا أن هذه البقعة لها ميزة لا يوازيها مكان في أرض الله، بل في سائر البقاع.

* ما هو الحرم وما هي فضائله.

الحرم : مأخوذ مما له حرمة، فهو من التحريم والمنع في أصل اشتقاقه اللغوي، ذلك أن هذا المكان المبارك الذي اصطفاه الله تعالى وخصه بخصائص عديدة, وفضائل كثيرة، جعل الله تعالى له حرمة، أي منع فيه ما يمكن أن يكون مباحا جائزا فيما سواه.

فلذلك سمي هذا المكان حرما لكونه مكانا محترما، يجب أن يعظم ويصان، وتحفظ حرمته ومكانته، كما أن الله خصه بأحكام فمنع فيه أشياء هي مباحة للناس في غير هذا المكان.

إذا عندنا الآن سبب تسمية هذه البقعة بالحرم أن الله تعالى جعل له حرمة ومكانة وشرف ومنزلة، وأن الله تعالى جل في علاه خصه بأحكام جعل فيها عدة أمور ممنوعة هي مباحة للناس في غير هذا المكان.

مكة: من الذي حرمها؟

الذي حرمها رب الأرض والسماء، الله جل في علاه، وقد جهر بهذا وبينه من لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأبي صلى الله عليه وسلم ففي "الصحيحين" من حديث  أبي شريح العدوي رضي الله عنه أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به النبي صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، حمد الله وأثنى عليه ثم قال:«إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس»+++"صحيح البخاري" (104)، ومسلم (1354).---

 هذا يبين ميزة هذا المكان، وخصيصة هذه المنزلة, وأن تحريم مكة ليس أمرا متفقا اصطلح عليه الناس، وقالوا هذه البقعة نجعلها محلا لأعمال معينة يمنع فيها أشياء معينة، كما هو الشأن في مثلا بعض الأماكن التي يصطلح الناس لمصالح معينة، وتحقيق أغراض معينة  بإضافة أحكام إليها لإضافة نوع من الحرمة لها.

لكن هذا مكان تحريمه من قبل الله جل في علاه فليس التحريم فيه لأحد من الناس، الحرمة فيها من قبل الله.

ولما تضاف الحرمة لله تعالى تعرف عظيم ما لهذه المنطقة من مكانة وشرف ومنزلة وما لها من فضيلة أن الله اصطفاها.

قد يقول قائل: لماذا؟! ما الميزة، هو واد غير ذي زرع, كما وصفه الخليل إبراهيم عليه السلام واد ما فيه زرع، وقاحل، وليس فيه من بهجة الدنيا ونضرتها، وخضرتها ما في سائر الأماكن؟.

ربك جل وعلا له الحكمة البالغة, فالاختيار والانتقاء لله تعالى قال الله عزوجل :{وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة}+++سورة القصص:68.---

يعني الخيرة ليست لي ولا لك ، ولا لأحد من البشر.

إنما الخيرةلله تعالى يصطفي ما يشاء من الأشخاص، من الأزمان، من الأماكن، واصطفى من الأماكن مكة، البلد الحرام, فجعلها محلا لأول بيت وضعه الله تعالى للناس, والله جل في علاه له الحكمة البالغة.

قبل أن يفرض على الناس المجيء لهذه البقعة قدم بمقدمة تجعل النفوس تشتاق، وتجعل القلوب تهوى المجيء إلى هذه البقعة.

يقول الله تعالى :{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (96) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا}+++سورة آل عمران الآيتان (96)و(97).--- الله أكبر.

خمس خصائص ذكرها رب العالمين في هذه الآية, ميزت هذه البقعة وأهلتها أن تكون محلا لمجيئ العالم من كل مكان، من كل فج، يأتون من شتى بقاع الدنيا لا يريدون مالا ولا جاه يريدون امتثال أمر الله تعالى بتعظيم هذه البقعة، كما قال الله تعالى :{جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس}+++ سورة المائدة:97.---

وفي الآية الأخرى قال الله تعالى :{مثابة للناس وأمنا}+++سورة البقرة:125.---

مثابة أي يثيبون إليها، وجعلها قياما للناس، أي بها تقوم مصالحهم ومعاشهم ومعادهم.

ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية :"لو أن الناس لم يحجوا هذا البيت عاما من الأعوام، لخرت السماء على الأرض"+++انظر " مفتاح دار السعادة" لابن القيم (2/4). --- الله أكبر.

وهذا من معاني قول الله تعالى :{جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس}، به يقوم معاشهم كما أنه به يقوم أمر دينهم.

هذه البقعة لها خصائص وميزات.

أنها أول موضع عبد فيه الله جل وعلا في الأرض.

أنها هدى للناس، هي موطن هداية للناس، ولذلك الناس تهفوا قلوبهم إليها.

 من أين أشرقت أنوار الرسالة؟!

من أين انبعثت أنوار القرآن؟!.

 إنها من هذا المكان ، من هذه البقعة المباركة، الحرم المبارك الذي جعله الله تعالى مهبطا للوحي.

فيه هدى للناس، وفيه مقام إبراهيم، كما قال جل وعلا، وفيه آيات بينات، كما قال سبحانه وبحمده.

ثم قال :{ومن دخله كان آمنا}+++سورة آل عمران:96.---، وهذه الخصيصة قدرية كما أنها خصيصة شرعية.

فهذه خصيصة شرعية من جهة أنه لا يجوز لأحد أن يعتدي على أحد، بل يجب تأمين من دخل هذا البيت الحرام، حتى من الحيوان يجب تأمينه.

ثم فوق هذا ذكر الله تعالى وجوب قصده وهو خلاصة، أو هو بيان لنتيجة تلك الخصائص التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية في سورة آل عمران، ثم قال :{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (96) فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا}، ثم قال جل في علاه :{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}.

تبدو الرحمة والإحسان والفضل من رب العالمين، لما فرض المجيء لم يفرضه على كل أحد، بل من رحمته أنه نص على الاستطاعة فقال:{ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}.

بهذا يتبين لنا أن هذا المكان فاضل، ومن فضله وعظيم منزلته، أن الصلاة فيه أفضل من مئة ألف صلاة ، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام»+++"صحيح البخاري" (1190)، ومسلم (1394).---

وجاء في رواية أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه»+++"المسند"(3/397) من حديث جابر، وإسناده صحيح على شرط البخاري.---

وهذا يتبين به عظيم الأجر، وكبير الفضل، وعظيم العطاء، وجزيل المنح الذي يمن به رب العالمين.

هذا شيء ونبذة مختصرة من فضائل هذه البقعة، بعد معرفة ما هو الحرم، وما هي الأحكام.

يمكن يا إخواني نعود إلى شيء من الاختصار مع الإجمال في معرفة ما الأحكام المتصلة بهذه البقعة المباركة.

أول هذه الأحكام هو تعظيم هذه البقعة، تعظيمها حتى للبعيدين، وليس فقط لمن جاء إليها.

تعظيمها بأن يعرف المؤمن قدسية هذه البقعة وأنها بقعة عظمها الله فيجب أن يعظمها وتعظيمها بأن يمتلأ قلبه إجلالا لها، وشوقا للمجيء إليها إن يسر الله تعالى له ذلك.

كما أنه لا ينبغي أن يهم فيها بسيئة، وهذا مما ينبغي أن يلاحظ، لأن هذا قد يتوهمه بعض الناس أن هذا فيما يتعلق بمن جاء إليها، بل حتى من لم يأت إلى مكة، إلى البلد الحرام، إلى الحرم.

ينبغي أن ينوي فيها الكف عن كل سيئة ورذيلة، فكيف إذا نوى شيء من السيئات، هل له عقوبة؟ نعم، الله تعالى لم يتوعد بالعقوبة على نية كما توعد على من نوى فسادا أو إلحادا أو شرا أو معصية في هذه البقعة المباركة.

يقول الله تعالى:{ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}+++سورة الحج:25---

هذا حكم ما يختص أهل مكة، يعم كل الناس.

{ومن يرد فيه}، يعني في الحرم، (من يرد) لم يقل: (من يفعل)، والإرادة هي عمل في القلب نية وعزم، وهمة وقصد، يكون في القلب.

{ومن يرد فيه}، يعني في الحرم{بإلحاد} يعني الميل، فالإلحاد كلمة تدل على الميل من الحق إلى الباطل، وهذا يشمل إرادة كل إساءة, سواء كانت متعلقة بحقوق الخلق، أو متعلقه بحقوق الخالق.

{ومن يرد فيه بإلحاد بظلم}، أي إلحاد مقترن بظلم، {نذقه من عذاب أليم}، وهذا وعيد لمن أراد إساءة وشرا في البلد الحرام.

جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في "تفسير ابن كثير" وغيره بإسناد لا بأس به  قال: لو أن رجلا أراد فيه بإلحاد بظلم، وهو بعدن أبين، أذاقه الله من العذاب الأليم"+++"تفسير ابن كثير" (5/411)، وانظر " المسند" (1/428) وإسناده حسن روي مرفوعا وموقوفا والموقوف أصح.---

يقصد عدن التي في جنوب الجزيرة العربية.

لو كان هناك وهم في قلبه أن يحدث قتلا أو فسادا في الحرم, فإنه مهدد بهذه العقوبة.

لذلك ينبغي أن نعلم أن هذا الحكم عام، وهو تعظيم هذه البقعة وصيانة القلب عن إرادة الإساءة فيه، فكيف بأولئك الذين يخططون فسادا أو يخططون شرا ، أو انتهاكا لحرمة هذا المكان المبارك، أو إخلالا بأمن من قصده، لا شك أن هؤلاء متوعدون في هذه الآية بالإساءة والشر العظيم والعقاب الأليم، وهم أولى من يدخل في قول الله تعالى : {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها}+++سورة البقرة: 114.---، فإن أولئك داخلين في هذا الوعيد.

الذين يسعون فسادا من أي نوع من إخلال الأمن سواء كان ذلك بإشاعة الفساد، أو بإشاعة العقائد المنحرفة أو بإخلال أمن الحجاج، سواء أكان الأمن النفسي أو الأمن المالي أو الأمن الفكري، جميع أنواع الأمن ينبغي أن تنوى وتقصد في هذه البقعة تعظيما لها ولحرمتها.

فكيف من أراد بها سوءا إنه مهدد بهذه الآية العظيمة.

* إن من أحكام هذه البقعة المباركة أن الله تعالى فرض على المسلمين قصدها لمن كان مستطيعا.

في الآية التي قرأناها قول الله جل وعلا : {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا}، هذا مما فرضه الله تعالى.

ومن خصائص هذه البقعة، ما في بقعة في الدنيا يجب على الناس أن يقصدوها إلا هذه البقعة المباركة على هذا النحو من التعظيم والإجلال.

من خصائص هذه البقعة وأحكامها أنه إذا دخل المؤمن الحرم وجب عليه أن يكف نفسه عن الصيد، قال الله تعالى :{يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}+++سورة المائدة:95.---

وقوله {وأنتم حرم} يشمل حرمة المكان، ويشمل حرمة الحال، فالإنسان إذا تلبس بالإحرام وكان خارج حدود الحرم يجب عليه أن يكف عن الصيد.

وكذلك إذا دخل الحرم, فإنه يمتنع عن الصيد لقوله صلى الله عليه وسلم : « ولا ينفر صيده»+++أخرجه البخاري (1587)، ومسلم (1353)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.---

ومن الأحكام المتعلقة بهذه البقعة أن الله تعالى منع لقطتها، أي ما يسقط إلا لمنشد.

فقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما « ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها»+++أخرجه البخاري (1587)، ومسلم (1353).--- يعني يعرفها، فهي لا تملك كسائر اللقطات التي تكون في سائر البقاع، يعرفها, فإذا مضت سنة ولم يعرف صاحبها تملكها   وإلا أن يأتيه بعد ذلك دفعها إليه.

هذه البقعة لا يتملكها إنما يعرفها أبد الدهر.

* من الأحكام المتعلقة بهذه البقعة التأمين، تأمين الناس على دمائهم، وأموالهم.

فيما يتعلق بالدماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم «فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما»+++أخرجه البخاري (104)، ومسلم (1354)، من حديث أبي شريح العدوي. ---،هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان حرمتها.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن استباحتها له صلى الله عليه وسلم إنما كانت رخصة من الله تعالى على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلها معظما مطهرا لها من الأرجاس والأنجاس.

ولهذا لما سمع كلمة سعد بن عباد رضي الله عنه قال"اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة "، ماذا قال؟ قال : « كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة»+++أخرجه البخاري (4280).---، وعزله صلى الله عليه وسلم .

قال : « هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة».

 فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأت لاستباحتها، إنما جاءها لتطهيرها من أوضار الشرك والأوثان, وسائر ما كان فيها من مخالفة أمر رب الأرض والسماء.

بل دخلها النبي صلى الله عليه وسلم على هيئة لو رآها الناس لعلموا عظيم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من إجلال هذه البقعة، دخلها وهو قد حنى نفسه، وكد أن يلمس صدره صلى الله عليه وسلم رحله، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .

ودخلها معظما ومجلا، أول ما بدأ بدأ بإزالة الأصنام من على الكعبة {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}+++سورة الإسراء:81.--- 

* هذه جملة من الأحكام المتعلقة بهذه البقعة المباركة.

ما يتعلق بتعظيم الحسنات، - أي مضاعفة الحسنات- ثبتت في الصلاة، وبعض العلماء يجعلها في غير الصلاة.

غير الصلاة له فضل أيضا، لكن المضاعفة بمئة ألف حسنة ليست واردة إلا في الصلاة فقط وما عداها هو مفاضل ومبارك، وله أجر لكن نحتاج إلى دليل لبيان قدر المضاعفة.

أما ما يتعلق بالسيئات، فإنه لم يرد فيها أن السيئات تضعف، إنما السيئة بمثلها، {وجزاء سيئة سيئة مثلها}+++سورة الشورى:40.---، في مكة وفي غيرها ، في الحرم وفي غيره.

ولكنها تغلظ، ومعنى تغلظ كما قال الله تعالى : {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}+++سورة الحج:35.---

أنت الآن ممكن أن تضرب ابنك ضربة بسيطة، ويمكن أن تضربه ضربة شديدة، كلاهما ضربة واحدة؛ لكن فرق بين الضربة البسيطة والضربة الغليظة.

هذا بعض ما يتعلق بحرمة هذا البيت الحرام، نسأل الله أن يعظمه.

وأبشركم أن تعظيمه ولله الحمد قائم من جهات كثيرة, وعلى رأسها حكومة خادم الحرمين الشريفين التي سخرت الإمكانيات بكافة وسائلها؛ لتعظيم هذه البقعة وصيانتها وتأمينها وتأمين من يقصدها .

 فنسأل الله تعالى أن يجزيهم خير الجزاء على ما يقومون به من رعاية هذا المكان المبارك وصيانة حرمته.

كما نشكر وزارة الشؤون الإسلامية للأوقاف والدعوة والإرشاد على ما تقدمه، ومنه هذا البرنامج، برنامج " أحكام"، الذي أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم فيه العلم النافع والعمل الصالح وأن يرزق القائمين عليه خيرا .

وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3716

الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، أحمد جل في علاه، له الحكمة البالغة والقدرة النافذة لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه.

وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة أرجو بها النجاة من النار، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

فصلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، ومن استن بسنته، واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد .

فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات، هذه حلقة جديدة من حلقات برنامجكم برنامج "أحكام" الذي تنظمه مشكورة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لتبصير حجاج بيت الله تعالى، بيان ما ينفعهم في عباداتهم في معاشهم ومعادهم، فجزاهم الله خيراً.

حلقتنا أيها الإخوة والأخوات هذا اليوم هي عن حرمة هذه البقعة المباركة مكة البلد الحرام ذلك المكان الذي اصطفاه رب العالمين، فخصه بهذه الخصيصة التي ميزه بها عن بها سائر الأماكن.

مكة شرفها الله ـ تعالى ـ وجعلها مهبطاً لوحيه في خاتم رسالاته على أشرف رسله  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

لها خصائص عديدة، هذه البقعة هي بقعة لا يوازيها مكان مهما أحاط به من الجمال  واقترن به من جمال الحال، إلا أن هذه البقعة لها ميزة لا يوازيها مكان في أرض الله، بل في سائر البقاع.

* ما هو الحرم وما هي فضائله.

الحرم : مأخوذ مما له حرمة، فهو من التحريم والمنع في أصل اشتقاقه اللغوي، ذلك أن هذا المكان المبارك الذي اصطفاه الله ـ تعالى ـ وخصه بخصائص عديدة, وفضائل كثيرة، جعل الله ـ تعالى ـ له حرمة، أي منع فيه ما يمكن أن يكون مباحاً جائزاً فيما سواه.

فلذلك سمي هذا المكان حرماً لكونه مكاناً محترماً، يجب أن يعظم ويصان، وتحفظ حرمته ومكانته، كما أن الله خصَّه بأحكام فمنع فيه أشياء هي مباحة للناس في غير هذا المكان.

إذاً عندنا الآن سبب تسمية هذه البقعة بالحرم أن الله ـ تعالى ـ جعل له حرمة ومكانة وشرف ومنزلة، وأن الله ـ تعالى جل في علاه ـ خصَّه بأحكام جعل فيها عدة أمور ممنوعة هي مباحة للناس في غير هذا المكان.

مكة: من الذي حرمها؟

الذي حرمها رب الأرض والسماء، الله جل في علاه، وقد جهر بهذا وبيَّنه من لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ففي "الصحيحين" من حديث  أَبِي شُرَيْحٍ العدوي ـ رضي الله عنه ـ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهْوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:«إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ»"صحيح البخاري" (104)، ومسلم (1354).

 هذا يبين ميزة هذا المكان، وخصيصة هذه المنزلة, وأن تحريم مكة ليس أمراً متفقاً اصطلح عليه الناس، وقالوا هذه البقعة نجعلها محلاً لأعمال معينة يمنع فيها أشياء معينة، كما هو الشأن في مثلاً بعض الأماكن التي يصطلح الناس لمصالح معينة، وتحقيق أغراض معينة  بإضافة أحكام إليها لإضافة نوع من الحرمة لها.

لكن هذا مكان تحريمه من قِبل الله ـ جل في علاه ـ فليس التحريم فيه لأحد من الناس، الحرمة فيها من قِبل الله.

ولما تضاف الحرمة لله ـ تعالى ـ تعرف عظيم ما لهذه المنطقة من مكانة وشرف ومنزلة وما لها من فضيلة أن الله اصطفاها.

قد يقول قائل: لماذا؟! ما الميزة، هو وادٍ غير ذي زرع, كما وصفه الخليل إبراهيم ـ عليه السلام ـ وادٍ ما فيه زرع، وقاحل، وليس فيه من بهجة الدنيا ونضرتها، وخضرتها ما في سائر الأماكن؟.

ربك جل وعلا له الحكمة البالغة, فالاختيار والانتقاء لله ـ تعالى ـ قال الله ـ عزوجل ـ:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}سورة القصص:68.

يعني الخيرة ليست لي ولا لك ، ولا لأحد من البشر.

إنما الخيرةلله ـ تعالى ـ يصطفي ما يشاء من الأشخاص، من الأزمان، من الأماكن، واصطفى من الأماكن مكة، البلد الحرام, فجعلها محلاً لأول بيت وضعه الله ـ تعالى ـ للناس, والله ـ جل في علاه ـ له الحكمة البالغة.

قبل أن يفرض على الناس المجيء لهذه البقعة قدَّم بمقدمة تجعل النفوس تشتاق، وتجعل القلوب تهوى المجيء إلى هذه البقعة.

يقول الله ـ تعالى ـ:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}سورة آل عمران الآيتان (96)و(97). الله أكبر.

خمس خصائص ذكرها رب العالمين في هذه الآية, ميَّزت هذه البقعة وأهلتها أن تكون محلاً لمجيئ العالم من كل مكان، من كل فجّ، يأتون من شتى بقاع الدنيا لا يريدون مالاً ولا جاهً يريدون امتثال أمر الله ـ تعالى ـ بتعظيم هذه البقعة، كما قال الله ـ تعالى ـ:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} سورة المائدة:97.

وفي الآية الأخرى قال الله ـ تعالى ـ:{مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}سورة البقرة:125.

مثابة أي يثيبون إليها، وجعلها قياماً للناس، أي بها تقوم مصالحهم ومعاشهم ومعادهم.

ولهذا يقول ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ في تفسير هذه الآية :"لو أن الناس لم يحجوا هذا البيت عاماً من الأعوام، لخرت السماء على الأرض"انظر " مفتاح دار السعادة" لابن القيم (2/4). الله أكبر.

وهذا من معاني قول الله ـ تعالى ـ:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}، به يقوم معاشهم كما أنه به يقوم أمر دينهم.

هذه البقعة لها خصائص وميزات.

أنها أول موضع عبد فيه الله ـ جل وعلا ـ في الأرض.

أنها هدى للناس، هي موطن هداية للناس، ولذلك الناس تهفوا قلوبهم إليها.

 من أين أشرقت أنوار الرسالة؟!

من أين انبعثت أنوار القرآن؟!.

 إنها من هذا المكان ، من هذه البقعة المباركة، الحرم المبارك الذي جعله الله ـ تعالى ـ مهبطاً للوحي.

فيه هدى للناس، وفيه مقام إبراهيم، كما قال جل وعلا، وفيه آيات بينات، كما قال سبحانه وبحمده.

ثم قال :{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}سورة آل عمران:96.، وهذه الخصيصة قدرية كما أنها خصيصة شرعية.

فهذه خصيصة شرعية من جهة أنه لا يجوز لأحد أن يعتدي على أحد، بل يجب تأمين من دخل هذا البيت الحرام، حتى من الحيوان يجب تأمينه.

ثم فوق هذا ذكر الله ـ تعالى ـ وجوب قصده وهو خلاصة، أو هو بيان لنتيجة تلك الخصائص التي ذكرها الله ـ تعالى ـ في هذه الآية في سورة آل عمران، ثم قال :{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}، ثم قال جل في علاه :{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.

تبدو الرحمة والإحسان والفضل من رب العالمين، لما فرض المجيء لم يفرضه على كل أحد، بل من رحمته أنه نصَّ على الاستطاعة فقال:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.

بهذا يتبين لنا أن هذا المكان فاضل، ومن فضله وعظيم منزلته، أن الصلاة فيه أفضل من مئة ألف صلاة ، ففي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»"صحيح البخاري" (1190)، ومسلم (1394).

وجاء في رواية أحمد وغيره أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قال: « وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه»"المسند"(3/397) من حديث جابر، وإسناده صحيح على شرط البخاري.

وهذا يتبين به عظيم الأجر، وكبير الفضل، وعظيم العطاء، وجزيل المنح الذي يمن به رب العالمين.

هذا شيء ونبذة مختصرة من فضائل هذه البقعة، بعد معرفة ما هو الحرم، وما هي الأحكام.

يمكن يا إخواني نعود إلى شيء من الاختصار مع الإجمال في معرفة ما الأحكام المتصلة بهذه البقعة المباركة.

أول هذه الأحكام هو تعظيم هذه البقعة، تعظيمها حتى للبعيدين، وليس فقط لمن جاء إليها.

تعظيمها بأن يعرف المؤمن قدسية هذه البقعة وأنها بقعة عظمها الله فيجب أن يعظمها وتعظيمها بأن يمتلأ قلبه إجلالاً لها، وشوقاً للمجيء إليها إن يسَّر الله ـ تعالى ـ له ذلك.

كما أنه لا ينبغي أن يهمّ فيها بسيئة، وهذا مما ينبغي أن يلاحظ، لأن هذا قد يتوهمه بعض الناس أن هذا فيما يتعلق بمن جاء إليها، بل حتى من لم يأت إلى مكة، إلى البلد الحرام، إلى الحرم.

ينبغي أن ينوي فيها الكف عن كل سيئة ورذيلة، فكيف إذا نوى شيء من السيئات، هل له عقوبة؟ نعم، الله ـ تعالى ـ لم يتوعد بالعقوبة على نية كما توعَّد على من نوى فساداً أو إلحاداً أو شراً أو معصية في هذه البقعة المباركة.

يقول الله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}سورة الحج:25

هذا حكم ما يختص أهل مكة، يعم كل الناس.

{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ}، يعني في الحرم، (من يرد) لم يقل: (من يفعل)، والإرادة هي عمل في القلب نية وعزم، وهمة وقصد، يكون في القلب.

{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ}، يعني في الحرم{بِإِلْحَادٍ} يعني الميل، فالإلحاد كلمة تدل على الميل من الحق إلى الباطل، وهذا يشمل إرادة كل إساءة, سواء كانت متعلقة بحقوق الخلق، أو متعلقه بحقوق الخالق.

{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}، أي إلحاد مقترن بظلم، {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، وهذا وعيد لمن أراد إساءة وشراً في البلد الحرام.

جاء عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كما في "تفسير ابن كثير" وغيره بإسناد لا بأس به  قال: لو أن رَجُلا أراد فيه بإلحاد بظلم، وهو بعَدَن أبينَ، أذاقه الله من العذاب الأليم""تفسير ابن كثير" (5/411)، وانظر " المسند" (1/428) وإسناده حسن روي مرفوعاً وموقوفاً والموقوف أصح.

يقصد عدن التي في جنوب الجزيرة العربية.

لو كان هناك وهمَّ في قلبه أن يحدث قتلاً أو فساداً في الحرم, فإنه مهدد بهذه العقوبة.

لذلك ينبغي أن نعلم أن هذا الحكم عام، وهو تعظيم هذه البقعة وصيانة القلب عن إرادة الإساءة فيه، فكيف بأولئك الذين يخططون فساداً أو يخططون شراً ، أو انتهاكاً لحرمة هذا المكان المبارك، أو إخلالاً بأمن من قصده، لا شك أن هؤلاء متوعدون في هذه الآية بالإساءة والشر العظيم والعقاب الأليم، وهم أولى من يدخل في قول الله ـ تعالى ـ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا}سورة البقرة: 114.، فإن أولئك داخلين في هذا الوعيد.

الذين يسعون فساداً من أي نوع من إخلال الأمن سواء كان ذلك بإشاعة الفساد، أو بإشاعة العقائد المنحرفة أو بإخلال أمن الحجاج، سواء أكان الأمن النفسي أو الأمن المالي أو الأمن الفكري، جميع أنواع الأمن ينبغي أن تنوى وتقصد في هذه البقعة تعظيماً لها ولحرمتها.

فكيف من أراد بها سوءاً إنه مهدد بهذه الآية العظيمة.

* إن من أحكام هذه البقعة المباركة أن الله ـ تعالى ـ فرض على المسلمين قصدها لمن كان مستطيعاً.

في الآية التي قرأناها قول الله ـ جل وعلا ـ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، هذا مما فرضه الله تعالى.

ومن خصائص هذه البقعة، ما في بقعة في الدنيا يجب على الناس أن يقصدوها إلا هذه البقعة المباركة على هذا النحو من التعظيم والإجلال.

من خصائص هذه البقعة وأحكامها أنه إذا دخل المؤمن الحرم وجب عليه أن يكف نفسه عن الصيد، قال الله ـ تعالى ـ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}سورة المائدة:95.

وقوله {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} يشمل حرمة المكان، ويشمل حرمة الحال، فالإنسان إذا تلبس بالإحرام وكان خارج حدود الحرم يجب عليه أن يكف عن الصيد.

وكذلك إذا دخل الحرم, فإنه يمتنع عن الصيد لقوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: « وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ»أخرجه البخاري (1587)، ومسلم (1353)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ومن الأحكام المتعلقة بهذه البقعة أن الله ـ تعالى ـ منع لقطتها، أي ما يسقط إلا لمنشد.

فقد جاء في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ « وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا»أخرجه البخاري (1587)، ومسلم (1353). يعني يعرفها، فهي لا تملك كسائر اللقطات التي تكون في سائر البقاع، يعرفها, فإذا مضت سنة ولم يعرف صاحبها تملكها   وإلا أن يأتيه بعد ذلك دفعها إليه.

هذه البقعة لا يتملكها إنما يعرفها أبد الدهر.

* من الأحكام المتعلقة بهذه البقعة التأمين، تأمين الناس على دمائهم، وأموالهم.

فيما يتعلق بالدماء، قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ «فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا»أخرجه البخاري (104)، ومسلم (1354)، من حديث أبي شريح العدوي. ،هكذا قال النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في بيان حرمتها.

وقد بيَّن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أن استباحتها له ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إنما كانت رخصة من الله ـ تعالى ـ على أن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ دخلها معظماً مطهراً لها من الأرجاس والأنجاس.

ولهذا لما سمع كلمة سعد بن عباد ـ رضي الله عنه ـ قال"الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ "، ماذا قال؟ قال : « كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ»أخرجه البخاري (4280).، وعزله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

قال : « هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ».

 فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يأت لاستباحتها، إنما جاءها لتطهيرها من أوضار الشرك والأوثان, وسائر ما كان فيها من مخالفة أمر رب الأرض والسماء.

بل دخلها النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ على هيئة لو رآها الناس لعلموا عظيم ما كان عليه النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من إجلال هذه البقعة، دخلها وهو قد حنى نفسه، وكد أن يلمس صدره ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ رحله، بأبي هو وأمي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ودخلها معظماً ومجلاً، أول ما بدأ بدأ بإزالة الأصنام من على الكعبة {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}سورة الإسراء:81. 

* هذه جملة من الأحكام المتعلقة بهذه البقعة المباركة.

ما يتعلق بتعظيم الحسنات، - أي مضاعفة الحسنات- ثبتت في الصلاة، وبعض العلماء يجعلها في غير الصلاة.

غير الصلاة له فضل أيضاً، لكن المضاعفة بمئة ألف حسنة ليست واردة إلا في الصلاة فقط وما عداها هو مفاضل ومبارك، وله أجر لكن نحتاج إلى دليل لبيان قدر المضاعفة.

أما ما يتعلق بالسيئات، فإنه لم يرد فيها أن السيئات تضعف، إنما السيئة بمثلها، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}سورة الشورى:40.، في مكة وفي غيرها ، في الحرم وفي غيره.

ولكنها تغلظ، ومعنى تغلظ كما قال الله ـ تعالى ـ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}سورة الحج:35.

أنت الآن ممكن أن تضرب ابنك ضربة بسيطة، ويمكن أن تضربه ضربة شديدة، كلاهما ضربة واحدة؛ لكن فرق بين الضربة البسيطة والضربة الغليظة.

هذا بعض ما يتعلق بحرمة هذا البيت الحرام، نسأل الله أن يعظمه.

وأبشركم أن تعظيمه ولله الحمد قائم من جهات كثيرة, وعلى رأسها حكومة خادم الحرمين الشريفين التي سخرت الإمكانيات بكافة وسائلها؛ لتعظيم هذه البقعة وصيانتها وتأمينها وتأمين من يقصدها .

 فنسأل الله ـ تعالى ـ أن يجزيهم خير الجزاء على ما يقومون به من رعاية هذا المكان المبارك وصيانة حرمته.

كما نشكر وزارة الشؤون الإسلامية للأوقاف والدعوة والإرشاد على ما تقدمه، ومنه هذا البرنامج، برنامج " أحكام"، الذي أسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم فيه العلم النافع والعمل الصالح وأن يرزق القائمين عليه خيراً .

وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89969 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86965 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف