×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:8437

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مساكم الله بالخير، وليلة مباركة على الجميع، إن شاء الله الحمد لله رب العالمين، أنزل على عبده الكتاب، ولم يجعل له عوجًا، أحمده حق حمده، فهو أجل من حمد، وأعظم من ذكر لا اله إلا هو، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا نحصي ثناءًا عليه، هو أثنى على نفسه، وأشهد أن لا اله إلا الله، وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسانٍ، إلى يوم الدين، أما بعد:-

فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم، أيها الإخوة و الأخوات، في هذا اللقاء المبارك في هذه الليلة، من ليالِ هذا الشهر، العظيم شهر القرآن، شهر رمضان، الذي أنزل فيه القرآن، إننا في هذه الليلة، سنتكلم عن أعظم قضية خص الله تعالى بها البشرية، إنها القرآن العظيم، ذاك الكتاب الحكيم، الذي جعله الله تعالى نورًا، يضيء به الدنيا، ينير به القلوب، يخرج به الناس من الظلمات بشتى أنواعها، إلى النور بشتى صوره، إنه أعظم ما أنزله الله عزَّ وجلَّ على رسله، ولذلك حمد الله نفسه في كتابه، على إنزاله هذا القرآن، فقال جلَّ في علاه: )الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا(سورة الكهف، الآية: 1و2 و3  أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، أيها الإخوة والأخوات، إن القرآن هو أعظم إنجاز جاء، أو هو أعظم كتاب جاء إلى البشرية، تطبيقه هو أعظم إنجاز يحققه البشر، لذلك كان أعظم آيات الأنبياء والمرسلين، إنزال الكتاب الحكيم على النبي الأمين، محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لم يأتِ رسول من الرسل بآية، والآية معناها المعجزة، أعظم مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم، ما من نبي إلا وآتاه الله ما على مثله آمن البشر، ما في رسول أرسله الله تعالى للناس؛ إلا وأقام بينات وشواهد على صدقه، هذه البينات والشواهد متنوعة، مختلفة أولي العزم من الرسل، كانت رسالتهم واسعة، فكانت آياتهم عظيمة، ومن بعدهم من الرسل، أو من دونهم من الرسل، كذلك جاءت كل رسول، جاء بآية تصدق ما جاء به، تبرهن صحة ما تكلم به، أعظم الآيات التي جاءت، من آيات جميع الرسل، هو هذا الكتاب الحكيم، هو هذا القرآن العظيم، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم:« وكان الذي أوتيته»، يعني كان الذي خصني الله به، وهو أشرف الناس، أعظم الخلق جاهًا عند الله، صلى الله عليه وسلم، «وكان الذي أوتيته وحيًا أوحاهُ الله إلي»[صحيح البخاري(4981)، ومسلم(152/239)]، إنه القرآن العظيم، إنه الكتاب المبين، إنه هذا الذي يقرأه المسلمون في صلواتهم، ويسمعونه في تلاواتهم، إنه ذلك الكتاب الذي قال الله فيه: )إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ(سورة الإسراء، الآية:9،  هذا هو الذي جاء به النبي، صلى الله عليه وسلم ، وهو أعظم آيات الأنبياء، ليس في آيات الأنبياء آية أعظم من هذه الآية، يذكر الناس مما أوتيه الأنبياء، ما ذكره الله في كتابه، في حق عيسى بن مريم، على سبيل المثال؛ يبرئ الأكمه والأبرص، بل ويحيي الموتى، وإبراهيم آتاه الله من الآيات ما صدق قوله، فلما ألقاه في النار، قال الله تعالى للنار: )كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(سورة الأنبياء الآية: 69 ، آيات شاهدة على صدق نبواتهم، وصحة ما جاءوا به، وما أخبروا به عن رب العالمين، النبي صلى الله عليه وسلم جاء بآيات متنوعة عديدة، ما في آية معجزة أوتيها نبي إلا والنبي محمد بن عبد الله آتاه الله مثلها، وأعظم منها، لكنه خصه بشيء دون سائر الأنبياء، وهو أن كتابه أحسن الكتب، وأن كتابه المحفوظ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، القرآن العظيم منزلته عند رب العالمين عظيمة، إنه كلام الله، لا إله إلا هو ،الرحمن الرحيم، إنه خطاب رب العالمين، لنا نحن البشر، ليس في بلد، ولا في عرق، ولا في زمان، ولا في لحظة، بل إنه للبشرية كافة، من مبعث النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،  كلهم مخاطبون بهذا القرآن، لذلك كان أول نداء في القرآن، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(سورة البقرة، الآية:21، إنه نداء للبشرية، للإنسانية كافة، وليس نداء لجنس، ولا للسان، ولا فئة، ولا لزمان, ولا للون، إنه نداء لكل من دخل تحت هذا المسمى، كل من كان من الإنس، فالقرآن خطاب له، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(سورة البقرة، الآية:21، بل في البشارة بهذا الكتاب، لم تكن بشارة الله عزَّ وجلَّ، بهذا الكتاب خاصة بالعرب، ولا بقريش، بل كانت عامة للناس، فقال: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(سورة يونس،الآية:57، ثم يقول: )قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا(سورة يونس، الآية:58، فبذلك فليفرحوا، تخصيص يعني بهذا الكتاب، وبهذا الوحي، فليفرحوا، فهو أجدر ما يفرح به، وأعظم ما يسرُّ به؛ لأنه النور الذي إذا أشرق على القلب نال السعادة في الدنيا، والفوز في الآخرة القرآن، يا إخواني كتاب عجيب، أخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور، وحتى تعرف مدى تأثير القرآن، وعظيم ما يحصل به من الإصلاح للأفراد والمجتمعات، انظر إلى الانقلاب البشري العظيم، والثورة التي لا يوازيها ثورة في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، خرج صلى الله عليه وسلم بعد أن قال له ربه:)يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ(سورة المدثر، الآية من 1 إلى 6، آيات معدودات، نزلت على قلب خاتم النبيين، صلى الله عليه وسلم، بعدها قام ولم يركن صلى الله عليه وسلم إلى راحةٍ أو دعةٍ بعد هذا الأمر،  فقام قومة لم يقمها أحد من البشر قبله، صلى الله عليه وسلم، ولن يقومها أحد من البشر بعده، فهو أعبد الناس لربه« أما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له»[صحيح البخاري(1108/74)]، هكذا يقول صلى الله عليه وسلم، قام بأبي وأمي، صلى الله عليه وسلم، فأنذر الإنذار المبين، ابتدأ بكوكبة قليلة ممن آمن به وصدقه؛ خديجة، علي رضي الله عنه، أبي بكر، ثم تكاثر المؤمنون به، كان انقلابًا حقيقيًّا، انقلابًا لا يمكن أن يحققه أي إنجاز تربوي في مدة وجيزة، إلا ما يكونوا من تربية رب العالمين، وتزكيته للمؤمنين، في تربية النبي، صلى الله عليه وسلم، وإشرافه، ونظره، وصناعته، صلى الله عليه وسلم، لأولئك الجيل، الذين قال  الله لهم جلَّ في علاه: )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(سورة آل عمران الآية :110 ، هذه الأمة من أين خرجت؟ ما الذي تغير في أجوائها؟ هل تغير المناخ الطبيعي والبيئة المحيطة في الجزيرة العربية خلال خمس وعشرين سنة، أو عشرين سنة، من مبعث النبي صلي الله عليه وسلم إلى موته؟ لا لم يتغير شيء، كانوا في حياتهم الطبيعية، على ما كانوا عليه في الجاهلية، في الموارد الاقتصادية، لم يختلف في الأجواء الطبيعية، لم يختلف في القبائل والتركيبة السكانية، لم يختلف الوضع الاجتماعي، لم يختلف، إذًا هناك شيء آخر غير هذه المغيرات والمؤثرات التي تتغير بها المجتمعات، حصل بها الانقلاب والتغيير، إنه الإيمان الذي جاء به القرآن، إنه التصديق الذي رسخه هذا النور المبين، الذي جاء به سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، القرآن أخرج لنا أمة، ليست كسائر الأمم، ولن يأتِ في زمان الدنيا أمة كهذه الأمة، فإنها خير أمة أخرجت للناس، بشهادة الله عزَّ وجلَّ، هذا لا يقال على وجه المكايدة أو على وجه المنابذة، أو على وجه الافتخار، النبي صلي الله عليه وسلم، يقول أنا سيد ولد آدم، ثم ينفي أي نوع من أنواع العلو والارتفاع، على الخلق والزهو بالديانة، والفضل الذي أعطاه الله، يقول ولا فخر، أنا لا أفخر بذلك، فأعلو على الناس، هي الأمة خير أمة، لكنها أنفع الأمم للبشرية، لم تأتِ أمة تبذل دماءها وأموالها في هداية الناس، كهذه الأمة، فكانت خير أمة أخرجت للناس، فهي نافعة للناس في دينهم، نافعة للناس في دنياهم، نافعة للناس في كل مناحي حياتهم.

 أيها الإخوة الكرام! هذا الكتاب العظيم لا حد لآياته و أسراره، وحكمه وعجائبه، كلما أقبل عليه المؤمن، وجد فيه من الأنوار، ووجد فيه من الهداية، ووجد فيه من الكشوفات والفتوحات، ما لا يجده في كتاب غيره، مهما بذل في الفكر والتأمل، لن يجد ما تسعد به نفسه، ويطمئن به قلبه، ويهتدي به إلى الطريق القويم، في معاشه ومعاده، كما يجده في القرآن، إن القرآن أخرج خير أمة أخرجت للناس، ذاك لا ينحصر في زمان، ليس هذا مقصورًا على زمن النبي، صلي الله عليه وسلم، بل هو لمجموع الأمة، في كل طبقاتها، وفي كل قرونها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، في كل زمان هذه الأمة خير الأمم، طبعًا الخيرية ليست مقصورة على صورة من الجوانب البشرية، الخيرية تعتمد على جوانب عديدة، عندما يضعف المسلمون يتأخرون في الخيرية، لكن يبقى عندهم عنصر لا يتزحزح فيه الخير، وهو متعلق بمعرفتهم بالله عزَّ وجلَّ ، وإيمانهم به فإن هذا على ضعف المسلمين يبقى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، بل كما قال الله عزَّ وجلَّ: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(سورة الحجر، الآية:9، الحفظ للقرآن ليس حفظًا لآياته، أن تتغير أو تتحول، أو تزيد أو تنقص، هذا نوع من الحفظ، لكن هناك حفظ وراء هذا الحفظ، وهو حفظ معاني كلام الله عزَّ وجلَّ، وهذا لا يكون إلا بحفظ حملة هذا القرآن، حفظ أهل القرآن، وهذا معنى قول النبي صلي الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين»، يعني لا يغلبهم أحد في الظهور، هنا هو الانتشار و المعرفة، وأن يمكن أن يصل إليهم كل واحد، ويعرف ما عندهم من حق، لا تُغلب حجتهم، ولا تنكسر شوكتهم «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى يأتِ وعد الله وهم على ذلك»[صحيح البخاري(7311)، ومسلم(1920/170)]، وعد الله، هو ما قدره في آخر الزمان من تحول، وقبض أرواح المؤمنين في آخر الزمان، الريح التي لا تترك نفس مؤمن، إلا تأخذ بروحه لا يبقى في الأرض من يقول: الله الله، عندها يطوى البساط، ويؤذن للدنيا بالزوال والانصراف، هذا الكتاب العظيم منزلته عند الله عزَّ وجلَّ، من شرف أهله، وجعلهم في أعلى المراتب، وأسمى المنازل، فهم أهل الله، لما تقول: أهل فلان فأنت تعرف أنهم المحيطين به، القريبين منه، الذين يحظون بعنايته ورعايته، والقيام بشئونه، فأهل القرآن هم أهل الله، هكذا جاء في الحديث، الذي رواه أحمد والنسائي، من حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وعلى إله وسلم، قال: «إن لله أهلين، قالوا: من هم يا رسول الله؟» النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس من المجالس يحدث أصحابه أن لله أهلين، قالوا: من هم يا رسول الله؟ كل النفوس تصمت، كل النفوس تتحمس، كل النفوس تسمو إلى أن تكون من هذه الفئة، أهل الله الذين يرعاهم، أهل الله الذين يؤيدهم، أهل الله الذين يحفظهم، أهل الله الذين يتولى شئونهم، أهل الله الذين تمتد عنايته بهم، ليس فقط في قبورهم، في دنياهم، وفي قبورهم، وعند الفزع )يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(سورة المطففين الآية :6 ، في مشهد عظيم، )وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ(سورة التكوير الآية:5 ، )إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِ الرَّحْمَنِ عَبْدًا(سورة مريم الآية: 93، ليس في زمان الآن، لو أردنا أن نجمع البشرية، بني آدم الآن البشر، ليس الطيور والوحوش والجن وسائر المخلوقات فقط، لو أردنا أن نجمع البشرية، في مكان تخيل هذا المجمع، كيف يكون؟ أنت الآن لو تنظر إليهم في الحج؛ تقول سبحان الذي خلقهم، وهم في زمان محدود وعدد محدود، ومكان محدود، وجنس عدد من دين واحد، فكيف إذا جمعت هذا البشرية من آدم إلى آخر البشر؟ إنه يوم مهيب مهيب في ذاته، ولو لم يكن فيه جزاء، ولا حساب مهيب، يومٌ تجِل منه النفوس، )يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ(، يقومون على هيئة من الفقر، إن ما عندهم ما يستروا به عوراتهم، كما جاء في الحديث، «حفاةً عراةً غُرلا»[صحيح البخاري(ح3447)، ومسلم(2895/56)]، غير مختونين، يقومون على هذه الصورة، التي فيها الافتقار من كل شيء، لأنه لا مالك في ذلك اليوم إلا الله، لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار، هذا الموقف يفوز فيه أهل القرآن، فالقرآن يأتي شفيعًا لأصحابه يوم القيامة، وهذه الشفاعة هي تحقيق لأهلية هؤلاء، قالوا: "يا رسول الله، من هم؟ "أي من هؤلاء الذين هم أهل الله؟ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم:« هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته »[سنن النسائي(7977)، ومسند أحمد(12279)، وصححه الألباني]، أهل الله الذين يرعاهم ويحفظهم، وخاصته أي لهم ميزة على سائر من يعتنِ بهم جلَّ في علاه رب العالمين، له الملك سبحانه وبحمده، فهو مالك الملك سبحانه، بيده ملكوت كل شيء، وهو جلَّ في علاه، المدبر لأمر الناس، فما من خير يصل إلا منه جلَّ في علاه، ولا من شر يصرف إلا منه، سبحانه وتعالى، الحمد لله، لا مانع لما أعطاه، ولا معطي لما منع، هذه هي بعض صفاته جلَّ في علاه، القرآن العظيم كلامه الذي تكلم به، سبحانه وبحمده، عندما يمتلئ القلب، بهذه العقيدة التي أخبر الله بها في كلامه، أن القرآن كلامه نزل منه، وهو الذي أوحاه إلى رسوله، القلب يجل ويعظم هذا القرآن، تعظيمًا زائدًا على المعتاد، لأنه خطاب رب العالمين، لما كان خطابه، الله تعالى يقول في محكم كتابه: )فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ(سورة التوبة الآية:6، هو القرآن العظيم، الذي إذا سمعته القلوب وجلت وعظمت هذا الرب الذي يتكلم بهذا الكلام، والعجيب أن هذا ليس مقصورًا فقط على من يعقل القرآن، بل حتى على الذين لا يفهمون القرآن، يجدون في هذا الكلام تأثيرًا في نفوسهم، وشواهد هذا ليست محدودة، شواهد هذا قائمة ومعروفة، والتجربة دالة على أن للقرآن تأثيرًا على النفوس، حتى عند من لا يفهم كلامه، أو لا يفهم حروفه، أو لا يتقن معانيه، فهذا كلام رب العالمين، ولا عجب أن يكون هذا الكلام، بهذا التأثير على كل نفوس البشرية، لكن يعظم التأثير عندما يأتِ التفهم والتدبر، كلما زاد نصيبك من فهم كلام الله، عظم أثر ذلك في قلبك، وفي سلوكك وفي خلقك، وفي معاملتك، وفي ديانتك، وفي استقامتك، وفي التزامك بما أمر الله تعالى به، وقيامك بحقه، إن الله جلَّ وعلا، أنزل هذا القرآن الحكيم، وجعله يقوم بمهمته

المهمة الأولى:التعريف بالله،

والمهمة الثانية:التعريف بالطريق الموصل إلى الله، لذلك كان هذا القرآن أسهل سبيل للوصول إلى مرضاة الله، لأنه به تعرف من تعبد، نحن نصلي، ونصوم، ونحج، ونزكي، ونحسن، ونأتمر بالأمر، وننتهي عن النهي، لماذا؟ طاعة لله عزَّ وجلَّ، فمن هذا الذي تطيعه؟ ما صفاته؟ ما أفعاله؟ ما بهاؤه وجلاله؟ سبحانه وبحمده، تعرف هذا على وجه الكمال، بيسر وسهولة في القرآن العظيم لما تقرأ: )اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ(سورة البقرة، الآية255، الله أكبر، القلب يمتلئ تعظيمًا لهذا الرب، من هذه الكلمات الموجزات، في أول آية الكرسي )اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ(سورة البقرة، الآية:255، ليس هناك معبود بحق سواه جلَّ في علاه، الحي الذي لا يموت، القيوم الذي يقوم بشئون الخلق كلهم)يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد([فاطر:15]، ليس فقط أنا وأنت بل الناس، كلهم قائمون بالله جلَّ في علاه، أفمن هو قائم على كل نفس، سبحان الله!! كل نفس!! الله قائم عليها في رزقها، في مصالحها، في دفع الشر عنها، في أجلها، في دفع ما تكره، في تحصين ما تحب، في العلم بحالها وشأنها، ذاك هو الله، رب العالمين، سبحانه وبحمده، عندما تقرأ من الآيات اليسيرة، وتقف عندها تقف على عظمة رب العالمين، وتعرف أنه صدق الله، ومن أصدق من الله قيلا، )وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ(سورة الأنعام، الآية91، قدر الله عظيم، وشأنه جليل، تعرف ذلك بالإقبال على القرآن أيضًا، تعرف الطريق الموصل إلى الله، لأن الله شرع طريقًا يوصل إليه، ولم يتركنا نعرفه ثم نعرف كيف نصل إليه، بل قال لنا: ربكم الذي تعبدون صفاته كذا وكذا، وأفعاله كذا وكذا، وبين هذا بيانا، ما في آية في القرآن، إلا وهي تخبر عن الله عزَّ وجلَّ، وعن صفاته وأسمائه، وجميع أفعاله، سبحانه وبحمده، ثم بعد ذلك بين لنا كيف نصل إلى الله عزَّ وجلَّ، بتحقيق هذين الأمرين العلم بالله كمالًا ومعرفةً، والعلم بالطريق الموصل إليه، نصل إلى المقصود، ونبلغ المرتبة أن نكون من أهل الله، الذين هم أهل الله وخاصته.

من هم يا إخواني و يا أخواتي أهل القرآن؟

سؤال، من هم أهل القرآن؟ هل هم حفاظه؟

 كثير من الصحابة ما كانوا يحفظوا القرآن،

هل هم الذين يقرؤونه تلاوة نظرًا؟

 هل هم الذين يفهمون معانيه؟

هل هم الذين يعملون به؟

هل هم الذين يدعون الخلق إليه؟

 ويعرفون الناس بالله، أهل القرآن مراتب ومنازل، أعلاهم مرتبة؛ من جمع كل هذه المراتب، فكان قارئًا للقرآن، حافظًا له، عظيم التأمل والتدبر، والتفهم لمعانيه، يعمل به، طاقته وجهده، يدعو إليه، ويعرف الناس بما فيه من الأسرار والحكم، ويعرفهم بمضمونه من العلوم، التي تحيا بها قلوبهم، وتستنير بها أفئدتهم، القرآن العظيم يا إخواني، هو هذا الدستور الذي تنجو به الأمة، أهل القرآن هم الذين يتلونه، والذين يحفظونه، والذين يفهمون معانيه، والذين يتدبرونه، والذين يعملون به، والذين يدعون الناس إليه، و من زاد في هذه الصفات، زاد في وصف كونه من أهل القرآن، هذا الوصف درجات ومراتب، تمامًا  كأي وصف من أوصاف الناس، تصف الإنسان أنه كريم، هل الناس في الكرم على مرتبة واحدة، لا الكرم درجات ومراتب، تصفه بأنه جميل هل الجمال واحد، تصفه بأنه طويل، سواء صفات معنوية، أو صفات حسية، الناس يتفاوتون في هذه الصفات، أهل القرآن وصف معنوي، وليس وصفًا حسيًّا، يتحقق لك من هذا الوصف، بقدر أخذك بالصفات التي تكون بها من أهل القرآن، إن أعظم الصفات التي تؤهلك، أن تكون من أهل القرآن، أن تقرأه وتتدبره، وأن تجعله قائدًا لك، في عملك فعلًا وتركًا، وأن تدعوا إليه، نحن قولنا: إن أعظم جيل حقق الإيمان بالقرآن، وتأهل أن يكون من أهل القرآن، أصحاب النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، وحتى نأخذ نماذج عملية، كيف أكون من أهل القرآن؟ أحتاج إخواني أن أتلمس نماذج من حياة الصحابة، رضي الله عنهم، كيف كان القرآن في حياتهم، وأن نقارن حياة الصحابة، وتعاملهم مع القرآن، في حياتنا وتعاملنا مع القرآن، الصحابة رضي الله عنهم، لم يكن القرآن نزل كاملًا، بل كان القرآن ينزل عليهم منجمًا، يعني حسب الحوادث وحسب الأحوال، تنزل آية فيحفظونها، تنزل آية فيعلمونها، وهلم جر إلى أن تكامل القرآن فقال الله تعالى: )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا(سورة المائدة، الآية:3، صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم نزل القرآن عليهم، وهم قد آمنوا بالله، نزل الإيمان في قلوبهم، والتصديق للنبي، صلى الله عليه وسلم بما أخبر به، ثم جاء القرآن معززًا، مثبتًا، مقويًا، لهذا الإيمان، الذي في قلوبهم، رضي الله عنهم، كيف تعاملوا مع القرآن؟ أنا أختار بعض المواقف من حياة الصحابة، رضي الله عنهم لنعرف كيف نكون من أهل القرآن عمليًّا؟ رواه الإمام البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: نزل قول الله -جلَّ وعلا-:)لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(سورة البقرة، الآية:284، هذه الآية في أي سورة؟ في سورة البقرة، هي من أواخر آيات سورة البقرة، هذه الآية لما الآن سمعناه، أقرأها عليكم مرة ثانية، أريد الانتباه للمعنى، حتى نفهم الموقف الذي حصل من الصحابة، لماذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فزعين؟ وقالوا يا رسول الله، أنزلت علينا آية لا نطيقها، كلفنا بالصلاة، والزكاة، والصوم، ونزلت علينا آية لا نطيقها، لماذا ما هو الذي جاء بالآية؟ جعلهم يأتون للنبي، صلى الله عليه وسلم، ويجلسون على الركب، يعني يجلسون هكذا بين يدي النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا رسول الله كلفنا ما نطيق، يعني أمرنا الله ونهانا بما نطيق، ونزلت علينا آية لا نطيقها، ما الذي في الآية جعلهم يقولون هذا؟ ما الذي جعلهم يقولون هذا القول؟ أقرأ عليكم الآية مرة ثانية، وانتبهوا للمعني، )لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْتُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ(سورة البقرة، الآية:284، وإن تبدوا ما في أنفسكم، يعني تظهروا ما في قلوبكم أو تخفوه، أي تسكتوا، تصمتوا لا تتكلموا عنه، ولا تظهرونه، انتبه )يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ(، هذه هي التي أقَّضت مضاجع الصحابة، وأقلقتهم حتى جروا على الصورة التي رأيتها يجثون على ركبهم، يقولون يا رسول الله، كلفنا ما نطيق، قد أمرنا الله بأشياء نطيقها، ونزلت علينا آية لا نطيقها، صعبة، من الذي يتحكم فما يدور في نفسه الله عزَّ وجلَّ، يقول: )وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ(، يعني تظهروا قولًا أو عملًا، أو تخفوه أي لا تظهروه، يحاسبكم الله فيستوي الإخفاء والإعلان، في أي شيء، فإنه تحت المحاسبة، ستحاسب عليه، فإذا هممت بمعصية قولية، أو فعلية، فالله سيحاسبك عليها هذا معنى الآية، انزعج الصحابة من هذا، وقالوا: "يا رسول الله كلفنا ما نطيق، ونزلت علينا آية لا نطيقها"، فلما جاءوا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بهذه الحال، أنتم يا أخواني، اسألوا أنفسكم سؤالا، لو كان القرآن عند الصحابة، كما هو عند كثير منا، أنه فقط نقرؤه، والحمد لله، ونضعه على الرف، كحال كثير من المسلمين، هل هذا سيحملهم على هذا التصرف، لو كان مجرد تلاوة لا تفهم فيها للمعني، ولا شعور بأنه خطاب يحاسبكم، يعني أنا وأنت الخطاب لنا نحن المحاسبون، لو كان الأمر على هذه الصورة، أتظنون أنهم ينزعجون هذا الانزعاج، ويأتون إلى النبي بهذه الصورة، ليس واحد ولا اثنين بل مجموعة، يأتون بهذا الصورة، ويجلسون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون هذا الكلام؟ الجواب: لا، لا يكون هذا إلا ممن قرأه وفهمه، وتتدبر وعلم أنه لازم ولا بد أنك تعمل، إذا ما عملت فأنت لم تقم بما طلب منك، جاءوا على هذه الصفة فقالوا: "يا رسول الله كلفنا ما نطيق ونزلت علينا آية لا نطيقها"، طبعًا النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يعقب على كلام الله، لا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، قال لأصحابه، قال لهم بالكلمة الواضحة الجلية، «أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو إسرائيل لموسى سمعنا وعصينا؟» هل تريدون أن تتبوؤوا هذه المنزلة، أنكم تردون أمر الله، وخبره وحكمه؟« أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو إسرائيل لموسى سمعنا وعصينا؟ قولوا سمعنا وأطعنا»[صحيح مسلم(125/199)] يقول أبو هريرة رضي الله عنه:"فقلنا سمعنا وأطعنا"

 انتهى المشهد الآن، الصحابة قبلوا الحكم طبعًا، معنى قبول الحكم أنهم يجاهدون أنفسهم ألا تهم قلوبهم بسوء، وألا يدور في خيالهم وخلدهم وفكرهم ما يغضب الله، لماذا؟ لأنهم سيحاسبون على ما في قلوبهم أظهروه أو أبطنوه, أخفوه، أو أعلنوه، فقال أبو هريرة: «فلما اقترأها القوم» اقترأها القوم ليس معنى اقترأها القوم يعني أصبحوا يقرؤونها، ما في صعوبة في قراءتها، وذلت بها ألسنتهم، يعني أصبحت كسائر الآيات، التي يقرأها المؤمنون قبولًا، وتصديقًا وإيمانًا، جاء التخفيف من رب العالمين، شهادة من الله لأولئك المؤمنين، فقال الله في محكم التنزيل:)آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ(سورة البقرة, الآية: 285، ثم يشيد الله بموقفهم، لما جاءوا يشكون إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، قالوا ما قالوا، قال لهم: "قولوا سمعنا واطعنا"، )وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا(أطلب منك الصفح والتجاوز، لأن هذا أمر في غاية الصعوبة، أن يُحكِم الإنسان ما يدور في قلبه، )غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(، هذا توصيف للحال، هذا توصيف للحال، قبل التخفيف، ثم قال الله مخففًا عنهم: )لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا(، هذا من فضله وسعة رحمته وكرمه وجوده جلَّ في علاه سبحانه وبحمده، )لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ(يعني ما لا نستطيع)وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(سورة البقرة،الآية:286 هذا المشهد، وهذا النموذج يبين لنا كيف نكون من أهل القرآن، إننا سنكون من أهل القرآن، إذا قرأنا القرآن وسمعناه، نفهم معناه، ونشعر أنه خطاب لنا، ونحاول أن نُقوِم سلوكنا، وأن نصلح أعمالنا، وأن نجعل القرآن حاكمًا علينا، وأنت يا أخي لك الشرف، أن تُحكِم كلام الله، على فعلك فتقبل ما قبله الله، وترد ما رده الله، تهتدي بهدي الله، وأبشر فإن أهل القرآن، هم أهل السعادة والفلاح في الدارين، هذا نموذج يا إخوة، من النماذج التي ذكرها الأئمة، في موقف الصحابة رضي الله عنهم في تعاملهم مع القرآن، أضرب مثلًا آخر لموقف الصحابة رضي الله عنهم مع القرآن، وكيف كان القرآن منهم في محل عظيم، لا يمكن أن يتجاوزه، أو يتخطوه؟ الصحابة رضي الله عنهم، نشأوا في بيئة عربية جاهلية إلى النخاع، كانوا في جاهلية جهلاء، وأُشرِب في قلوبهم حب الخمر، حتى أصبح الخمر عندهم، من أعظم ما تعلقت به نفوسهم، وله من الأسماء والأشعار، في توصيف، في كلامهم، شيء يفوق الوصف، لما جاءت الشريعة المطهرة طبعًا، النبي صلى الله عليه وسلم، بقي عشرة سنين في مكة، ما تطرق لقضية الخمر بشيء أبدا، كان همه تقرير التوحيد والدعوة، إلى أن لا يعبدوا إلا الله، لا اله إلا الله، هذا همه صلى الله عليه وسلم طوال هذه المدة، يدعوهم إلى هذه الكلمة، سبحان الله، ما أقسى قلوبهم! يعرفهم بالله وهو يقيم لهم الدلائل، وتأتيهم البراهين وينشق القمر، ويرونه ويخبرهم بالعجائب، ويرون الآيات من أجل أن يصدقون، النبي صلى الله على عليه وسلم، بلا إله إلا الله، أي لا معبود حقًّا إلا الله، فلما انتقل للمدينة، و تكونت الدولة، وجاء التشريع يكتمل به نظام هذه الأمة، عقدًا وعملًا لأن الإسلام عقيدة، في القلب تصلح بها البواطن، وعمل تصلح به الظواهر، ما فيه شيء اسمه انقسام بين العقيدة، بين الباطن وبين الظاهر، الشريعة تكمل هذين الأمرين، الظاهر والباطن، جاءت الشريعة في هذا الواقع العربي، الذي تعلق بالخمر، حتى قال قائلهم إذا أنا مت فادفنيني بكرمةٍ، هذا رجل جاهل، وسمعته يقول إذا مت فادفنيني بكرمةٍ، كرمة شجر العنب تروي عظامي بعد موتي، عروقها يعني من شدة محبة الخمر، يقول إذا دفنتني  ادفنيني جنب كرمة خمر, شجرة عنب, حتى عظامي تشرب من الخمر بعد موتي، من هذه الكرمة هذه التي تنتج الخمر، شدة تعلق حتى أن أحدهم ارتحل إلى  النبي صلي الله عليه وسلم، ليؤمن به مقتنعًا، وهو صاحب هذا البيت، مقتنعًا بما جاء به، لكن لما قالوا له: إن محمدًا يحرم الخمر، وكان قلبه قد تعلق بها، تعلقًا عظيمًا، قال سنرجع السنة القادمة نسلم فمات على الشرك.

وأقول:إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء، المقصود هذا التوصيف هو حال الصحابة رضي الله عنهم، الشريعة جاءت أولًا بالتزهيد في الخمر، فجاء قوله تعالى:)َيسْأَلُونَكَ عَنْالْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}سورة البقرة، الآية:219 وجاء قبل ذلك )تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا(سورة النحل، الآية 67، السكر يعني الشراب، غير الرزق الحسن، وهذا تنفير عن هذا المرحلة الأولى، ثم قال -جل وعلا-: )فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا(سورة البقرة، الآية:219، هذه الخطوة الثانية التي فيها التزهيد والتضعيف للخمر، ونزع حب الخمر من قلوبهم، جاءت الخطوة الثالثة: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ(سورة النساء، الآية:42، هذه الخطوة الثالثة، ما حرم الخمر مطلقًا، وإنما حرمه فقط في هذا الظرف، وهو عند الصلاة، لأنه يغيب: )لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ(سورة النساء، الآية:42، هنا جاءت لابد أن يكون الإنسان فيها في كمال عقله، وجمال رأيه، حتى يقوم على ما يرضي الله عزَّ وجلَّ، جاءت الآية الأخيرة، كل هذه المراحل، كل هذا كان الصحابة ما جاءهم الحسم والخمر في قلوبهم، منهم من ترك، حتى عمر رضي الله عنه، كان لما نزلت الآية، )تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا(سورة النحل، الآية 67، كان يقول:" ربنا بيِّن لنا في الخمر، بيانًا فاصلًا"، فنزلت الآية الثانية آية، )يسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ(سورة البقرة، الآية:219فكان يقول ربنا بين لنا في الخمر بيانًا فاصلًا، ثم في الثالثة جاءت)لاتَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى( سورة النساء، الآية:42، قال: "ربنا بيِّن لنا في الخمر"، كل هذا طلب للحسن في هذه القضية، التي يدرك أصحاب العقول أنها مفسدة للنفوس، والمجتمعات والبشرية جاء الفصل، في قوله تعالي، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخمر والميسر وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91)(سورة النساء، الآية:42، يقول أنس بن مالك كنت في بيت أحد الصحابة، أصب لهم الخمر قبل تحريمها، فنادى منادٍ أن الخمر قد حرمت، وتلى هذه الآية، وسمعوها ضجت بها المدينة{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}سورة المائدة، الآية:91، فما كان من الصحابة، الذين كان حب الخمر بسبب البيئة والطبيعة، والجو المحيط والنشأة، مغروسًا في نفوسهم، إلا أن ردوا: «انتهينا ربنا، انتهينا، يقول الراوي:« فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ »[صحيح البخاري(2464)، ومسلم(5134)]، كل من كان عنده خمر سكبها، طاعة لله وطاعة لرسوله، صلى الله عليه وسلم، هذا الامتثال إخواني، تصور الآن الشخص الذي يشرب الخمر، يصعب عليه أنه يتركها تجده لزم إذا أدمن عليه فترة طويلة، يجد من نفسه صعوبة، هو الذي يجد من نفسه صعوبة، أو الذي يعرف شخص يقول له اترك الخمر، ولا ترى المجتمع كان على هذه الحالة، لم يترك المجتمع المدني الخمر، في زمن النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا بقوة القرآن وإلا طاعة للرحمن، وإلا تصديقً لوعد العزيز الغفار، جلَّ في علاه فلذلك لما قال جلَّ في علاه، فهل أنتم منتهون؟ قالوا:« انتهينا ربنا انتهينا»[سنن أبي داود(3760) وصحح الحاكم إسناده، ووافقه الذهبي.]، هذا نموذج التعامل الآن، يا إخواني لو أردنا أن نترك هذه النماذج، التي ذكرناها ونستعرض حالنا، حالي أنا وحالك مع القرآن، كم من آية تمر علينا تعالج أخطاء، أنا أعرف من نفسي أني أنا أكذب مثلًا هل لما تمر عليه آيات )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(سورة التوبة، الآية 119، تنزجر نفسي عن الكذب، و أقول يا رب أستغفر الله، وأتوب إليك يا حي يا قيوم، أعني على الصدق في قولي وعملي، من منا يفعل هذا عندما يقرأ المؤمن، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}سورة الحجرات، الآية:12، معالجات لسلوكيات موجودة في نفوسنا، وأخلاقنا، ومن حولنا، هل عندما نقرأ، أو نسمع هذه في صلاتنا؟، تنشط نفوسنا على الانزجار، والكف عن هذه الأخطاء، كثيرون منا يقرؤونها وكأنهم ليسوا مخاطبين، كأن هذا خطاب لناس ثانية وليست لنا, أنا نهاية عملي في القرآن، أني لما أقرأ هذه الآيات الحمد لله، وصلت للجزء العاشر أو العشرين، ختمت اللهم لك الحمد، ختمه طيب ختمه بالتلاوة والقراءة، لكن أين هي في التطبيق والعمل، أختم القرآن تطبيقًا وعملًا، هنا تكون ختمت القرآن، هنا تكون من الفائزين، هنا أبشر بعطاء من الله عظيم، عندما تختمه عملًا تعالج به قلبك، يا أخي القرآن ما نزل إلا لمعالجة القلوب وإصلاحها، هو النور الذي إذا دخل القلب؛ أشرق له القلب نورًا وضياءًا بهجة وسرورًا، أي وإذا انعدم سلب من القلب، أظلم القلب بقدر إعراض القلب عن القرآن، بقدر ما يكون فيه من الظلم والضيق، السعة كلها في كتاب الله والأمر، ليس عسيرًا يا إخواني، والله ليس بعسير، إنما هو إرادة جازمة، وإقبال صادق والله جل في علاه من رحمته، أنه القرآن جعله ميسرا فيقول:)وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر}سورة القمر، الآية:17، مفتاح هذا الكنز هو أن تقرأه، أن تقبل عليه بصدق، أن تتفهم معناه، تحرص على فهم المعنى، أنا أسألكم الآن نقرأ نحن جميعًا سورة الإخلاص هناك قول الله تعالى، أريدك الآن تقرؤها، )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)(سورة الإخلاص، من 1 إلى 4، عندما تقرؤها وأنت ما تدرك معناها، لن تجد لها أثرًا في سلوكك، لن تجد لها أثرًا في قلبك، لكن نقول نقرؤها أقرأ آية منها )اللَّهُ الصَّمَدُ(سورة الإخلاص، الآية: 2، هذه التي قد تكون خافية على كثير، من الله؟ لماذا الله الصمد؟ نقرأ الله الصمد؟ على أنه اسم من أسماء الله الصمد، ونعرف فلان اسمه عبد الصمد، لكن ليس معنى الصمد لما تقرأ هذه الآية، وتعرف معناها، تعرف أن الصمد هو الذي تقصده كل الخلائق في حاجاتها، وهو الذي يقضيها جلَّ في علاه، لما تقرأ: )اللَّهُ الصَّمَدُ(، وأنت مستدرك مستحضر هذا المعنى، هل سيكون هذا نوعًا آخر من القراءة، وجه آخر من التلاوة، يكون مؤثرًا عليك في زيادة إيمانك، في محبتك لربك، في صلاح قلبك، في استقامة حالك، بلى والله إنه لتأثير كبير، وتغيير عظيم، عندما تقرأ القرآن، وتتفهم معانيه، ما هناك صعوبة، لا تحتاج أن تدخل كلية اللغة العربية، حتى تتعلم معاني القرآن، تبدأ بالمتيسر، التفسير الميسر، تفسير الشيخ: عبد الرحمن السعدي، يا أخي الآيات التي تمر عليك دائمًا، احرص أن تعرف معناها، ولو بالسؤال اسأل من تثق به، في علمه ودينه، ما معني الآية؟ ما معنى الكلمة؟ إذا عجزت الآن وسائل الاتصال، من الكمبيوترات والأجهزة، تقرب لك البعيد بهذا تكون من أهل القرآن، وتكون قد خطوت الخطوة الأولى، أن تكون من أهل الله، الله يجعلنا وإياكم منهم، الذين هم أهل الله، وخاصته.

 إخواني وأخواتي! هذه كلمات موجزات، أحببت أن أنبه فيها، إلى بعض ما يتعلق بهذا الاسم العظيم الشريف، والمنزلة العليا الكبرى أهل القرآن ، وأنا أختصرها لكم بعبارة موجزة، ستكون وستكونين من أهل القرآن، إذا أقبلت على تلاوته، إذا حرصت على فهمه، وتدبره إذا عملت به، ثلاث نقاط ضعها في بالك، وابدأ بها من سورة الفاتحة،)الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(سورة الفاتحة، الآية: 1  اقرأها تفهم معانيها، اعمل بما تضمنته، تكن من السعداء.

    أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، بمنِّه وفضله وعطائه، وجوده أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، اللذين هم أهلك وخاصتك، اللهم اجعلنا من أهل القرآن، الفائزين بك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلنا من أهلك وخاصتك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم خذ بنا وصلنا إلى البر والتقوى، واصرف عنا السوء والفحشاء، اللهم افتح لنا في كتابك فتحًا، تفهمنا فيه كلامك، وتبلغنا فيه مراضيك، يا ذا الجلال والإكرام اللهم أعنا ولا تعن علينا، اللهم أعنا ولا تعن علينا، اللهم انصرنا على من بغى علينا، اللهم اهدنا ويسِّر الهدى لنا، اللهم يسر الهدى لنا، اللهم يسر الهدى لنا، اللهم اجعلنا لك ذاكرين شاكرين، لك راغبين راهبين، إليك أواهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا، وثبت حجتنا، واغفر زلتنا، وأقل عثرتنا وبلغنا مراضيك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعل هذا الشهر مباركًا علينا بالصالحات واجعله مبدأ خير لنا في الطاعات، اللهم اصرف عنا فيه وفيما بقي من أعمالنا من السيئات، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقنا إلى ما تحب وترغب، آمنا في أوطاننا، وأصلح أمتنا، وولات أمورنا، واجمع كلمتنا على الحق، وألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واجزِ من تسبب في هذا اللقاء خيرًا، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، وانصر إخواننا في سوريا، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم اربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، واحقن دماءهم، وآمن روعاتهم واستر عوراتهم، يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89962 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف