×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : وتواصوا بالمرحمة

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:5437

إِنَّ الحَمْدَ للهِ, نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعْيِنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا, مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ, لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ, وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ, رَحْمَتُهُ الَّتِي أَرْسَلَها لِلعالَمِينَ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَالأَنْبياء:107. تَرَكَنا عَلَى مَحَجَّةٍ بَيْضاءَ, لَيْلُها كَنَهارِها, لا يَزِيغُ عَنْها إِلَّا هالِكٌ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ, وَاقْتَفَى أَثَرَهُ بِإِحْسان إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ؛ اتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِالتَّقْوَى, فَقالَ جَلَّ في عُلاهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عِمْرانَ:102  اتَّقُوا اللهَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ, في الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ, فِيما يَتَّصِلُ بِعَلاقَتِكُمْ بِاللهِ وَصِلَتُكُمْ بِهِ, وَفِيما بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الخَلْقِ, «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وخَالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ»الترمذي(1987), وَقالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ بَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ رَحْمَةً لِلعالمينَ, فَأَخْرَجَهُمُ اللهُ بِهِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ, وَهُوَ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ رَحْمَةٌ لِكَافَّةِ الخَلْقِ, فَرَحِمَ اللهُ تَعالَى بِهِ كُلَّ أَحَدٍ مِنَ العالمينَ؛ فَالعالَمُونَ: هُمْ كُلُّ ما سُوَى اللهِ تَعالَى مِنَ العَوالِمِ المكَلَّفَةِ الَّتي بُعِثَ إِلَيْها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدْ بَعَثَهُ اللهُ بِالفُرْقانِ نَذِيرًا لِلعالمينَ, كَما قالَ جَلَّ في عُلاهُ ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًاالفرقان:1   فَهُوَ رَحْمَةٌ لِلإِنْسِ وَالجِنِّ, هُوَ رَحْمَةٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمنْ آمَنَ بِهِ, وَلِمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ.

فَأَمَّا مَنْ آمَنَ بِهِ: فَقَدْ هَداهُ اللهُ تَعالَى بِهِ إِلَى أَقْوَمِ السُّبُلِ وَأَحْسَنِ الطُّرُقِ, وَأَدْخَلَهُ بِالإيمانِ بِهِ في زُمْرَةِ المؤْمِنينَ, وَهَداهُ إِلَى العَمَلِ الصَّالِحِ, الَّذِي يَقُودُ أَصْحابَهُ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ, ﴿تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَالأَعْراف:43فَهُمْ في سَعادَةٍ في دُنْياهُمْ؛ بِما هَداهُمْ إِلَيْهِ, مِمَّا تَطْمَئِنُّ بِهِ قُلُوبُهُمْ, وَتَسْكُنُ بِهِ أَفْئِدَتُهُمْ, وَيَخْرُجُونَ بِهِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ, كَما أَنَّهُمْ في رَحْمَةٍ عَظِيمَةٍ في الآخِرَةِ؛ فَإِنَّ الجَنَّةَ دَارُ السَّلامِ, لا يَدْخُلُها إِلَّا مَنْ آمَنَ بِخاتَمِ المرْسَلِينَ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ أَجْمَعِينَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ, وَسارَ عَلَى طَرِيقِهِ, وَلَزِمَ سُنَّتَهُ, وَاتَّبَعَ هُداهُ, فَقَدْ سَدَّ اللهُ الطُّرُقَ الموَصِّلَةَ إِلَيْهِ, إِلَّا الطَّرِيقَ الَّذِي هَدَىَ إِلَيْهِ سَيَّدَ المرْسَلِينَ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ, وَلِهذا إِذا جاءَ إِلَى بابِ الجَنَّةِ, يَسْتَفْتِحُ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ, فَيَقُولُ الخازِنُ: مَنْ؟ ـ أَيْ: مَنِ الطَّارِقِ؟ مَنِ المسْتَفْتِحُ؟ ـ فَيَقُولُ: «مُحَمَّدٌ», فَيَقُولُ: «بِكَ أُمِرْتُ»مُسْلِمٌ(197), أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ, فَكَما أَنَّهُ لا يَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لا يُوصِلُ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ تَبارَكَ وَتَعالَى إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ صَلَواتُ اللهِ وَسلامُهُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الكافِرُ الَّذِي لَمْ يُؤْمِنُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّهُ رَحْمَةٌ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَهُوَ رَحْمَةٌ حَتَّى لِلكافِرينَ, فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقَدْ تَرَكُوا الرَّحْمَةَ بِإِرادَتِهِمْ, وَاخْتِيارِهِمْ, بَعْدَ أَنْ عَرَفُوا الهُدَى, وَتَبَيَّنَ لَهُمْ طَرِيقَ التُّقَى, وَظَهَرَ لَهُمْ مِنْ مَعالِمِ صِدْقِهِ, ما قامَتْ بِهِ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ كَما قالَ اللهُ تَعالَى ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّفُصَّلَتْ:53   أَيْ القُرآنُ, وَقِيلَ: الإِسْلامُ, وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّفُصِّلَت:53  فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعالَى لَهُمُ الحَقَّ فَتَرَكُوهُ, وَأَعْرَضُوا عَنْهُ, فَكانُوا مُعْرِضِينَ عَنِ الرَّحْمَةِ.

كَما أَنَّهُ رَحْمَةٌ لَهُمْ؛ بِما أَجْراهُ اللهُ تَعالَىَ مِنْ دَفْعِ البَلاءِ الَّذِي كانَ يَسْتَأْصِلُ الأُمَمَ المكذِّبَةَ, فَإِنَّهُ في الأُمَمِ السَّابِقَةِ, يُنْزِلُ اللهُ تَعالَى مِنَ البَلاءِ العامِّ,  وَالعُقُوبَةِ التَّامَّةِ, الَّتِي تَسْتَأْصِلُ المكَذِّبينَ, وَالمعْرِضِينَ وَالمعانِدينَ, ما لا يَبْقَى لَهُمْ بَعْدَهُ أَثَرٌ, فَرِيحُ عادٍ أَهْلَكَتْ كُلَّ مَنْ كَذَّبَ بِهُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ, وَكَذا صَيْحَةُ صالِحٍ, وَكَذا ما أَجْراهُ اللهُ تَعالَى في قَوْمِ نُوحٍ, وَهُلُمَّ جَرا, في كُلِّ المرْسَلِينَ السَّابِقينَ, عَذَّبَ اللهُ المكذِّبِينَ بِاسْتِئْصالٍ تامٍّ كامِلٍ.

أَمَّا هَذِهِ الأُمَّةُ, فَإِنَّ رَسُولَهُ رَحْمَةٌ حَتَّى عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِهِ, فَإِنَّ اللهَ دَفَعَ عَنِ المكَذِّبينَ بِهِ مِنَ العَذابِ ما كانَ في الأُمَمِ السَّابِقَةِ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَالأنفال:33   فَذاكَ رَحْمَةُ اللهِ تَعالَى الَّتِي جَعَلَها في هَذا الرَّسُولِ الكَرِيمِ, حَتَّى لِمَنْ يُؤْمِنُ بِهِ, فَإِنَّ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَيْهِ يَوْمَ الأَحْزابِ, وَاجْتَمَعُوا عَلَى قِتالِهِ, وَجاءُوا مِنْ جِهاتٍ شَتَّى, جَمَعَهُمُ الهَوَى, وَالتَّنْكِيلُ بِسَيِّدِ الوَرَى صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ, عاقَبَهُمُ اللهُ بِرِيحٍ, زَلَزْلَتْ أَقْدامَهُمْ وَقَوَّضَتْ اجْتِماعَهُمْ, وَفَرَّقَتْهُمْ, لَكِنَّها لَمْ تُهْلِكْهُمْ كَما أَهْلَكَتْ رِيحُ عادٍ قَوْمَ عادٍ.

هكذا هو رحمة ـ صلى الله عليه وسلم ـ, لمن آمن به, ولمن كفر به, صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فأمره الله تعالى بلين الجانب, وخفض الجناح, فقال ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَالحجر:88 ،  وقال: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَالشعراء:215 , وأثنى الله تعالى عليه, بما تفضل عليه من الرحمة حيث جعله لينا, فقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَآل عمران:159 ،   ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِالفتح:29   من أهل الإيمان, من الصحابة ومن بعدهم, هذه صفتهم الذي ذكرها الله تعالى في التوراة في الكتاب المتقدم, فهم أشداء على الكفار؛ رحمة بهم, كما أنهم رحماء بينهم, ولهذا كانت الرحمة سمة هذه الشريعة, وقد قيل له صلى الله عليه وعلى آله وسلم, كما في الصحيح من حديث أبي هريرة ألا تدعو على المشركين؟ قال صلى الله عليه وسلم «إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة«مسلم(2599).فهو رحمة صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكل أحد, ورحمته تَعْظم بالمؤمنين, وأهل الاتباع وصادق أهل الإيمان, الذين اتبعوه واقتفوا أثره, ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌالتوبة:128 . هكذا هو  وصفه صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فهو صلى الله عليه وسلم من أهل الرحمة وأمته أمة رحمة, ولذلك قال في وصف المؤمنين: ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ فأهل الإيمان بينهم من التراحم والود ما تستقيم به أحوالهم.

قال عبد الله بن عباس: "تراهم للمؤمنين كالولد لوالده، وكالعبد لسيده"  التفسير الوسيط للواحدي(2/200) قال مقاتل: " متوادون بعضهم لبعض" تفسير مقاتل (4/78), كما قال الله تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَالمائدة:54  فقد ألقى الله في قلوبهم الرحمة لبعضهم من بعض, وذلك وصف أهل النجاة, كما قال الله تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِالبلد:17   , أي كان أهل الإيمان هم الذين جمعوا هذه الخصال, من الإيمان, والتواصي بالصبر, على أذى الناس,  وعلى الرحمة بهم.

فالرحمة هي صفة أهل الإسلام, وهي التي يدخل بها من يدخل الجنة ـ دار السلام ـ.روى الإمام مسلم في صحيحه, من حديث عياض بن حمار رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ»مسلم(2865) استمع لهذا الحديث فتش في هذه الصفات في نفسك, حتى ترى هل أنت من أهل الجنة أم لا؟

«أهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ :ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ» أي صاحب سلطة, سواء كانت السلطة عليا, أو كانت السلطة دون السلطة العليا مثل ممن يكلف ولاية الناس من أمر من أمورهم, حتى مديري العمال, مديري المدرسة, مديري الموظفين, كل هؤلاء ذو سلطة, والسلطة متفاوتة, كلهم يدخلون في قوله «ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ», أي عادل, «مُتَصَدِّقٌ» أي محسن, فجمع العدل والإحسان, وبهما يبلغ العبد الجنة دار السلام, هذه الصفة الأولى «ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ«.

ثم قال: في الصفة الثانية «وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ بِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ», فهو صاحب رحمة ورفق ورقة قلب في معاملة الخلق من ذوي قرباه, ومن أهل الإسلام.

أما الثالث «وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ», والعفة هنا تشمل العفة في كسب المال, والعفة في مطعم البطن, والعفة في حفظ الفرج وصيانته, فالعفة بمفهومها العام تشمل كف النفس عن كل رذيل وحملها على كل فضيلة, «وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ» لا يسأل الناس شيئا «ذُو عِيَالٍ» أي ذو حاجة, فالعيال إشارة إلى أنه محتاج, لكنه ذو عفة عن أن يسأل الناس, هذا وصف أهل الجنة جعلنا الله وإياكم منهم.

أيها المؤمنون, إن الرحمة في هذا الشرع ليست مقصورة على جانب من جوانبه ولا على ناحية من نواحيه, بل هي شاملة لكل شرائعه وأحكامه, في الأوامر والنواهي, فما من أمر أمر الله تعالى به إلا وهو رحمة للناس والخلق, وما من شيء نهاهم عنه إلا رحمة بهم, ثق أن الله لا يأمرك إلا بما هو خير لك, ولا ينهاك إلا عما فيه ضرر عليك, ففي الأمر والنهي, كلاهما أنت في رحمة الله, وإلى رحمة الله مدعو, إذا امتثلت وإذا قمت بذلك.

أيها المؤمنون, إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من الرحمة التي جعلها الله تعالى من صفات أهل الأيمان, لذلك قال جل وعلا: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِالبلد:17   والتواصي ليس فعلا ذاتيا, يوصي الإنسان نفسه في الغالب, إنما هو فعل متعد,  فهو ائتمار وتعاون واجتماع على ما فيه الخير, فأهل الإيمان أهل أمر بالمعروف رحمة بالخلق, وأهل نهي عن المنكر, رحمة بالخلق, ولذلك كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس؛ لعظيم ما معهامن الحرص على إنقاذ الناس من الضلال ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِآل عمران:110 بماذا؟﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِآل عمران:110 ، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وحزبك المفلحين وأوليائك الصالحين, أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:                                                                          

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلي يوم الدين.

أما بعد, فاتقوا الله عباد الله, اتقوا الله تعالى حق التقوى, وارجوا ما عنده من العطاء والنوال؛ فإن فضل الله واسع, وبره عظيم, ورحمته وسعت كل شيء, لأنه سبقت رحمته غضبه, جل في علاه سبحانه وبحمده, تعرضوا لرحمة الله تعالى بالتراحم بينكم, فإن الرحمة منك للخلق, توجب رحمة الخالق لك, «مَنْ لا يَرْحَمِ النَّاسَ لا يَرْحَمْهُ اللَّهُ», هكذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فيما صح عنه فيما رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله, قال صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ لا يَرْحَمِ النَّاسَ لا يَرْحَمْهُ اللَّهُ«مسلم(2319).

فارحم الناس يرحمك الله عز وجل, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ»البخاري(5997), ومسلم(2318), هكذا في عدل وقسط وفضل وإحسان, فإنه من رحم الخلق رحمه الله عز وجل, فاستعمل الرحمة, فـ «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»الترمذي(1924), وقال: حسن صحيح هكذا قال سيد الورى صلوات الله وسلامه عليه.

والرحمة التي أمرنا بها لا تقتصر على جانب من جوانب المعاملة بل هي في نفسك, ارحمها فلا تكلفها مالا تطيق «اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ»البخاري(6465), جنبها المعاصي, فإن تجنب المعاصي رحمة منك بنفسك, قال الله تعالى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْالنساء:29  ثم بين الحكمة في هذا الأمر والنهي ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًاالنساء:29   فالله عز وجل أرحم بنا من أنفسنا, فارحم نفسك يا عبد الله بطاعة الله, ارحم نفسك يا عبد الله بترك المعاصي والسيئات, فكل معصية تُدْنيِك من العذاب, كل طاعة تقربك من رحمة العزيز الرحمن, ارحم من يستحق الرحمة, من كل من حولك من الناس, استعمل ذلك, في أولادك, فإن الرحمة بالأولاد تحملك على القيام بحقهم, ووقايتهم السوء والشر, كما أمرك الله تعالى في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُالتحريم:6 كما أنها تحملك,  على حثهم على كل فضيلة ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَاطه:132   هذا من الرحمة فليس من الرحمة أن تعطي أولادك كل ما يشتهون, من ملذات الدنيا, وإن كانت مهلكة لهم, وإن كانت مفسدة لهم, بل الرحمة أن تصونهم عن كل شر وسوء وأن تقودهم إلى كل بر وفضل, وأن تحسن إليهم, وأن ترفق بهم, أن تتودد إليهم, وأن تمد جسور المحبة بينك وبينهم.

رأى رجلٌ من الأعراب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم, يُقَبِّل صبيا, فقال له: أتقبلون صبيانكم, قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَو َأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ«البخاري(5998), ومسلم(2317). وهذا يبين أن حسن التأتي في المعاملة للأطفال والصغار, هو من الرحمة التي يؤجر عليها الإنسان, وقد رأى رجلُ النبي صلى الله عليه وسلم تذرف دموعه على صبي مات, من قراباته, فعجب لذلك, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»أخرجه: البخاري(6655), ومسلم(923), هذه الدموع ليست جزعا من قدر الله, إنما هي رحمة لهذا الذي انقطع أجله وانتهى عمله, وارتهن بما سبق من أعماله, فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدمعت عيناه, وقال صلى الله عليه وسلم «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ«أخرجه: البخاري(6655), ومسلم(923).

الرحمة تكون بينك وبين زوجك, وأخص ما تكون العلاقة في الرحمة, بين الزوجين, فلا أعظم من الصلة بين الزوجين, وقد قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًالروم:21 . فتش عن الرحمة في معاملتك لأهلك, فإن ذلك من دلائل الخير فيك, فإن «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»الترمذي(3895), وقال: حسن صحيح, كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فالرحمة ليست ضعفا ولا جبنا, ولا خورا, ولا فقدا للولاية والقوامة التي جعلها الله لك على أهلك؛ لكنها إحسان وفضل, وسوق إلى البر والخير بأيسر الطرق وأسهل الأسباب, ففرق بين الضعف وأن يكون الرجل مطية للمرأة تصرفه كيفما شاءت, وبين الرحمة التي تقتضي ما أمر الله به, ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًاالتحريم:6 ، ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَاطه:132   وليس ذلك فحسب في حسن المعاملة, والتلطف وإشباع الحاجة العاطفية.

فإن كثيرا من الأزواج يعامل أهله بنوع من الجفاء يُسبب كثيرا من التعسر في العلاقات الزوجية, وقد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه, من انتهاء الرابطة بين الرجل وبين المرأة بالطلاق, أو يتصيد المتصيدين للرجال والنساء, بأنواع من الكلام المعسول الذي يوقعهم, فيما حرم الله عز وجل.

فاتقوا الله أيها المؤمنون, والزموا شرعه, وكونوا فيما بينكم رحماء, ومع أزواجكم لطفاء؛ فإن الرحمة بهم تجلب لكم رحمة الله عز وجل, والله لك كما تكون للناس, فكن للناس رحيما, يكن الله بك رحيما, وكن للناس محسنا, يكن الله بك محسنا.

اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا.

والرحمة لا تقتصر على ذلك حتى بالحيوان فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله شكر للرجل سقى كلبا رحمه من العطش فأدخله الجنة», قال الصحابة: أو لنا في البهائم أجرا يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ«البخاري(246), ومسلم(2244).

اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا, أعنا على طاعتك واصرف عنا معصيتك, خذ بنواصينا ربنا إلى ما تحب وترضى, املأ قلوبنا بمحبتك وتعظيمك والقيام بحقك, واسلك بنا سبيل أوليائك, أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك من فضلك أنت ترزقنا يقينا ثابتا راسخا وعملا صالحا وأن تختم لنا بخير يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق جنودنا من المقاتلين في الحد الجنوبي وفي سائر الجهات, احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم, اللهم سدد رميهم, واكفهم شر أعدائهم وأعنهم وانصرهم, واجعل العاقبة لهم يا رب العالمين, اللهم من أرادنا وأراد المسلمين في أي بقعة من الأرض بشر وسوء فاجعل تدبيره تدميره ورد كيده في نحره واكف المسلمين شره يا رب العالمين.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان إلى ما فيه لخير العباد والبلاد, واجمع كلمة أهل الإسلام على الحق والهدى, انصر السنة, وأهلها ومن دعا لها, وأذل البدعة وأهلها ومن حارب أهل السنة وكاد لهم يا رب العالمين.

 

 

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91412 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87214 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف