المقدمُ: دكتورُ خالدٌ، كنا تحدَّثْنا عَن قراءةِ الفاتحةِ في الحلقةِ السابقةِ، وفي هذه الحلقةِ نريدُ أن نقفَ معَ مَن لم يُحسنْ قراءةَ الفاتحةِ والسورةَ التي تَليها ما حُكمُ صلاتِه.
الشيخُ: الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، وأُصلِّي وأسلِّمُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه أجمَعينَ، أما بعدُ:
الفاتحةُ قراءتُها رُكنٌ مِن أركانِ الصلاةِ في قولِ أهلِ العلمِ، واللهُ ـ تعالى ـ يقولُ:﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾[المزمل:20]، والنبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ يقولُ: «لا صلاةَ لمَن لم يقرأْ بفاتحةِ الكتابِ»صحيح البخاري (756)، وصحيح مسلم (394) فقراءةُ القرآنِ والفاتحةِ على وجهِ الخصوصِ واجبةٌ، فإذا كانَتْ واجبةً فعَلَى كلِّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ أن يتعلَّمها؛ لأن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، فتعلُّمُ سورةِ الفاتحةِ وتعلُّمُ قراءتِها هو مِنَ الواجباتِ.
فإذا كانَ الإنسانُ لا يُحسِنُ أن يحفظَ إما لعَجزٍ في حفظِه أو ضعفٍ في ذاكرتِه وعدمِ قدرةِ استيعابيةِ عندَه أو كانَ لا يُحسنُ العربيةَ كما هو الحالُ في مَن إسلامُه حديثٌ أو بعضُ مَن لا يتكلمُ العربيةَ مِنَ الأعاجمِ، فهؤلاءِ إذا كانَ لا يتمكنُ مِن قراءةِ فله بديلٌ وهو أنْ يأتيَ بالتسبيحِ والتحميدِ والتكبيرِ والتهليلِ، فقدْ جاءَ في النسائيِّ أنَّ رجلًا أتَى النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فقالَ: "يا رسولَ اللهِ إني لا أستطيعُ أن آخذَ شيئًا مِنَ القرآنِ، شيئًا مِنَ القرآنِ يعني لا يحسِنُ أيَّ شيءٍ مِنَ القرآنِ، فدُلَّني على شيءٍ يُجزأُني"، يعني يَكفيني في صلاتي، فقالَ لهُ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ : «قلْ سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبرُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ»سنن النسائي (924)، وسنن أبي داود (832).
وفي الحديثِ الآخَرِ أنَّ النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ قالَ: «إذا قُمتُ إلى الصلاةِ فاقرَأْ ما معَك مِنَ القرآنِ، فإنْ لم يكنْ معَك شيءٌ فاحمَدِ اللهَ وهلِّلْه وكبِّرْه»سنن أبي داود (861) وهو في سننِ أبي داودَ بإسنادٍ جيدٍ، هذانِ الحديثانِ يَدُلانِ على أن مَن لا يستطيعُ قراءةَ الفاتحةِ، فإنه لا يقفُ صامتًا بلْ يأتي بالبدَلِ والبدلُ هو ذكرُ اللهِ ـ جلَّ وعَلا ـ فالصلواتُ هذه لا يصلحُ فيها شيءٌ مِنَ الصمتِ، ولا شيءَ مِن كلامِ الناسِ إنما هي كما قالَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ لقراءةِ القرآنِ وذكْرِ اللهِ ـ تعالى ـ والتسبيحِ والتحميدِ والتكبيرِ.
فلهذا إذا كانَ لا يُحسنُ شيئًا مِنَ القراءةِ، فإنه يسبِّحُ ويحمَدُ، بالنسبةِ للتسبيحِ والتحميدِ إذا كانَ عربيًّا فالأمرُ سهلٌ سيقولُه بلسانِه العربيِّ، إذا كانَ غيرَ عربيٍّ ولا يُحسنُ هذه أيضًا باللسانِ العربيِّ فإنه يَأتي بها بمعانيها مِن لغتِه، هذه إذا لم يستطعْ أن يأتيَ بها بالعربيةِ، هذا ما يتصلُ بمن يعجزُ عَن قراءةِ الفاتحةِ.
وأما السورةُ التي بعدَ الفاتحةِ، فإن جماهيرَ العلماءِ على اختلافِ مذاهبِهم، وهو مذهبُ كافةِ أهلِ العلمِ أنه تسَنُّ قراءةُ سورةٍ في الركعتَينِ الأولَيينِ مِن كلِّ صلاةٍ سواءٌ كانتْ فجرًا أو ظهرًا أو عصرًا أو مغربًا أو عشاءً وسواءٌ كانتْ جهريةً أو سريةً، فقدْ ثبتَ عَنِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ أنه كانَ يقرأُ في صلاةِ الظهرِ وكان يقرأُ في صلاةِ العصرِ سورةً بعدَ الفاتحةِ في الركعتَينِ الأولَيينِ.
وكذلك ثبتَ عنه أنه قرأَ في المغربِ والعشاءِ والفجرِ وهذه ثبوتُها ظاهرٌ بينٌ، فإن الصحابةَ حفِظوا ذلك عَنِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ سماعًا، فذَكروا أنه كان يقرأُ مثلًا في المغربِ بالمرسلاتِ عُرفًا والطورِ، وجاءَ عنه أنه قرأَ بطولِ الطولَينِ وهي سورةُ الأعرافِ، وجاءَ عنهُ أنه قرأَ في العشاءِ كانَ يقرأُ بسبِّحْ والغاشيةِ والشمسِ وضُحاها، وكذلك جاءَ عنهُ أنه قرأَ في الفجرِ ب "ق"، كلُّ هذا محفوظٌ عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه وسلَّمَ.
وأما الظهرُ والعصرُ فإن القراءةَ فيهِما جاءَتْ بنقلِ الصحابةِ ـ رضيَ اللهُ عَنهم ـ فإنهم كانوا يسمَعون مِنَ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ شيئًا منَ القراءةِ، وجاءَ في الصحيحِ في سُننِ أبي داودَ مِن حديثِ البراءِ أنَّ النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كانَ يقولُ: كنا نسمعُ الآيةَ بعدَ الآيةِ في صلاةِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فسمِعْنا عنهُ منه في الظهرِ قراءَته في لقمانَ والذارياتِ، وكذلك في حديثِ قتادةَ ـ رضيَ اللهُ عنه ـ أن النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كان يُسمِعُه الآيةَ أحيانًا.
أيضًا لما حزِروا وخمَّنوا وقدَّروا قدرَ قيامِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ في الركعتَينِ الأولَيينِ مِن صلاةِ الظهرِ قدَّروها بثلاثينَ آيةً وفي بعضِ الرواياتِ بالسجدةِ، وفيما بعدَها على النصفِ مِن ذلكَ، والعصرِ على الأخيرتَينِ مِن صلاةِ الظهرِ، والأخيرتينِ مِن صلاةِ العصرِ على النصفِ مِن ذلك، هكذا جاء في حديثِ أبي سعيدٍ وغيرِه، وهذا يدلُّ على أن النبيَّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ كان يقرأُ، فالسنةُ أن يقرأَ.
طيب إذا لم يقرأْ شيئًا ذكرَ كافةُ العلماءِ على أنه سنةٌ، لكن ذهبتْ طائفةٌ مِن أهلِ العلمِ نقلَ ذلك عَن جماعةٍ مِنَ الصحابةِ والتابِعينَ أنه يجبُ قراءةُ شيءٍ مِنَ القرآنِ بعدَ الفاتحةِ فقدَّروا ذلك بأنه أقلُّ ما يكونُ ثلاثَ آياتٍ بعدَ الفاتحةِ، وهذا ذَكروهُ على وجهِ الوجوبِ لكن هذا قولُ طائفةٍ على خلافِ ما هوَ معروفٌ ومنقولٌ عَنِ العُلماءِ غالِبُهم، فلذلك وليسَ هُناك دليلٌ واضحٌ بينَ لهذا القولِ وإنما هي آثارٌ منقولةٌ عَن بعضِ الصحابةِ ـ رضيَ اللهُ عَنهم ـ وعَن جماعةٍ مِنَ التابِعينَ.
وقد جاءَ عَن أبي هُريرةَ ـ رضيَ اللهُ عَنهُ ـ في صحيحِ البخاريِّ أنه قالَ في قراءةِ الفاتحةِ: اقرأِ الفاتحةَ فإن زدتَ شيئًا فذلك خيرٌ وإن لم تزِدْ فذلك يجزؤُك، وهذا يدلُّ على أن الاقتصارِ على الفاتحةِ مجزئٌ وهو قولٌ عن أبي هُريرةَ ينقلُه عَنِ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ فدلَّ ذلك على أنَّ الكافيَ في القراءةِ هو قراءةُ الفاتحةُ، لكن ينبغي أن يُضيفَ إلى ذلكَ سورةً كما هو هَديُ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ وعملُه الذي قالَ فيهِ «صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصلِّي»صحيحُ البخاريِّ (631).
المقدمُ: طيب يا شيخُ الآنَ مَن لا يحسِنُ قراءةَ الفاتحةِ كأن يكونَ يلحَنُ فيها لحنًا يحيلُ المعنَى يا شيخُ هلْ يقالُ له لا تقرأِ الفاتحةَ ويَكتفي مثلًا بالتسبيحِ؟
الشيخ:لا، يقرأُ الفاتحةَ حتى ولو كان لا يُتقنُها بمعنَى أنه يقرأُها مثلًا ويلحَنُ فيها، يُعلمُ، ولكن إذا كانَ إمامًا فينبغي أن لا يتقدمَ، المسألةُ الآن فيمَن يصلِّي لنفسِه، أما إذا صلَّى إمامًا بالناسِ فإنه لا يصحُّ أن يصليَ مَن لا يُحسنُ الفاتحةَ بمَن يُحسنُها بلْ يجبُ أن يؤمَّ أقرأُهم كما قالَ النبيُّ ـ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ـ في حديثِ أبي مسعودٍ البدريِّ «يؤمُّ القومَ أقرأُهم لكتابِ اللهِ»صحيح مسلم (673) فإنْ كانَ هو الأقربُ فلا بأسَ لكن إذا كانَ هُناك أقرأُ منهُ فإنه لا يجوزُ أن يتقدمَ غيرُه.
المقدمُ:أحسنَ اللهُ إليكم يا شيخُ.