×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة الثامنة : ألا له الحكم

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحبه ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، له الحمد كله أوله وآخره وظاهره وباطنه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، دل على الله وعرف به، تركنا على محجة بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلى الله عليه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

فحياكم الله...وأهلا وسهلا بكم أيها الأخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم{فادعوه بها}،هذه الحلقة نتناول فيها اسما من أسماء الله تعالى [الحكيم].

 وهذا الاسم جاء في الكتاب الحكيم في مواضع عديدة، وتكرر ذكره ووصف الله تعالى به في آيات كثيرة، وقد جاء بهذا اللفظ وهذه الصيغة، وجاء بلفظ الحاكم، وجاء بلفظ الحكم، وكلها تدل على وصف واحد، وهو إثبات الحكم والحكمة له جل في علاه فالحكيم وهو اسم من أسمائه الكرام يدل على وصفين، على الإحكام وعلى الحكمة، وإذا أردنا أن نعرف معنى هذه الكلمة أو هذا الأصل وهذه المادة في اللغة، وجدنا أن الحاء والكاف والميم تدل على المنع  تدل على الإتقان، وتدل على الحجز والحجر على الشيء على نحو يتميز به عن غيره، وهكذا صلة هذا المعنى بالمعنى الذي استعمل الله تعالى به هذه الأوصاف له متقارب، فإن اسم الحكيم يدل على هذا المعنى، قال ابن القيم-رحمه الله- في نونيته:

وهو الحكيم وذاك من أوصافه *** نوعان أيضا ما هما عدمان

حكم وإحكام، حكم وهو ***  الفصل وإحكام وهو الإتقان

 هذا هو معنى هذا الاسم الشريف من أسماء الله عز وجل وقد ذكره الله تعالى في كتابه في مواطن عديدة، وجاء قوله تعالى: {أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا}+++[الأنعام:114]--- وجاء في الحاكم على صيغة التفضيل في كثير من الآيات، كقوله تعالى : {واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين}+++[يونس:109]--- {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين}+++[هود:45]---.

وأما الحكيم فقد جاء في آيات كثيرة عديدة، تبلغ المائة أو تزيد، يذكر الله تعالى في هذا الاسم من أسمائه جل وعلا وقد جاء في السنة ذكر هذا الاسم أيضا في مواطن عديدة، فالحكيم جاء في الذكر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا أتى إليه قال: علمني كلاما أقوله، "فقال النبي صلى الله عليه وسلم قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، قال الأعرابي: يا رسول الله هذه لربي، فما لي؟! -أي هذه لذكر الله والثناء عليه علمني شيئا لي؟ قال قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني"+++صحيح مسلم (2696)---.

وجاء وفد من العرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤمنوا به ويتابعوه، فلما جاء هذا الوفد كان فيهم رجل يقال له: أبو الحكم، هكذا كان يدعوه قومه، يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:"إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟!-يعني لماذا تكنى بهذه الكنية؟- فقال له: إن قومي إذا اختصموا في شيء أتوني فحكمت بينهم فأرضي كلا الفريقين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن ذلك حسن، ألك ولد؟! قال: نعم، قال: ما أكبرهم؟ قال: شريح، قال: أنت أبو شريح"+++سنن أبي داود (4955)، وسنن النسائي (5387)--- فالنبي صلى الله عليه وسلم غير كنية هذا الرجل؛ لأن هذه الكنية كانت تشير إلى معنى يختص بالله عز وجل وهو أنه له الحكم وإليه يحتكم المحتكمون جل في علاه فلما كان هذا الاسم ملاحظا في هذا المعنى يتضمن تزكية من ناحية، ويتضمن إثبات شيء لله عز وجل في حق المخلوق، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التكني بهذه الكنية، إذا الحكم والحكيم والحاكم هي أسماء من أسماء الله عز وجل تدل على قضائه وفصله بين الناس، كما تدل على تقديره، وعلى حكمه الذي لا يلزم فيه الفصل، إنما هو بيان في الحكم قد يكون فصلا بين متنازعين، وقد يكون بيانا، وإيضاحا لما يحتاج الناس إلى بيانه، فالحكم يكون لهذا ولهذا، وأحكام الله تعالى التي هي بيان وفصل تكون في الشرع، وتكون في القدر والكون، وتكون في الجزاء والمجازاة والحساب على العمل، كل ذلك يكون لله عز وجل فالله تعالى أحكم الحاكمين سبحانه وبحمده يقضي بشرع، هذا الشرع تضمن غاية الإتقان وكمال التدبير، يقول سبحانه وبحمده :{الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}+++[هود:1]--- هكذا يقول الله جل وعلا في وصف حكمه الشرعي{أحكمت آياته} أي أتقنت، كما قال تعالى : {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}+++[النساء:82]--- لكن لما كان القرآن العظيم، وهذا الدين القويم من الله لم يكن فيه اختلاف، ولا فيه التباس، ولا فيه تعارض، ولا فيه اشتباه، بل هو بين واضح لمن شرح الله صدره، وأنار بصيرته، فليس فيه اختلاف ولا تضاد، بل أحكامه متسقة، وشرائعة متفقة، كلها تؤدي إلى تحقيق مصالح العباد في الدنيا، وفوزهم في الآخرة، وتؤدي إلى وقايتهم كل سوء، ومفسدة في الدنيا، وشرور الآخرة وأهوالها، إن هذا الحكم الشرعي حقه أن يقبل فلا يتم إيمان أحد ولا يصلح إسلامه إلا بالإذعان لأحكام الله عز وجل والانقياد لحكمه، كما قال جل وعلا : {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}+++[النساء:65]---، {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}+++[المائدة:50]--- هذا فيما يتعلق بالحكم الشرعي، لا يستبدل الحكم الشرعي بغيره، ولا يجوز لأحد أن يعرض عن حكم الله ورسوله إلى غيره، مهما بدا أن ذلك الحكم يحقق المصالح، فليس هناك أعظم تحقيقا للمصلحة، وإصلاحا لمعاش الناس ومعادهم من حكم الله ورسوله، مهما تخيل الإنسان أن في حكم غير الله مصالح ومنافع، فإنه متوهم وهو على غير الجادة، فالهدى والصلاح والاستقامة والفلاح هي في الاستمساك بالذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}+++[الإسراء:9]--- في كل شأن جاء بيانه، وجاء إيضاحه، وجاء به القرآن، لا تعدل بالقرآن شيئا، ولا تنصرف إلى سواه، فإن الانصراف إلى سواه، هو انصراف إلى ظلمه، وإلى جهل، وإلى  شقاء، وإلى عناء، وإلى تعاسة في الدنيا وعذاب في الآخرة، لذلك لا يجوز لمؤمن أن يرضى بحكم يخالف حكم الله، ينبغي أن يعلم كل مؤمن أن حكم الله الذي جاء بيانه في القرآن وفي السنة النبوية، هو ما جاء في بيان تفاصيل العبادات التي توصل إلى الله.

وأيضا قواعد المعاملات وأصول المعاملات في سائر الشؤون سواء كان في البيع، سواء كان في ما يتعلق بالعلاقات الزوجية، في فصل القضاء، في الحكم، في السياسة، في الاجتماع، في سائر الشؤون، كل ذلك ينبغي أن يعلم أنه يحقق المصلحة، فلا يجوز العدول عنه، لكن ترك الله لنا مساحة واسعة فيما يتعلق بإصلاح الدنيا، وفيما يتعلق بإصلاح المعاش، فجعل باب المعاملات منوطا بقواعد، مضبوطا بضوابط وأصول، يبنى عليها كل ما يصلح به حال الناس، ولهذا كل نظام جاء لإصلاح معاش الناس، لا يخالف شرع الله فهذا ليس مما ينبغي الإعراض عنه، بل أخذه مما تصلح به حياة الناس، على سبيل المثال: نظام المرور، نظام السفر، نظام التجارة، كل الأنظمة التي يقصد منها إصلاح معاش الناس، ولا تتعارض مع حكم الله، فإنها مما أذن الله تعالى به، وينبغي العمل بهذه الأنظمة التي تصلح معاش الناس؛ لقول الله تعالى : {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}+++[النساء:59]--- والناس لابد لهم من أنظمة تضبط معاشهم، وتصلح أمورهم، وهذا لا يعارض حكم الله، إنما إذا جاء أحد وقال: الزنا مباح...لماذا تحددون العلاقات بين الجنسين؟! وتعاقبون على الخروج عما شرعه الله تعالى فيما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين وتعدون ذلك جريمة؟! إذا كان في تراضي بين الطرفين؟! هنا نقول: لا يمكن أن يقبل هذا: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}+++[المائدة:50]--- هنا نقول: أنت عارضت حكم الله، ولا قول مع قول الله وقول رسوله، بل يجب التسليم لقول الله وقول رسوله، في هذا الحال يكون الحكم بغير ما أنزل الله، إما يكون كفرا، وذلك إذا كان إعراضا عن شرع الله، واستبدال له، أو اعتقاد أن غيره أحسن منه، أو اعتقاد أنه مثل شرع الله، أو أنه يجوز الحكم  بغير ما أنزل الله هنا يكون كفر، وقد يكون فسقا، وقد يكون معصية، المقصود أن المؤمن يجب أن يمتلئ قلبه بأن حكم الله أحسن الأحكام، كما أحكم جل في علاه هذا الكون الفسيح وأتقنه على نحو منتظم، أفلا يقدر؟ الذي أحكم هذه الكواكب، وهذا الكون الفسيح على نظام دقيق لا يختل، يحصل به مصالح الناس؟ ألا يقدر جل في علاه أن يحكم مصالح الخلق، بل مصالح الناس بما يشرعه لهم من أحكام؟ بلى والله، فالله عز وجل أحكم هذا الكون وأحكم شرعه، فأحكم قدره وأحكم شرعه، والواجب على المؤمن أن يسلم لله عز وجل شرعة، كما أنه يجري عليه حكم القدر دون اختياره ويسلم لله ويرضى به، ينبغي له أن يسلم لشرع الله تعالى منشرح الصدر بذلك، فإن الهدى والطمأنينة والفلاح والاستقامة هي في لزوم شرع الله، ليس في حكم الله القدري الذي يحصل في الدنيا والكون، ولا في حكمه الشرعي الذي ينظم حياة الناس، وصلة العبد بالله، وصلة الإنسان بالبشرية، وبغيره من الناس، ولا في أحكامه الجزائية ظلم، بل هي عدل، فإنها عدل وجمال وبهاء وحسن، كما أنها تتضمن غايات حميدة، ونهايات جميلة، وأسرارا عالية، يبصرها الإنسان بالتأمل والتفكر، فلذلك ينبغي للمؤمن أن يتلمح، في كل أحكام الله أنه حكيم، فهو متقن جل في علاه لما يقضيه، وكل ما قضاه له حكمة وسر وغاية، سواء كان ذلك في الشرع أو كان ذلك في القدر، فتلمس حكمة الله في كل ما ترى وتشاهد، وفي كل ما يبلغك من أحكام الله فسينشرح صدرك بحكمه.

اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، وحزبك المفلحين، وأوليائك المؤمنين، أقول هذا القول، واستودعكم الله تعالى إلى أن ألقاكم في حلقة جديدة من برنامجكم {فادعوه بها}، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المشاهدات:3070

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحبه ربنا ويرضى، أحمده حقّ حمده، لا أحصي ثناءً عليه كما أثنى على نفسه، له الحمدُ كله أوله وآخره وظاهره وباطنه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ الله ورسولُه، وصفيّه وخليله، وخيرتُه من خلقه، دلّ على الله وعرّف به، تركنا على محجةٍ بيضاء لا يزيغُ عنها إلا هالك، فصلى الله عليه، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أمّا بعد:

فحيّاكم الله...وأهلاً وسهلاً بكم أيها الأخوة والأخوات في هذه الحلقةِ الجديدة من برنامجكم{فادعوه بها}،هذه الحلقة نتناولُ فيها اسماً من أسماء الله تعالى [الحكيم].

 وهذا الاسم جاء في الكتابِ الحكيمِ في مواضع عديدة، وتكرر ذكره ووصف الله ـ تعالى ـ به في آياتٍ كثيرة، وقد جاء بهذا اللفظ وهذه الصيغة، وجاء بلفظ الحاكم، وجاء بلفظ الحكم، وكلها تدلّ على وصفٍ واحد، وهو إثباتُ الحكمِ والحكمةِ له ـ جلّ في علاه ـ فالحكيم وهو اسمٌ من أسمائه الكرام يدلُّ على وصفين، على الإحكام وعلى الحكمة، وإذا أردنا أن نعرف معنى هذه الكلمة أو هذا الأصل وهذه المادة في اللغة، وجدنا أن الحاء والكاف والميم تدلُّ على المنع  تدلُّ على الإتقان، وتدلُّ على الحجز والحجْر على الشيء على نحوٍ يتميز به عن غيره، وهكذا صلة هذا المعنى بالمعنى الّذي استعمل الله ـ تعالى ـ به هذه الأوصاف له متقارب، فإنّ اسم الحكيمِ يدلُّ على هذا المعنى، قال ابن القيم-رحمه الله- في نونيته:

وهو الحكيم وذاك من أوصافه *** نوعانِ أيضاً ما هما عدمان

حكمٌ وإحكــــــــــــــــــــام، حكم وهو ***  الفصل وإحكام وهو الإتقان

 هذا هو معنى هذا الاسم الشريف من أسماء الله ـ عزّ وجل ـ وقد ذكره الله ـ تعالى ـ في كتابه في مواطن عديدة، وجاء قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}[الأنعام:114] وجاء في الحاكم على صيغة التفضيل في كثيرٍ من الآيات، كقوله ـ تعالى ـ : {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}[يونس:109] {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}[هود:45].

وأمّا الحكيم فقد جاء في آياتٍ كثيرةٍ عديدة، تبلغ المائة أو تزيد، يذكرُ الله ـ تعالى ـ في هذا الاسم من أسمائه ـ جلّ وعلا ـ وقد جاء في السنة ذكرُ هذا الاسمِ أيضاً في مواطن عديدة، فالحكيم جاء في الذكر الّذي علّمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعرابياً أتى إليه قال: علّمني كلاماً أقوله، "فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبرُ كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان ربّ العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، قال الأعرابي: يا رسول الله هذه لربي، فما لي؟! -أي هذه لذكر الله والثناء عليه علّمني شيئاً لي؟ ـ قال قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني"صحيح مسلم (2696).

وجاء وفدٌ من العرب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليؤمنوا به ويتابعوه، فلمّا جاء هذا الوفد كان فيهم رجلّ يُقال له: أبو الحكم، هكذا كان يدعوه قومه، يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له:"إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلمَ تكنى أبا الحكم؟!-يعني لماذا تكنى بهذه الكنية؟- فقال له: إنّ قومي إذا اختصموا في شيءٍ أتوني فحكمتُ بينهم فأرضي كلا الفريقين، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنّ ذلك حسنٌ، ألك ولد؟! قال: نعم، قالَ: ما أكبرهم؟ قال: شُريح، قال: أنت أبو شريح"سنن أبي داود (4955)، وسنن النسائي (5387) فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غيّرَ كنية هذا الرجل؛ لأن هذه الكنية كانت تشير إلى معنى يختص بالله ـ عزّ وجل ـ وهو أنّه له الحكمُ وإليه يحتكمُ المحتكمون ـ جلّ في علاه ـ فلمّا كان هذا الاسم ملاحظاً في هذا المعنى يتضمن تزكيةً من ناحية، ويتضمن إثبات شيء لله ـ عزّ وجل ـ في حق المخلوق، نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن التكني بهذه الكنية، إذاً الحَكم والحكيم والحاكم هي أسماء من أسماء الله ـ عزّ وجل ـ تدلُّ على قضائه وفصله بين الناس، كما تدلُّ على تقديره، وعلى حكمه الّذي لا يلزم فيه الفصل، إنما هو بيان في الحكم قد يكون فصلاً بين متنازعين، وقد يكونُ بياناً، وإيضاحاً لما يحتاجُ الناسُ إلى بيانه، فالحكمُ يكونُ لهذا ولهذا، وأحكامُ الله ـ تعالى ـ التي هي بيانٌ وفصل تكونُ في الشرع، وتكونُ في القدر والكون، وتكون في الجزاءِ والمجازاة والحساب على العمل، كل ذلك يكونُ لله ـ عزّ وجل ـ فالله ـ تعالى ـ أحكمُ الحاكمين ـ سبحانه وبحمده ـ يقضي بشرعٍ، هذا الشرع تضمّن غاية الإتقانِ وكمال التدبير، يقول ـ سبحانه وبحمده ـ:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}[هود:1] هكذا يقول الله جلّ وعلا في وصفِ حكمه الشرعي{أحكمت آياته} أي أتقنت، كما قال ـ تعالى ـ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82] لكن لمّا كان القرآن العظيم، وهذا الدين القويم من الله لم يكن فيه اختلاف، ولا فيه التباس، ولا فيه تعارض، ولا فيه اشتباه، بل هو بيّنٌ واضح لمن شرح الله صدره، وأنار بصيرته، فليس فيه اختلافٌ ولا تضاد، بل أحكامه متسقة، وشرائعة متفقة، كلها تؤدي إلى تحقيق مصالحِ العبادِ في الدنيا، وفوزهم في الآخرة، وتؤدي إلى وقايتهم كل سوءٍ، ومفسدةٍ في الدنيا، وشُرور الآخرة وأهوالها، إنّ هذا الحكم الشرعي حقه أن يُقبل فلا يتمُّ إيمانُ أحدٍ ولا يصلحُ إسلامه إلاّ بالإذعان لأحكام الله ـ عزّ وجل ـ والانقيادِ لحكمه، كما قال ـ جلّ وعلا ـ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65]، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:50] هذا فيما يتعلق بالحكم الشرعي، لا يُستبدل الحكم الشرعي بغيره، ولا يجوز لأحدٍ أن يُعرض عن حكمِ الله ورسوله إلى غيره، مهما بدا أنّ ذلك الحكم يحقق المصالح، فليس هناك أعظم تحقيقاً للمصلحة، وإصلاحاً لمعاشِ الناس ومعادهم من حكم الله ورسوله، مهما تخيّل الإنسان أنّ في حكمِ غير الله مصالح ومنافع، فإنه متوهم وهو على غيرِ الجادّة، فالهدى والصلاح والاستقامة والفلاح هي في الاستمساك بالّذي أوحي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9] في كل شأنٍ جاء بيانه، وجاء إيضاحه، وجاء به القرآن، لا تعدل بالقرآنِ شيئاً، ولا تنصرف إلى سواه، فإنّ الانصراف إلى سواه، هو انصرافٌ إلى ظلمه، وإلى جهل، وإلى  شقاء، وإلى عناء، وإلى تعاسة في الدنيا وعذاب في الآخرة، لذلك لا يجوز لمؤمن أن يرضى بحكمٍ يخالف حكم الله، ينبغي أن يعلم كلُّ مؤمن أن حكمَ الله الّذي جاء بيانه في القرآن وفي السنةِ النبوية، هو ما جاء في بيانِ تفاصيل العبادات التي توصل إلى الله.

وأيضاً قواعد المعاملات وأصول المعاملات في سائر الشؤون سواء كان في البيع، سواءً كان في ما يتعلق بالعلاقات الزوجية، في فصلِ القضاء، في الحكم، في السياسة، في الاجتماع، في سائر الشؤون، كل ذلك ينبغي أن يُعلم أنّه يُحققُ المصلحة، فلا يجوز العدول عنه، لكن ترك الله لنا مساحة واسعة فيما يتعلق بإصلاح الدنيا، وفيما يتعلق بإصلاح المعاش، فجعل باب المعاملات منوطاً بقواعد، مضبوطاً بضوابط وأصول، يُبنى عليها كل ما يصلح به حال الناس، ولهذا كل نظامٍ جاء لإصلاح معاش الناس، لا يخالف شرع الله فهذا ليس ممّا ينبغي الإعراض عنه، بل أخذه ممّا تصلح به حياةُ الناس، على سبيل المثال: نظام المرور، نظام السفر، نظام التجارة، كل الأنظمة التي يُقصد منها إصلاح معاش الناس، ولا تتعارض مع حكم الله، فإنها مما أَذن الله تعالى به، وينبغي العمل بهذه الأنظمة التي تُصلح معاش الناس؛ لقول الله ـ تعالى ـ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59] والناس لابدّ لهم من أنظمة تضبطُ معاشهم، وتصلحُ أمورهم، وهذا لا يعارض حكم الله، إنما إذا جاء أحد وقال: الزنا مباح...لماذا تحددون العلاقات بين الجنسين؟! وتعاقبون على الخروج عمّا شرعه الله ـ تعالى ـ فيما يتعلّق بالعلاقة بين الجنسين وتعدون ذلك جريمة؟! إذا كان في تراضي بين الطرفين؟! هنا نقول: لا يمكن أن يقبل هذا: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:50] هنا نقول: أنت عارضت حكم الله، ولا قول مع قول الله وقول رسوله، بل يجب التسليم لقول الله وقول رسوله، في هذا الحال يكونُ الحكمُ بغير ما أنزل الله، إما يكونَ كفراً، وذلك إذا كان إعراضاً عن شرع الله، واستبدال له، أو اعتقاد أنّ غيره أحسن منه، أو اعتقاد أنه مثلُ شرع الله، أو أنه يجوز الحكم  بغير ما أنزل الله هنا يكونُ كفر، وقد يكونُ فسقاً، وقد يكونُ معصيةً، المقصود أنّ المؤمن يجب أن يمتلئ قلبه بأن حكم الله أحسنُ الأحكام، كما أحكم ـ جلّ في علاه ـ هذا الكون الفسيح وأتقنه على نحوٍ منتظم، أفلا يقدر؟ الّذي أحكم هذه الكواكب، وهذا الكون الفسيح على نظامٍ دقيقٍ لا يختل، يحصلُ به مصالحُ الناس؟ ألا يقدر ـ جلّ في علاه ـ أن يُحكمَ مصالح الخلْق، بل مصالح الناس بما يشرعه لهم من أحكام؟ بلى والله، فالله ـ عزّ وجل ـ أحكم هذا الكون وأحكم شرعه، فأحكمَ قَدره وأحكم شرعه، والواجب على المؤمن أن يسلّم لله ـ عزّ وجل ـ شرعة، كما أنه يجري عليه حكمُ القدرِ دون اختياره ويسلّم لله ويرضى به، ينبغي له أن يُسلّمَ لشرع الله ـ تعالى ـ منشرح الصدرِ بذلك، فإنّ الهدى والطمأنينة والفلاح والاستقامة هي في لزوم شرع الله، ليس في حكمِ الله القدرِي الّذي يحصل في الدنيا والكون، ولا في حكمه الشرعي الّذي ينظم حياة الناس، وصلة العبد بالله، وصلة الإنسان بالبشرية، وبغيره من الناس، ولا في أحكامه الجزائية ظلم، بل هي عدلٌ، فإنها عدلٌ وجمالٌ وبهاءٌ وحُسن، كما أنّها تتضمّن غايات حميدة، ونهايات جميلة، وأسراراً عالية، يُبصرها الإنسان بالتأمل والتفكر، فلذلك ينبغي للمؤمن أن يَتلمح، في كل أحكام الله أنه حكيم، فهو متقن ـ جلّ في علاه ـ لما يقضيه، وكل ما قضاه له حكمة وسرّ وغاية، سواء كان ذلك في الشرع أو كان ذلك في القدر، فتلمّس حكمة الله في كل ما ترى وتشاهد، وفي كل ما يَبلغك من أحكامِ الله فسينشرحُ صدرك بحكمه.

اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، وحزبك المفلحين، وأوليائك المؤمنين، أقولُ هذا القول، واستودعكم الله ـ تعالى ـ إلى أن ألقاكم في حلقة جديدة من برنامجكم {فادعوه بها}، والسَّلام عليكم ورحمةَ الله وبركاته

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89946 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86962 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف