×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة (25) : أنت الحـــق

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله الحق الملك المبين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، له الحمد كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، في الأولى والآخرة، وهو الحميد المجيد، أحمده جل في علاه لا يبلغ العبد مهما أوتي من البيان حق ربه في الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأن محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، بعثه الله على حين فترة من الرسل، وانقطاع من السبل، فهدى الله به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، فصلى عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فحياكم الله...أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "فادعوه بها" تلك هي أسماء الله تعالى التي أخبر عنها في كتابه، وأخبر بها رسوله ﷺفي سنته {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}+++[الأعراف: 180]---. هذه الحلقة نتناول فيها اسما عظيما من أسماء الله إنه اسم الله [الحق].

الحق هو اسم من أسماء الله جل في علاه ذكره الله تعالى في كتابه، في مواضع عديدة، أكثر من عشر مرات، ذكر الله تعالى هذا الاسم في كتابه، قال جل في علاه : {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير}+++[القمان: 30]--- وقال جل وعلا: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون}+++[يونس: 32]--- إنه اسم عظيم من أسماء الله تعالى مطابق لحقيقة الأمر، والواقع، فالله هو[الحق] ولذلك كان أصدق ما يقوله قائل هو وصف الله بالحق، جاء في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي ﷺقال: (أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فهو الحق جل وعلا ولهذا توسل النبي ﷺإلى ربه، إلى الله جل في علاه بهذا الوصف في دعائه، فكان يقول في تهجده إذا قام من الليل: (اللهم لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد ﷺحق، والساعة حق)+++صحيح البخاري (6317)، وصحيح مسلم (769)--- هكذا يتوسل النبي ﷺإلى الله جل وعلا بجملة من الأوصاف، منها أنه جل وعلا الحق "اللهم لك الحمد أنت الحق" فالله هو الحق سبحانه وبحمده والحق هو الشيء الثابت، الشيء الواجب، الشيء المطابق للواقع، الشيء المحكم، الشيء الذي لا كذب فيه ولا زور، ولا بهتان، فالله هو الحق المبين، هو أحق حقيقة في هذا الكون، فهو الحق جل وعلا لذلك قال: {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون}+++[يونس: 32]--- ليس بعد هذا الوصف الذي وصف الله تعالى به نفسه إلا الضلال، فإنه الحق جل وعلا هو المنفرد بالخلق سبحانه وبحمده وهو الموجد لهذا الكون، وهو المدبر له، لا يأتي بالحسنات إلا هو سبحانه وبحمده ولا يدفع السيئات إلا هو، له الأسماء الحسنى والصفات العلى.

الحق وصف لذاته جل وعلا وهو وصف لصفاته سبحانه وبحمده فهو واجب الوجود، وكامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته سبحانه وبحمده ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به، ولا وجود لشيء في الكون إلا به، فهو الخالق، فهو الذي لم يزل ولا يزال بالجلال، والجمال، والكمال موصوفا سبحانه وتعالى ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفا، قوله الحق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه حق، وعبادته حق، لاشريك له لا إله إلا هو الملك الحق المبين، كل شيء ينسب إليه فهو حق: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير}+++[القمان: 30]---{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}+++[الكهف: 29]--- كل هذا من لوازم إثبات أنه الحق جل وعلا فهو سبحانه وتعالى له الوجود الحق، فليس شيء في الدنيا إلا باطل زائل، إلا وجوده جل في علاه فهو الحق سبحانه وبحمده.

ألا كل شيء ما خلا الله باطل...

وكل فعله جل في علاه حق، ولذلك لا يكون في فعله لعب ولا عبث: {خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير}+++[التغابن: 3]---  والله تعالى خلق السموات والأرض بالحق، ما جعل ذلك عبثا، وكما أنه خلق خلقه بالحق، فقد أنزل كتبه بالحق، قال الله تعالى : {نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه}+++[آل عمران: 3]---   وجعل هذا الشرع مقيما للحق في كل أحواله، وفي كل شؤونه، فالحق ما جاء في هذا القرآن: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}+++[الإسراء: 9]---    فيما يتعلق بعلاقة العبد بربه، فيما يتعلق بعلاقة العبد من حوله، من الإنس، والجن، وسائر المخلوقات، كل ذلك يكون على الحق إذا التزم بالكتاب الحق الذي نزله الله تعالى على نبيه ﷺ، وجاء به محمد ﷺ، إن الحق يكون في معاملة الرب، ويكون في معاملة سائر الخلق، ولذلك قال سلمان -رضي الله عنه- لأبي الدرداء، ووافقه النبي ﷺ، قال: (إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعطى كل ذي حق حقه)+++صحيح البخاري (1968)، وصحيح مسلم (1159)--- إن الحق المبين الذي جاء به النبي ﷺ، يحصل به سلامة المعاش، وسلامة المعاد، وصلاح الدنيا، وصلاح الآخرة، وإذا حقق العبد في هذه الدنيا الحق، رجع إلى الله تعالى الحق فوفاه ما يكون من الجزاء، والثواب العظيم له سبحانه وبحمده، ولهذا يوم القيامة يكون الرد إلى الحق، ليعلم الخلق أن الله هو الحق، وأن حكمه هو الحق، قال الله تعالى : {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون}+++[الأنعام: 61]--- بعد ذلك ما الحال؟!

{ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}+++[الأنعام: 62]---  هذا في مقام، في مقام آخر يقول الله تعالى: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق}+++[يونس: 30]--- ويقول جل وعلا : {فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال}+++[يونس: 32]--- ويقول جل وعلا : {ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا}+++[الكهف: 43]--- في يوم القيامة: {هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا}+++[الكهف: 44]--- كما أنه يوم تذل فيه الوجوه لجلال الله جل في علاه وعظمته، وجبروته سبحانه وبحمده: {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما* ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما* وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا}+++[طه: 111: 113]--- يقول مذكرا بوصفه: {فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما}+++[طه: 114]--- إن الله تعالى ذكر الحق في رد الخلق إليه: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون* فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم}+++[المؤمنون:115: 116]--- هكذا يقرر الله تعالى الحق وصفا له، وإخبارا عن حقيقة الأمر، وأنه من أسمائه جل في علاه في الرد إليه، ليتيقن الناس أن العود إلى الله تعالى حق مبين، لا يختلف ولا يتخلف، ولا يذهب بلا تنفيذ، بل وعده صادق واقع، لذلك قرنه الله تعالى بوصفين في كتابه، قرنه بالملك، فقال تعالى : {فتعالى الله الملك الحق} فإنه الملك الحق الذي لا يخلف الميعاد، وهو المثبت لجلاله، وبهائه، وتمام خلقه، وقدرته، وأنه جل وعلا المتصرف، فلا يخلف الميعاد، وقرنه أيضا بالمبين، لأنه الشيء الظاهر البين، قال تعالى : {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله} دينهم يعني أعمالهم، وحسابهم، وجزاءهم: {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}+++[النور: 25]--- الظاهر الذي لا يلتبس، ولا يختلف، هكذا يتحقق المؤمن بأن الله حق، وأن وعده حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأنه لا سبيل له لإدراك الفوز، والنجاة في الدنيا والآخرة إلا بأن يسلك الصراط الحق، والطريق الحق، ويبعد عن الباطل في القول والعمل، يبعد عن الباطل في الحال، والظاهر والباطن، ليفوز برضا الله جل وعلا فهو الحق الذي لا يقبل إلا الحق، وهو الطيب الذي لا يقبل إلا الطيب سبحانه وبحمده ولهذا يدعو المؤمن متوسلا إلى الله بأنه الحق أن يغفر له ذنوبه، وأن يعينه على سلوك الطريق المستقيم، كما كان النبي يقول في دعائه، في استفتاح صلاة الليل: (اللهم أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت)+++صحيح البخاري (6317)، وصحيح مسلم (769)--- لأن الخطأ خروج عن الحق، فأنت تتوسل بالحق الذي قوله حق، ووعده حق، وكل ما أخبر به حق، أن يغفر لك ما كان من زلل، فما كان من زلل ليس تكذيبا، إنما هو غيبة عن الحق الذي أخبر بالحق، ودعا إلى الحق، إن المؤمن إذا امتلأ قلبه بمحبة هذا الحق، ومعرفته، كان ذلك حاملا له على أن يكون حريصا على الحق في معاملته للخلق، فلا يخرج عن سنن مستقيم، ولا عن طريق قويم، بل يؤدي الأمانات إلى أهلها، ويعطي كل ذي حق حقه، لأنه بذلك يرضى عن نفسه، فيرضى عنه ربه جل في علاه يرضى عن نفسه بطاعة الله، وقيامه بحقه، فيبرئ نفسه مما يغضب الله تعالى فيكون بذلك نائلا رضا الله جل في علاه إن المؤمن إذا امتلأ قلبه بتعظيم الحق ذل له. ولذلك يقول بعض أهل العلم: كل صاحب كبر يرد الحق، فهو قد تكبر على الله لأن الله هو الحق، الذي يقيم الحق، ويحب أهل الحق، فيجب على المؤمن أن يبرئ نفسه من كل شائبة كبر يرد بها الحق، ف(الكبر غمط الناس، وبطر الحق)+++صحيح مسلم (91)--- هكذا عرفه النبي ، بطر الحق أي رده، وغمط الناس يعني احتقارهم، ومن بطر الحق، وغمط الناس، خرج عن الصراط المستقيم، وعن الحق المبين، فكان مغضبا لله عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا القيام بالحق، وأداء الحقوق إلى أهلها، وأن يعيننا وإياكم على ما فيه الرشد والخير، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "فادعوه بها" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3522

الحمد لله الحقّ المَلِكِ المبين، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، له الحمدُ كله أوله وآخره، ظاهره وباطنه، في الأولى والآخرة، وهو الحميدُ المجيد، أحمدهُ جلّ في علاه لا يبلغُ العبدُ مهما أوتيَ من البيانِ حقّ ربه في الحمدِ والثناء، وأشهدُ أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأنّ محمداً عبد الله ورسوله، وصفيُّه وخليله، وخِيرتُه من خلقه، بعثه الله على حينِ فترةٍ من الرسل، وانقطاعٍ من السبل، فهدى الله به من الضلالة، وبصّرَ به من العمى، وأخرجنا به من الظلماتِ إلى النور، فصلى عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبعَ سنته بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمّا بعد:

فحياكم الله...أيها الأخوةُ والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "فادعوه بها" تلك هي أسماء الله ـ تعالى ـ التي أخبرَ عنها في كتابه، وأخبرَ بها رسوله ﷺفي سنته {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف: 180]. هذه الحلقة نتناولُ فيها اسماً عظيماً من أسماءِ الله إنه اسمُ الله [الحقّ].

الحق هو اسمٌ من أسماء الله ـ جلّ في علاه ـ ذكره الله ـ تعالى ـ في كتابه، في مواضع عديدة، أكثر من عشر مرات، ذَكرَ الله ـ تعالى ـ هذا الاسم في كتابه، قال ـ جلّ في علاه ـ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[القمان: 30] وقال جلّ وعلا: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس: 32] إنه اسمٌ عظيمٌ من أسماء الله ـ تعالى ـ مطابقٌ لحقيقة الأمر، والواقع، فالله هو[الحقّ] ولذلكَ كانَ أصدقُ ما يقوله قائل هو وصفُ الله بالحق، جاء في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي ﷺقال: (أصدقُ كلمةٍ قالها شاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطلُ

فهو الحقُّ ـ جلّ وعلا ـ ولهذا توسل النبيُ ﷺإلى ربه، إلى الله ـ جلّ في علاه ـ بهذا الوصف في دعائه، فكان يقولُ في تهجده إذا قامَ من الليل: (اللهم لك الحمدُ، أنت قيّمُ السمواتِ والأرضِ ومن فيهنّ، ولك الحمدُ أنت ملِكُ السمواتِ والأرضِ ومن فيهنّ، ولك الحمدُ أنت نور السمواتِ والأرضِ ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت الحقّ، ووعدُك الحقّ، ولقاؤكَ حقّ، وقولك حقّ، والجنةُ حقّ، والنارُ حقّ، والنبيّون حقّ، ومحمدٌ ﷺحقّ، والساعةُ حقّ)صحيح البخاري (6317)، وصحيح مسلم (769) هكذا يتوسلُ النبيُ ﷺإلى الله ـ جلّ وعلا ـ بجملةٍ من الأوصاف، منها أنه ـ جلّ وعلا ـ الحقّ "اللهم لك الحمدُ أنت الحقّ" فالله هو الحقُّ ـ سبحانه وبحمده ـ والحقُّ هو الشيء الثابت، الشيء الواجب، الشيء المطابق للواقع، الشيء المُحكم، الشيء الّذي لا كَذَبَ فيه ولا زور، ولا بهتان، فالله هو الحقُّ المبين، هو أحقُّ حقيقةٍ في هذا الكون، فهو الحقُّ ـ جلّ وعلا ـ لذلك قال: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}[يونس: 32] ليس بعد هذا الوصفِ الّذي وصفَ الله ـ تعالى ـ به نفسه إلاّ الضلال، فإنه الحقُّ ـ جلّ وعلا ـ هو المنفرِدُ بالخلقِ ـ سبحانه وبحمده ـ وهو الموجدُ لهذا الكون، وهو المدبّرُ له، لا يأتي بالحسنات إلا هو ـ سبحانه وبحمده ـ ولا يدفعُ السيئات إلا هو، له الأسماء الحسنى والصفات العلى.

الحقُّ وصفٌ لذاته ـ جلّ وعلا ـ وهو وصفٌ لصفاته ـ سبحانه وبحمده ـ فهو واجبُ الوجود، وكاملُ الصفاتِ والنعوت، وجوده من لوازم ذاته ـ سبحانه وبحمده ـ ولا وجود لشيءٍ من الأشياء إلا به، ولا وجود لشيءٍ في الكون إلا به، فهو الخالق، فهو الّذي لم يزل ولا يزالُ بالجلالِ، والجمالِ، والكمالِ موصوفاً ـ سبحانه وتعالى ـ ولم يزل ولا يزالُ بالإحسانِ معروفاً، قوله الحقّ، وفعله حقّ، ولقاؤه حقّ، ورسله حقّ، وكتبه حقّ، ودينه حقّ، وعبادته حقّ، لاشريكَ له لا إله إلا هو الملكُ الحقُّ المبين، كل شيءٍ يُنسبُ إليه فهو حقّ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[القمان: 30]{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29] كل هذا من لوازمِ إثبات أنه الحقّ ـ جلّ وعلا ـ فهو ـ سبحانه وتعالى ـ له الوجود الحقّ، فليس شيءٌ في الدنيا إلا باطل زائل، إلا وجوده ـ جلّ في علاه ـ فهو الحقّ سبحانه وبحمده.

ألا كل شيءٍ ما خلا الله باطلُ...

وكل فعله ـ جلّ في علاه ـ حقّ، ولذلك لا يكون في فعله لعبٌ ولا عبث: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[التغابن: 3]  والله ـ تعالى ـ خلَقَ السموات والأرض بالحقّ، ما جعل ذلكَ عبثاً، وكما أنه خلَقَ خلقه بالحقّ، فقد أنزل كتبه بالحقّ، قال الله ـ تعالى ـ: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}[آل عمران: 3]   وجعل هذا الشرعَ مقيماً للحقّ في كلِّ أحواله، وفي كل شؤونه، فالحقُّ ما جاء في هذا القرآن: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: 9]    فيما يتعلّق بعلاقة العبد بربّه، فيما يتعلّق بعلاقة العبد من حوله، من الإنس، والجنّ، وسائر المخلوقات، كل ذلك يكون على الحقِّ إذا التزمَ بالكتاب الحقِّ الّذي نزّله الله ـ تعالى ـ على نبيه ﷺ، وجاء به محمدٌ ﷺ، إنّ الحقّ يكونُ في معاملة الربّ، ويكونُ في معاملةِ سائر الخلق، ولذلك قال سلمان -رضي الله عنه- لأبي الدرداء، ووافقه النبي ﷺ، قال: (إنّ لربّكَ عليك حقّا، ولنفسكَ عليك حقّا، ولأهلكَ عليكَ حقّا، فأعطى كلَ ذي حقٍ حقه)صحيح البخاري (1968)، وصحيح مسلم (1159) إنّ الحقّ المبين الّذي جاء به النبي ﷺ، يحصلُ به سلامةُ المعاش، وسلامةُ المعاد، وصلاحُ الدنيا، وصلاحُ الآخرة، وإذا حقق العبدُ في هذه الدنيا الحقّ، رجعَ إلى الله تعالى الحقّ فوفاه ما يكونُ من الجزاء، والثوابِ العظيمِ له سبحانه وبحمده، ولهذا يوم القيامة يكونُ الرد إلى الحقّ، ليعلمَ الخلق أنّ الله هو الحقّ، وأنّ حكمه هو الحقّ، قال الله ـ تعالى ـ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام: 61] بعد ذلك ما الحال؟!

{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}[الأنعام: 62]  هذا في مقام، في مقامٍ آخر يقولُ الله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ}[يونس: 30] ويقول ـ جلّ وعلا ـ: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}[يونس: 32] ويقول ـ جلّ وعلا ـ: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا}[الكهف: 43] في يوم القيامة: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا}[الكهف: 44] كما أنه يومٌ تذلُّ فيه الوجوه لجلال الله ـ جلَّ في علاه ـ وعظمته، وجبروته سبحانه وبحمده: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا* وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا* وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}[طه: 111: 113] يقول مذكراً بوصفه: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه: 114] إنّ الله تعالى ذكرَ الحقّ في ردِّ الخلقِ إليه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون:115: 116] هكذا يقرّرُ الله ـ تعالى ـ الحقّ وصفاً له، وإخباراً عن حقيقة الأمر، وأنه من أسمائه ـ جلّ في علاه ـ في الردِّ إليه، ليتيقّن الناس أنَّ العودَ إلى الله ـ تعالى ـ حقٌّ مبين، لا يختلف ولا يتخلّف، ولا يذهب بلا تنفيذ، بل وعده صادقٌ واقعٌ، لذلك قرَنه الله تعالى بوصفين في كتابه، قرنه بالملك، فقال ـ تعالى ـ: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} فإنه الملِكُ الحقّ الّذي لا يخلِفُ الميعاد، وهو المثبت لجلاله، وبهائه، وتمامِ خلقه، وقدرته، وأنه ـ جلّ وعلا ـ المتصرّف، فلا يخلِفُ الميعاد، وقرنه أيضاً بالمبين، لأنه الشيء الظاهر البيّن، قال ـ تعالى ـ: {يومئذٍ يوفيهمُ الله دينهم الحقّ ويعلمونَ أنّ الله} دينهم يعني أعمالهم، وحسابهم، وجزاءهم: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}[النور: 25] الظاهر الّذي لا يلتبس، ولا يختلف، هكذا يتحقق المؤمن بأنّ الله حقّ، وأنّ وعده حقّ، وأنّ الجنة حقّ، وأنّ النار حقّ، وأنه لا سبيلَ له لإدراكِ الفوزِ، والنجاةِ في الدنيا والآخرة إلا بأن يسلُكَ الصراط الحقّ، والطريق الحقّ، ويبعد عن الباطل في القولِ والعمل، يبعد عن الباطل في الحالِ، والظاهرِ والباطن، ليَفوزَ برضا الله ـ جلّ وعلا ـ فهو الحقّ الّذي لا يقبلُ إلا الحقّ، وهو الطيب الّذي لا يقبلُ إلا الطيب ـ سبحانه وبحمده ـ ولهذا يدعو المؤمن متوسلاً إلى الله بأنه الحقّ أن يغفرَ له ذنوبه، وأن يُعينه على سلوكِ الطريق المستقيم، كما كان النبيُ يقول في دعائه، في استفتاح صلاة الليل: (اللهم أنت الحقُّ، ووعدُك الحقّ، ولقاؤكَ حقٌّ، وقولك حقٌّ، والجنةُ حقٌّ، والنارُ حقٌّ، والنبيّون حقّ، ومحمدٌ حقّ، والساعةُ حقّ، اللهم لكَ أسلمت، وبكَ آمنت، وعليك توكلت، وإليكَ أنبت، وبكَ خاصمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت)صحيح البخاري (6317)، وصحيح مسلم (769) لأنّ الخطأ خروج عن الحقّ، فأنتَ تتوسل بالحقّ الّذي قوله حقّ، ووعده حقّ، وكل ما أخبرَ به حقّ، أن يَغفر لك ما كان من زلل، فما كان من زلل ليس تكذيباً، إنّما هو غيبة عن الحقِّ الّذي أخبرَ بالحقِّ، ودعا إلى الحقّ، إنَّ المؤمن إذا امتلأ قلبه بمحبةِ هذا الحقّ، ومعرفته، كان ذلك حاملاً له على أن يكونَ حريصاً على الحقِّ في معاملته للخلق، فلا يخرج عن سننٍ مستقيم، ولا عن طريقٍ قويم، بل يؤدي الأمانات إلى أهلها، ويعطي كلَّ ذي حقٍّ حقه، لأنه بذلكَ يرضى عن نفسه، فيرضى عنه ربُّه ـ جلّ في علاه ـ يرضى عن نفسه بطاعة الله، وقيامه بحقه، فيبرّئُ نفسه ممّا يُغضبُ الله ـ تعالى ـ فيكون بذلكَ نائلاً رضا الله ـ جلّ في علاه ـ إنّ المؤمن إذا امتلأ قلبه بتعظيم الحقّ ذَلَّ لهُ. ولذلك يقول بعض أهل العلم: كل صاحبِ كبْرٍ يردُّ الحقَّ، فهو قد تكبّرَ على الله لأنّ الله هو الحقّ، الّذي يُقيمُ الحقّ، ويحبُّ أهل الحقّ، فيجبُ على المؤمن أن يبرّئُ نفسه من كلِ شائبةِ كبر يردُّ بها الحقّ، فـ(الكبرُ غمطُ الناسِ، وبَطرُ الحقّ)صحيح مسلم (91) هكذا عرّفه النبيُ ، بَطرُ الحقّ أي ردّه، وغمطُ الناس يعني احتقارهم، ومن بَطرَ الحقَّ، وغَمطَ الناسَ، خرجَ عن الصراطِ المستقيم، وعن الحقِّ المبين، فكان مغضباً لله عزّ وجل، نسأل الله ـ عزّ وجل ـ أن يرزقنا القيامَ بالحقِّ، وأداءَ الحقوقِ إلى أهلها، وأن يُعيننا وإياكم على ما فيه الرشد والخير، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "فادعوه بها" أستودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89955 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86964 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف