×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / فادعوه بها -3 / الحلقة (26): وهو الغفور الودود

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، أحمده حق حمده، لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أما بعد:

فحياكم الله... وأهلا وسهلا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "فادعوه بها" برنامج نتناول فيه جملة من أسماء الله عز وجل نتعرف على معنى هذا الاسم، ومدلوله في استعمالاته في القرآن وفي السنة، وآثار الإيمان به، وكيف نتعبد لله تعالى به؟ كيف نحقق ما أمرنا الله تعالى به في قوله: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}+++[الأعراف: 180]--- ؟

فكل اسم من أسماء الله، المؤمن مطالب بمعرفته، وفهم معناه، وأيضا مطالب بدعاء الله تعالى به؛ لقوله جل وعلا: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} في هذه الحلقة نتناول اسما من أسماء الله تعالى عظيم، وكل أسماءه حسنى عظيمة، إنه اسمه [الودود] ذاك الاسم الذي ذكره الله تعالى في قرآنه الكريم، في كتابه الحكيم، في قوله: {وياقوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد}+++[هود: 89]--- ثم قال: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود}+++[هود: 90]--- وقد ذكر الله تعالى هذا الاسم أيضا في سورة البروج، حيث قال جل في علاه : {إن بطش ربك لشديد* إنه هو يبدئ ويعيد* وهو الغفور الودود*ذو العرش المجيد}+++[البروج: 12: 15]--- سبحانه وبحمده.

أما السنة المطهرة فلم يرد فيها هذا الاسم إلا في الحديث الذي جاء فيه سرد الأسماء، وهو مدرج في قول محققي أهل الحديث، ذاك أنه لم يثبت مرفوعا إلى النبي ﷺ، بل هو مدرج من صنيع بعض الرواة، الذي جاء ملحقا بقول النبي ﷺ: (إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها دخل الجنة)+++سنن الترمذي (3507)--- من جملة ما ذكر، وعد من الأسماء [الودود] في ذلك الحديث المدرج. إن النبي ﷺثبت عنه جملة من الأسماء، لم يرد ذكرها في القرآن، وجاء في القرآن أسماء لم يرد لها ذكر في السنة، وكلا الوحيين يثبت به ما أخبر الله تعالى أو أخبر به رسوله عن نفسه، كما قال الإمام أحمد: "نصف الله تعالى، ونسميه بما وصف أو سمى نفسه في القرآن والحديث، لا يتجاوز القرآن والحديث. أي لا يتجاوز ما جاء في القرآن، وما جاء في السنة من إخبار النبي ﷺعن الله عز وجل فإنه لا ينطق عن الهوى.

معنى الودود؟ الودود له صلة بالحب والمحبة، ولذلك هذه الكلمة تدور على الحب، فتقول: وددت الرجل أي أحببته، ووددت الشيء أي أحببته، إلا أن هذه الكلمة تدل على مدلولين، تأتي على صيغة اسم الفاعل، واسم المفعول، أي أنها تأتي بمعنى اسم الفاعل، وتأتي بمعنى اسم المفعول، فودود فعول هي صيغة واحدة، لكن فعول تأتي بمعنى فاعل، وتأتي بمعنى مفعول، فهي تأتي بمعنى محب، وتأتي بمعنى محبوب، ف[الودود] بمعنى فاعل هو الذي يحب أنبياءه، وعباده الصالحين، ويحب العمل الصالح، ويحب ما أخبر في كتابه أنه يحبه من خلقه، وأمره، وشرعه.

أما [ودود] بمعنى مفعول فهذا لأنه محبوب جل في علاه فهو الذي يحبه أولياؤه، ويحبه عباده الصالحون، ويحبه المتقون العارفون به، ولهذا يقول ابن القيم-رحمه الله- عندما ذكر هذا الاسم في نونيته:

وهو الودود يحبهم ويحبه*** أحبابه والفضل للمنان

يحبهم الله يحب أولياءه

وهو الودود يحبهم ويحبه*** أحبابه والفضل للمنان

وهو الذي جعل المحبة في*** قلوبهم وجازاهم بحب ثان

فالودود هو المحب لأوليائه، وعباده الصالحين، والودود هو المحبوب جل في علاه، الذي يحبه عباده الصالحون، المؤمنون به.

هذا الاسم العظيم في القرآن الكريم ورد مقترنا بالغفور، وورد مقترنا بالرحيم، ففي قوله جل وعلا: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود}+++[هود: 89]---  قرن[الودود] بالرحيم؛ لأن ذلك من مقتضيات رحمته، أن يحب عباده جل في علاه ومحبة الله تعالى لعباده بها يبلغون العلا والمنازل الرفيعة، فإن الشأن أن يحبك الله جل في علاه ومن أحبه الله رفعه، وأعلى شأنه، الشاهد أن اقتران الرحمة بالود، لأن ود الله تعالى لمن يودهم، لمن يحبهم من عباده، إنما ذلك بمقتضى رحمته، هو الذي يتفضل عليهم جل وعلا بأن يجعل في قلوبهم محبته، ثم يجازيهم على هذه المودة التي جعلها في قلوبهم، المحبة التي جعلها في قلوبهم، يجازيهم بأنه يحبهم، كما قال:

وهو الذي جعل المحبة في*** قلوبهم وجازاهم بحب ثان

وهو حب الله تعالى لعباده، هذا كله من رحمته جل في علاه اقترن أيضا باسم [الغفور] كما في قوله جل وعلا: {إن بطش ربك لشديد* إنه هو يبدئ ويعيد* وهو الغفور الودود}+++[البروج: 12: 14]---  هنا لفتة بليغة أن الله تعالى ذكر هذا الوصف في مقام المغفرة، ذلك أن كل تائب ينال بفضل الله ورحمته، محبة رب العالمين، ألم يقل الله تعالى : {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}+++[البقرة: 222]---  فاقتران المغفرة بالود؛ لأن الله تعالى إذا غفر للعبد، وتاب عليه، أحبه جل في علاه فهذه بشارة لكل من تاب وأناب أن الله يغفر له ذنوبه، ثم إنه يبلغه جل وعلا منزلة المحبة، يحبه سبحانه وبحمده ومنزلة المحبة منزلة سامقة، ومنزلة عالية، إذا بلغها العبد فقد أمن من كل شر، لأنها درجة الولاية التي بها يدرك أمن الدنيا، وفوز الآخرة، فإن الله عز وجل يدافع عن أولياءه: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}+++[الحج: 38]--- وهم الذين أحبوه، كما قال تعالى : {يحبهم ويحبونه}+++[المائدة: 54]--- فإذا أحب الله تعالى عبدا تولاه، وعصمه من السوء والشر، ووصله إلى كل بر وخير، وحفظه من بين يده ومن خلفه، وهذه مرتبة عليا ينالها في الدنيا، أولئك المحبون كما ينالها في الآخرة، بفضل الله وعطائه، بالنظر إلى وجهه الكريم، وتبليغه أعلى المنازل في جنات النعيم، نسأل الله من فضله.

إن المحبة الحقيقية لا تدرك بالأماني، محبة الله تعالى لا تدرك بالأماني، بل لا بد من عمل يصدق به العبد مع الله، لينال حبه جل في علاه ولهذا يقول جل وعلا : {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}+++[آل عمران: 31]---  فجعل الله اتباع النبي ﷺ، والسير على هديه، والموافقة لشرعه، طريقا لتحصيل محبته، لتحصيل هذا الوصف الذي أخبر به في قوله جل وعلا : {إن ربي رحيم ودود}+++[هود: 89]--- فمن أراد أن يفوز بمغفرة الله تعالى ورحمته، ومحبته، فليبادر إلى اتباع سنة نبيه ﷺ، فكل الخير في اتباع سنة النبي ﷺ، وقد شملت سنة النبي ﷺأمرين، اتباع النبي يتحقق بأمرين: بفعل الواجبات التي فرضها، وترك المحرمات التي نهى عنها، كما يتحقق بالمسابقة، والمسارعة في ألوان الخيرات، وصنوف المبرات، لهذا جاء في الحديث الصحيح، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في البخاري، أن النبي ﷺ، قال: (من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب) الولي هو المحبوب، من آذى لي محبوبا فقد آذنته بالحرب، أو من آذى لي محبا فقد آذنته بالحرب.

طيب كيف تحصل هذه المحبة؟! يقول النبي : (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) هذا هو الطريق الأول، وهذا هو الشرط الأول، والعتبة الأولى التي بها تبلغ درجة المحبة، أن تتقرب إلى الله بما فرضه عليك، من الواجبات فعلا، ومن المنهيات تركا، ثم بعد ذلك: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل) أنواع الطاعات، والقربات، من سائر المسنونات، والمشروعات المستحبات: (حتى أحبه) حتى يحبك الله تعالى فإذا أحبه الله تعالى تولاه، بلغ منزلة عليا في الدنيا قبل الآخرة، فإذا أحببته فاز بالمعية: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن استعاذني لأعيذنه) إن طلب مني الحماية، واعتصم بي، فله العصمة، والحماية: (ولئن استنصرني) إن طلب مني العون، والنصر، والظفر على أحد: (لأنصرنه)+++صحيح البخاري (6502)--- هكذا يكون المحبوب عند الله عز وجل بهذه المنزلة في الدنيا، فكيف يكون في الآخرة؟ إنها كما قال النبي ، في الحديث الإلهي: "أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}+++[السجدة: 17]---"+++صحيح البخاري (3244)، وصحيح مسلم (189)--- إذا طريق تحصيل المحبة، طريق تحصيل الولاية التي بها يدرك العبد معنى [الودود] وهو أن يحبه الله تعالى هو أن يحب الله، فأحب الله يحبك الله جل وعلا ومحبة الله ليست دعوى كما ذكرت، بل هي عمل، وصدق في الظاهر والباطن، يدرك به العبد فضل الله تعالى وعطاءه وينال إحسانه وبره، فليصدق المؤمن في حبه لله، سيصدقه الله تعالى في الجزاء: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}+++[مريم: 96]--- فمن أراد أن يفوز بفضل الله الذي تضمنه اسمه [الودود] فليحب الله، وليجتهد بهذين الوصفين: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} فآمن بالله في قبول أخباره، وأخبار رسوله ، وما جاءت به الرسل، ثم اجتهد في العمل الصالح، بكل أوجهه، واجبه ومستحبه، كما جاء في حديث أبي هريرة، وأبشر إذا حققت هذين الأمرين، صلاح الباطن بالإيمان، وصلاح الظاهر بالعمل الصالح، كان ذلك مبلغا لك درجة الود، فسيجعل الله لك ودا، وهو الذي يحبك: وإذا أحبك سيدعو جبريل في السماء، (يا جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فينادي جبريل في أهل السماء، إن الله يحب فلانا فأحبوه)+++صحيح مسلم (2637)--- فيوضع لك القبول في الأرض والقبول هو قبول عباد الله الصالحين، وهو محبة الله التي يقذفها في قلوب عباده، دون صنع منك، دون سبب، لا لمال يرجونه منك، ولا لجاه عندك، ولا لشيء يكون مما يطمع الناس فيما عندك، فيحبونك لأجله، إنما يحبونك لله: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله)+++مسند أحمد (18524)--- اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، وارزقنا صدق محبتك، والإقبال عليك، واجعلنا من خاصتك، وأوليائك، وحزبك، يا ذا الجلال والإكرام، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "فادعوه بها" استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... 

المشاهدات:3926

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، له الحمدُ في الأولى والآخرة وله الحكمُ وإليه ترجعون، أحمدهُ حقّ حمده، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُ الله ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، أمّا بعد:

فحياكم الله... وأهلاً وسهلاً بكم أيها الأخوةُ والأخوات، في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "فادعوه بها" برنامجٌ نتناولُ فيه جملةً من أسماء الله ـ عزّ وجل ـ نتعرّفُ على معنى هذا الاسم، ومدلوله في استعمالاته في القرآن وفي السنة، وآثار الإيمان به، وكيف نتعبّدُ لله ـ تعالى ـ به؟ كيف نحقق ما أمرنا الله ـ تعالى ـ به في قوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف: 180] ؟

فكل اسم من أسماء الله، المؤمن مطالب بمعرفته، وفهمِ معناه، وأيضاً مطالبٌ بدعاء الله ـ تعالى ـ به؛ لقوله جلّ وعلا: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} في هذه الحلقة نتناولُ اسماً من أسماء الله ـ تعالى ـ عظيم، وكلُ أسماءه حسنى عظيمة، إنه اسمه [الودود] ذاكَ الاسمُ الّذي ذكره الله ـ تعالى ـ في قرآنه الكريم، في كتابه الحكيم، في قوله: {وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ}[هود: 89] ثم قال: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}[هود: 90] وقد ذكر الله ـ تعالى ـ هذا الاسم أيضاً في سورة البروج، حيثُ قال ـ جلّ في علاه ـ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ*ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}[البروج: 12: 15] سبحانه وبحمده.

أمّا السنة المطهرة فلم يرد فيها هذا الاسم إلا في الحديث الّذي جاء فيه سردِ الأسماءِ، وهو مدرجٌ في قولِ محققِي أهلِ الحديث، ذاكَ أنه لم يثبت مرفوعاً إلى النبي ﷺ، بل هو مدرجٌ من صنيعِ بعضِ الرواة، الّذي جاءَ مُلحقاً بقولِ النبي ﷺ: (إنَّ لله تسعةً وتسعينَ اسما، من أحصاها دخل الجنة)سنن الترمذي (3507) من جُملةِ ما ذُكرَ، وعُدَّ من الأسماء [الودود] في ذلك الحديث المدرج. إنَّ النبي ﷺثبتَ عنه جملة من الأسماء، لم يرد ذكرها في القرآن، وجاء في القرآن أسماء لم يرد لها ذكرٌ في السنة، وكلا الوحيين يثبتُ به ما أخبرَ الله ـ تعالى ـ أو أخبرَ به رسوله عن نفسه، كما قال الإمام أحمد: "نَصِفُ اللهَ تعالى، ونسميه بما وصفَ أو سمّى نفسه في القرآنِ والحديث، لا يتجاوزُ القرآن والحديث. أي لا يتجاوزُ ما جاء في القرآن، وما جاءَ في السنة من إخبارِ النبي ﷺعن الله ـ عزّ وجل ـ فإنه لا ينطقُ عن الهوى.

معنى الودود؟ الودود له صلة بالحب والمحبة، ولذلك هذه الكلمة تدورُ على الحب، فتقولُ: وددتُ الرجلَ أي أحببته، ووددتُ الشيءَ أي أحببته، إلا أنّ هذه الكلمة تدلُ على مدلولين، تأتي على صيغةِ اسم الفاعل، واسم المفعول، أي أنها تأتي بمعنى اسم الفاعل، وتأتي بمعنى اسم المفعول، فودود فعول هي صيغة واحدة، لكن فعول تأتي بمعنى فاعل، وتأتي بمعنى مفعول، فهي تأتي بمعنى محب، وتـأتي بمعنى محبوب، فـ[الودود] بمعنى فاعل هو الّذي يحبُّ أنبياءه، وعباده الصالحين، ويحبُّ العمل الصالح، ويحبُّ ما أخبرَ في كتابه أنه يحبه من خلقِه، وأمره، وشرعه.

أمّا [ودود] بمعنى مفعول فهذا لأنه محبوب ـ جلّ في علاه ـ فهو الّذي يحبه أولياؤه، ويحبه عباده الصالحون، ويحبه المتقون العارفون به، ولهذا يقول ابن القيّم-رحمه الله- عندما ذكرَ هذا الاسم في نونيته:

وهو الودود يحبُّهم ويحبُّه*** أحبابه والفضل للمنّانِ

يحبّهم الله يحبّ أولياءه

وهو الودود يحبُّهم ويحبُّه*** أحبابه والفضل للمنّانِ

وهو الّذي جعلَ المحبةَ في*** قلوبهمُ وجازاهم بحبٍّ ثانِ

فالودود هو المحب لأوليائه، وعباده الصالحين، والودود هو المحبوب جلّ في علاه، الّذي يحبُه عباده الصالحون، المؤمنون به.

هذا الاسم العظيم في القرآن الكريم وَرَدَ مقترناً بالغفور، وورَدَ مقترناً بالرحيم، ففي قوله جلّ وعلا: {واستغفروا ربكم ثمّ توبوا إليه إنّ ربي رحيمٌ ودود}[هود: 89]  قرَنَ[الودود] بالرحيم؛ لأن ذلكَ من مقتضياتِ رحمته، أن يُحبَّ عباده ـ جلّ في علاه ـ ومحبةُ الله ـ تعالى ـ لعباده بها يبلغونَ العلا والمنازل الرفيعة، فإنّ الشأنَ أن يحبّكَ الله ـ جلّ في علاه ـ ومن أحبه الله رفعه، وأعلى شأنه، الشاهد أنّ اقتران الرحمةِ بالودّ، لأنّ ودَّ الله ـ تعالى ـ لمَن يَودّهم، لمَن يحبهم من عباده، إنّما ذلكَ بمقتضى رحمته، هو الّذي يتفضل عليهم ـ جلّ وعلا ـ بأن يجعل في قلوبهم محبته، ثمّ يُجازيهم على هذه المودةَ التي جعلها في قلوبهم، المحبة التي جعلها في قلوبهم، يجازيهم بأنه يحبّهم، كما قال:

وهو الّذي جعلَ المحبةَ في*** قلوبهمُ وجازاهم بحبٍّ ثانِ

وهو حُبّ الله ـ تعالى ـ لعباده، هذا كله من رحمته ـ جلّ في علاه ـ اقترن أيضاً باسم [الغفور] كما في قوله جلّ وعلا: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج: 12: 14]  هنا لفتة بليغة أنّ الله ـ تعالى ـ ذَكرَ هذا الوصف في مقام المغفرة، ذلكَ أنّ كلَ تائبٍ ينالُ بفضلِ الله ورحمته، محبّةَ ربِّ العالمين، ألم يقل الله ـ تعالى ـ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة: 222]  فاقتران المغفرة بالودّ؛ لأنّ الله ـ تعالى ـ إذا غَفرَ للعبد، وتاب عليه، أحبّه ـ جلّ في علاه ـ فهذه بشارة لكل من تابَ وأنابَ أنّ الله يغفرُ له ذنوبه، ثمّ إنه يبلّغه ـ جلّ وعلا ـ منزلة المحبة، يحبّه ـ سبحانه وبحمده ـ ومنزلة المحبة منزلة سامقة، ومنزلة عالية، إذا بلغها العبد فقد أمِنَ من كل شر، لأنها درجةُ الولاية التي بها يدركُ أمن الدنيا، وفوز الآخرة، فإنّ الله ـ عزّ وجل ـ يدافعُ عن أولياءه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج: 38] وهم الّذين أحبوه، كما قال ـ تعالى ـ: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة: 54] فإذا أحبّ الله ـ تعالى ـ عبداً تولاه، وعصمه من السوءِ والشر، ووصله إلى كلِ برٍ وخير، وحفظه من بينِ يده ومن خلفه، وهذه مرتبة عليا ينالها في الدنيا، أولئِكَ المحبون كما ينالها في الآخرة، بفضلِ الله وعطائه، بالنظر إلى وجهه الكريم، وتبليغه أعلى المنازل في جناتِ النعيم، نسأل الله من فضله.

إنّ المحبة الحقيقية لا تُدرك بالأماني، محبةُ الله ـ تعالى ـ لا تدرك بالأماني، بل لا بدّ من عملٍ يصدق به العبد مع الله، لينَالَ حبّه ـ جلّ في علاه ـ ولهذا يقول ـ جلّ وعلا ـ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران: 31]  فجعلَ الله اتباع النبي ﷺ، والسير على هَديه، والموافقة لشرعه، طريقاً لتحصيلِ محبته، لتحصيلِ هذا الوصف الّذي أخبرَ به في قوله ـ جلّ وعلا ـ: {إنّ ربي رحيمٌ ودود}[هود: 89] فمن أرادَ أن يفوزَ بمغفرةِ الله ـ تعالى ـ ورحمته، ومحبته، فليبادر إلى اتباع سنة نبيه ﷺ، فكل الخير في اتباع سنة النبي ﷺ، وقد شمِلت سنة النبي ﷺأمرين، اتباعُ النبي يتحقق بأمرين: بفعل الواجبات التي فرضها، وترك المحرمات التي نَهى عنها، كما يتحقق بالمسابقة، والمسارعة في ألوان الخيرات، وصنوف المبرّات، لهذا جاء في الحديث الصحيح، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في البخاري، أنّ النبي ﷺ، قال: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) الولي هو المحبوب، من آذى لي محبوباً فقد آذنته بالحرب، أو من آذى لي محباً فقد آذنته بالحرب.

طيب كيف تُحصِّل هذه المحبة؟! يقول النبي : (وما تقرّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممّا افترضته عليه) هذا هو الطريق الأول، وهذا هو الشرط الأول، والعتبة الأولى التي بها تبلغُ درجة المحبة، أن تتقرّب إلى الله بما فرضه عليك، من الواجباتِ فعلاً، ومن المنهياتِ تركاً، ثمّ بعد ذلك: (ولا يزالُ عبدي يتقرّبُ إليَّ بالنوافل) أنواع الطاعات، والقربات، من سائرِ المسنونات، والمشروعات المستحبات: (حتى أحبه) حتى يُحبّكَ الله ـ تعالى ـ فإذا أحبه الله ـ تعالى ـ تولاه، بَلغَ منزلة عليا في الدنيا قبل الآخرة، فإذا أحببته فازَ بالمعيّة: (كنتُ سمعه الّذي يسمعُ به، وبصرهُ الّذي يبصرُ به، ويده التي يبطشُ بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن استعاذني لأعيذنّه) إن طَلبَ مني الحماية، واعتصمَ بي، فله العصمة، والحماية: (ولئن استنصرني) إن طلبَ منّي العون، والنصر، والظفر على أحد: (لأنصُرنّه)صحيح البخاري (6502) هكذا يكونُ المحبوب عند الله ـ عزّ وجل ـ بهذه المنزلة في الدنيا، فكيف يكونُ في الآخرة؟ إنها كما قال النبيُ ، في الحديث الإلهي: "أعددتُ لعبادي الصالحين، ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم {فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفيَ لهم من قرّةِ أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون}[السجدة: 17]"صحيح البخاري (3244)، وصحيح مسلم (189) إذاً طريق تحصيل المحبة، طريق تحصيل الولاية التي بها يدركُ العبد معنى [الودود] وهو أن يحبه الله ـ تعالى ـ هو أن يحبّ الله، فأحِب الله يحبُكَ الله ـ جلّ وعلا ـ ومحبة الله ليست دعوى كما ذكرت، بل هي عملٌ، وصدقٌ في الظاهرِ والباطن، يدركُ به العبدُ فضلَ الله ـ تعالى ـ وعطاءه وينالُ إحسانه وبرّه، فليصدق المؤمنُ في حبّه لله، سيصدقه الله ـ تعالى ـ في الجزاء: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}[مريم: 96] فمن أرادَ أن يفوزَ بفضلِ الله الّذي تضمنه اسمه [الودود] فليحبَّ الله، وليجتهد بهذين الوصفين: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} فآمِن بالله في قبولِ أخباره، وأخبارِ رسوله ، وما جاءت به الرسل، ثم اجتهد في العمل الصالح، بكل أوجهه، واجبه ومستحبه، كما جاءَ في حديثِ أبي هريرة، وأبشِر إذا حققت هذين الأمرين، صلاح الباطن بالإيمان، وصلاح الظاهر بالعمل الصالح، كان ذلكَ مبلّغاً لكَ درجةً الودّ، فسيجعل الله لكَ وُدّا، وهو الّذي يُحبُّك: وإذا أحبك سيدعو جبريل في السماء، (يا جبريل: إني أُحبُ فلاناً فأحبه، فينادي جبريل في أهلِ السماء، إنّ الله يحبُّ فلاناً فأحبُّوه)صحيح مسلم (2637) فيوضعُ لك القبول في الأرض والقبول هو قبول عباد الله الصالحين، وهو محبةُ الله التي يقذفها في قلوبِ عباده، دونَ صُنعٍ منك، دون سبب، لا لمالٍ يرجونه منك، ولا لجاهٍ عندك، ولا لشيءٍ يكونُ ممّا يطمّع الناس فيما عندكَ، فيحبونكَ لأجله، إنما يحبونكَ لله: (أوثقُ عُرى الإيمان الحبُّ في الله، والبغضُ في الله)مسند أحمد (18524) اللهم ألهمنا رُشدنا، وقنا شر أنفسنا، وارزقنا صدقَ محبتك، والإقبالِ عليك، واجعلنا من خاصَّتك، وأوليائك، وحزبك، يا ذا الجلالِ والإكرام، وإلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم "فادعوه بها" استودعكم الله الّذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... 

المادة السابقة

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات89973 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات86967 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف