السُّؤالُ: ما حُكْمُ زَكاةِ الحُلِيِّ؟
الجوابُ: الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُباركًا فِيهِ، وَأُصَلِّي وأُسَلِّمُ عَلَى المبْعُوثِ رَحْمَةً لِلعالمينَ نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ،
فَزكاةُ الحُلِيِّ مِنَ المسائِلِ الَّتي يَكٍْثُرُ السُّؤالُ عَنْها، وَالمقْصُودُ بِالحُلِيِّ ما أُعِدَّ لِلِبْسٍ، فَالحُلِيُّ وَهُوَ ما تَتَزَيَّنُ بِهِ المرْأَةُ، وَهُوَ نَوْعانِ:
نَوْعٌ ما أُعِدَّ لِلِبْسٍ، وَهَيَّأَتْهُ المرْأَةُ لِلبْسِهِ وَلَوْ تَباعَدْتَ مُدَّةِ اللَّبْسِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لا تَلْبَسُهُ إِلَّا في مُناسَباتٍ مُتباعِدَةٍ، فَهَذا قَسَمٌ.
القِسْمُ الثَّاني مِنْ حُلِيِّ النِّساءِ، وَمِمَّا تَتَزَيَّنُ بِهِ المرأَةُ: هُوَ ما اقْتَنَتْهُ المرأَةُ، إِمَّا أُهْدِيَ إِلَيْها، أَوْ ما اقْتَنَتْهُ ثُمَّ غَيَّرَتْ نِيَّتَها بِأَنْ جَعَلَتْهُ مُدَّخَرًا، هَذا النَّوْعُ الثَّاني مِنَ الحُلِيِّ، وَهُوَ ما أُهْدِيَ إِلَيْها، أَوْ ما طالَتْ مُدَّةُ اسْتِعْمالِهِ، ثُمَّ رَأَتْ أَلَّا تَتَحَلَّى بِهِ، إِنَّما تَحْفَظُهُ، وَمَتَى شاءَتْ بِاعَتْهُ، اسْتَفادَتْ مِنْ ثَمَنِهِ، إِنَّما هُوَ مالٌ مُدَّخَرٌ.
وَنَبْدَأُ بِالنَّوْعِ الثَّاني لأَنَّهُ أَسْهَلُ في حَسْمِ الخِلافِ، وَهُوَ حُلِيُّ المرأَةِ الَّتي أَعَدَتّْهُ لِلادِّخارِ، وَلم تُعِدَّهُ لِلُبْسٍ احْتَفَظَتْ بِهِ لِلادِّخارِ، احْتَفَظَتْ بِهِ لِلأَيَّامِ، فَهِيَ لا تَلْبَسُهُ، وَلا تَتَحَلَّى بِهِ، هَذا تَجِبُ زَكاتُهُ بِالاتِّفاقِ؛ لأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ الَّتي أَوْجَبَ اللهُ الزَّكاةَ فِيها، في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ} سورة: التوبة، الآية (34-35) وَسائِرُ الأَدِلَّةِ الَّتي في السُّنَّةِ، الَّتي تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكاةِ في الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ إِذا بَلَغَ نِصابًا.
إذًا: الذَّهَبُ وَلَوْ كانَ حُلِيًا لا تَلْبَسُهُ المرأَةُ، وَلا تَتَزَيَّنُ بِهِ، وَلا تَسْتَعْمِلُهُ، إِنَّما ادَّخَرَتْهُ وَحَفِظَتْهُ، هَذا تَجِبُ زَكاتُهُ إِذا بَلَغَ نِصابًا، وَنِصابُ الذَّهَبِ (خَمْسَةٌ وَثَمانُونَ غِراما) بِالقِياسِ المعاصِرِ.
وأَمَّا الفِضَّةُ(فَخُمْسمائَةٍ وَخَمْسٍ وَتِسْعِينَ غِراما) لِلقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكاةُ مِنَ الفِضَّةِ، وَغالِبِ ما يَتَزَيَّنُ بِهِ النَّاسُ اليَوْمَ، وَيَتَحَلَّوْنَ بِهِ هُوَ الحُلِيُّ مِنَ الذَّهَبِ.
أَمَّا القِسْمُ الأَوَّلُ:وَهُو ما أُعِدَّ لِلِّبْسِ، وَلَوْ تَباعَدَتْ مُدَّةُ لُبْسِهِ، فَهذا زكاتُهُ لِلعُلَماءِ فِيها قَوْلانِ:
ذَهَبَ جُمْهورُ العُلَماءِ إِلَى أَنَّهُ لا زَكاةَ فِيها، وَجُمْهُورُ العُلَماءِ هُنا هُمْ أَصْحابُ المذاهِبِ المشْهُورَةِ في الغالِبِ، وَهُمْ مَذْهَبُ مالِكٍ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، رَحِمَهُمُ اللهُ جَمِيعًا، كُلُّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ لا تَجِبُ زَكاةٌ في الحُلِيِّ المعَدِّ لِلزِّينَةِ النوادِرُ لِلقَيْرَوانِيِّ (1/111)، وَالأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ (3/104)، والمسَتَوْعِبِ لِنُصَيْرِ الدِّينِ الحنْبَلِيِّ (1/367).
وَذَهَبَ الإِمامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ، وَهَذا هُوَ القَوْلُ الثَّانِي، إِلَى وُجُوبِ الزَّكاةِ فِيما أَعَدَّتْهُ المرأَةُ مِنَ الذَّهَبِ لِلحُلِيِّ، فَأَوْجَبَ فِيهِ الزَّكاةَ الحُجَّةُ عَلَى أَهْلِ المدِينَةِ لِلشَّيْبانِيِّ (1/448)، والمبْسُوطِ لِلسَّرَخْسِيِّ (2/192).
وَهَذان َقَوْلانِ، وَعِنْدَما نَسْمَعُ قَوْلَيْنِ، فَنَحْنُ نَحْتاجُ إِلَى أَنْ نَعْرِفَ ما دَلِيلُ هَؤُلاءِ، وَما دَلِيلُ هَؤُلاءِ، لِنَتوَصَّلَ مِنْ خِلالِ مَعْرِفَةِ الأَدِلَّةِ، وَالمناقَشَةِ الوارِدَةِ عَلَيْها، ما هُوَ الرَّاجِحُ.
وَالمسْأَلَةُ مِنْ حَيْثُ التَّشْعِيبُ فِيها تَفْصِيلٌ، ذكرُهُ العُلَماءُ، وأَدِلَّةُ ذَلِكَ، وَالمناقَشاتُ الوارَدَةُ عَلَيْها، لَكِنَّنا سَنَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى الإِشارَةِ إِلَى أَنَّ الَّذِينَ قالُوا بِوُجُوبِ الزكاةِ في الحُلِيِّ المعَدِّ لِلزِّينَةِ، وَالفِضَّةِ المعدَّةِ لِلزِّينَةِ، اسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الآياتِ الوارِدَةِ في وُجُوبِ الزَّكاةِ، كَقَوْلِهِ تَعالَى : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} سورة: التوبة، الآية (34) وأَمْثالهِ مِنَ النُّصُوصِ عَدِيدَةٌ.
أَمَّا الأَدِلَّةُ الخاصَّةُ فَأَبْرَزُ ما اسْتَدَلَّ بِهِ هَؤُلاءِ العُلَماءُ، ما رَواهُ أَصْحابُ السُّنَنِ، وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا: «أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟»، قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟»، قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ. سُنَنُ أَبِي دَاوُد: بابُ الكنْزِ ما هُوَ؟ وَزَكاةُ الحُلِيِّ، حَدِيثُ رَقَم (1563)
فَتَصَدَّقَتْ بِهذا الذَّهَبِ الغَلِيظِ الَّذِي كانَ في يَدَيِ المرأَةِ، وَهَذا الحَدِيثُ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مَنْ تَكَلَّمَ في إِسْنادِهِ، وَالصَّوابُ أَنَّ الحَدِيثَ إِسْنادُهُ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ لأَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، المتَخَصَّصِينَ بِالأَحادِيثِ، يرَوْنَ صِحَّةَ الحَدِيثِ، لَكِنْ هُناكَ مُناقَشَةٌ قَدْ وَرَدَتْ عَلَى دِلالَةِ الحدِيثِ:
أَوَّلا:أَنَّ المسكَتَيْنِ قَدْ لا يَصِلانِ إِلَى هَذا القَدْرِ خَمْسَةٍ وَثمانِينَ غِراما، وَهَذا احْتِمالٌ، مَعَ أَنَّ الاحْتِمالاتِ العَقْلِيَّةَ لا تَرِدُ عَلَى النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَكِنَّ الَّذي أَوْرَدَهُ هُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ، وَهُنا أَمْرٌ غالِبٌ يَسْتَحْضِرُ، وَهُوَ أَنهُ يَبْعُدُ أَنْ تَتَزَيَّنَ المرأَةُ لاسِيَّما أَنَّها جاريةٌ صَغِيرةٌ بِهذا المقْدارِ في يَدَيْها، هَذا أَمْرٌ.
الأَمْرُ الثَّاني:أَنَّها أَخْرَجَتْها كُلَّها، وَلَوْ كانَ الواجِبُ بَعْضَ ذَلِكَ، لما قَبِلَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ دُونَ بَيانٍ، بَلْ لَقالَ لَها إِنَّما يَجِبُ عَلَيْكِ رُبْعُ العُشْرِ، كَما هُوَ الشَّأْنُ في سائِرِ الذَّهْبِ، عَلَى القَوْلِ بِوُجُوبِ الزَّكاةِ في الذَّهَبِ الَّذِي تَسْتَعْمِلُهُ المرأَةُ لِلتَّزيُّنِ، فَأَوْرَدُوا عَلَى هَذا الحَدِيثِ مُناقَشاتٍ.
أَمَّا القَوْلُ الثَّانِي:فَأَدِلَّتُهُمْ أَنَّهُ لمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيءءٌ صَرِيحٌ في وُجُوبِ زَكاةِ الذَّهِبِ المعَدِّ لِلزِّينَةِ، وَأَنَّ المقْصُودَ مِنَ الزَّكاةِ هُوَ المالُ النَّامِي، أَمَّا ما يَمْلِكُهُ الإِنْسانُ لِلاسْتِعْمالِ الشَّخْصِيِّ، فَقَدْ قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ «لَيْسَ عَلَى المسْلِمِ صَدَقِةٍ في عَبْدِهِ وَلا في فَرِسِهِ» سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ: بابُ الكنْزِ ما هُوَ؟ وَزَكاةُ الحُلِيِّ، حَدِيثُ رَقم (1563). أي لَيْسَ عَلَيْهِ زَكاةٌ في عَبْدِهِ، وَلا في فَرَسِهِ أَيْ الأَشْياءُ الَّتي يَمْتَلِكُها الإِنْسانُ، وَيَقْتَنِيها اقْتِناءً شَخْصِيًّا.
واسْتَدَلُّوا أَيْضًا بما جاءَ عنْ عائِشَةَ، وَعَنْ أَسْماءَ، وَعَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، أَنَّهُ لا زَكاةَ فِيما تُعِدُّهُ المرأَةُ مِنَ الحلِيِّ.
هَذانِ قَوْلانِ وَاخْتارَ القَوْلَ بِالوُجُوبِ جَماعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَاخْتارَ القَوْلَ بِعَدَمِ الوُجُوبِ جَماعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، لَكِنْ نَحْنُ إِلَى أَيِّ القَوْلَيْنِ نَنْحازُ؟ أَوْ نَأْخُذُ بِأَيِّ القَوْلَيْنِ؟
هُنا نَقُولُ الاحْتِياطُ أَنْ تُخْرِجَ المرأَةُ زَكاةَ الحُلِيِّ، وَهُو نافِعٌ لَها، سَواءٌ كانَ زَكاًة، أو كانَ صَدَقَةً.
بِالنَّظَرِ إِلَى القَوْلَيْنِ بِالأَدِلَّةِ، قَدْ لا يُطِيقُ ذَلِكَ أَكْثَرُ النَّاسِ، لَكِنْ بِالنَّظَرِ إِلَى القائِلِينَ قَدْ يَمِيلُ الإِنْسانُ إِلَى قَوْلِ الجُمْهُورِ بِحُكْمِ أَنَّ الجُمْهُورَ أَقْرَبُ إِلَى الصَّوابِ غالِبًا، وَقَدْ يَقُولُ قائِلٌ بَلْ هُنا نَصٌّ واضِحٌ وَبَيَّنَ، في أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأَلَ: «أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا؟»، قَالَتْ: لَا، قَالَ: «أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟» قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم» صَحِيحُ البُخارِيِّ: بابُ لَيْسَ عَلَى المسْلِمِ في عَبْدِهِ صَدَقَهٌ، حَدِيثُ رقم (1464) فَهُنا الزَّكاةُ دَلِيلُها ظاهِرٌ بِإِسْنادٍ جَيِّدٍ صَحِيحٍ، فَأَسِيرُ إِلَى هَذا القَوْلِ.
إِذا تَرَجَّحَ لَكَ أَحَدُ القَوْلَيْنِ، فَسر إِلَيْهِ، إِذا لمْ يَتَرَجَّحْ لَكَ قَوْلٌ، فالأَصْلُ أَنَّهُ لا تَجِبُ في الذَّهَبِ زَكاةٌ، حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكاةِ فِيهِ.
وَاللهُ تَعالَى أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ.