الشيخُ: مِن هذه الأموالِ قالَ اللهُ ـ تعالَى ـ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ﴾[التوبة: 60] هذه ثمانيةُ أصنافٍ ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾[التوبة: 60] أي: صرْفُها في هذه الأصنافِ الثمانيةِ ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[التوبة: 60] فيما يُشرَعُ وفيما يَقضي جلَّ في عُلاه –سبحانَه وبحمدِه- فهذا الصرفُ وهذا التحديدُ ناشيءٌ عَن علمٍ وحكمةٍ مِنَ العليمِ الحكيمِ جلَّ في عُلاه.
فلا يجوز ُلأحدٍ أنْ يصرفَ الزكاةُ في غيرِ هؤلاء الذينَ نصَّ اللهُ علَيهم، وهذا محلُّ اتفاقٍ بينَ أهلِ العلمِ، وأما الصدقةُ وهي ما يخرجُه الإنسانُ مِن غيرِ الزكاةِ الواجبةِ سواءٌ كانَ ذلكَ في طعامٍ أو شرابٍ أو كانَ ذلكَ في لباسٍ أو كانَ ذلكَ في نقودٍ أو كانَ ذلكَ في عقارٍ في كلِّ أنواعِ المالِ، فهذا فضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَن يشاءُ، وأما مصرِفُه فليسَ له مصرفٌ محددٌ، بمعنَى أنهُ يجوزُ أنْ يصرفَ هذه في الغنيِّ والفقيرِ وفي الإنسِ والحيوانِ وفي المسلمِ وغيرِ المسلمِ، كلُّ هذا مما يجوزُ صرفُ المالِ فيهِ، لكنْ هُناك قاعدةٌ يَنبغي أنْ تلاحَظَ ليعظمَ الأجرُ في الإنفاقِ، ألَا وهي ما قالَه النبيُّ -صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- «في كلِّ كبدٍ رَطِبةٍ أجْرٌ» لمَّا قالوا: «فقالوا: يا رسولَ اللهِ، وإن لنا في البهائِمِ لأجرًا؟ فقالَ:في كلِّ كبدٍ رَطِبةٍ أجْرٌ»صحيح البخاري (2363)، وصحيح مسلم (2244) ولكنَّ هذا الأجرَ متفاوتٌ وليسَ على درجةٍ واحدةٍ، فقدْ يكونُ الأجرُ الحسنةَ فيه كما بينَ السماءِ والأرضِ في الفضلِ والرجحانِ.
ولذلكَ ينبغي أنْ يتخيرَ الإنسانُ مواطنَ إنفاقِه ومواضعَ بَذلِه، وألَّا يجعلَ هذا المالَ يخرجُ هكذا مِن غيرِ طلبٍ للأنفعِ والأعظمِ أجرًا؛ ولذلكَ اختلفَ العلماءُ ـ رحِمَهم اللهُ ـ في ذكرِ المعاييرِ التي بها تفضلُ هذه الأموالُ، فقالَ بعضُهم بعدَ الاتفاقِ على أنَّ المؤثرَ الأكبرَ هو ما في القلبِ مِن قصدٍ ونيةٍ، فإذا عظُمَ القصدُ والرغبةُ فيما عندَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- كانَ هذا قاسمًا مُشترَكًا في جميعِ أوجهِ الإنفاقِ، بمعنَى أنهُ هذا.. لا يقبلُ اللهُ صدقةً قُصدَ بها غيرُ وَجهِه إنما يتقبلُ اللهُ ما كانَ خالصًا وابتُغيَ به وجهُه، فلا بُدَّ مِنَ العنايةِ بإخلاصِ القصدِ وحسنِ الإرادةِ فيما يَبذلُه الإنسانُ، فإنَّ هذا يعظمُ به الأجرُ وأعلَى ما يكونُ ألَّا يكونَ لهُ قصدٌ في إنفاقِه ولا في أوجهِ الإنفاقِ، يعني في أصلِ الإنفاقِ والإخراجِ ولا في أوجِه الإنفاقِ ألَّا يكونَ لهُ قصدٌ إلا أنْ يطلبَ رِضى اللهِ ـ جلَّ في عُلاه ـ عندَ ذلك تَعلو المراتبُ، عندَ ذلكَ ترتفعُ المنازلُ، عندَ ذلكَ يبلغُ الإنسانُ الغايةَ في الثوابِ والأجرِ مِن حيثُ النيةُ والقصدُ، قالَ اللهُ ـ تعالى ـ في وَصفِ الأبرارِ الذين وعدَهم فضلًا عظيمًا وأجرًا كبيرًا، قالَ: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾[الإنسان: 9] أيُّ مكافأةٍ على هذا الإحسانِ والإطعامِ ولا حتى المجازاةُ اللفظيةُ بالشكرِ لا ينتظرونَها فهم لا ينتظِرونَ شكرًا عمليًّا بالمكافأةِ ولا قوليًّا بقولِ حتى شُكرًا لا ينتظِرونَه؛ لأنهم ينتظرونَ ثوابَ ذلك مِنَ اللهِ ـ جلَّ في عُلاه ـ الذي يُعطي على القليلِ الكثيرَ فرُبَّ ريالٍ خرجَ بنيةٍ صادقةٍ كانَ في الميزانِ أثقلَ مِن مليارٍ لم يوافِقْه صلاحُ نيةٍ وحسنُ قصدٍ.
لهذا المنطلقُ بعدَ حسنِ النيةِ هو الأنفعُ في أوجهِ الإنفاقِ، مَن كانَ أنفقَ كان أجرُه أعظمَ، لكنَّ الأساسَ الذي يُبنَى عَليهِ هو حُسنُ القصدِ فيما يطلبُ الإنسانُ مِن هذه الأموالِ، أما بعدَ ذلكَ فهو الأنفعُ، الأنفعُ قد يكونُ في زمانِ الكوارثِ وفي زمانِ المجاعاتِ وإغاثةِ الملهوفين وإطعامِهم، في زمنِ الجهلِ كزمنِنا هذا التعليمُ ونشْرُ العلمِ الشرعيِّ بشتَّى الوسائلِ.
وأنا أقولُ لإخواني وأخواتي: مِنَ الضروريِّ أنْ نفقَهَ كيفَ ننفقُ أموالَنا؟ وألَّا تكونَ هذه الأموالُ نخرجُها هكذا دونَ نظرٍ، الريالُ الذي تصرفُه ينبغي أنْ تتحرَّى موضعَه، أنا لا أقولُ أنْ نشُحَّ ونُمسكَ بالأموالِ؛ لكنْ أن نتخيرَ أينَ نضعُ هذه الأموالَ، هو المطلوبُ أنْ نتخيرَ أينَ نضعُ هذه الأموالَ؟ هذه النمطيةُ في الإنفاقِ عندَ كثيرٍ مِنَ الناسِ، كثيرٌ مِنَ الناسِ يقولُ: عندَكم مسجدٌ؟ .. هذا مالٌ، عندَكم بئرٌ نحفرُه؟ هذا مالٌ، لكنْ لو تقولُ له عندَنا مركزٌ فيهِ طلبةُ علمٍ يتعلَّمونَ، عندَنا معهدٌ لتعليمِ الفقراءِ الذين لا يستطيعونَ التعلمَ سواءٌ في علومِ الدينِ أو في علومِ الدنيا التي تنفعُهم وتُغنيهم في المراكزِ والمصانعِ والمعاهدِ، عندَنا وقفٌ على مشروعٍ علميٍّ على قناةٍ علميةٍ على طباعةِ كتبٍ على طباعةِ مصاحفِ على كفالةِ دعاةٍ على كفالةِ طلبةِ علمٍ على تيسيرِ منَحِ دراسيةٍ حتى في التخصصاتِ غيرِ الشرعيةِ يترددُ ويتلكأُ ويبدأُ يفكرُ كأنما سيُقدِمُ على أمرٍ مجهولٍ لماذا؟ لأنه إحنا تعوَّدْنا إنه في الإنفاقِ دائمًا نريدُ أنْ نرَى هذا المسجدَ ونكتبَ عليهِ هذا المسجدُ بنفقةِ المرحومِ فلانِ الفلانيِّ أو بنفقةِ المحسنِ فلانِ الفلانيِّ أنا لا أُشكِّكُ في النوايا، النوايا ما يمكنُ أنْ يقفَ عليها إلَّا ربُّ السرائرِ اللهُ جلَّ في عُلاه.
ولعلَّ هؤلاءِ أرجو أن يكونَ أكثرُهم على خيرٍ، لكن أنا لا أتكلمُ عَن كتابةِ اسمٍ أو عدمِ كتابتِه حتى لو لم يُكتبِ الاسمُ، لكن نحن دائمًا في إنفاقِنا ونفقاتِنا نريدُ شيئًا ملموسًا حتى في الصدقةِ نريدُ مسجدًا نراهُ ونشوف الناسَ داخلينَ وخارجين تنشرحُ لو كانوا ما يدخلُ إلا واحدٌ أو ما يدخلُ إلا اثنانِ أو ثلاثةٌ أو مجموعةٌ قليلةٌ المهمُّ أنهُ مسجدٌ هذا مُشاهَدٌ، تُبنَى مساجدُ في بعضِ الأحياءِ في أماكنَ مكتظةٍ بالمساجدِ فتجدُ في كلِّ مسجدٍ ثلاثةً أربعةً مِن الناسِ في بعضِ البلدانِ هذا غلطٌ، يعني هؤلاءِ لو اجتَمَعوا في مسجدٍ ما دامَ أنهُ متقاربٌ، وهذه الأموالُ التي صُرفَتْ هنا نِصفُ مليونَ وهنا مليونَ وهُناك ثلاثةُ ملايينَ، بلْ هناك مسجدٌ أنا وقفتُ على خبرِه دُفعَ فيه أكثرُ مِن مِئتَي مليونَ ريالٍ وهذا لا يصلِّي فيهِ في كلِّ السنةِ لو جمعْتَ الذينَ يُصَلون فيهِ في كلِّ سنةٍ لا يتجاوزنَ في الفروضِ صفًّا واحدًا، هذا إذا كَثُروا في أكبرِ ما يكونُ، هذا نوعٌ مِن عدمِ الترشيدِ في الإنفاقِ، ثقافةُ أينَ أضعُ المالَ أنا الآنَ تاجرٌ وهذا نشهدُه مِنَ التجارِ أصحابِ الأموالِ عندَما يريدُ أنْ يستثمرَ يرى أيَّ تجارةٍ تأتي له بريالٍ ريالينِ يضعُها فيه ولا يبحثُ عَنِ الأعلَى جدوَى اقتصاديًا، وبالعكسِ تجدُه قبلَ أنْ يُقدِمَ على المشروعِ ماذا يصنعُ؟ يروح يدور أينَ مواطنُ الربحِ وبعضُهم يكلفُ بيوتَ خبرةٍ لبحثِ الجدوَى الاقتصاديةِ ومدَى نفعِ مثلِ هذا المشروعِ.
ثُم بعدَ ذلكَ، بعدَ هذه الدراساتِ يقدمُ يضعُ المالُ هُنا أو لا طيب نحنُ نَبني في الدارِ الآخرةِ، نبني ونشيدُ الآنَ نحنُ نبني دورَنا التي سنسكنُها بعدَ مماتِنا، فهلا نظرْنا في هذه الدورِ وبذَلْنا جهدَنا في أنْ تكونَ هذه الدورُ على أكملِ ما يكونُ مِن حسنِ البناءِ وجودةِ الاختيارِ وعظيمِ الأجرِ والثوابِ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- أدعو نفسي وإخواني أصحابَ الأموالِ، وكلَّ مَن عندَه مالٌ يريدُ أنْ يتبرعَ به أن يفكِّرَ أينَ يضعُ مالَه، قدْ يقولُ قائلٌ: واللهِ أنا محتارٌ كثيرًا، الموضوع صعبٌ عَلَينا، لا ليسَ الأمرُ صعبًا، اسأَلْ، وابحثْ وجوابٌ عامٌّ أنهُ أفضلُ أوجهِ الإنفاقِ اليومَ هو ما كانَ في سدِّ حاجةِ الناسِ في العلومِ الشرعيةِ.
يقولُ قائلٌ: يا أخي عندَنا مصاحفُ، نحن لا نتكلمُ عَن مصاحفَ، أنت عندَك مصحفٌ؟ نعم لكن ألَا نرَى أولئك الذين لا يجِدونَ إلَّا مصاحفَ مهترئةً محترقةً مقطَّعةً ممزقةً يقرأونَ فيها، هؤلاء رأَيْناهم بأعينِنا لم نُخبَرْ بهم، رأيناهم بأعينِنا وشاهدَهمُ الناسُ عبرَ التصويرِ الناقلِ لأحوالِهم، ثلاثونَ نفسٍ تجتمعُ في غرفةٍ أربعةٍ في أربعةٍ، هؤلاءِ أليسوا حَريِّينَ بأنْ يكونَ لهم مدارسُ جيدةٌ تحفظُ الحدَّ الأدنَى لا نقولُ الترفيهَ، لكنَّ الحدَّ الأدنَى، يا أخي واللهِ رأيتُ مشهدًا لمدرسةٍ في إثيوبيا المدرسُ متكأٌ على شجرةٍ وعندَه أكثرُ مِن ثلاثمائةِ طالبٍ تقريبًا، جمعٌ كبيرٌ متظللٌ بمظلةٍ تحتَ الشمسِ يدرُسونَ ويَقرأونَ ويتعلمونَ ليسَ لهم ما يُكنُّهم مِن مطرٍ ولا ما يضلُّهم مِن شمسٍ هكذا يتعلمونَ، وهذه ليستْ حالةً فرديةً، هذه حالةٌ كبيرةٌ وكثيرةٌ.
لذلكَ مِنَ الضروريِّ أن نصرفَ الأموالَ، الآنَ بعضُ الدوَلِ التي تسعَى لكسبِ النفوذِ في العالمِ الإسلاميِّ كإيرانَ مثلًا في تصديرِها لثورتِها وولايةِ الفقيهِ للعالمِ الإسلاميِّ تصرفُ أموالًا طائلةً مِنَ الحوزاتِ، أو مِنَ الجهاتِ الحكوميةِ لنشرِ مذهبِهم ونشرِ عقائدِهم وبناءِ أفخمِ ما يستطيعونَ مِنَ المساجدِ، يعني البرازيلُ على سبيلِ المثالِ، البرازيلُ بلدٌ فيها عددٌ كبيرٌ مِنَ المسلمين، لمَّا زارَ أحدُ طلابِنا البرازيلَ قبلَ ثلاثِ أسابيعَ سألْتُه أوجدتُم مسجدًا في العاصمةِ لا أتكلمُ عَنِ الأطرافِ، قالَ ما في مسجدٍ لأهلِ السنةِ هُناك مسجدٌ كبيرٌ بنتْهُ إيرانُ، ومعلومٌ أنَّ إيرانَ تخلطُ الدينَ بالسياسةِ وتخلطُ الدينَ بالصفويةِ وتجعلُ محبةَ آلِ البيتِ تقدمُه لترويجِ وتسويقِ ما يُريدونَ مِن مخططاتٍ وما يدبِّرونه مِن تدبيراتٍ.
المقصودُ يعني نحنُ نحتاجُ إلى أنْ نصرفَ في الجانبِ العلميِّ، نحتاجُ إلى أنْ نعلِّمَ الناسَ، نحتاجُ إلى أن نبذُلَ ما استطَعْنا، الريالُ لو عندَك ريالٌ أو عندكِ ريالٌ يا أختي ضَعيهِ في التعليمِ واحتسبِي الأجرَ عندَ اللهِ أنا لا أقولُ بقيةَ الأبوابِ تعطِّلُ الأبوابَ الأخرَى، لن تُعطِّلَ، الناسُ عندَهم مِنَ العاطفةِ ما يبذُلونَ لمَّا يرَوا الجوعَى لما يرونَ الفقراءَ لما في بناءِ المساجدِ، لكن هذا الجانبُ جانبٌ باهتٌ في أوجهِ الإنفاقِ لا على مستوَى الأفرادِ ولا على مستوَى أصحابِ الأموالِ.
يا أخي أصحابُ الأموالِ ما الذي يمنعُه أنْ يبنيَ وَقفًا معهدًا علميًّا ويقيمَ عليهِ مَن يقيمُ مِنَ الجهاتِ الخيريةِ حتى لا يقالَ إنّ المالَ يذهبُ مِن هُنا أو مِن هُنا أو يتسربُ لجهاتٍ، أنت يا أخي يمكنُ أن تبنيَ معهدًا علميًّا وتشرفَ عَليهِ وتدعمَه وترَى نتاجَه، أناسٌ ينشُرونَ النورَ نورَ القرآنِ ونورَ السنةِ بينَ العالَمين، دعمُ القنواتِ التي تخاطبُ الناسَ بلسانِهم، اللهُ -عزَّ وجلَّ- يقولُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[إبراهيم: 4] يا أخي الآنَ الصينُ يزيدون على مليارٍ، كمْ هي القنواتُ التي تُعرِّفُ الصينيين بالإسلامِ؟ كم هي القنواتُ؟ أنا لا أذكرُ ما أدري لا أعلمُ هل هُناك أو يوجدُ أو لا يوجد يعني المبادراتُ ضعيفةٌ لسدِّ حاجةِ الناسِ في تعليمِ الدينِ.
دَعْنا مِن غيرِ المسلمين، المسلمون أنفسُهم كم هي القنواتُ التي تخاطبُ غيرَ الناطِقينَ بالعربيةِ بلسانِهم، تُعرِّفُهم بالدينِ ولا أقولُ تعرفُهم مسائلَ الخلافِ بأصولِ الدينِ، تبدأُ قراءةَ القرآنِ وتفسيرَ القرآنِ وتوضيحَه، الأمورُ والقواسمُ التي يجتمعُ عَلَيها المسلمونَ على اختلافِ مذاهبِهم، هذه غائبةٌ في حينِ أنَّ بعضَ القنواتِ التي تَدعو للبدعةِ تجدُ عشراتِ القنواتِ إن لم تصلْ إلى مئاتِ القنواتِ تَدعو إلى شرٍّ وتسبُّ الصحابةَ وتنالُ مِنهم ـ رَضيَ اللهُ عَنهم ـ في حينِ إنه نحن غافِلونَ عَن هذا.
المقدمُ: لكنْ يا شيخُ يعني جميلٌ ما طرحتَه وما ذكرتَه يا شيخُ لكن يعني هذه الأصواتُ الآنَ مثلُ صوتِك الآنَ الذي نتحدثُ بهِ هي قدْ تكونُ يا شيخُ أصواتًا قليلةً جدًّا وأصواتًا يمكنُ أنْ أقولَ: فرديةٌ يا شيخُ يعني ما دورُ كثيرٌ مِنَ العلماءِ مِن طلبةِ العلمِ مِنَ الخطباءِ يا شيخُ لم نسمعْ مثلَ هذا الكلامِ مِنَ الخطباءِ.
الشيخُ: صحيحٌ هُناك تقصيرٌ فيما يعرفُ بثقافةِ الإنفاقِ، نحن نحتاجُ أولًا أنْ نعيدَ قناعاتِنا وترتيبَ أولوياتِنا، وما الأوجهُ التي الأمةُ بحاجةٍ إلَيها وبحاجةٍ ماسةٍ إلَيها، ثم إذا ثقَّفْنا طلبةَ العلمِ والخطباءَ وأئمةَ المساجدِ وأشَعْنا بينَهم هذا المفهومَ عندَ ذلكَ سينتقلُ هذا إلى الناسِ، لكنَّ فاقدَ الشيءِ لا يُعطيهِ عندَما يكونُ الخطيبُ غائبًا وليسَ عندَه إنفاقٌ إلَّا مِن بنَى مسجدًا بنَى اللهُ لهُ بيتًا في الجنةِ، نعمْ مَن بنَي مسجدًا بنَي اللهُ له بيتًا في الجنةِ، نؤمنُ بذلكَ؛ لكنَّ عمارةَ المساجدِ الحسيةِ لا تقارنُ بعمارتِها المعنويةِ ابْنِ مسجدًا ما يُصلي فيهِ ناسٌ، أنا أعلمُ شخصًا واحِدًا وأعرفُه باللهِ ويصلِّي حيثُ شاءَ «جُعِلَت ليَ الأرضُ مسجدًا وطَهورًا»صحيح البخاري (335)، وصحيح مسلم (521) أو ابنِ مسجدًا لا يُصلِّي فيه أحدٌ أو الجهلُ عامٌّ فيهِ وفاشٍ، انا لا آتي بصورَتينِ متباعدتَينِ، بناءُ المسجدِ مِنَ الأمورِ الطيبةِ ونحنُ بحاجةٍ إلَيها وهي ﴿بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾[النور: 36] اسمُه لا نقللُ مِن شأنِ هذا الإنفاقِ، لكن يَنبغي أنْ نوجهَ الإنفاقَ إلى أنفعِ ما يكونُ ومِن أنفعِ ما يكونُ صرفُه في العلمِ وما يتعلقُ بالعلمِ ولا يمكنُ لأحدٍ أنْ يقولَ: واللهِ ما أعرفُ ستجدَ سبيلًا مَن طلبَ شيئًا وجَدَه وقدْ قالَ: مَن جدَّ وجَدَ وقالَ الشاعرُ:
وقد تُخرِجُ الحاجَاتُ يا أُمَّ مالكٍ ... كرائِمَ مِن رَبٍّ بِهنَّ ضَنينِ
إذا اقتنعتُ أنا أنَّ هذا أفضلَ أوجهِ الإنفاقِ ليسَ أفضلَ أوجهِ الإنفاقِ للناسِ فقط، بلْ حتى في ميزانِ أعمالي يومَ القيامةِ آتي وقدْ جئتُ بأثقالٍ مِنَ الحسناتِ بسببِ هذه المشاريعِ التي قدْ يَراها الناسُ ضعيفةً ويسيرةً ولا تؤثرُ، هي تؤثرُ ولها نفعٌ وتمتدُّ وتنتشرُّ ويكتَبُ لك أجرُها ما دامَ الناسُ ينتفعونَ مِنها وهي مِنَ الصدقةِ الجاريةِ سواءٌ بقيَ المعهدُ أو لم يبقَ، لماذا؟ لأنك لمَّا تُعلَّمُ في هذا المعهدِ حديثًا أو آيةً وأنا أتعلمُ ثم أعلِّمُه غَيري وغيري يعلّمُه غيرَه هذا سيبقَى أجرُه لمن تسببَ ولهذا قالَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ- فيما رواهُ مسلمٌ مِن حديثِ أبي هُريرةَ: «إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عمَلُه إلا مِن ثلاثٍ» أولَ ما ذكرَ قالَ: «صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ ينتفعُ به، وولدٍ صالحٍ يَدعو لهُ»صحيح مسلم (1631)والعلمُ الذي يُنتفَعُ به سواءٌ كانَ مِن تعليمِك أو مِن تسببِك بالتعليمِ إما بدعمٍ ماليٍّ أو ببعثِ طلبةِ علمٍ أو كفالةِ ناسٍ يتعلَّمونَ ويُدركونَ العلومَ الشرعيةَ، وأنا قلتُها بوضوحٍ هذا في العلومِ الشرعيةِ وحتى العلومُ الأخرَى التي تحتاجُها الأمةُ مِن صناعةٍ وزراعةٍ وطبٍّ وسائرِ أنواعِ العلومِ، وإذا نظَرْنا إلى وضعِ المسلمينَ في الزمنِ السابقِ وجَدْنا أنهم قدْ ضَرَبوا في هذا مثالًا رائعًا في تعدُّدِ أوجهِ الإنفاقِ وتوسيعِ دائرةِ الإنفاقِ إلى كلِّ المجالاتِ النافعةِ للأمةِ، لكن أعلَى ذلكَ وأسمَى وأرفعُه هو الإنفاقُ في العلمِ الشرعيِّ «مَن يُردِ اللهُ به خيرًا يفقِّهْهُ في الدينِ»صحيح البخاري (71)، وصحيح مسلم (1037) ومَن يرِدِ اللهُ به خيرًا ييسِّرْ لهُ دفعَ هذا المالِ في تفقيهِ الناسِ في الدينِ فإنهُ «مَن جَهَّزَ غازِيًا، فقَدْ غَزا»صحيح البخاري (2843)، وصحيح مسلم (1895).
المقدمُ: أحسَنَ اللهُ إلَيكُم يا شيخُ وجَزاكُم خيرًا ونفعَ بما قلتُم.