×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / أمثال قرآنية / الحلقة (34) من برنامج أمثال قرآنية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة (34) من برنامج أمثال قرآنية
00:00:01

بسم الله الرحمن الرحيم. ((الحلقة الرابعة والثلاثون)) الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون. أحمده لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد. فأهلا وسهلا ومرحبا بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، نستكمل -إن شاء الله تعالى- مثلا قصه الله تعالى لرجلين في سورة الكهف. {وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا(34) ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (35) وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا}+++ سورة الكهف:34-36.---. هذا ما قصه الله تعالى من حال الرجلين، وقد جمع هذا الرجل في مقاله ثلاث سوءات كبرى، أعظمها تكذيب البعث والنشور حيث قال :{وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا}. ثانيها: العلو على الخلق والاستكبار، قال:{أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا}، فاغتر بماله وما مكنه الله تعالى منه من هذه الجنات، وهذا النعيم الذي يسره له. ثالثها: قوله في اغتراره بالدنيا وظنه دوامها:{ما أظن أن تبيد هذه أبدا}، فجاء جواب المؤمن، وهو الرجل الثاني الذي ذكره الله تعالى في هذا المثل:{واضرب لهم مثلا رجلين}. {قال له صاحبه وهو يحاوره}، وهو يراجعه ويجادله ويناقشه في تلك المقالات العظيمة، وذلك الاغترار الكبير الذي أصاب هذا الرجل بسبب تلك الجنتين اللتين ذكر الله جل وعلا. {قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا}، الله أكبر، ابتدأ في المناقشة بأخطر تلك المقالات، ابتدأ بمناقشته في أمر بالآخرة، بأمر المعاد، بأمر الحساب، في أمر يوم القيامة الذي كذبه بقوله:{وما أظن الساعة قائمة}، قال:{أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا}، فهذا من أعظم الكفر أن يكفر الإنسان بالله جل وعلا ، وأن يظن أنه لن يعود وأن يشك في قدرة القدير الملك الواحد القهار سبحانه وبحمده أن يعيد العباد، لذلك ذكره بمبدأ خلقه، وأنه كان من تراب، وأنه صار إلى نطفة ، وأنه بعد ذلك سواه على أحسن خلق، وأقوم تقويم كما قال{ ثم سواك رجلا}، أفيعجز الذي ابتدأك من تراب وعدم أن يعيدك بعد أن خلقك، إن هذا لشيء عجاب، وكفر بالله رب الأرض والسماوات جل في علاه. قال له صاحبه وهو يرده إلى الجادة، وينبه إلى خطورة الاستكبار على الخلق، والاستكبار بالمال {بالذي خلقك من تراب} ، وهو مبدأ خلق الإنسان، {ثم من نطفة}، وهي في غاية الحقارة، {ثم سواك رجلا}، أي كملك وأتاك من القدرات والقوى ما يجب أن تشكره عليها وأن تعترف بفضله عليك فيها، فهو الذي مكنك منها بدون حول منك ولا طول، ولا قوة منك ولا عمل، {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}+++ سورة النحل:78.---، أفلا يستحق من صنع ذلك أن يشكر وأن يعبد وأن يفرد وأن يجل سبحانه وبحمده. يقول جل في علاه في تتمة قول هذا الرجل العابد المؤمن لذلك الطاغية المستكبر {لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا}، وهذا بيان للفارق بين حال الإيمان، وحال أهل الكفر والطغيان. فأهل الكفر في جحود واستكبار وعلو وزهو واغترار، أما أهل الإيمان فهم أهل  طاعة وإحسان، وحسن صلة بالملك الديان رب الأرض الرحيم الرحمن جل في علاه. يقول جل وعلا في بيان مقالة المؤمن {لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا}، كائنا من كان، فإنه يستحق أن يفرد بالعبادة جل في علاه، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، ومن إفراده بالعبادة الإيمان بكل ما أخبر به جل في علاه مما يكون بعد الموت من حياة برزخية وبعث ونشور ثم مستقر في جنة أو نار. {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله}، بيان لما ينبغي  أن يكون عليه العبد الذليل، في شكر المولى القدير سبحانه وبحمده، فحثه بأسلوب لطيف، وحثه بعرض وتحضير{ولولا إذ دخلت جنتك}هذه التي غرتك{قلت ما شاء الله} قلت بقلبك ولسانك، {ما شاء الله}، هذا الذي شاءه الله، هذا الذي قدره الله، هذا الذي أنعم الله تعالى به، ما شاء الله كان، ما شاء الله يكون، ما شاء الله سيكون، فهو الذي له المشيئة النافذة سبحانه وبحمده، {لا قوة إلا بالله}، أي لا قوة على هذا الذي ترى، وهذا الذي تبصر {إلا بالله}، الذي له القوة جميعا سبحانه وبحمده، {أن القوة لله جميعا}+++ سورة البقرة:165.---، جل في علاه. قال لصاحبه: { ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله}، فرأيت نعمة الله تعالى عليك، وأيقنت أنه جل في علاه المتفضل فلا حول لك ولا قوة، فهو المتفضل، ولا طول ولا قدرة على إدراك هذه الجنة التي غرتك، ولا هذا الملك الذي أغراك وأعماك، إنما هو حول الله وقدرته، وطوله ومنه جل وعلا الذي أقدرك على هذا. والمؤمن إذا قال مثل هذه المقولة {لا قوة إلا بالله}،فإنه يبرأ من كل حول وقوة إلى حول الله وقوته جل في علاه، كما أنه يمتلأ قلبه ثقة بربه وأنه سبحانه وبحمده سيكفيه كل ما يخاف، وسيكفيه كل ما يحذر لأنه لا قوة للمخلوقين إلا بالله جل وعلا، فلا يخاف منهم بل يخاف من الذي له القوة جميعا سبحانه وبحمده، لهذا قال منبها له في ردعه عن اغتراره{ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله}. بعد هذا عاد إلى استكماله ليعالج ذلك الاغترار وذلك الزهو وذلك الارتفاع عن الخلق، حيث قال في أول كلامه مستصغرا صاحبه محتقرا له، {أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا}، قال: {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا}،إن كانت هذه نظرتك، وهذا ما تراه{فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك}، وهذا إما أن يكون دعاء+++ ذكره ابن سعدي في التفسير "(1/477).---، وإما أن يكون كشفا وإلهاما وتحديثا، كما قال ذلك جماعة من أهل العلم+++"التحرير والتنوير"(15/71).---. { فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك}، أي يمن علي بفضل منه في الدنيا والآخرة، في هذه الحياة وبعده يوم القيامة والبعث والنشور،{فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك}، وهذه الجنة التي اغتررت بها واستكبرت،{ويرسل عليها حسبانا من السماء}، أي عذابا إما صواعق، أو حوارق أو غير ذلك {فتصبح صعيدا زلقا}، أي أرضا لا نبت فيها ولا زرع، ثم هي زلقا لا تستقر عليها قدم، {أو يصبح ماؤها غورا}، أي يذهب هذا الماء الذي هو مادة حياة هذه الجنة وروحها {أو يصبح ماؤها غورا}، أي يسيخ في الأرض {فلن تستطيع له طلبا}، أي لن تستطيع له إدراكا ولا تمكنا. بعد أن فرغ من هذا التنبيه الذي قدمه بقوله {فعسى} إما دعاء وإما تحديثا، وكشفا لما ستؤول إليه حال هذا المستكبر. قال جل في علاه {وأحيط بثمره}، الله أكبر، تصور لك المشهد، هذه الجنة الفسيحة الموصوفة بهذا البهاء، وعظيم التناسق والجمال، {وأحيط بثمره} أي جاءته العقوبة فلم تبقي شيئا من تلك الجنتين {وأحيط بثمره}، ثم ما الذي حصل؟ إنه في ندامة، وخيبة لا يملك إلا أن يقلب كفيه، {وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها} من أموال، على ما أنفق فيها من أوقات، ما أنفق فيها من جهود وأعمال، كلها ذهبت وغدت كما قال جل في علاه {وهي خاوية على عروشها}، ليس فيها ما يؤمل،وما فيها ما يجذب الأنظار، ولا ما يشوق الأنفس، بل إن الأعين تصد عنها، والنفوس تنفر منها، والقلوب تكره النظر إليها، يقول جل وعلا :{ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحد}، إنها أمنية حصلت بعد نزول العقوبة، هل نفعته تلك الأمنية فكان من المؤمنين، ومن الله عليه الله بالتوبة وصلاح الحال، هكذا قال بعض أهل العلم، لعل الله أن يكون قد أنزل به ما أنزل ليستيقظ وليعود إلى الجادة، كما دلت عليه هذه الأمنية {يا ليتني لم أشرك بربي أحدا}+++ ذكره ابن سعدي في التفسير "(1/477).---. وقال بعض أهل العلم:"إنه لم ينتفع بذلك إذ إن عودته كانت بعد نزول العقوبة وحلول النقمة وقد قال جل وعلا في فرعون لما قال:{آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين (90) آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين}+++ سورة يونس:91.---. يقول الله جل وعلا في ختم هذا المثل المضروب:{ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا} لما نزل به العقوبة، وحلت في جنته المثلات والعقوبات {ولم تكن له فئة}، لا يوجد له جماعة ولا من ينصره ممن كان يقول فيهم {أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا}، تخلى عنه كل شيء، فإذا جاء القدر عمي البصر، ولم تكن حيلة في دفعه ولا في رفعه، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن جل وعلا، {ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله}، {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس}+++ سورة يوسف:21.---. {وما كان منتصرا}، لا يمكن أن ينتصر وقد حارب الله جل وعلا، وقد حلت به الموجبات لتلك العقوبات. اللهم أحيي قلوبنا وأنر بصائرنا، وأعذنا يا ذا الجلال والإكرام من مصائر الفساق والكفار والفجار، واجعلنا من حزبك وأوليائك. وإلى أن نلقاكم في حلقة جديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:2989
بسم الله الرحمن الرحيم.
((الحلقة الرابعة والثلاثون))
الحمد لله حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه، خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون.
أحمده لا أحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية"، نستكمل -إن شاء الله تعالى- مثلا قصه الله تعالى لرجلين في سورة الكهف.
{وكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا(34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا} سورة الكهف:34-36..
هذا ما قصَّه الله تعالى من حال الرجلين، وقد جمع هذا الرجل في مقاله ثلاث سوءات كبرى، أعظمها تكذيب البعث والنشور حيث قال :{وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا}.
ثانيها: العلو على الخلق والاستكبار، قال:{أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، فاغتر بماله وما مكنه الله تعالى منه من هذه الجنات، وهذا النعيم الذي يَسَّره له.
ثالثها: قوله في اغتراره بالدنيا وظنه دوامها:{مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا}، فجاء جواب المؤمن، وهو الرجل الثاني الذي ذكره الله تعالى في هذا المثل:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ}.
{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}، وهو يراجعه ويجادله ويناقشه في تلك المقالات العظيمة، وذلك الاغترار الكبير الذي أصاب هذا الرجل بسبب تلك الجنتين اللتين ذكر الله جل وعلا.
{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}، الله أكبر، ابتدأ في المناقشة بأخطر تلك المقالات، ابتدأ بمناقشته في أمر بالآخرة، بأمر المعاد، بأمر الحساب، في أمر يوم القيامة الذي كذَّبه بقوله:{وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}، قال:{أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}، فهذا من أعظم الكفر أن يكفر الإنسان بالله جل وعلا ، وأن يظن أنه لن يعود وأن يشك في قدرة القدير الملك الواحد القهار سبحانه وبحمده أن يعيد العباد، لذلك ذكره بمبدأ خلقه، وأنه كان من تراب، وأنه صار إلى نطفة ، وأنه بعد ذلك سواه على أحسن خلقٍ، وأقوم تقويم كما قال{ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}، أفيعجز الذي ابتدأك من تراب وعدم أن يعيدك بعد أن خلقك، إن هذا لشيء عجاب، وكفر بالله رب الأرض والسماوات جل في علاه.
قال له صاحبه وهو يرده إلى الجادة، وينبه إلى خطورة الاستكبار على الخلق، والاستكبار بالمال {بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} ، وهو مبدأ خلق الإنسان، {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ}، وهي في غاية الحقارة، {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}، أي كمَّلك وأتاك من القدرات والقوى ما يجب أن تشكره عليها وأن تعترف بفضله عليك فيها، فهو الذي مكَّنك منها بدون حول منك ولا طول، ولا قوة منك ولا عمل، {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} سورة النحل:78.، أفلا يستحق من صنع ذلك أن يشكر وأن يعبد وأن يفرد وأن يجل سبحانه وبحمده.
يقول جل في علاه في تتمة قول هذا الرجل العابد المؤمن لذلك الطاغية المستكبر {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}، وهذا بيان للفارق بين حال الإيمان، وحال أهل الكفر والطغيان.
فأهل الكفر في جحود واستكبار وعلو وزهو واغترار، أما أهل الإيمان فهم أهل  طاعة وإحسان، وحسن صلة بالملك الديان رب الأرض الرحيم الرحمن جل في علاه.
يقول جل وعلا في بيان مقالة المؤمن {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا}، كائناً من كان، فإنه يستحق أن يُفرد بالعبادة جل في علاه، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، ومن إفراده بالعبادة الإيمان بكل ما أخبر به جل في علاه مما يكون بعد الموت من حياة برزخية وبعث ونشور ثم مستقر في جنة أو نار.
{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}، بيان لما ينبغي  أن يكون عليه العبد الذليل، في شكر المولى القدير سبحانه وبحمده، فحثه بأسلوب لطيف، وحثه بعرض وتحضير{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ}هذه التي غرَّتك{قُلْتَ مَا شَاءَ الله} قلت بقلبك ولسانك، {مَا شَاءَ الله}، هذا الذي شاءه الله، هذا الذي قدَّره الله، هذا الذي أنعم الله تعالى به، ما شاء الله كان، ما شاء الله يكون، ما شاء الله سيكون، فهو الذي له المشيئة النافذة سبحانه وبحمده، {لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}، أي لا قوة على هذا الذي ترى، وهذا الذي تبصر {إِلَّا بِاللَّهِ}، الذي له القوة جميعاً سبحانه وبحمده، {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} سورة البقرة:165.، جل في علاه.
قال لصاحبه: { وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}، فرأيت نعمة الله تعالى عليك، وأيقنت أنه جل في علاه المتفضل فلا حول لك ولا قوة، فهو المتفضل، ولا طول ولا قدرة على إدراك هذه الجنة التي غرَّتك، ولا هذا الملك الذي أغراك وأعماك، إنما هو حول الله وقدرته، وطوله ومنُّه جل وعلا الذي أقدرك على هذا.
والمؤمن إذا قال مثل هذه المقولة {لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}،فإنه يبرأ من كل حول وقوة إلى حول الله وقوته جل في علاه، كما أنه يمتلأ قلبه ثقة بربه وأنه سبحانه وبحمده سيكفيه كل ما يخاف، وسيكفيه كل ما يحذر لأنه لا قوة للمخلوقين إلا بالله جل وعلا، فلا يخاف منهم بل يخاف من الذي له القوة جميعاً سبحانه وبحمده، لهذا قال منبهاً له في ردعه عن اغتراره{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
بعد هذا عاد إلى استكماله ليعالج ذلك الاغترار وذلك الزهو وذلك الارتفاع عن الخلق، حيث قال في أول كلامه مستصغراً صاحبه محتقراً له، {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، قال: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا}،إن كانت هذه نظرتك، وهذا ما تراه{فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}، وهذا إما أن يكون دعاء ذكره ابن سعدي في التفسير "(1/477).، وإما أن يكون كشفاً وإلهاماً وتحديثاً، كما قال ذلك جماعة من أهل العلم"التحرير والتنوير"(15/71)..
{ فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}، أي يمن عليَّ بفضل منه في الدنيا والآخرة، في هذه الحياة وبعده يوم القيامة والبعث والنشور،{فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ}، وهذه الجنة التي اغتررت بها واستكبرت،{وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ}، أي عذاباً إما صواعق، أو حوارق أو غير ذلك {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}، أي أرضاً لا نبت فيها ولا زرع، ثم هي زلقاً لا تستقر عليها قدم، {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا}، أي يذهب هذا الماء الذي هو مادة حياة هذه الجنة وروحها {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا}، أي يسيخ في الأرض {فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا}، أي لن تستطيع له إدراكاً ولا تمكناً.
بعد أن فرغ من هذا التنبيه الذي قدمه بقوله {فعَسَى} إما دعاء وإما تحديثاً، وكشفاً لما ستؤول إليه حال هذا المستكبر.
قال جل في علاه {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، الله أكبر، تصور لك المشهد، هذه الجنة الفسيحة الموصوفة بهذا البهاء، وعظيم التناسق والجمال، {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} أي جاءته العقوبة فلم تبقي شيئاً من تلك الجنتين {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، ثم ما الذي حصل؟ إنه في ندامة، وخيبة لا يملك إلا أن يقلب كفيه، {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} من أموال، على ما أنفق فيها من أوقات، ما أنفق فيها من جهود وأعمال، كلها ذهبت وغدت كما قال جل في علاه {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}، ليس فيها ما يؤمل،وما فيها ما يجذب الأنظار، ولا ما يشوق الأنفس، بل إن الأعين تصد عنها، والنفوس تنفر منها، والقلوب تكره النظر إليها، يقول جل وعلا :{وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدً}، إنها أمنية حصلت بعد نزول العقوبة، هل نفعته تلك الأمنية فكان من المؤمنين، ومنَّ الله عليه الله بالتوبة وصلاح الحال، هكذا قال بعض أهل العلم، لعل الله أن يكون قد أنزل به ما أنزل ليستيقظ وليعود إلى الجادة، كما دلت عليه هذه الأمنية {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} ذكره ابن سعدي في التفسير "(1/477)..
وقال بعض أهل العلم:"إنه لم ينتفع بذلك إذ إن عودته كانت بعد نزول العقوبة وحلول النقمة وقد قال جل وعلا في فرعون لما قال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} سورة يونس:91..
يقول الله جل وعلا في ختم هذا المثل المضروب:{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا} لما نزل به العقوبة، وحلت في جنته المثلات والعقوبات {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ}، لا يوجد له جماعة ولا من ينصره ممن كان يقول فيهم {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، تخلى عنه كل شيء، فإذا جاء القدر عمي البصر، ولم تكن حيلة في دفعه ولا في رفعه، فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن جل وعلا، {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} سورة يوسف:21..
{وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا}، لا يمكن أن ينتصر وقد حارب الله جل وعلا، وقد حلت به الموجبات لتلك العقوبات.
اللهم أحيي قلوبنا وأنر بصائرنا، وأعذنا يا ذا الجلال والإكرام من مصائر الفسَّاق والكفار والفجار، واجعلنا من حزبك وأوليائك.
وإلى أن نلقاكم في حلقة جديدة من برنامجكم "أمثال قرآنية" أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات18629 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات11951 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9100 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات7993 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف