×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة وإياي فارهبون

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:6354

إِنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهِ إِلَّا اللهُ، إِلَهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولِهِ، صَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خِيَرتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوا اللهَ تَعالَى حَقَّ التَّقْوَى، كَما أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ فَقالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران: 102 .

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ تَقْوَى اللهِ ـ جَلَّ في عُلاهُ ـ لا تَتَحَقَّقُ لأَحَد إِلَّا بِالخَوْفِ مِنَ الجَلِيلِ، وَالعَمَلِ بِالتَّنْزِيلِ، وَالقَناعَةِ بِالقَلِيلِ، وَالاسْتِعْدادِ لِيَوْم الرَّحِيلِ؛ هَكَذا يُحَقِّقُ المرْءُ التَّقْوَى.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ الخَوْفَ مِنَ اللهِ تَعالَى مِفْتاحُ تَحْقِيقِ التَّقْوَى، فَمَنْ خافَهُ اتَّقاهُ، وَمَنْ خافَهُ رَاقَبَهُ، وَمَنْ خافَهُ قامَ بِحَقِّهِ، وَمَنْ خافَهُ أَحَبَّهُ، وَمَنْ خافَهُ سَعَى في مَرْضاتِهِ، وَمَنْ خافَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِ في سِرِّهِ وَإِعْلانِهِ.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ الخَوْفَ مِنَ اللهِ تَعالَى عَلَيْهِ مَدارُ مَقاماتِ السَّالِكِينَ، فالخَوْفُ مِنَ اللهِ تَعالَى يَتَحَقَّقُ بِهِ أَعْلَى مَراتِبِ الدِّينِ؛ لِذَلِكَ ذَكَرَ اللهُ تَعالَى في صِفاتِ أَوْلِيائِهِ الَّذينَ حَقَّقُوا العُبُودِيَّةَ لَهُ فَقالَ: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُالإسراء: 57  فَخَوْفُ اللهِ تَعالَى مِنْ أَعْلَى مراتِبِ الدِّينِ، مِنْ أَعْلَى مَراتِبِ المؤْمِنينَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَجَلِّ الأَعْمالِ الَّتي يَتَقَرَّبُ بِها المؤْمِنُ إِلَى رَبِّهِ جَلَّ في عُلاهُ، أَنْ يَمْلأَ قَلْبَهُ خَشْيَةً لَهُ وَخَوْفًا مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لِلقُلُوبِ في سَيْرِها إِلَى اللهِ تَعالَى مِنَ الكَثِيرِ مِنَ المقاماتِ، الخَوْفُ مِنَ اللهِ فَرْضٌ فَرَضَهُ عَلَى عِبادِهِ فَقالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَآل عمران: 175 ، وَقالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِالنحل: 51  وقالَ: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِالمائدة: 44 ، وَجَعَلَ اللهُ تَعالَى خَوْفَهُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الإيمانِ؛ فَلا إِيمانَ لِمَنْ لا خَوْفَ لَهُ: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَآل عمران: 175 .

إِنَّ اللهَ تَعالَى أَخْبِرْنا في كِتابِهِ بِصِفاتِ رَحْمَتِهِ كَما أَخْبَرَنا بِما يَكُونُ مِنْ عَذابِهِ وَعِقابِهِ؛ فَبِهِما يَسِيرُ العِبادُ إِلَى اللهِ؛ فَالرَّحْمَةُ تُوجِبُ المحَبَّةَ وَتُوجِبُ الرَّجاءَ، وَالعَذابُ يُوجِبُ الخَوْفَ مِنْهُ جَلَّ في عُلاهُ، ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُآل عمران: 28 ، فاللهُ تَعالَى يُحَذِّرُنا عِقابَهُ وَيَذْكُرُ لَنا مِنَ مآلاتِ العاصِينَ وَالمخالِفينَ لَهُ ما يُوجِبُ أَنْ يَخافَ العَبْدُ مِنْ أَنْ تَنْزِلَ بِهِ عُقُوبَةٌ إِذا خالَفَ أَمْرَ اللهِ أَوْ أَنْ يَحِيقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ عَذابِهِ: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌالنحل: 45- 47.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, أَثْنَى اللهُ تَعالَى في كِتابِهِ عَلَى الخَوْفِ مِنْهُ؛ فَقالَ في وَصْفِ بَعْضِ خُلَّصِ عِبادِهِ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَالأنبياء: 90  فالرَّغَبُ هُوَ الرَّجاءُ وَالطَّمَعُ في رَحْمَتِهِ، وَالرَّهَبُ هُوَ الخَوْفُ وَالخَشْيَةُ مِنْ عَذابِهِ، وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالَى في وَصْفِ مَلائِكَتِهِ: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَالنحل: 49 - 50 .

وَقَدْ جاءَ في وَصْفِ عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ أَنَّ اللهَ تَعالَى ذَكَرَ في صِفاتِهِمْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا﴾ أَيْ: يَفْعَلُونَ ما يَفْعَلُونَ مِنْ طاعاتٍ ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَالمؤمنون: 57- 61  جاءَ في مُسْنَدِ الإمامِ أَحْمَدِ مِنْ حَدِيثِ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أَنَّها قالَتْ: «يا رَسُولَ اللهِ{والَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أَهُوَ الَّذي يَزْني وَيَسْرِقُ، وَيَشْرَبُ الخَمْرَ؟ قالَ: لا، يا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ يا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ، وَيتَصَدَّقُ، ويُصَلِّي، وَهُوَ يَخافُ أَنْ لا يُتَقَبَّلَ مِنْهُ«مسند أحمد(25263), وَهُوَ مَقْبُولٌ بِمَجْمُوعِهِ؛ يُنْظَرُ: الصَّحِيحَةُ للألباني(162).

الخَوْفُ مِنَ اللهِ تَعالَى صِفَةُ كَمال, وَهُوَ سَعادَةُ الدُّنْيا وَهُوَ الأَمْنُ التَّامُّ الكامِلُ، وَلِذَلِكَ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاللهِ، إِنِّي لأَعلَمُكُمْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَخْشاكُمْ لَهُ»مسند أحمد(24319)بإسناد صحيح فَهُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ إِقْبالًا عَلَى اللهِ وَمَحَبَّةً للهِ وَعِلْمًا بِهِ وَخَوْفًا مِنْهُ جَلَّ في عُلاهُ.

الخَوْفُ أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، وَكُلُّ قَلْبٍ لَيْسَ فِيهِ خَوْفٌ مِنَ اللهِ فَهُوَ قَلْبٌ خَرِبٌ، الخَوْفُ مِنَ اللهِ يَقِيكَ السَّيِّئاتِ وَيعْصِمُكَ الرَّزايا وَيُجَنِّبُكَ الخَطايا: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِالنجم: 32  فَكَمْ مِنْ إِنْسانٍ حالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ما يَشْتَهِيهِ وَما تُمْلِيهِ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مِنْ رَغَباتِهِ وَمَلَذَّاتِها خَوْفُ اللهِ؛ فَكانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ.

وَاذْكُرْ مَقامَ الأَبْرارِ الَّذِينَ أَثْنَى اللهُ عَلَيْهِمْ في كِتابِهِ وَأَبْقَى ذِكْرَهُمْ عَلَى مَرِّ الأَيَّامِ وَالعُصُورِ؛ آدَمُ لَهُ ابْنانِ أَحَدُهُما هَمَّ بِقَتْلِ صاحِبِهِ فَقالَ لَهُ: ﴿لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَالمائدة: 28  لماذا؟ ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ مُقابَلَةِ المقاتَلَةِ وَالاعْتِداءِ إِلَّا أَنَّهُ يَخافُ اللهَ رَبَّ العالمينَ، وَكَذَلِكَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامِ لما تَزَيَّنَتْ لَهُ المرْأَةُ وَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِها: ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَيوسف: 23  وَقالَ في جُمْلَةِ ما قالَ: ﴿إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَالحشر: 16  وَاللهُ تَعالَى أَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يُبَلِّغَ النَّاسَ أَنَّهُ يَخافُ مَعْصِيَتَهُ فَقالَ لَهُ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُالأنعام: 15- 16  إِنَّ مَنْ خافَ امْتَنَعَ عَنْ السَّيِّئِ مِنَ العَمَلِ، إِنَّ مَنْ خافَ أَقْبَلَ عَلَى اللهِ بِصالِحِ العَمَلِ؛ لِذَلِكَ قالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَما في المسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ خافَ» أَيْ: مِنَ اللهِ وَمِنَ المقامِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ عَذابِهِ «مَنْ خافَ أَدْلَجَ» أَيْ: أَسْرَعَ في سَيْرِهِ «وَمَنْ أَدْلَجَ بلَغَ المنْزِلَ، أَلا إنَّ سلعةَ اللهِ غاليةٌ، ألا إنَّ سلعةَ اللهِ الجنَّةُ«الترمذي(2450), وقال: حسن.

أَيُّها المؤْمِنُونَ, امْلَؤُوا قُلُوبَكَمْ بِمَحَبَّةِ اللهِ جَلَّ في عُلاهُ وَالخَوْفِ مِنْهُ وَالطَّمَعِ وَالرَّجاءِ لما عِنْدَهُ؛ فَبِذَلِكَ تَبْلُغُ وَتَصِلُ إِلَى مَرْضاتِهِ في الدُّنْيا وَإِلَى جَنَّتِهِ في الآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى طاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، وَارْزُقْنا خَشْيَتَكَ في الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ. أَقُولُ هَذا القَوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

***

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرينَ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ بِإِحْسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتَّقُوا اللهَ أَيُّها المؤْمِنُونَ، وَاخْشَوْا رَبَّكُمْ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، راقِبُوهُ - جَلَّ وَعَلا - في الخَفايا وَالإِعْلانِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مُوجِباتِ الفَوْزِ بِرَحْمَتِهِ؛ قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِالرحمن: 46 ، وَقالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىالنازعات: 40- 41 .

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ خَوْفَ اللهِ تَعالَى يُوجِبُ التَمْكِينَ في الأَرْضِ؛ فَإِنَّ مَنْ خافَ اللهَ مَكَّنَ لَهُ في الأَرْضِ وَنَصْرِهِ عَلَى خُصُومِهِ؛ قالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاإبراهيم: 13  تَهْدِيدٌ إِمَّا أَنْ نُخْرِجَكُمْ عَنْ أَرْضِنا لِعَدَمِ مُوافَقَتِكُمْ لَنا لما نَحْنُ فِيهِ مِنْ شِرْكٍ أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا؛ تُرْجَعُونَ إِلَى الكُفْرِ ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَإبراهيم: 13  وَعْدٌ مِنْ رَبِّ العالمينَ: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِإِبْراهِيم: 13- 14  كُلُّ مَنْ خافَ اللهَ أَفْلَحَ، كُلُّ مَنْ خافَ اللهَ سَعِدَ؛ وَلِذَلِكَ الخَوْفُ سِراجُ في القَلْبِ بِهِ يُبْصِرُ العَبْدُ الخَيْرَ وَالشَّرَّ، وَكُلُّ أَحَدٍ إِذا خُفْتَ مِنْهُ هَرَبْتَ مِنْهُ، إِلَّا اللهُ؛ إِذا خِفْتَهُ أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌالذاريات: 50 .

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ الخَوْفَ مِنَ اللهِ يَتَصاغَرُ مَعَهُ الخَوْفُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَمَنْ خافَ اللهَ لَمْ يَخِفْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَكُنْ في قَلْبِهِ ما يَمْنَعُ عَنِ القِيامِ بِحَقِّهِ - جَلَّ وَعَلا -. وَاذْكُرْ أُولَئِكَ السَّحَرَةَ الَّذِينَ جاءُوا لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، فَلَمَّا رَأَوْا آيَةَ مُوسَى وَآمَنُوا بِاللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمْ يُخَوِّفْهُمْ أَعْتَى مُلُوكِ الأَرْضِ وَأَعْظَمِهِمْ تَجَبُّرًا؛ قالَ لَهُمْ: ﴿فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىطه: 71  فَماذا قالُوا لَهُ؟ قالُوا لَهُ: ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَطه: 72  لَنْ نُقَدِّمَكَ وَلَنْ نُطِيعَكَ عَلَى ما تَبَيَّنَ لَنا مِنَ الحَقِّ وَالهُدَى ﴿عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ﴾ افْعَلْ ما تَشاءُ ﴿إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًاطه: 72- 74  هُنا الخَوْفُ هُناكَ تَعْظِيمٌ وَإِجْلالٌ وَمَحَبَّةٌ، وَهُنا الخَوْفُ ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَاطه: 74- 75 .

أَيُّها المؤْمِنُ, يَتَحَقَّقُ لَكَ خَوْفُ اللهِ بِمَعْرِفَتِهِ، فَمَنْ عَرَفَهُ وَمالَهُ مِنَ الجَلالِ وَالجَمالِ وَالجَبَرُوتِ وَالقُوَّةِ وَالبَطْشِ وَالأَخْذِ خافَهُ وَوَجِلَ وَامْتَلَأَ قَلْبُهُ تَعْظِيمًا لَهُ جَلَّ في عُلاهُ؛ لِذَلِكَ خَوْفُكَ مِنَ اللهِ بِقَدْرِ مَعْرِفَتِكَ لَهُ، فَكُلَّما ازْدَدْتَ مَعْرِفَةً بِاللهِ ازْدَدْتَ خَوْفًا مِنْهُ جَلَّ في عُلاهُ.

إِنَّ مِمَّا يُوجِبُ الخَوْفَ في قَلْبِ العَبْدِ أَنْ يَمْتَلِئَ إِيمانًا بِهِ جَلَّ في عُلاهُ؛ وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ تَعالَى شَرْطَ الإيمانِ وَثَمَرَتَهُ خَوْفَهُ: ﴿فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَآل عمران: 175 .

أَيُّها المؤْمِنُونَ, إِنَّ مِنْ أَسْبابِ خَوْفِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يَتَأَمَّلَ العَبْدُ ما ذَكَرَ اللهُ في كِتابِهِ مِمَّا أَعَدَّهُ لِمَنْ خالَفَ أَمْرَهُ؛ فِفِيهِ مِنَ الزَّجْرِ وَالوَعِيدِ وَالتَّخْويفِ ما يُوجِبُ لِلقُلُوبِ الحَيَّةِ أَنْ تَنْزَجِرَ وَأَنْ تَكُفَّ عَنِ العِصْيانِ: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُالحجر: 49- 50 .

إِنَّ الخَوْفَ مَقامٌ عَظِيمٌ اتَّصَفَ بِهِ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَقَدْ بَلَغَ مِنْ خَوْفِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَإِجْلالِهِ وَخَشْيَتِهِ في الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ما بيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: «إني لأَعْلَمُكُمْ بِاللهِ وَأَخْشاكُمْ لَهُ»مسند أحمد(24319)بإسناد صحيح  يَخافُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمِنْ أَنْ يَنْزِلَ شَيْءٌ مِنْ عَذابِهِ فِيما يَراهُ مِنَ الآياتِ وَما يَشْهَدُهُ مِنَ الحوادِثِ، فَلَمَّا خُسِفَتِ الشَّمْسُ في زَمانِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَرَجَ يَجُرُّ رِداءَهُ»البخاري(1040) مِنَ العَجَلَةِ، يَجُرُّ رِداءَهُ يَظُنُّ أَنَّها السَّاعَةُ. هَكَذا يَمْتَلِئُ قَلْبَهُ خَوْفًا مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، وَقَدْ قالَتْ عائِشَةُ في وَصْفِهِ وَخَوْفِهِ مِنَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: «كانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا كانَ يَوْمُ الرِّيحِ أَوْ الغَيْمِ عُرِفَ ذَلِكَ في وَجْهِهِ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ» قالَتْ عائِشَةُ: فَسَأَلَتْهُ، فَقالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عَذابًا سَلَّطَ عَلَى أُمَّتِي«مسلم(899).

وَالصَّحابَةُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ سارُوا عَلَى مَسارِ رَسُولِهِمْ في اسْتِحْضارِ خَوْفِ اللهِ وَخَشْيَتِهِ وَعَدَمِ الاغْتِرارِ بِما يِمْنَحُهُمْ إِيَّاهُ مِنَ العَطايا وَالِهباتِ، فَكانَ خَوْفُهُمْ حامِلًا لَهُمْ عَلَى حُسْنِ الطَّاعَةِ وَالقِيامِ بِحَقِّهِ:

إِذَا مَا اللَّيْلُ أَظْلَمَ كَابَدُوهُ ... فَيُسْفِرُ عَنهُمُ وَهُمُ رُكُوعُ

أَطَارَ الخَوْفُ نَومَهُمُ فَقَامُوا ... وَأَهْلُ الأَمْنِ فِي الدُّنْيَا هُجُوعُقالَهُ ابْنُ المبارَكِ يُنْظَرُ:التَّخْويف مِنَ النَّارِلابْنِ رَجَبٍ ص(38).

أَيُّها المؤْمِنُونَ, تَرَقَّبُوا ما يَكُونُ مِنْ أَفْعالِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيمَنْ حَوْلَكُمْ؛ فَإِنَّ فِيها عِبْرَةً وَعِظَةً، وَالَّذِي لا يُوعَظُ بِما يَرَى فَإِنَّهُ يُوشِكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ ما يَرَى في غَيْرِهِ مِنَ البَلايا وَالرَّزايا، فَخافُوا اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - بِقُلُوبٍ صادِقَةٍ، خافُوهُ، خافُوا عِقابَهُ، خافُوا مَقامَهُ، خافُوا ما ذَكَرَهُ لَكُمْ مِنَ الصِّفاتِ الَّتي تُوجِبُ خَشْيَتَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِذَلِكَ تُحَقِّقُونَ تَمامَ الطَّاعَةِ لَهُ؛ فَقَدْ قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُفاطر: 28 .

اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ المتَّقِينَ وَحِزْبِكَ المفْلِحينَ وَأَوْلِيائِكَ الصَّالِحينَ، وَارْزُقْنا الأَمْنَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنا الأَمْنَ في أَنْفُسِنا وَأَهْلِينا وَبِلادِنا، وَارْزُقْنا الأَمْنَ يَوْمَ العَرْضِ عَلَيْكَ يا رَبَّ العالمينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ يَأْتِيكَ آمِنًا يَوْمَ القِيامَةِ، اللَّهُمَّ آمِنْ رَوْعاتِنا وَاسْتُرْ عَوْراتِنا وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبَنا يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعافِيَةَ في الدُّنْيا وَالآخِرَةَ وَالمعافاةِ الدَّائِمَةَ يا رَبَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَلِإخْوانِنا الَّذينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُمُورِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فِيمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا ذا الجلالِ وَالإِكْرامِ.

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ إِخْوانِنا المسْلِمينَ في كُلِّ مَكانٍ، وَأَصْلِحْ ذاتَ بَيْنِهِمْ، اللَّهُمَّ مَنْ سَعَى بَيْنَهُمْ بِفََسادٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ فِتْنَةٍ أَوْ قِتالٍ فَعَلَيْكَ بِهِ فَإِنَّهُ لا يُعْجِزُكَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتِهِ.

اللَّهُمَّ أَنْجِ المسْتَضْعَفِينَ مِنْ إِخْوانِنا في سُورِيَّا وَالعِراقِ وَفي اليَمَنِ وَفي سائِرِ البُلْدانِ يا ذا الجَلالِ وَالإكْرامِ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ.

 

المادة التالية

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91514 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87246 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف