×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

صوتيات المصلح / برامج / رسلا مبشرين / الحلقة(1) حاجة الناس إلى الرسل.

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الحلقة(1) حاجة الناس إلى الرسل.
00:00:01

الحلقة الأولى ((حاجة الناس إلى الرسل))   الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حق حمده، له الحمد كله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين،  لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، بلغ الرسالة، ونصح الأمة، وتركها على سبيل بين واضح لا يزيغ عنه إلا هالك، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سلك سبيله، واتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقة من برنامجكم (رسلا مبشرين). خلق الله تعالى الخلق لغاية عظمى، ومقصد أسمى، ذكره الله تعالى في محكم كتابه على نحو واضح جلي لا يلتبس، قال سبحانه وبحمده: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}+++ [الذاريات: 56]---. وقال جل في علاه: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} +++[الملك: 2]---. فالله رب السماوات والأرض، الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، الله خالق كل شيء، الله ملك الأملاك سبحانه وبحمده، إنما خلقنا لعبادته، وجعل ذلك محلا لمدة حياتنا الدنيا، خلق الله تعالى آدم أبا البشر، كرمه جل في علاه، فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأدخله جنته، فكان ما كان من بلاء الله بمعصية وقع فيها؛ فأخرج من الجنة. وكان من البلاء أن أهبط إلى الأرض، فامتحن في هذه الحياة الدنيا بطاعة الله تعالى، وأوكل ببنيه شيطان، يصد عن السبيل، ويقطع الطريق عن الوصول إلى رحمة الله وبره وإحسانه. نزل آدم عليه السلام إلى هذه الأرض، وعبد الله هو وزوجة، ومن قدر الله تعالى من ذريته الأولى، فكان ما كان من طاعة الله وتوحيده. وقع العصيان في ذريته كما جرى، وقص الله تعالى ذلك في محكم كتابه، حيث قال: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين * لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين * فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله}+++ [المائدة: 27-30]---. فوقعت أول معصية كبرى في بني آدم، وكانت في سفك الدماء، ثم بعد ذلك درج الناس على التوحيد مدة من الزمن، حتى حصل الانحراف، فخرج الناس عن الصراط المستقيم، خرجوا عن هداية الله عز وجل، خرجوا إلى أنواع من الإنحراف بعبادة غير الله، اجتالتهم الشياطين، واختطفتهم عن الصراط المستقيم؛ فوقعوا في عبادة غير الله تعالى، فبعث الله تعالى المرسلين مبشرين ومنذرين، بعثهم ليعرفوا بالله عز وجل، بعثهم ليقيموا التوحيد، بعثهم ليدلوا الناس على الطريق الموصل إلى الله عز وجل. وهكذا تتابع الرسل جميعا، من أولهم نوح إلى آخرهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، تتابعوا، واجتمعوا على كلمة سواء، كلهم يدعو  إلى لا إله إلا الله. وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون * ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون }+++ [النحل: 1-2]---. وكذلك قال جل وعلا: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} +++[الأنبياء: 25]---. فكل الرسل اجتمعوا على هذا الدين، الذي لا يقبل الله تعالى من أحد سواه، اجتمعوا على كلمة سواء، على عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الإسلام الذي قال الله تعالى فيه: {إن الدين عند الله الإسلام} +++[آل عمران: 19]---، وقال فيه: {ومن يبتغ غير الإسلام فلن يقبل منه}+++ [آل عمران: 85]---. نعم، الرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بهذه الدعوة، وكانت الحاجة إلى هؤلاء الرسل من أعظم الحاجات، فإن الحاجة إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم تفوق كل حاجات الناس؛ فإن بهم تطيب الحياة، بهم يعرفون ربهم، بهم يعرفون الطريق الموصل إلى الله عز وجل. ولذلك كانت الرسالة ضرورية في إصلاح العباد في معاشهم ومعادهم، فلا صلاح لهم في آخرتهم إلا باتباع الرسل، و لا صلاح لهم في دنياهم إلا باتباع الرسالة، فالإنسان بنو آدم مضطرون إلى هدايات الرسل؛ لأنه لا يخلو الإنسان في هذه الدنيا بين أن يقع فيما ينفعه أو أن يقع فيما يضره، أن يقع في هدى أو أن يقع في ضلال؛ وإنما الطريق الذي يميز به الإنسان بين الحق والباطل، بين الهدى والضلال، بين النافع والضار؛ إنما هو ما جاءت به الرسل. و لا أقصد بذلك معرفة النافع والضار في الأمور الحسية، فإن ذلك يعرفه كل أحد، ولا ميزة للبشر على غيرهم، فالحيوان يعرف ما يضره حسا، وما ينفعه حسا؛ ولذلك تفرق البهائم بين الشعير والحب، وبين التراب والحصى، فلا تأكل ترابا ولا حصى؛ لأنها تدرك بالحس أن ذلك يضرها، ولكنها لا تدرك بالحسي معان كثيرة من الأمور النافعة والضارة التي تدرك بالعقول، كالإيمان بالله عز وجل وتوحيده، وكالعدل والبر والإحسان، وكالمعروف والمنكر، وكنفع صلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى الخلق، وأداء الواجبات. كل هذه الأمور المعنوية إنما تعرف منافعها، وتدرك خيراتها بمعرفة ما جاءت به الرسالات، وإن كانت حسنة في ذاتها؛ لكن النفوس مجبولة على أنواع من القصور تحول بينها وبين سلوك السبيل الذي يوصلها إلى منافع الدنيا، ومنافع الآخرة. إن عمى البصر عن هذه الهدايات التي جاءت بها الرسل توقع الإنسان في حيز شر البرية، الذين هم شرار الخلق عند الله، الذين هم أسوء حالا من الحيوان، وأحقر من كل حقير. ولا بقاء للناس إلا بأنوار الرسالات؛ فهي من الضرورات التي متى غابت عن حياة الناس فسدت أمورهم، وانتكست أحوالهم؛ ولذلك كان انطماس الرسالة وغياب آثارها من أسباب المقت، وخراب الدنيا. جاء في الصحيح من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الله نظر إلى أهل الأرض قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم  ، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب»+++ أخرجه مسلم (2865).---. فمقت الله تعالى كان مستحقا لهؤلاء الذين عطلوا حياتهم عن أنوار الرسالات، عن هدايات الرسل، عما جاءت به الكتب من الدلالة على الحق، والتعريف به. نعم، نحن في غاية الضرورة وغاية الحاجة إلى معرفة ما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليس ثمة في الأرض حاجة فوق حاجة الناس إلى معرفة هداية الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. حاجة الناس إلى الرسل أعظم من حاجتهم إلى الشمس والقمر، أعظم من حاجتهم إلى الرياح والمطر، أعظم من حاجتهم إلى حياتهم؛ بل حاجتهم إلى الرسل أعظم من حاجة أعينهم لضوئها، وأعظم من حاجة الناس إلى الطعام والشراب. نعم، إن حاجة الناس إلى الرسالات فوق كل حاجة، وهي أعظم حاجة من كل ما يخطر في البال، أو يقدر في الضمير، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم هم الوسائط بين الله تعالى وبين خلقه في التعريف به سبحانه وبحمده، وفي بيان أمره ونهيه. الرسل هم السفراء بين الله وبين عباده، الرسل هم الأدلاء الذين يعرفون الناس بطريق السعادة، {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}+++ [الإسراء: 9]---. اللهم اهدنا فيمن هديت، وأعنا على طاعتك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، إلى أن نلقاكم في حلقة قادمة من برنامجكم (رسلا مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المشاهدات:3760
الحلقة الأولى
((حاجة الناس إلى الرسل))
 
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده حقَّ حمده، له الحمدُ كُله، أوله وآخره، ظاهره وباطنه، لا أُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين،  لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله، صفيه وخليله، خيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، ونصح الأمة، وتركها على سبيلٍ بيِّنٍ واضحٍ لا يزيغُ عنه إلا هالك، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سلكَ سبيله، واتبعَ سنته بإحسانٍ إلى يومِ الدين، أمَّا بعد:
فالسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً بكم أيها الأخوة والأخوات، في هذه الحلقةِ من برنامجكم (رسلاً مُبشرين).
خلقَ الله تعالى الخلقَ لغايةٍ عُظمى، ومقصدٍ أسمى، ذكرهُ الله تعالى في مُحكمِ كتابه على نحوٍ واضحٍ جليٍّ لا يلتبس، قال سبحانه وبحمده: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وقال جلَّ في علاه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2].
فالله ربُّ السماوات والأرض، الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، الله خالقُ كُل شيء، الله ملِكُ الأملاك سبحانه وبحمده، إنما خلَقنا لعبادته، وجعلَ ذلكَ محلاً لمدةِ حياتنا الدنيا، خلقَ الله تعالى آدم أبا البشر، كرَّمهُ جلَّ في علاه، فخلَقهُ بيده، ونفخَ فيه من روحه، وأسجدَ له ملائكته، وأدخله جنته، فكانَ ما كانَ من بلاءِ الله بمعصيةٍ وقع فيها؛ فأُخرجَ من الجنة.
وكان من البلاءِ أن أُهبِطَ إلى الأرض، فامتُحِنَ في هذه الحياة الدنيا بطاعة الله تعالى، وأوكلَ ببنيه شيطانٌ، يصدُّ عن السبيل، ويقطعُ الطريقَ عن الوصولِ إلى رحمة الله وبره وإحسانه.
نزل آدم عليه السلام إلى هذه الأرض، وعبدَ الله هو وزوجة، ومن قدَّرَ الله تعالى من ذريته الأولى، فكان ما كانَ من طاعة الله وتوحيده.
وقع العصيان في ذريته كما جرى، وقص الله تعالى ذلك في مُحكم كتابه، حيثُ قال: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة: 27-30].
فوقعت أولُ معصيةٍ كبرى في بني آدم، وكانت في سفكِ الدماء، ثم بعدَ ذلكَ درجَ الناس على التوحيدِ مُدةً من الزمن، حتى حصلَ الانحراف، فخرجَ الناسُ عن الصراط المستقيم، خرجوا عن هداية الله عزَّ وجل، خرجوا إلى أنواعٍ من الإنحراف بعبادة غير الله، اجتالتهم الشياطين، واختطفتهم عن الصراط المستقيم؛ فوقعوا في عبادة غير الله تعالى، فبعثَ الله تعالى المرسلين مبشرين ومنذرين، بعثهم ليعرِّفوا بالله عزَّ وجل، بعثهم ليقيموا التوحيد، بعثهم ليدلوا الناسَ على الطريقِ الموصلِ إلى الله عزَّ وجل.
وهكذا تتابعَ الرسلُ جميعاً، من أولهم نوح إلى آخرهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، تتابعوا، واجتمعوا على كلمةٍ سواء، كلهم يدعو  إلى لا إلهَ إلا الله.
وقد قال الله تعالى في مُحكمِ كتابه: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } [النحل: 1-2].
وكذلك قال جلَّ وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
فكلُّ الرسل اجتمعوا على هذا الدين، الذي لا يقبلُ اللهُ تعالى من أحدٍ سواه، اجتمعوا على كلمةٍ سواء، على عبادة الله وحده لا شريكَ له، وهو الإسلام الذي قال اللهُ تعالى فيه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وقال فيه: {ومن يبتغِ غير الإسلامِ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
نعم، الرسل صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بهذه الدعوة، وكانت الحاجة إلى هؤلاءِ الرسل من أعظمِ الحاجات، فإنَّ الحاجةَ إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم تفوقُ كلَّ حاجات الناس؛ فإنَّ بهم تطيبُ الحياة، بهم يعرفون ربهم، بهم يعرفون الطريق الموصلَ إلى الله عزَّ وجل.
ولذلك كانت الرسالة ضرورية في إصلاح العبادِ في معاشهم ومعادهم، فلا صلاح لهم في آخرتهم إلا باتباع الرسل، و لا صلاح لهم في دنياهم إلا باتباع الرسالة، فالإنسان بنو آدم مضطرونَ إلى هدايات الرسل؛ لأنه لا يخلو الإنسان في هذه الدنيا بينَ أن يقع فيما ينفعُه أو أن يقع فيما يضرُه، أن يقعَ في هدى أو أن يقعَ في ضلال؛ وإنما الطريق الذي يُميِّز به الإنسان بين الحقِّ والباطل، بين الهدى والضلال، بينَ النافعِ والضار؛ إنما هو ما جاءت به الرسل.
و لا أقصدُ بذلكَ معرفة النافعِ والضار في الأمورِ الحسيِّة، فإنَّ ذلكَ يعرِفهُ كُل أحد، ولا ميزةَ للبشرِ على غيرهم، فالحيوان يعرفُ ما يضرُّه حساً، وما ينفعُهُ حساً؛ ولذلك تفرِّقُ البهائم بين الشعيرِ والحَبِّ، وبين الترابِ والحصى، فلا تأكل تراباً ولا حصى؛ لأنها تدرِكُ بالحس أنَّ ذلكَ يضرُّها، ولكنَّها لا تدركُ بالحسي معانٍ كثيرة من الأمورِ النافعةِ والضارة التي تدركُ بالعقول، كالإيمانِ بالله عزَّ وجل وتوحيده، وكالعدلِ والبرِّ والإحسان، وكالمعروفِ والمنكر، وكنفعِ صلةِ الأرحامِ، وبر الوالدين، والإحسانِ إلى الخلقِ، وأداء الواجبات.
كلُّ هذه الأمورِ المعنوية إنما تُعرفُ منافِعُها، وتُدركُ خيراتُها بمعرفةِ ما جاءت به الرسالات، وإن كانت حسنة في ذاتها؛ لكن النفوس مجبولة على أنواع من القصور تحول بينها وبين سلوك السبيل الذي يوصِلُها إلى منافع الدنيا، ومنافع الآخرة.
إنَّ عمى البصر عن هذه الهدايات التي جاءت بها الرسل توقع الإنسانَ في حيِّز شرِّ البرية، الذين هم شرارُ الخلقِ عندَ الله، الذين هم أسوءُ حالاً من الحيوان، وأحقرُ من كُلِّ حقير.
ولا بقاءَ للناسِ إلا بأنوار الرسالات؛ فهيَ من الضرورات التي متى غابت عن حياة الناس فسدت أمورهم، وانتكست أحوالهم؛ ولذلك كانَ انطماسُ الرسالة وغيابُ آثارِها من أسباب المقتِ، وخراب الدنيا.
جاء في الصحيح من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إنَّ الله نظر إلى أهلِ الأرض قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم  ، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهلِ الكتاب» أخرجه مسلم (2865)..
فمقتُ الله تعالى كان مُستحقاً لهؤلاء الذين عطلوا حياتهم عن أنوارِ الرسالات، عن هداياتِ الرسل، عما جاءت به الكتب من الدلالةِ على الحقِّ، والتعريف به.
نعم، نحنُ في غاية الضرورة وغاية الحاجة إلى معرفةِ ما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليسَ ثمةَ في الأرضِ حاجة فوقَ حاجة الناسِ إلى معرفةِ هداية الرسل صلوات الله وسلامه عليهم.
حاجة الناس إلى الرسل أعظم من حاجتهم إلى الشمس والقمر، أعظم من حاجتهم إلى الرياحِ والمطر، أعظم من حاجتهم إلى حياتهم؛ بل حاجتهم إلى الرسل أعظمُ من حاجة أعينهم لضوئها، وأعظمُ من حاجة الناس إلى الطعام والشراب.
نعم، إنَّ حاجة الناس إلى الرسالات فوقَ كُلِّ حاجة، وهي أعظمُ حاجةٍ من كُلِّ ما يخطر في البال، أو يُقدَّرُ في الضمير، فالرسل صلوات الله وسلامه عليهم هم الوسائط بين الله تعالى وبين خلقه في التعريفِ به سبحانه وبحمده، وفي بيانِ أمره ونهيه.
الرسلُ هم السُفراء بين الله وبين عباده، الرسل هم الأدلاء الذينَ يعرِّفون الناسَ بطريق السعادة، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
اللهم اهدِنا فيمن هديت، وأعنا على طاعتكَ وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، إلى أن نلقاكم في حلقةٍ قادمة من برنامجكم (رسلاً مبشرين) أستودعكم الله الذي لا تضيعُ ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : فابتغوا عند الله الرزق ( عدد المشاهدات18627 )
4. خطبة: يسألونك عن الخمر ( عدد المشاهدات11951 )
8. خطبة : عجبا لأمر المؤمن ( عدد المشاهدات9100 )
12. الاجتهاد في الطاعة ( عدد المشاهدات7992 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف