المذيعُ: حديثُ: «كلُّ أُمَّتي معافًى إلا المُجاهِرينَ»، يقولُ هلْ صيامُ عرفةَ، والحجُّ، يكفرُ هذا الذنبَ، ذنبَ الجهرِ بالمعصيةِ؟.
الشيخُ: عَلَى كلِّ حالٍ المجاهرةُ بالمعصيةِ مِنْ كبائرِ الذنوبِ، وعظائمِ الإثمِ، في "الصحيحَينِ" مِن حديثِ أبي هريرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- قالَ:«كلُّ أمَّتي مُعافًى»، أي: جميعُ الأمةِ يُرجَى لها العافيةُ مِنَ الذنوبِ وآثارِها وشؤمِها وأخطارِها في الدنيا والآخرةِ؛ "إلَّا": استثناءٌ، مَن هُم؟ المُجاهرينَ.
والمجاهِرونَ مَن هُم؟
بيَّنَهمُ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- همُ الذينَ يَأتي الرجلُ مِنهمُ الذنبَ، ثُم يبيتُ يستُرُه اللهُ تعالى، ثُم يُصبحُ يكشِفُ ستْرَ اللهِ عنهُ، فيقولُ: فعلْتُ وفعلت وفعلت، يقولُ هوَ أنهُ زنَى، أنهُ سرقَ، واللهُ تعالى قدْ ستَرَه وغطَّى سوءَتَه وعيبَه عَنِ الناسِ، هَذا مِنَ الفعلِ الذي يدلُّ عَلَى ضعْفِ الإيمانِ في قلبِه، وأنهُ ليسَ في قلبِه تعظيمٌ للهِ –جلَّ وعَلا- وليسَ في قلبِه حياءٌ مِنَ الخلقِ، ولو كانَ في قلبِه حياءٌ وإيمانٌ لَما جهرَ بسىِّءِ الأعمالِ؛ لكِنْ هلْ إذا حجَّ أو إذا صامَ عرفةَ، يكفرُ عنهُ؟.
مِنَ العلماءِ مَن يقولُ: إنَّ هذهِ الأعمالَ الصالحةَ لا تكفرُ كبائرَ الذنوبِ، التي يُصِرُّ علَيها الإنسانُ؛ ولذلكَ إذا كانَ مُصِرًّا فإنهُ في ذنبٍ مستمرٍّ؛ حتى لو غُفِرَ لهُ ما مضَى فهوَ مهدَّدٌ بالعقوبةِ مادامَ مُصِرًّا علَى هذهِ المجاهَرةِ، لكنهُ لو جاهرَ مرةً ثُم وُعِظَ وندمَ ورجَعَ، فهَذا مِن جملةِ الذنوبِ التي تندرجُ في قولِ اللهِ تعالَى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾(1)فسُبحانَ الذي تتلاشَى في جنبِ مغفرتِه الذنوبُ، وتضمحِلُّ أمامَ عفْوِه السيئاتُ والخَطايا مَهما عظُمَتْ، ولهَذا لا ييأسْ أحدٌ مِنْ رحمةِ اللهِ حتى لو مرَّ عَلَيهِ فترةُ مجاهَرةٍ فإنهُ يرجعُ ويتوبُ ويؤوبُ، واللهُ تعالى يحِبُّ التوابينَ ويحبُّ المتَطهِّرينَ.